برنامج: في بيت رسول الله
عنوان الحلقة: وضوء رسول الله ﷺ
كان صحابةُ رسولِ اللهِ ﷺ يتسابقون على الأخذِ من وَضوءِ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام لما فيه من البركة. ليتنا كُنّا أيّامك يا رسول الله نراك تتوضّأ، ليتنا كُنّا أيّامك يا حبيب الله نأخذ من ماء الوَضوء حتّى نتبرّكَ بشيء من أثرك، ليتنا كُنّا أمامك يا رسول الله حتّى نصلّي خلفك، حتّى نسمع تلاوتك، حتّى نؤمّن على دعواتك. كلامنا اليوم عن وُضوء رسول الله ﷺ وما أحلاه من وُضوء.كيف توضّأ نبيّنا وحبيبنا محمّد رسول الله؟
أوّلا كان عليه الصّلاة والسّلام يُحبُّ أن يبقى على طهارة، يعني وإن لم يكن هناك صلاة يُصلّيها عليه الصّلاة والسّلام. كان يُحبّ رسول الله ﷺ أن يكون مُتَطهِّرًا وهناك مواضعُ يُسنُّ فيها الوُضوء. مثلًا إذا كان الجُنُبُ يُريد النَوم أو يُريد الأكل أو يُريد الشُّرْب فإنّه يُسنّ أن يتوضّأ. كما يُسنّ الوُضوء عند إرادة النَوم حتّى ينام الإنسان مُتَطَهِّرًا مُتَوَضّئًا. فهذا خير وهذا فيه بركة ويُعين على رُؤية المرائي الجميلة الحسنة. كما ويُسنّ الوضوء عند الغضب فإنّ الوضوءَ يطفئُ غضبَ الغضْبان وهذا من سُنّة نبيّنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام. كما ويُسنّ الوضوء عند كلّ صلاةٍ. والآن نتكلّم عن وُضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. إنّ نبيّنا عليه الصّلاة والسّلام علّمنا أركان الوضوء وعلّمنا سُنن الوُضوء. فالوضوء له أركان لا يصحّ الوُضوء بدونه ولكن هناك للوضوء أكمل. نتعلّم من سيّدنا رسول الله ﷺ ما هي الطريقة الكُملى لأداء هذه الفريضة الممتعة الرائعة. كان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُقلّلُ من استعمال الماء في وُضوئه. فكان يتوضّأ أحيانًا في مُدٍّ والمدّ هو ما يملأ كفّيْه المعتدلتين، فكان عليه الصّلاة والسّلام يكفيه هذا القدرُ من الماء. وقد رأى بعض الصّحابة بعض التابعين يُسرف في استعمال الماء في الوضوء فأرشده إلى التقليل من استعمال الماء فقال هذا التّابعيّ: ولكن أنا لي شَعَرٌ كثيف فقال له هذا الصّحابيّ:” فلقد رأيت من كان شَعَرُه أكثف يتوضّأ بالمدّ” يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فالنبيّ عليه الصّلاة والسّلام كان يبدأ بالبسملة وُضوءه وينوي لله تعالى يتعبّد في وُضوئه وكان يستعمل السّواك في أسنانه. وكان رسول الله ﷺ يُحبّ استعمال السّواك في كثير من الأحيان حتّى إنّه يُرْوى أنّ الصّحابة كانوا يضعون الأسْوِكَة فوق ءاذانهم من كثرة استعمالهم لها. فالنبي عليه الصّلاة والسّلام كان يَسْتاكُ في بداية وُضوئه ثمّ يغسل كفّيْه ثلاثًا ثمّ يتمضمض ويستنشق. والمضمضة والاستنشاق فيها كيفيّات كثيرة. لكن الكيْفيّة الكُمْلى في ذلك أن يأخذ الانسان بيده اليُمْنى بعض الماء وأن يضع الماء في فَمِه وفي أنفِهِ في غَرْفَةٍ واحدة. فيأخذ الماءَ في غَرْفَة فيأخذ الماء لفَمِهِ ولِأنْفِهِ فيجذِبُ الماء بنفَسِه إلى خياشيمه ويُدير الماء في فَمِهِ وبعد ذلك يَمُجّ الماء خارج فَمِهِ ويستنثِر معناه يُخرِج الماء من أنفه إلى الخارج مُعْتمِدًا على النّفَس ومُعْتمِدًا على يده.
وكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُمضمِضُ ويستنشق فيأخذ الماء بيده اليُمنى يغترِف غَرْفَةً ويأخذ من هذه الغَرْفَة ماءً لِمضْمَضَته واستنشاقِه. فيأخذ الماء بفَمِه ويأخذ الماء بنَفَسِهِ يَجْذب الماء بنفَسِه إلى خياشيمه. ثمّ يُديرُ الماء في فمِهِ وَيَمُجُّهُ خارج الفم وكذلك يستنثر أي يُخرِج الماء من داخل الأنف إلى خارجه.
وكان عليه الصّلاة والسّلام يُحبّ أن يُكرّرَ أمور الوُضوء ثلاثًا ثلاثًا. فيُكرّرُ المضمضة مع الاستنشاق ثلاثًا وبعد ذلك يغسل وجهه فيأخذ الماء بيديْه ويغسل وَجهَهُ من منابت شعر الرّأس عادة إلى آخر الذّقن ومن الأذن إلى الأذن أي من وَتِدِ الاذن وهذا يُقال له الوَتِد إلى الوَتِد من الجهة الأخرى. وكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُكرّرُ غسْلَ وجْهِهِ ثلاثًا. وبعد ذلك يغسل يديْه الشّريفتيْن من رؤوس أصابعه إلى المرافق. والمِرْفَقُ هو العظم الذي يكون بين السّاعد والعضُد.فلا يُسمّى هذا كوعًا إنّما يسمّى مِرْفقًا والكوع هو العظم الذي يلي الإبهام. فهذا العظم وهذا الإبهام يُسمّى العظمُ الذي يليه كوعًا.
والنبيّ عليه الصّلاة والسّلام كان يُخلّل أصابع يديْه عند غسله لليديْن. وكان عليه الصّلاة والسّلام يُحبّ للمتوضّئ أن يزيد شيئا في غسله يديْه ورِجْليْه كما في غسْله وجْهَهُ وهذا يُسمّى الغُرّةُ والتَّحجيل. فالنبي عليه الصلاة والسّلام بيّن لنا أن الذين يفعلون ذلك يأتون يوم القيامة وقد أنيرَت هذه المواضع بسبب الغُرّة والتّحجيل من ءاثار الوُضوء. وبعد ذلك يمسح رأسه. وكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يستحِبُّ استيعاب الرّأس بالمسح. فمن السُنّة أن يُلصقَ الإنسان مُسَبِّحَتَيْه بعضِهما بالبعض في مُقدّم الرأس وأن يذهب بهما إلى مُؤخَّر الرّأس ثم ّ يرُدُّهما إلى مُقدَّم الرّأس. وبذلك يكون قد استوعب رأسه بالمسْح.
وكما يُسَنّ أيْضًا مسْح الأذُنيْن ظاهرهما وباطنهما بماء جديد أي بغير ماءِ الاستعمالِ للرّأس ثمّ بعد ذلك يضع كفّيْه أي راحتيْه على الأذُنيْن للتأكيد والاستظهار وبهذا يكون قد أتى بِسُنّيّة مسْح الأُذُنيْن. وكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يغسل قدميْه بعد ذلك وكان يُخلّل بين أصابع القدميْن. والذي يجب في غسل القدميْن هو غسل كلّ القدم إلى الكعبيْن. فكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُخلّل أصابع قدميْه وذلك باستعمال الخِنصَر وهو الإصبع الأخير الأصغر في اليد، وكان يبتدئ بخِنصَر الرِّجل فكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يخلّل أصابعه ويغسل قدميه إلى الكعبيْن. والكعبان هما العظمان النّاتئان حوالي القدم. ويُسنّ، أيضا الزّيادة كما مرّ معنا قبل ذلك. وكان النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُحِبّ الدّعاء عَقِبَ الوضوء. وقد أرْشدنا أنّ مَنْ دعا هذا الدّعاء تُفتَّح له أبواب الجنّة يدخل من أيها شاء وذلك بأن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبدُهُ ورَسولُه اللهمّ اجعلني من التّوّابين واجعلني من المُتطهِّرين واجعلْني من عِبادك الصّالحين اللهمّ ءامين وءاخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.