قال المؤلف رحمه الله: لَيسَ بَعدَ خَلقِ الخَلقِ استَفَادَ اسمَ الخَالِقِ، وَلا بإِحدَاثِهِ البرِيَّةَ استَفَادَ اسمَ البَارئ.
الشرح أنه لم يتجدد لله تعالى صفةٌ بإحداثه البرية، والبرية الخلق، فهو تبارك وتعالى خالقٌ قبل حدوث الخلق وبارئ قبل حدوث البرية كما أنه قادرٌ قبل وجود المقدورات أي العالَم.
قال المؤلف رحمه الله: لَهُ مَعنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلا مَربُوبَ وَمَعنَى الخَالِقِ وَلا مَخلُوقَ.
الشرح أن الله تعالى كان متَّصفًا بالخالقية والربوبية قبل وجود المخلوقين والمربوبين. نحن العالَمُ مربوبون لله أي مخلوقون له فَقَبل وجودنا كان تعالى متصفًا بالربوبية وبصفةِ الخالقية لم تَحدُث له صفةُ الربوبيةِ بوجودنا ولا الخالقيةِ بوجود المخلوقين.
قال المؤلف رحمه الله: وَكَمَا أَنَّهُ مُحيِي المَوتَى بَعدَمَا أَحيَا استَحَقَّ هذا الاسمَ قَبلَ إحيائِهِم.
الشرح أن الله تبارك وتعالى كان متصفًا بالإحياء قبل حدوث الخلق ثم أجرى عليهم الحياة التي هي حادثة، وكذلك يقال في كونه تعالى مميتًا أي أنه تبارك وتعالى كان محييَ الموتى في الأزل قبل حدوث الموتى، وحدوث الموتى لا ينافي قِدَم إماتته لهم، وكذلك إحياء العباد الذين أجرى عليهم صفة الحياة الحادثة لا يقتضي حدوث كونه مُحْيِيًا لهم.
قال المؤلف رحمه الله: كَذَلِكَ استَحَقَّ اسمَ الخَالِقِ قَبلَ إِنشَائِهِم.
الشرح أنه مستحقٌّ للاتصاف بمعنى الخالق قبل إنشاء الخلق، والمراد بالإنشاء هنا أَثَرُه لأن الإنشاء إذا أُريد به صفةُ الله فهو من الصفات الأزلية.
وأزلية خالقيته وربوبيته يستلزمُ أن لا يَحدثَ له بإنشاء الخلق صفةٌ حادثةٌ وهو بصفته الأزلية أنشأ ما أنشأ من المحدَثات، فثبوت قدرته على كل شىء يُفهَم منه حدوثُ منشآتهِ ومخلوقاتِهِ وأزليةُ إحيائِه وإماتَتِه لما أحياه وأماته من المخلوقات، هذا الحكم ينطبق على الإجمال وعلى التفصيل، فإذا قلنا أنشأ الله تعالى المحدَثات التي شاء لها الحياةَ بإحداثه الأزلي وإحيائه الأزلي فهو كقولنا عند التفصيل أحيا الله تعالى فلانًا بصفة الإحياء التي هي ثابتة له في الأزل. وهذا المذهب الذي قررنا والذي هو مذهب السلف أنسبُ وأقوى لإبطال القولِ بحوادثَ لا أول لها لأنه عليه فعلُهُ للحوادث أزليٌّ فلا يتوهم أحدٌ أنه يَحتاج إلى فعل ءاخر.
قال المؤلف رحمه الله: ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ وَكُلُّ شَىءٍ إلَيهِ فَقِيرٌ وَكُلُّ أَمرٍ عَلَيهِ يَسِيرٌ لا يَحتَاجُ إلى شَىءٍ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَىءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.
الشرح قوله: «ذَلِكَ» إشارة إلى جميع ما تقدم مما ذُكر من صفاته، والله تعالى قدرته مؤثرة في كل شىء أي في كل ما يَقبل الدخول في الوجود، وكل ما هو كذلك فهو فقير إليه أي محتاج إليه في وجوده وبقائه، وكل ما هو كذلك فهو عليه يسير ولا يلحقه في إيجاده مشقة، والمراد بنفي المماثلة عن الله تعالى نَفْيُ المماثلةِ من جميع الوجوه والمماثلة من وجه واحد فكل ذلك مستحيل.
قال المؤلف رحمه الله: خَلَقَ الخَلقَ بِعِلمِهِ وَقَدَّرَ لَـهُم أَقدَارًا وضَرَبَ لَـهُم ءاجالا ولَم يَخفَ عَلَيهِ شَىءٌ قَبْلَ أَن يَخْلُقَهُم وَعَلِمَ مَا هُم عَامِلُونَ قَبلَ أَن يَخلُقَهُم.
الشرح أن الله تبارك وتعالى خلق الخلق على حسب علمه الأزلي وتقديره الأزلي، وقَدَّر سبحانه مقاديرَ الخلق من الخير والشر والطاعة والمعصية والرّزق والسعادة والشقاوة ونحو ذلك، وقدَّر ءاجال الخلائق ولم يَخْفَ عليه شىء مما حدث ومما يحدث إلى ما لا نهاية له، فالمخلوقات التي خلقها فدخلت في الوجود والتي ستخلق ولم تدخل في الوجود بعدُ كلٌّ عَلِمَهُ بعلمه الأزلي الذي هو علمٌ واحدٌ شاملٌ يتعلق بسائر الممكنات العقلية وبالواجب العقلي وبالمستحيل العقلي، به هو عالم كلّ ما حدَث وكلّ ما سيحدُث إجمالا وتفصيلاً ولا يلزم من ذلك تَغيُّر العلم.