قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله
الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأشكره وأستغفره وأصلي وأسلم على رسول الله وعلى ءاله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأسأل الله أن ييسر لنا الخير ويرزقنا النية الحسنة كلامنا إن شاء الله تعالى على الحديث الثلاثين من الأربعين النووية.
قال اسماعيل حلاق: الثلاثون
الشرح: أي هذا الحديث الثلاثون وهذا الحديث قال أبو بكر السمعاني وغيره:”إنه أصل كبير من أصول الدين قاعدة عظيمة من قواعد الدين”.
قال إسماعيل حلاق: عن أبي ثعلبة الخشني
الشرح: عن أبي ثعلبة الخُشني أبو ثعلبة يقال له الخُشني نسبة إلى خشينة وخشينة بطن من قضاعة.
قال اسماعيل حلاق: جرثوم بن ناشر رضي الله عنه
الشرح: هكذا سماه النووي رحمه الله جرثوم بن ناشر وفي اسمه واسم أبيه خلاف كبير أختلف العلماء كثيرًا معروف بكنيته أبو ثعلبة الخشني كما أن أبا هريرة معروف بكنيته وأختلفوا في اسمه كذلك أبو ثعلبة معروف بكنيته لكن اختلفوا باسمه حضر بيعة الرضوان ثم نزل الشام ومات سنة خمس وسبعين من الهجرة رضي الله عنه.
قال إسماعيل حلاق: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله فرض فرائض
الشرح: إن الله أوجب عليكم أمورًا فرض فرائض أوجب أمورًا.
قال رسول الله: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها
الشرح: لا تتركوها لا تقصروا في فعلها لا تخرجوها عن أوقاتها بيّن ربّنا عزّ وجلّ وعيّن صفات أو هيئات أو مقادير أو أعدادًا أو نحو ذلك لأداء الأمور التي طلب فعلها أو أذن في فعلها مثلا صلاة الظهر جعل لها عدد ركعات معينة صلاة الصبح كذلك الزكاة جعل لها نصابًا معينًا وجعل المخرج زكاة قدرًا معينًا وهكذا حد الشرب شرب الخمر حد الزنا له عدد معين من الجلد وهكذا جعل الله تبارك وتعالى مقادير على وفقها تُعمل الأمور التي طلب ربّنا عزّ وجلّ فعلها أو أذن في فعلها.
قال رسول الله: وحدّ حدودًا فلا تعتدوها
الشرح: لا تتجاوزوا هذه الحدود بل قفوا عندها لأنك إذا وقفت عند الحدود التي حدها الله فأنت تعمل على حسب ما أمر الله تبارك تعالى أنت ما زلت في حيز الحق الله تبارك وتعالى جعل للحق حيزًا طالما أنت لم تتعد هذا الحد فأنت ما زلت في حيز الحق لكن إذا تعديت حيز الحق خرجت عنه صرت في حيز الباطل لأن ما وراء الحق هو الباطل فإذا خرجت عن الحدود التي حدها الله تبارك وتعالى تركت فعل ما أمر الله تعالى بفعله أو فعلته على خلاف الهيئة التي أمر بها أو العدد الذي أمر به أو نحو ذلك كنت عند ذلك متعديًا خارجًا عن حيز الحق إلى حيز الباطل وقد حذّر الله تبارك وتعالى من ذلك.
الله تعالى ذكر في القرءان من طلق بغير معروف أو سرح بغير إحسان أو أخذ مما أعطى زوجته امرأته شيئًا بغير حق قال الله:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} كذلك قال فيمن تجاوز ما فرض الله للورثة زاد وارثًا أو نقص وارثًا من حقه أو زاد وارثًا في حقه قال:{وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
وروى أحمد والترمذي وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” ضرب الله مثلا الان بعد هذا يفسر النبي عليه الصلاة والسلام هذا المثل ضرب الله مثلا صراطًا مستقيما طريق مستقيم وعلى جانبتي الصراط سوران من هذه الناحية من الطريق سور ومن هذه الناحية من الطريق سور يمنع الإنسان من الخروج عنه فيهما أبواب مفتحة وفي كل من السورين أبواب مفتوحة وعلى الأبواب ستور مرخاء على كل باب ستر مرخى لا يرى ماذا خلفه لا يكشف ماذا خلفه وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس أدخلوا الصراط جميعًا ولا تعوجوا لا تميلوا إلى الأطراف لا تدخلوا في هذه الأبواب لا تكشفوا هذه الستور ادخلوا الصراط وامشوا على الاستقامة عليه وداع يدعو من جوف الصراط على أول الصراط داع يدعو إلى ذلك وداع يدعو من جوف الصراط فإذا أراد أن يفتح أي الذي يسير على الصراط شيئًا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتح فإنك إن تفتحه تلج”. لا تفتح هذه الأبواب إذا فتحتها ستدخل منها أي ودخولك منها فيه هالكة لك قال عليه الصلاة والسلام والصراط الإسلام هذا الطريق هو الإسلام والسوراني حدود الله هذه الحدود التي حدها الله لتفعل الأمور على وفق ما بيّن الله تبارك وتعالى ما أمر الله به ما طلبه الله عزّ وجلّ ما أذن الله في فعله أن تفعله على وفق ما حد الله أن لا تتجاوز ما حدّ الله تبارك وتعالى لك.
والأبواب المفتحة محارم الله المحرمات التي نهى الله تبارك وتعالى عنها وذلك الداعي على الصراط كتاب الله القرءان يأمرك أن تسلك الصراط على الاستقامة وأن لا تعوَج عنه لا إلى ناحية يمين ولا إلى ناحية شمال والدّاعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم الذي يعظك علىى حسب ما سمعت وتعلمت مما بلغك عن نبي الله عليه لصلاة والسلام أن لا تقرب معاصي الله أن لا تتجاوز حدود الله أن تأتي بالأمور على ما أمر الله تبارك وتعالى وأن لا تتبع في ذلك هواك لا هواك ولا هوى زيد أو عمر إنما في كل ما أمر الله تبارك وتعالى به التزم ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى ولا تتعدى حدود الله لا تخرج عما أمر الله تبارك وتعالى به في الأمور كلها.
لا يقال كيف يقال هذا كيف يكون هذا وعمر جلد في شرب الخمر ثمانين والنبي عليه الصلاة والسلام كان جلد أربعين عمر زاد إذن يجوز أن يغير الإنسان فيما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من هذه الحدود.
الجواب: لأ هذه الزيادة إلى الثمانين مأذون بها الشرع جاء بالإذن بها الخليفة له أن يزيد في حد شرب الخمر إلى الثمانين تعزيرًا عن أمور يرتكبها شارب الخمر يعني الشرع أذن للخليفة أن يعاقب على شرب الخمر بأربعين وأذن له أن يزيد في التعزير إلى ثمانين عمر اختار أن يزيد إلى ثمانين لأن شرب الخمر كثر في أيامه مع اتساع الفتوحات وكثرة الناس الذين دخلوا في دين الإسلام في خلافة عمر رضي الله عنه لذلك علي قال :”جلد رسول الله أو ضرب في شرب الخمر أربعين وضرب عمر ثمانين ثم قال علي وكل سنة الأربعون من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والثمانون من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فما جاء به النبي عليه الصلاة من الأوامر وما طلب فعله وما أذن في فعله ينبغي للواحد منّا إذا فعل ذلك أن يفعله على حسب الحدود التي حدها ربّنا تبارك وتعالى وأوحى بها إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وأن لا يتجاوز ذلك.
قال رسول الله: وحرم أشياء فلا تنتهكوها
الشرح: وحرم أشياء يعني حماها الله تبارك وتعالى منع من أن يقربها الإنسان منع من أن يفعلها الإنسان فلا تنتهكوها لا تقوموا بفعلها لا تفعلوها لا تتسخوا بها فإنها قاذورات هذه المعاصي ابتعدوا منها.
قال رسول الله: وسكت عن أشياء
الشرح: سكت معناه ترك ربّنا النص في الوحي عن أشياء لم ينزل الوحي بذكر حكمها لم يأت لم ينص الوحي على حكمها لم يأت النص في الوحي أن حكمها هكذا ليس معناه أن ربّنا عزّ وجلّ يتكلم ويسكت مثلنا بحرف وصوت لأ.
هنا المراد بسكت أي أنه سبحانه وتعالى لم يُنزل الوحي بالنص على حكم هذه الأشياء لا بالوجوب ولا بحرمة ولا بإباحة ولا بكراهة ولا بندب.
قال رسول الله: وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان
الشرح: يعني أن الله تبارك وتعالى لم ينزل الوحي بحكمها من غير أن يكون ناسيًا عزّ وجلّ لأنه عزّ وجلّ لا يسهو ولا ينسى لكن لم ينزل ربّنا عزّ وجلّ حكمها بالنص بالوحي رحمة بالعباد تسهيلا عليهم لأن ما لم يُنزل ربّنا عزّ وجلّ حكمه فهذا عفو كما جاء في بعض الروايات أي لا يكون فعله حرامًا معفو عنه إذا فعله الإنسان لا يؤآخذ به لا حرج على فاعله.
قال رسول الله: فلا تبحثوا عنها
الشرح: فلا تبحثوا عنها في بعض روايات هذا الحديث كما عند إسحاق بن راهوية “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها وعفا عن أشياء من غير نسيان”وعفا عن أشياء هذه تفسر معنى سكت عفا عن أشياء لم يذكر ربّنا عزّ وجلّ حكمها فلا تبحثوا عنها لأن ما عفا الله تبارك وتعالى عنه يجوز أن يفعله الإنسان كما سبق في حديث مسلم الذي تكلمنا عنه قبل “ذَروني ما تركتم” يعني إذا لم أذكر لكم حكم شىء لا تسألوا عنه أتركوا هذا هذا ليس نسيانًا من الله عزّ وجلّ لكن رحمة بكم تسهيلا لكم فلا تسألوا عن ذلك.
بعض العلماء قال هذا الحديث وأمثاله فيه إشارة إلى أن لا يسأل الإنسان عما لا يحتاج إليه إلى ترك السؤال عما لا يحتاجه إليه أن لا يفرض أمورًا لم تحصل ثم يسأل عنها ماذا لو ماذا لو ماذا لو حصل كذا ماذا لو حصل كذا ماذا لو حصل كذا هكذا قال بعض أهل العلم إن فيه إشارة إلى هذا الأمر وعلى هذا كان كثير من العلماء إذا سئلوا عن أمر يقولون حصل إذا لم يحصل يقولون اتركنا منه أو دعنا منه أو أتركه حتى يحصل وسبق أن بينا تكلمنا فيه.
لكن لما خاف العلماء ذهاب العلم ورأوا أن أهل العلم بدأوا يقلون أصلوا دونوا الأصول والفروع وقالوا بينوا وإن حصل كذا يكون الحكم كذا ولو حصل كذا فالحكم كذا إذا حصل كذا يكون الحكم كذا وذلك أرادوه حفظًا للعلم ولم يفعلوا ذلك حتى يشتغل الإنسان بهذا الأمر تفكهًا هكذا لتمضية الوقت بغير نية لا لهدف التعلم ولا لينشغل بذلك وسوسة باستنباط المسائل ولا ليشتغل هو بذلك عما هو أهم ليس ليشغل نفسه بهذا عما هو أهم ولا ليشغل غيره عم هو أهم نسأل الله أن يجعلنا ممن يتخلق بهذا الخلق.
ثم في هذا الحديث دليل على أن الترك لا يفيد التحريم إذا لم يذكر شيء في الشرع هذا لا يدل على أنه حرام وسبق أن تكلمنا بهذا وقلنا النبي عليه الصلاة والسلام كان يترك فعل أشياء رحمة بالأمة حتى لا تفرض فرائض على الأمة وكان النبي عليه الصلاة والسلام يترك ذكر أشياء حتى لا تفرض عليهم رحمة بهم فإذا ترك ذكر شىء لم يأت في الشرع أن النبي فعله ولا أن النبي عليه الصلاة والسلام قاله ولا نص على حكمه ولا أمر به هذا لا يدل على أن هذا الشىء حرام لا يجوز فعله إنما يُلحق هذا الأمر بأصله ينظر أهل العلم الكبار ينظرون هذا الأمر بأي أصل يلحق هل يلحق بأصل يدل على الحرمة هل يلحق بأصل يدل على الوجوب هل يلحق بأصل يدل على الندب هل يلحق بأصل يدل على الكراهة هل يلحق بأصل يدل على الإباحة ينظرون بأي أصل يلحق فيلحقونه بالأصل الذي يناسب يعني ينظرون أدلة الدين على أي شىء تدل هل تدل على أن هذا الأمر حكمه أنه واجب أو أن حكمه حرام أو أن حكمه مندوب أو أن حكمه مكروه أو أن حكمه مباح فيحكمون عليه على حسب ما تدل عليه أدلة الدين وهذا إنما يعرفه العلماء الكبار ومن لم يبلغ هذا المبلغ فلا يدخل في هذا الأمر وليسكت وليرجع إليهم وليأخذ بما قالوا.
ثم قال العلماء إذا اشتبه الأمر في عين من الأعيان شىء من الأشياء اشتبه الأمر فيه يقولون إذا كان ألأصل فيه الحل إذا كان أصل هذا الأمر حلالا وشك هل دخله شىء محرم أو لا فإنه يسعه أن لا يبحث لا يجب عليه أن يفتش مثل السمن السمن يصنع من الحليب وهو حلال شك إنسان هل دخل هذا السمن شىء من الميتة أو لا شك لا يجب عليه أن يبحث يجوز له أن يأكل السمن من غير بحثٍ اعتمادًا على الأصل لأن أصله أنه حلال ولم يتقين شك ما عرف أنه دخله شىء محرم فيبقى على الأصل وإن كان أصله التحريم مثل الحيوان لا يجوز أكل لحمه إلا إذا ذُبح ذبحًا شرعيًا إذا كان أصله الحرمة وشك هل حل أو لا.
وجد حيوانًا مذبوحًا ما عرف هل ذبحه مسلم أو ذبحه يهودي أو ذبحه نصراني أو ذبحه مجوسي أو ذبحه مرتد أو ذبحه عابد صنم أو نحو ذلك ما عرف أو وجد اللحم وما عرف هل ذبح ذبحًا شرعيًا أو لا شك ما كان ببلد اللحم فيها بالغالب يذبح باليد ذبحًا شرعيًا لأ إنما في مكان اللحم يذبح فيه بالالات الأوتوماتيكية وباليد مخلوط الأمر أو في مكان سكانه خليط مجوس ومسلمون وعباد أصنام ومرتدون وغير ذلك فيشك لا يعرف هذا اللحم مذبوح ذبحًا شرعيًا أو لا، لا يجوز له أن يأكل يبقى على الأصل لأن الأصل أنه حرام حتى يثبت له حله وهذا إجماع بين العلماء، أجمع العلماء على أن اللحم المشكوك فيه لا يجوز للإنسان أن يأكله حتى يعلم حله.
قال اسماعيل حلاق: حديث حسن رواه الدار قطني وغيره.
الشرح: هذا حديث حسن كما قال النووي حسنه هو وحسنه غيره من حفّاظ الحديث
والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.