fbpx

الأربعون النووية – الدرس 46

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله: الحمد لله له النّعمة وله الفضل وله الثنّاء الحسن صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسائر النبيين والمرسلين وءال كل وصحب كل والصالحين. اللهم أرزقنا النية الخالصة وحسن الختام كلامنا على الحديث الأخير من أحاديث الأربعين النوووية وهو الحديث الثاني والأربعون قال إسماعيل حلاق: الثاني والأربعون الشرح: تقديره هذا الحديث الثاني والأربعون قال إسماعيل حلاق: عن أنس رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى يا ابن آدم. الشرح: هذا حديث قدسي قال الله تعالى يا ابن آدم المقصود يا أيها الناس ليس المقصود إنسانًا واحدًا بعينه إنما المراد يا أيها الإنس قال إسماعيل حلاق: إنك ما دعوتني الشرح: إنك ما دعوتني أي الذي منكم يسألني ما دام يسألني المغفرة قال إسماعيل حلاق: إنك ما دعوتني ورجوتني الشرح: ما دمت تطمع في مغفرتي ورحمتي أو ما دمت تخاف من عذابي لأن الرجاء يأتي بمعنى الخوف قال إسماعيل حلاق: غفرت لك الشرح: سترت عيوبك ومحت ذنوبك قال إسماعيل حلاق: غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي الشرح: على ما كان وقع منك من ذنوب كبيرة أو صغيرة ولا تعظم عليّ كثرتها لا أبالي لا تعظم عليّ كثرتها وهذا كحديث البخاري ومسلم:” أن العبد إذا أذنب ثم ندم فقال أي ربي أذنبت ذنبًا فاغفر لي ولا يغفر الذنوب إلا أنت يقول الله تعالى علم عبدي أن له ربّا يغفر الذنب ويأخذ به أي يعاقب به أشهدكم أني قد غفرت له ثم يفعل ذلك ثانية وثالثة وفي كل مرة يغفر الله له ثم يقول الله اعمل ما شئت فقد غفرت لك”. يعني بما أذنبت وأستغفرت لأنك بعد الذنب تستغفر كلما فعلت ذلك أنا أغفر لك بإستغفارك. والتوبة لها ثلاثة شروط: الشرط الأول: الإقلاع عن المعصية ترك المعصية فلا يصح أن يتوب الإنسان وهو ما زال واقعًا في المعصية لا يصح أن يتوب من المعصية وهو ما زال واقعًا فيها لا بد لصحة التوبة من تركها ولا بد له من أن يعزم أنه لا يرجع إليها لا بد أن ينوي جزمًا في قلبه أنه لا يرجع إلى هذه المعصية ولا بد له من أن يندم على أنه فعل هذه المعصية أن يندم لأنه عصى الله تبارك وتعالى لا بد من هذه الأمور الثلاثة لصحة التوبة ثم فوق ذلك إن كان الذنب ترك فرض كالصلاة لا بد أن يقضيه وإن كان فيه حق لآدمي لا بد أن يعطيه حقه أو يسترضيه قضاه أو استرضاه فبهذا تصح التوبة. قال إسماعيل حلاق: يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء الشرح: لو وصلت ذنوبك من كثرتها إلى ما يعن للناظر من السماء إلى ما تراه من السماء لو ملأت يعني من الأرض إلى السماء ذنوبك قال إسماعيل حلاق: ثم استغفرتني الشرح: تبت توبة صحيحة قال إسماعيل حلاق: ثم استغفرتني غفرت لك الشرح: مهما تكررت المعصية والتوبة كلما عصيت ثم تبت غُفر لك وليس المقصود بهذا الأمر أن يسترسل الإنسان في المعاصي اعتمادًا على رحمة الله من غير أن يتوب أن يبقى يأتي المعصية بعد المعصية من غير أن يتوب اعتمادًا على رحمة الله لأ هذا يقال له الأمن من مكر الله وهو حرام من معاصي القلب حرام على الإنسان أن يفعل ذلك هذا الحديث ليس متوجهًا لمن كان على هذه الحال لأن الذي يقول ندمت وتبت وما زال مقيمًا على المعصية فهو كاذب هذا ليس صادقا إنما المقصود بهذا الحديث وأمثاله من تاب وترك الذنب لأن ما ذكر فيه من الدعاء والخوف والرجاء علامات على التوبة وترك الذنب لا على البقاء عليه. قال إسماعيل حلاق: يا ابن آدم إنك لو أتيتني بتراب الأرض خطايا الشرح: بتراب الأرض يعني بملىء الأرض بُتراب بالضم ويقال بتراب الأرض بالكسر بكسر التاء قال إسماعيل حلاق: لو أتيتني بتراب الأرض خطايا الشرح: يعني ما يملأ الأرض لو فرضت ذنوبك أجسامًا لو كانت من الكثرة بحيث لو فرضت أجسامًا لاملأت الأرض لقدّر أنها تملأ الأرض قال إسماعيل حلاق: ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا الشرح: مت على الإيمان لقيتني في حال كونك لا تشرك شيئًا بالله قال إسماعيل حلاق: لأتيتك بترابها مغفرة الشرح: المغفرة إزالة العقاب لأتيتك بترابها مغفرة وذكرت المغفرة منكرة لتعظيمها أي لأتيتك بمغفرة عظيمة معناه أن الإنسان إذا مات غير تائب من الذنب قد يغفر الله تبارك وتعالى له مهما عظمت ذنوبه هذا الحديث طالما مات على الإيمان طالما لم يمت وهو كافر بالله تعالى كما جاء في الحديث:”إن الله ليغفر لعبده ما لم يقع الحجاب قيل وما يقع الحجاب يا رسول الله قال أن تموت النفس وهي مشركة”. قال ربّنا تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء}. هذا الحديث حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تضمن أن الأسباب الثلاثة التي ذكرها تحصل بها المغفرة أحد الأسباب الدعاء مع الرجاء وقد تقدم ذكرنا قبل هذا في الحديث العاشر ما هي أسباب الإجابة وما الأمور التي تمنع من إجابة الدعاء. والأمر الثاني الاستغفار وهو طلب المغفرة من الله بالتوبة الصحيحة أما الاستغفار باللسان مع الإقامة على الذنب فهذا مجرد دعاء قد يحققه الله وقد يرده فلا يحققه سبحانه وتعالى. والثالث توحيد الله تبارك وتعالى وهو السبب الأعظم لأن التوبة لا تقبل ولا ينال الإنسان ثوابًا على الدعاء ولا تقبل منه التوبة إلا بالإيمان كما ذكر ربّنا تعالى في الآية التي سبق أن قلناها:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء} فقد يغفر الله عزّ وجلّ للواقع في الكبائر من دون التوبة بفضله ورحمته تبارك وتعالى مهما كان منغمسًا في العصيان وغارقًا في الذنوب إذا مات مؤمنًا به عزّ وجلّ مؤمنًا برسوله عليه الصلاة والسلام كما قال الله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}. وقد روى الترمذي وابن حبان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسع وتسعين سجلا كل سجل مد البصر كلها مملؤة بالذنوب ثم يقول له أتنكر شيئًا من هذا أظلمك الكتبة الحافظون فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر أو حسنة فيبهت الرجل لا يتذكر حسنة عملها ويقول لا يا رب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة مكتوب فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمّدًا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات هذه بطاقة صغيرة الحجم خفيفة الوزن فيما يظهر وتلك السجلات كثيرة مملؤة بالذنوب فيقول إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة قال فلا يثقل مع اسم الله شىء” يعني لا يرجح اسم الله ولا يغلبه شىء من المعاصي فهذا الرجل غُفر له فأدخل الجنة مع كثرة ما كان عليه من الذنوب والآثام بموته على الإيمان والتوحيد على شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله أسأل الله أن يتوفانا على ذلك. قال إسماعيل حلاق: رواه الترمذي وقال حديث حسن الشرح: نعم وأخرجه غيره وقواه وأخرجه أبو عوانة وأخرجه أحمد من حديث أبي ذر وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وقوى هذا الحديث أكثر من واحد من الحفاظ ومثله في الرجاء حديث مسلم عن أبي أيوب رضي الله عنه أنه لما حضرته الوفاة قال كنت قد كتمت عنكم شيئًا هناك شىء ما كنت ذكرته لكم حتى لاتتكلوا ما كنت ذكرت لكم هذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول:” لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون فيغفر لهم”. بهذا نكون أنهينا الأحاديث الأربعين التي ذكرها النووي رحمه الله تعالى وقد أحسن بختم هذه الأحاديث التي اختارها وانتقاها بذكر الزهد وقصر الأمل وتمام التمسك بالشرع وحسن الظن بالله تبارك وتعالى فإن من جمع بين هذه الأمور أمن وفاز ونال الدرجات العلى والله المستعان. قال إسماعيل حلاق: فهذا آخر ما قصدته من بيان الأحاديث التي جمعت قواعد الإسلام الشرح: يقول النووي هذا آخر الأحاديث التي قصدت جمعها والتي كل واحد منها قاعدة عظيمة النفع. قال إسماعيل حلاق: وتضمنت ما لا يحصى من أنواع العلوم الشرح: لو أردنا أن نشرح معناه لو أُريد شرح كل حديث منها بالتفصيل لتضمنت ما لا يحصى من أنواع العلوم لدخل تحتها ما لا يحصى من العلوم. قال إسماعيل حلاق: في الأصول والفروع الشرح: في الأصول أي فيما يتعلق بمعرفة الله ومعرفة الرسول عليه الصلاة والسلام ومبدأ الخلق والمعاد والملائكة والأنبياء والكتب والفروع يعني من الأحكام الفقهية هذا يجوز هذا لا يجوز هذا يستحب. قال إسماعيل حلاق: والآداب الشرح: الآداب من الأمور التي تحسن أحوال الإنسان ظاهرًا وباطنًا وتزين أخلاقه قال إسماعيل حلاق: وسائر وجوه الأحكام الشرح: مما يحصل به كمال الإتقان وكمال الإحكام فجزاه الله تبارك وتعالى خيرًا على هذه الأحاديث التي جمعها ويسر الله لنا أن نستفيد منها وأن نفيد غيرنا والله تبارك وتعالى أعلم وهو المسئول أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه أن يحيينا ما حيينا مسلمين وأن يتوفانا مؤمنين وأن يحشرنا مع الصالحين وأن يدخلنا الفردوس الأعلى وأن يسلمنا من عذاب النار وأن يبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وحولنا وقوتنا وأن يغفر لوالدينا وأن يغفر لشيوخنا وأن يجعل ذرياتنا ذريات خير وسبحان ربّك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.