الأربعون النووية الحديث الثاني الجزء الثالث
قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله
الحمد ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أسأل الله أن يجعل نياتنا خالصة لوجه نكمل من حيث كنا وصلنا في شرح حديث جبريل.
قال المؤلف:قال فأخبرني عن الساعة
الشرح: قال أي السائل قال السائل أخبرني عن الساعة يعني أخبرني عن قيام الساعة يعني أخبرني عن وقت وقوع أول القيامة متى يكون أول القيامة ليس مراده بالساعة الساعة الفلكية التي هي جزء من اثني عشرة جزءًا من النّهار يعني ليس المراد بالساعة أن تقسم الوقت ما بين طلوع الشمس وغروبها إلى أثني عشرة جزءًا متسويًا فكل جزء يكون ساعة ليس هذا مراده ولا مراده بالساعة الساعة التي يعتبرها أهل الهيئة يعني التي هي قسمة اليوم والليلة إلى أربع وعشرين جزءًا متساوية هذه الساعة التي تمشي على حسبها الآلات التي نحملها لمعرفة الوقت إنما قصده بالساعة يوم القيامة أخبرني متى يكون أول يوم القيامة متى وقته.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل
الشرح: ما المسئول عنها ما المسئول عن وقت أولها بأعلم من السائل نفى بذلك النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون عالمًا بهذا الشىء الذي يُسأل عنه لأن هذا من مفاتح الغيب يعني من خزائن الغيب يعني هذه يوجد أمور خمسة ذُكرت في الحديث أنها من مفاتح الغيب لا يعلمها إلا الله سميت مفاتح الغيب أو مفاتيح الغيب لأنها تفتح الباب تفتح عن المغيبات هذه الخمس لا يعلمها إلا الله عزّ وجلّ منها أول قيام الساعة ولم يقل له النّبي عليه الصلاة والسلام لا أعلم وكان يستطيع أن يقول له ذلك بل عدل عن هذا اللفظ إلى لفظ العموم قال: “ما المسئول عنها بأعلم من السائل” أي إنسان أيّ شخص من المخلوقين يُسئل عنها ليس أعلم بذلك من الذي يسألهكما أن الذي يسأله لا يعلم الذي يُسئل لا يعلم معناه كل إنسان لا يوجد مخلوق من المخلوقين يعلم متى هو أول وقت قيام الساعة الخلق كلهم متساوون في عدم العلم بهذا الأمر ولا يخفى أن جبريل عليه السلام كان يعرف أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم متى قيام الساعة لا يعلم وقت ذلك لكنه سأل لتنبيه الصحابة لجذب انتباههم ليعلموا أن هذا مما لم يطلع الله تعالى عليه أحدًا من خلقه إذا كان النّبي عليه الصلاة والسلام لم يطلعه الله على ذلك فغيره بالأولى لا يعرف ذلك الله تبارك وتعالى قال: {إن الله عنده علم الساعة} معناه لا يعلم ذلك أحد إلا الله عزّ وجلّ.
وما ذكره بعض المتأخرين من الهنود ومن لحق به أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يمت حتى أطلعه الله على هذه الخمس فهذا من الغلو الذي لا يحبه الله عزّ وجلّ وهو من التكذيب لدين الله تبارك وتعالى وهو كذب لا صحة له لا يصح ولا يجوز أن يقال إن النبي عليه الصلاة والسلام قبل موته أطلعه الله على هذه الخمسة صار يعرف متى ينزل المطر صار يعرف ماذا في بطن الأنثى صار يعرف متى تكون الساعة صار يعرف متى يموت الإنسان بأي أرض يموت إلى أخره لا يجوز أن يقال أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل موته أطلعه الله على ذلك هذا من الافتراء والكذب الذي يخرق الإجماع ويكذب ما عُلم من الدين بالضرورة.
الحافظ العراقي نقل في كتابه طرح التثريب عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله عزّ وجلّ وقال لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل قال العراقي بعد ذلك فمن ادّعى أنه يعلم شيئًا من هذه الخمس فقد كفر بالقرءان لأن القرءان نص صراحة على أنه لا يعلم أحدًا هذه الخمسة إلا الله ومن هنا يعلم أيضًا أن هؤلاء الغلاة الذين يزعمون أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم كل ما يعلمه الله هؤلاء والعياذ بالله ساووا النبي بالله عزّ وجلّ وقد نص على أن من قال ذلك كافر عدة من العلماء من شافعية ومالكية وحنفية منهم ابن أبي جمرة والملا علي القاري وغيرهم من أهل العلم نصوا والقرافي وغيرهم نصوا على أن من ادعى ذلك أو ما يشبه ذلك من العبارات فهو كافر بالله تعالى نسأل الله أن يسلمنا من مثله.
الغلو ليس حسنًا الغلو قبيح الغلو مهلك لا ينبغي للإنسان أن يغلو لا في المحبة ولا في البغض إنما ينبغي أن ينزل كل أمر في المنزلة التي أنزله أياها شرع الله عزّ وجلّ.
قال المؤلف: قال فأخبرني عن أمارتها.
الشرح: قال يعني السائل
الشرح: بما أنك لا تعلم موعدها أخبرني عن أمارتها عن علمتها يعني عن علامتها يعني اذكر لي بعض علامات يوم القيامة اذكر لي بعض العلامات التي تدل على اقتراب يوم القيامة.
قال المؤلف: قال أن تلد الأمة ربَّتها
الشرح: أن تلد الأمة ربّتها أي أن تلد الأمة المملوكة إنسانًا يكون سيدًا لها أن تلد الأمة ربّتها يعني أن تلد الأمة المملوكة إنسانًا يكون سيدًا لها طيب إنسانًا لماذا قال في الحديث أن تلد الأمة ربّتها بالتأنيث يعني أن تلد الأمة نفسًا هي ربتها التأنيث باعتبار معنى النفس فيشمل الذكر والأُنثى كذلك ما في بعض الروايات أن تلد الأمة ربَّها المقصود شخصًا هو ربُّها فيشمل أيضًا الذكر والأُنثى ما معنى هذا الحديث قال بعض العلماء معناه أن يكثر التسري بين المسلمين أن تكثر الفتوحات بسبب كثرة الفتوحات تكثر الإماء أي النساء المملوكات بين المسلمين سيد الأمة مالكها له أن يجامعها إن لم يكن لها زوج له أن يجامعها ثم إن ولدت منه ولدًا يكون ولده هذا الولد يكون حرًا وينسب إلى السيد فيكون الولد كأنه سيد لأمه لأن الولد ذكرًا كان أو أُنثى يكون حرًا والأم أمة مملوكة فقالوا هذا معنى الحديث قال بعضهم ليس هذا معنى الحديث.
إنما معنى الحديث أن يكثر العقوق أن ينتشر العقوق بين الأولاد أن يعق الولد أمه التي هي ولدته فيكثر العقوق فيصير الولد كأنه سيدٌ لأمه كأن أمه أمة يملكها يعاملها معاملة الأمة لا يعاملها معاملة الأم التي أمر بها شرع الله تبارك وتعالى.
الوالد سواء كان أبًا أو أمًا مطلوب من الولد أن يبره مطلوب من الولد أن يُحسن إليه مطلوب أن يحسن معاملته لا يجوز للولد أن يعق أباه أو أمه بل عقوق الوالدين أو أحدهما من كبائر الذنوب الإحسان إلى الوالد باب عظيم من أبواب النجاة في الآخرة من أبواب الفلاح من أبواب الثواب حتى جاء في الحديث الوالد أوسط أبواب الجنة الوالد باب مهم أوسط أبواب الجنة فحفظ هذا الباب أو ضيع يعني الأمر راجع إليك إما أن تحسن معاملة والدك أبًا كان أو أمًا فتفوز بذلك ويكون هذا سببًا سريعًا لدخولك إلى الجنة وإما أن تضيع هذا فتضيع هذا الباب وهذا الطريق إلى الجنة فينبغي على الإنسان أن يحافظ على بر والديه.
ولا يخفى عليكم ما جاء في الحديث من أمر الثلاثة الذين انطبق عليهم الصخرة ثم توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم فمما توسل به أحدهم بحسن توسل بحسن معاملته لوالديه فنزاحت الصخرة عن الباب بإذن الله تعالى.
الخلاصة: أن من العلماء من قال معنى هذا الحديث ان العقوق يكثر بين الأولاد حتى يصير الولد كأنه سيدٌ لأمه وهذا مولائم لما يذكر بعده من تغير الأحوال لأن العلامات التي تذكر بعده أيضًا تدل على سوء الأحوال فتفسير الحديث بهذا المعنى مولائم لما يذكر بعده من انقلاب الأحوال إلى ما هو أسوء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأن ترى الحفاة العراة
الشرح: أيضًا أن ترى أن تبصر أو تعلم أن الحفاة الناس الذين ليسوا لهم ما يلبسون في أرجلهم جمع حاف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأن ترى الحفاة العراة العالة
الشرح: العراة جمع عار وهو من لا يستر نصفه الأعلى هذا في العرف هذا هو العار في العرف العالة يعني الفقراء جمع عائل وهو الفقير أن ترى الحفاة العراة العالة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رعاء الشاء
الشرح: رعاء الشاء الذين يرعون الغنم ينتقلون من مكان إلى مكان بأغنامهم وإبلهم ونحو ذلك حتى يرعوها خلف الكلأ يمكثون مدة هنا ثم بعدما لا يبقى هناك كلأ في تلك الناحية ينتقلون إلى ناحية أخرى وهكذا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتطاولون في البنيان
الشرح: من علامات الساعة أن ترى هؤلاء يتطاولون في البنيان يعني يتنافسون في رفع البنيان يعني ينافس بعضهم بعضًا في بناء بناء أعلى من بناء الآخر يتنافسون في رفع البنيان وهذا أمر شاهدناه في أيامنا صار مشاهدًا أناس كانوا في الماضي رعاة بدوًا رُحلًا ينتقلون من مكان إلى مكان خلف العشب ثم بعدما خرج النفط في أرضهم صاروا يتطاولون في البنيان يعني صار الواحد منهم إذا بنى غيره بناء يعلو مائتي ذراع هو يبني بناء يعلو مائتين وخمسين الاخر يعرف يبني ثلاثمائة الآخر يعرف يبني أربعمائة إلى أن وصل الحال في أيامنا أن من الأبنية ما يزيد ارتفاعه على ألفي ذراع مما بنوه من باب التنافس في البنيان.
وقد سمعت عن مخطط في موضع لبناء ما هو أعلى من ذلك من القوم أنفسهم وهذا كله من غير أن تكون ضرورة تدعو إليه لا ضرورة دينية ولا ضرورة دنيوية أصلا رفع البناء من غير حاجة شىء ليس ممدوحًا في شرع الله تعالى بل هو شىء مذموم مكروه بناء ما لا تدعو الحاجة إليه تطويل البناء وتشيده من غير حاجة مكروه نسأل الله أن يبعدنا مثل ذلك إذا نظرت في مضمون هذا الحديث تجد أنه يدل.
خلاصته: أن الأحوال تنقلب أن الأمر توسد إلى غير أهلها أن أهل البداوى الذين هم بغالبهم أهل جهل وجفاء وفقر تصير الأمور إليهم يصيرون هم الحكام يصيرون هم السلاطين يصيرون هم روؤساء وأصحاب الثروة والأموال حتى إنهم يتطاولون في البنيان قال عليه الصلاة والسلام: “إذا صار الأمر كذلك فقد أقتربت الساعة” هذا من علامات اقتراب الساعة وهذا مما نراه عيانًا في أيامنا آثار هذا الفساد ظاهرة للعيان في أيامنا.
قال المؤلف: ثم انطلق فلبثت ماليًا
الشرح: ثم انطلق هذا السائل ذهب قال سيدنا عمر فلبثت ماليًا أي مكثت مدة من الزمن غير قصيرة في بعض الروايات بيان أن هذه المدة كانت ثلاثة أيام بقيت ثلاثة أيام ثم بعدها كلمني الرسول عليه الصلاة والسلام في أمر هذا الشخص الذي جاء هذا بالنسبة لسيدنا عمر لأن عمر رضي الله عنه كأنه حين ذهب الرجل هو أيضًا ذهب طرأ عليه أمر فخرج أما غيره من الصحابة بقوا لذلك غيره من الصحابة رووا أن النبي عليه الصلاة والسلام في الحين لما خرج الرجل بعدما ذهب قال ردوه عليّ ادعوه خرجوا يبحثون عنه ما وجدوه قالوا ما وجدناه يا رسول الله قال: “فإنه جبريل جاء يعلمكم دينكم” هذا كان فورًا بالنسبة لبعض الصحابة فور ذهابه أما عمر كأنه غاب ثم بعد ثلاثة أيام النبي عليه الصلاة والسلام سأله عن أمر هذا الرجل.
قال المؤلف: ثم قال
الشرح: ثم قال أي النبي عليه الصلاة والسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر أتدري من السائل
الشرح: تعرف من هذا الذي كان يسألني
قال المؤلف: قلت الله ورسوله أعلم
الشرح: لأن العلامات التي وجدها في هذا السائل أوقعت سيدنا عمر في الحيرة ثم عمر من أهل الأدب لما خاطبه النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: “أتدري من السائل” ما أسرع ليقول نعم أعرف هو فلان إنما ردّ العلم إلى الله ثم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح: قال الله ورسوله أعلم لما قال أتعلم من السائل في بعض الروايات قال الله ورسوله أعلم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
الشرح: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم يعني أعلمه عليه الصلاة والسلام أن هذا السائل هو سيدنا جبريل جاء ليسأل النبي عليه الصلاة والسلام فيجيب النبي فيكون هذا أوقر في قلوبهم حتى يكون هذا أوقع في قلوبهم أبعد عن النسيان لهم حتى يكون أثبت في قلوبهم مما يتلقونه عفوًا بغير تعب بسرعة بدل أن يقول لهم النبي عليه الصلاة والسلام الإسلام كذا وكذا الإيمان كذا وكذا جبريل سأل النبي أجاب بالطريقة التي حصلت هذا يكون أثبت في قلوبهم وأوعى لهم مما لو ذكره النبي عليه الصلاة والسلام لهم من غير طلب.
ويتخلص من هذا الحديث أن كمال الدين هو بإجتماع الإسلام والإيمان والإحسان بإجتماع هذه الثلاثة كمال الدين قال بعضهم قيل إن قدوم جبريل هذا إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليسأله هذه الأسئلة كان قبل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام بنحو شهر فسأله فتكلم النبي بذلك فحفظ الصحابة هذه القواعد الكلية من رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة لأمر الإسلام لأمر الإيمان ولأمر الإحسان.
قال المؤلف: رواه مسلم
الشرح: هذا الحديث رواه مسلم وغيره وأخرج الشيخان البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس وعن أبي هريرة وعن أنس بن مالك وعن غيرهم من الصحابة ما هو بمعناه.
وبهذا نختم الكلام عليه والله تبارك وتعالى أعلم.