شرح الأربعين النووية الحديث الثالث عشر
قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى ءاله وصحبه ومن والاه كلامنا إن شاء الله على الحديث الثالث عشر من الأربعين النووية.
قال المؤلف: الحديث الثالث عشر عن أبي حمزة أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشرح: أنس بن مالك أنصاري خزرجي نجاري يعني من بني النجار من قبيلة الخزرج من الأنصار خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة كان سنه عشرًا فجاءت به أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله خادمك أنس فخدمه عليه الصلاة والسلام عشر سنين ومات النبي عليه الصلاة والسلام وهو عنه راض وكان صلى الله عليه وسلم دعا له بطول العمر وكثرة الولد وكثرة المال فعاش أنس أكثر من مائة ودفن أكثر من مائة من أولاده وأحفاده وكان نخله يثمر في السنة مرتين قصد البصرة في آخر حياته ومات على فرسخين منها سنة تسعين.
قال المؤلف: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” لا يؤمن أحدكم
الشرح: لا يؤمن أحدكم ليس معناه هنا إنه يكون كافرًا لأ. لا يؤمن أحدكم معناه لا يكمل إيمانه العرب كثيرًا ما يستعملون مثل هذا لا يكون كذا بمعنى لا يبلغ كمال الإيمان ينفون الأمر ويريدون نفي كماله لا يؤمن احدكم أي لا يؤمن إيمانًا كاملا لا يبلغ أعلى الإيمان وكمال الإيمان حتى يحب لأخيه إلى أخره وهذا كما قلنا شائع في لسان العرب العرب يقولون لا مال إلا الإبل معناه لا مال كامل تام إلا الإبل وهكذا معنى الحديث المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه معناه المسلم الكامل ليس معناه إن لم يسلم المسلمون من يده ولسان يكون كافرًا كذلك ما جاء في الحديث ليس الفقير الذي ترده اللقمة واللقمتان ولكن الفقير الذي لا يتفطن له ولا يسأل الناس هذا أيضًا معناه الذي بلغ الغاية في الفقر هو الفقير الذي يسكت ولا يسأل الناس ولا يعرف أنه فقير أما الفقير الذي يسأل الناس فيعطونه شيئًا ولو كان قليلا فإن هذا لم يبلغ الدرجة الشديدة التي بلغها الآخر فإذًا العرب معروفًا عندهم نفي الشىء يريدون نفي كماله فهنا قوله عليه الصلاة والسلام لا يبلغ أحدكم أي لا يبلغ كمال الإيمان.
قال رسول الله: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
الشرح: لأخيه أي لأخيه المسلم كما ذكر في بعض الروايات
قال رسول الله: حتى لأخيه ما يحب لنفسه
الشرح: أي مثل الذي يحبه لنفسه من الطاعات والخيرات والنعم التي عاقبتها محمودة وهذا الأمر ليس بالأمر الصعب بعض الناس يظنون أن هذا صعب أن هذا شىء صعب و ليس كذلك المعنى أنه إذا كان يحب لنفسه أن يكون على حال حسنة من الدين يحب أيضًا لأخيه أن يكون على هذه الحال من غير أن تتغير حاله إذا كان أعطاه الله تعالى نعمة من النعم يحب لأخيه أن تكون هذه النعمة عنده من غير أن تزول النعمة عنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه ليس معناه أن تزول عنه وتنتقل لأخيه ليس هذا وهذا ليس صعبًا على القلب السليم ليس صعبًا وإنما الصعب على القلب الدغل المنطوي على الدغل المنطوي على الحسد مثل هذا القلب يصعب عليه هذا الله يحمينا وإخواننا من مثل ذلك.
فإذا الأصل أن يحب المؤمن لأخيه مثل ما يحب لنفسه طيب إذا كان الإنسان متواضعًا ينظر إلى نفسه بعين الاتهام لا يعجبه الحال الذي هو عليه أي من حيث الطاعة ومن حيث الإقبال على الخيرات بل يرى في نفسه أنه مقصر في هذه الحال يحب لنفسه أن يكون على حال أحسن من الحال التي هو عليها إذا كان كذلك ينبغي أن يحب لأخيه أيضًا مثل ذلك فيحب لأخيه أن يكون على حال أحسن من الحال التي هو عليها.
ومثل هذا كذلك من كمال الإيمان أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه وهذا مقصود في الحديث ولو لم يذكر حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه أي ويبغض له ما يبغضه لنفسه لكن لم يذكر من باب الاكتفاء كما ذكرنا قبل يذكر أحد الأمرين وفي ذلك إشارة إلى الأمر الثاني من غير أن يُذكر هذا الأمر الثاني كما جاء في الحديث الذي ذكرناه قبل تكلمنا عنه قبل تكلمنا عنه قبله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أي وفعله ما يعنيه ولم يذكر في الحديث وفعله ما يعنيه لأنه يُفهم من تركه ما لا يعنيه وكذلك في هذا الحديث حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه أي ويكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر كما جاء في بعض الأحاديث أن تحب للناس ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وذلك لأن المؤمن مع المؤمن ينبغي أن يكون كالنفس الواحدة يعني المؤمنان هما كنفس واحدة أخوان كأنهما نفس واحدة فما أحب لنفسه أحب لأخيه وما أحب دفعه عن نفسه من الشر أحب أن يندفع كذلك عن أخيه من الشر الذي يكون على هذه الحال يترقى إلى هذه الحال فهذا له إشارة في دخول الجنة لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:”من سره أن يزحزح عن النار ويُدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأتي الناس بما يحب أن يؤتى إليه”. أو كما قال عليه الصلاة والسلام. الذي يكون على هذه الأخلاق وكثير من الناس ليسوا على هذه الأخلاق لكن الذي بلغ إلى رتبة هذا الخلق فهذا إن شاء الله تعالى يكون من أهل الجنة.
وقد يتجاوز الإنسان هذه الرتبة يتجاوز إلى رتبة الإيثار معنى الإيثار أن يؤثر أخاه على نفسه ليس في الطاعات الطاعات ما فيها إيثار أحيانًا يكون الناس في المسجد يخلو مكان في الصف الذي في الأمام فيقول واحد للآخر تقدم يقدمه على نفسه في هذا وهذا لا ينبغي فينبغي ان يسبق هو إلى هذا المكان ينبغي أن يكون هناك تنافس في الخير بين الإخوة بين المؤمنين لكن في الخير تنافس في فعل الطاعات لوجه الله تعالى ليس ليتكبر عليه في الطاعات أنا لا أوثر أحدًا على نفسي إذا كان أمر فيه طاعة انا استعجل حتى أكسبه أنا حتى يكون في ميزاني في الاخرة لكن في غير ذلك من الأمور بعض الناس لم يصلوا إلى درجة أنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه بل زاد على ذلك ففضل أخاه على نفسه
وذلك في غير الطاعات كما ذكرنا مثاله حديث البخاري في أبي طلحة وزوجه وامرأته جاءهما ضيف وليس عندهما طعام إلا طعام أولادهما ما عندهم أكل إلا الأكل الذي يكفي الأطفال قال أبو طلحة لزوجته نومي أولادك افعل شيئًا تنومي به الأولاد نومتهم ثم بعد ذلك نحط الطعام ونظهر أننا نريد أن ناكل ثم إنك تقومين تظهرين أنك تصلحين المصباح فتطفيئنه فيصير هناك عتمة لا يرى ضيفنا ماذا نفعل بوضوح فنظهر أنا وأنت أننا نأكل نمد أيدينا إلى الطعام لكن في الحقيقة لا نأكل حتى يأكل ضيفنا من الطعام ويشبع لأن الطعام لا يكفينا نحن الثلاثة.
ففعلت امرأته كما قال لها قعد للأكل ثم قامت كأنها تصلح المصباح فأطفأته بعد ذلك أبو طلحة وزوجه يظهران أنهما يأكلان والضيف يأكل أكل حتى شبع وناما جائعين هذا من مرتبة الإيثار هذا أعلى من مرتبة التي ذكرناها اولا. ثم في الصباح لما لقي أبا طلحة رسول عليه الصلاة والسلام قال النبي عليه الصلاة والسلام لقد عظم هذا الفعل عند الله تعالى فعلكما الليلة التي مضت مع ضيفكما عظم عند الله تعالى معناه قبله الله وجعل لكما عليه ثواب عظيمًا.
ما عجائب ما يذكر في الإيثار أيضًا ما حصل في يوم اليرموك في معركة اليرموك بعض أهل الإسلام قال أنطلقت يوم اليرموك أبحث عن ابن عمي ومعي قِربة قديمة فيها ماء آقلت إذا كان معي إناء وقربة آقلت إذا به رمق ما زال حيًا أسقيه يكون عطشًا فأسقيه وأمسح له وجهه بهذا الماء قال فإذا به يشهق حتى إنه يكاد أن يخشى عليه إلى هذا الحد شهيقه معناه يكان يموت فقلت له أسقيك أشار برأسه أن نعم أسقني فإذا رجل بقربنا يقول أه فأشار إليّ أن اسقه فذهبت إلى هذا الرجل قدمه على نفسه في هذه الحال الشديدة قال فأشار إليّ فانطلقت إليه فإذا هو هشام بن العاص فقلت له أسقيك فأشار برأسه أن نعم لما أردت أن أسقيه قال رجل بقربه أه فأشار إلي أن اسقه ذهبت إلى هذا الثلاث وجدته قد مات ورجعت إلى هشام وجدته قد مات رجعت إلى ابن عمي وجدته قد مات إنما فعل كل منهم هذا في ذلك الوقت الشديد اثارة لغيره بهاللحظة وهو يموت يفكر في نيل الثواب من الله تبارك تعالى بإيثار أخيه المسلم على نفسه بأن يشرب قبل أن يشرب هو.
قال المؤلف: رواه البخاري ومسلم.
الشرح: هذا الحديث أخرجه الشيخان وأخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن وغيرهم
نسأل الله أن يجعلنا من الذين يتحلون بهذا الخلق أن يحب الواحد منّا لأخيه ما يحبه لنفسه وان يؤثر أخاه على نفسه غير القربات والطاعات والله تبارك تعالى المسئول أن يستجيب والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.