قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله
شرح كتاب الأربعين النووية
الحديث التاسع عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
الله أسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يجعل نياتنا خالصة لوجهه.
أمض بارك الله فيك.
قال القارئ: الحديث التاسع عشر
كلامنا الآن في الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين حتى قال بعض العلماء تدبرت هذا الحديث فكرت في معانيه كثيرًا فأدهشني وكدت أطيش يعني كدت أغيب عن الوعي من شدة ما أدهشني هذا الحديث من شدة ما جاء على قلبي من الأمور عند تفكري في معانيه نعم
قال القارئ: عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال
رضي الله عنهما عبد الله بن العباس مشهور بأنه حبر الأمة وترجمان القرءان بحر العلم ومن نسله جاء كل الخلفاء العباسيين وهو ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له رسول الله عليه وسلم قائلا:”اللهمّ علمه الحكمة وتأويل الكتاب” وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ومات بالطائف توفي بالطائف ودفن بها سنة ثمانٍ وستين في خلافة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وقبره معروف هناك يزار.
قال القارئ: قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم
الشرح: كنت راكبًا خلف النبي عليه الصلاة والسلام أردفني على الدابة أركبني خالفه على دابته نعم
قال القارئ: قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال
الشرح: قال يريد أن يوصيه عليه الصلاة والسلام خصه بهذا الكلام بما رأى فيه من علامات الفهم والذكاء والنجابة على رغم من صغر سنه
قال القارئ: يا غلام
الشيخ: يخاطبه يقصده يا عبد الله بن عباس
قال القارئ: إنّي أعلمك كلمات
الشرح: سأعلمك كلماتٍ ينفعك الله تعالى بها وكلمات جمع مؤنثٍ سالم يعني هو جمعٌ سالم وجموع السلامة تدل على القلة معناه سأعلمك كلماتٍ قليلة لكنها كثيرة النفع لكنّ معانيها واسعة يسهل عليك حفظها وضبتها نعم أمض
قال القارئ: احفظ الله يحفظك
الشرح: احفظ الله يحفظك قبل أن يقول له هذا النبي عليه الصلاة والسلام قال له إني أعلمك كلمات معناه يا عبد الله بن عباس إنتبه تيقظ لما سأقول لك في هذا تنبيه له رضي الله عنه حتى يتيقظ ليسمع ويفهم ويضبط قال له احفظ الله يحفظك احفظ الله يعني احفظ أوامر الله أطع الله أمتثل ما أمر إجتنب ما حرم يحفظك الله تعالى من المكاره في الدنيا وفي الآخرة احفظ الله حتى لا يراك حيث نهاك لا يراك الله تفعل ما نهاك عنه يحفظك الله تبارك وتعالى في دينك ودنياك
قال القارئ: احفظ الله تجده تجاهك
الشرح: احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك يعني أمامك ليس معناه كما هو واضح ظاهر أن الله يكون بذاته، أمام عبد الله بن عباس إذا أطاعه إنما معناه تجد رحمته تُجاهك أي يرحمك تكون رحمة الله تبارك وتعالى وعنايته قريبًا منك هذا معناه إذا اطعت الله تبارك وتعالى في حال الصحة تجد عناية الله تبارك وتعالى قريبةً منك في حال المرض إذا أطعت الله تبارك وتعالى في حياتك تجد عناية الله تبارك وتعالى ورحمته عند موتك قريبةً منك معناه يرحمك الله تبارك وتعالى.
وهذا إذا أطعت الله تبارك وتعالى في وقتِ الرخاء يعينك الله تعالى في وقت الشدة إذا أطعت الله تبارك وتعالى في وقت الأمن يعينك الله تبارك وتعالى عند فقده ومن ذلك مما يدل على ذلك قصة الثلاثة الذين كانوا مسافرين أمطرت عليهم السماء فدخلوا غارًا يحتمون فيه من المطر وقعَ صخرٌ من الصخور عظيم فسد باب الغار أرادوا أن يخرجوا لم يستطيعوا أن يزحزحوه فقالوا تعالوا ندعوا الله بصالح أعمالنا تعالوا نتوسل إلى الله بأعمالٍ صالحةٍ كنا عملناها فيما قبل فدعا أولهم ربه بعملٍ صالحٍ فإنزاحت الصخرةُ قليلًا لكن بحيث لا يستطعون الخروج دعا الثاني إنزاحت أكثر لكن بحيث لا يستطيعون الخروج دعا الثالث فانفرجت الصخرة وخرجوا وهذا مما يشهد لما جاء في هذا الحديث النبوي الشريف احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تُجاهك يعني احفظ أوامر الله تعالى في حال الرخاء يعنك الله تبارك وتعالى في حال الشدة نعم
الشيخ: الإنسان عند الموت ينزل به من الألم ما لم يكن نزل به قبل ذلك يجد في النزع من الألم كمائة ضربة سيف هذا الألم ألم ما أحس مثله قبل الإنسان في هذه الحال عند الموت يأتيه الشيطان ورد في بعض الأثار يأتيه الشيطان حاملًا بيده كوب ماء يقول له اكفر بالله أسقك وذلك لأن الإنسان يعطش في ذلك الوقت إذا لم يحفظه الله تعالى في ذلك الوقت يهلك نعوذ بالله من ذلك ومن أسباب الحفظ أن يكون سبق له طاعة الله عزّ وجلّ في حال حياته كان حفظ أوامر الله تبارك وتعالى فيحفظه الله عزّ وجلّ عند موته الله يحفظنا أمض.
قال القارئ: إذا سألت فسأل الله
الشرح: إذا طلبت إذا سألت إذا كان لك حاجة فالأفضل أن تسأل الله تبارك وتعالى الذي ينبغي لك أن تسأل الله تبارك وتعالى لأن الله هو الذي يُعطي على الحقيقة وهو الذي يمنع على الحقيقة هو الذي ينفع على الحقيقة وهو الذي يضر على الحقيقة بيده كل شيء فسؤاله خيرٌ من سؤال العبد الذي لا يملك إلا ما ملكه مولاه الذي لا يستطيع إلا ما أقدره عليه مولاه أما الله تبارك وتعالى فخزائنه لا تنفذ وهو قادرٌ على كل شيء فينبغي أن يتوجه العبد بسؤاله إليه إذا كان هناك شخصان واحد سلطته واسعة وماله كثيرٌ وفير ويستجيبُ لمن طلب منه وسألهُ والآخر سلطته ضيقه وماله قليل وليس عنده قدرةٌ قوية وأحيانًا يجيب أحيانًا لا يجيب أنت إذا طرأت لك حاجة وأردت أن تسأل واحدًا منهما إلى من تتوجه تتوجه إلى الذي سلطته واسعه وماله كثير ويجيب من طلب منه والله تبارك وتعالى وصف نفسه بأنه القادر الذي لا يعجزه شيء الذي عنده خزائن لا تنفد الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه فينبغي على المسلم أن يتوجه في حاجته إذا كانت له جاجة إلى الله تبارك وتعالى.
لذلك قالوا قول العبد يا رب أمدني يا رب أعطن خيرٌ من أن يقول يا رسول الله أمدني لأن قوله المدد يا رب يا رب أمدني طلبٌ من الله ودعاء عبادةٌ وتذللٌ لله فيكون له فيه ثواب أما إذا قال يا رسول الله أعني فهو مثل أن يقول لأي أنسانٍ يا فلان أعني فهو طلبٌ من غير الله وهو وإن لم يكن حرامًا لكنه ليس مثل الطلب من الله تبارك وتعالى لذلك قالوا خيرٌ له أن يقول يارب أمدني من أن يقول يا رسول الله أمدني مع أن هذا الأخير ليس حرامًا في شرع الله تبارك وتعالى.
ثم من أنواع الدعاء لله أن يقول الإنسان اللهم بجاه النبي أعطن بجاه عبدك الصالح فلان أعطن أي أن يدعو الله متوسلاً بنبي من الأنبياء فهذا حسنٌ جيدٌ دل عليه الشرع من فعله فله الثواب لأنه وإن قال بجاه فلان أسألك بالنبي فإنه يسأل الله وإذا سأل الله تبارك وتعالى يكون قد فعل ما طلب الله تبارك وتعالى منه وليس هذا الأمر ممنوعًا ولا حرامًا بل دل الشرع على جوازه يجوز لك أن تتوسل تطلب من الله بنبيٍ من الأنبياء أو بعبدٍ صالح أو بعملٍ صالح كل هذا يجوز أن يتوسل به الإنسان في طلبه إلى الله سواءٌ كان هذا العبد الصالح الذي تتوسل به حيًا أو ميتًا حاضرًا أو غائبا رسول الله عليه الصلاة والسلام جاء إليه رجلٌ أعمى لا يرى فقال يا رسول الله أدع الله لي حتى أرى شق علي ذهاب بصري قال:” إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت يدله عليه الصلاة والسلام إلى أن الصبر خيرٌ له يكون له فيه ثوابٌ عظيم فقال يا رسول الله إنه شق عليّ ذهاب بصري وليس لي قائد ليس هناك من يقودني فقال عليه الصلاة والسلام إذهب إلى الميضائة توضأ وصل ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي وتذكر حاجتك وهي كذا وكذا لتقضى لي هذا النبي عليه الصلاة والسلام علم هذا الأعمى أن يتوسل به في غير حضوره في غيبته فدل ذلك على أن التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام جائزٌ في حضوره وفي غيبته وإذا كان يجوز التوسل بالعمل الصالح إذا كان هؤلاء الثلاثة الذين ذكرنا قصتهم توسلوا بعملٍ صالحٍ عملوه والعمل الصالح مخلوق فالتوسل بخير المخلوقين محمد عليه الصلاة والسلام أولى أن يكون جائزا هذا الأعمى ذهب توضأ فعل ما قال له النبي عليه الصلاة والسلام فما أسرع أن دخل وقد رد الله عليه بصره.
هذا الصحابي الذي كان حاضرًا في المجلس بعد ذلك بسنين في أيام سيدنا عثمان جاء رجلٌ يريد حاجة من سيدنا عثمان وكان عثمان ينسى حاجته هذه لا يذكرها جاء إلى هذا الصحابي فشكى له هذا الأمر فقال له تذكر تلك الحادثة التي حدثت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حادثة الأعمى قال له إت الميضاءة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل كذا وكذا ذهب هذا الرجل توضأ صلى ركعتين قال ثم لم يرجع إلى هذا الصحابي بل قصد سيدنا عثمان فورًا كان ذلك الصحابي قال له بعد أن تنهي ارجع إلي أذهب معك إلى عثمان أكلمه لك ما رجع إليه ذهب فورًا إلى عثمان لما وصل إلى عند البواب أخذه فأدخله إلى عثمان أجلسه على البِساط معه قال: “له ما حاجتك والله ما ذكرتها إلا الآن كنت أنساها” ذكر له حاجته فقضاها له فهذا الصحابي علم هذا الرجل التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته والحديثان صحيحان الذي حصل قبل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام والذي حدث بعد وفاته كلاهما مرويان بسند نفسه الحديثان صحيحان نص على صحته هذا السند الحافظ الطبراني والحافظ الترمذي وغيرهما كثير من الحفاظ ستة عشر حافظًا من الحفاظ نصوا على صحة هذا الحديث بعد هذا الذي يقول لا يجوز لك أن تتوسل بمن ليس معك بمن هو بعيدٌ عنك بمن ليس في حضرتك أو يقول لا يجوز لك أن تتوسل بمن مات فكلامه لا يُلتفت إليه ولا ينظر إليه يُحرم ما لم يحرمه الله ورسوله أين جاء في الشرع أن هذا حرام أين قال النبي عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن تتوسل إلا بمن كان في حضرتك من كان بعيدًا عنك لا يجوز لك أن تتوسل به من توفي لا يجوز لك أن تتوسل به ما قال فهؤلاء يحرمون ما لم يحرمه النبي بل يحرمون ما دل قول النبي عليه الصلاة والسلام على جوازه وعلى أنه شيءٌ حسن الله يحفظنا من مثل ذلك أمض.
قال القارئ: وإذا استعنت فاستعن بالله
الشيخ: يعني إن أردت المعونة إذا استعنت إن أردت طلب العون فاستعن بالله أي الأفضل أن تطلب العون من الله ليس معناه حرامٌ طلب العون من غير الله كيف يكون حرامًا وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:”إن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” كيف يكون حرامًا لا يحرم لكن الأفضل إذا أردت طلب العون أن تطلب العون من الله تبارك وتعالى لأن الله بيده كل شيء فمن طلب العون من الله وتوكل على مولاه ولم يعلق قلبه بغير مولاه في حال حاجته بغير الله في غير حاجته فقد أتى ما ينبغي وسلك المسلك الذي هو أفضل وقال ربنا عزّ وجلّ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} بقدر ما يركن الشخص إلى غير الله يكون انصرف عن الله تبارك وتعالى وعن التوكل عليه وليس قول الله تبارك وتعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} دالاً على عدم جواز الإستعانة بغير الله كما يقول بعض الناس ولا أدري على أيشن يعتمدون ليقولوا هذا هذه الآية لا تدل على ذلك إيّاك نعبد لا نعبد إلا إيّاك وإيّاك نستعين لا نستعين الإستعانة الخاصة إلا بك لأن استعانة العبد بالله ما معناها عندما أقول يارب أعني معناه أخلق لي العون يا رب أعطن كذا معناه اخلق هذه المعونة يا رب فالإستعانة بالله معناها يا رب اخلق كذا طلب الخلق من الله ولا يجوز أن يطلب الخلق من غير الله لذلك كانت هذه الإستعانة خاصةً بالله تبارك وتعالى وأما أن يستعين الإنسان بغير الله تبارك وتعالى على ما يليق بالعبد فجائز على ما أباحته الشريعة جائز {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ} هكذا قال ربنا عزّ وجلّ وجاء في الحديث أن النّاس يوم القيامة يستغيثون بآدم يطلبون العون من ءادم ثم بعد ذلك من غيره من أنبياء الله حتى يصلوا إلى محمدٍ عليه الصلاة والسلام فهذه إستعانةٌ بغير الله عزّ وجلّ الإستعانة بغير الله على الوجه الجائز جائزةٌ وإنما يحرم الإستعانة بغير الله إذا اعتقد العبد أن غير الله يخلق شيئا إذا اعتقد أن غير الله يخلق العون أما إذا اعتقد هذا فقد كفر بالله والعياذ بالله تعالى ولا يجوز له أن يستعين بغير الله على هذا الوجه.
والمقصود من الحديث أن من علم أن الله تبارك وتعالى يراه ويطّلع على أعماله فخافه وأطاعه وحفظ حقوقه وجده تجاهه سبحانه على كل حال يحفظه الله تبارك وتعالى ويرعاه وإذا لجأ إليه سبحانه في حاجاته واستغنى عن الطلب من خلقه يكون لجأ إلى من يحب أن يُسأل وإلى من يحب أن يلح عليه في السؤال وأن يكرر عليه السؤال إلى من يحب أن يطلب منه وإلى من هو قادرٌ على أن يعطي من يطلب مطلوبه إلى الذي لا تنفد خزائنه سبحانه وتعالى على خلاف المخلوق فإن المخلوق في الغالب إذا سألته يتضايق وإذا طلبت منه حاجة يريد أن يهرب.
وهو معنى قول الشاعر:
الله يرضى أن تزيد سؤاله وبُني ءادم حين يُسأل يغضب
وفي حديث بن حبان حثٌ للإنسان أن يطلب من الله تعالى حاجاته حتى جاء في الحديث: “ليسأل أحدكم ربَّه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا أنقطع” يعني الذي يربط به نعله حتى يستمسك على قدمه إذا انقطع ليقل يارب أرزقني شسع نعلٍ حتى هذا مع كونه شيئًا يستحقره الناس في العاده وليس له قيمةٌ كبيرة لكن إذا فعل الإنسان هذا فإن الله عزّ وجلّ يحب هذا الأمر منه لأن سؤال الله فيه إظهار التذلل لله فيه إظهارالحاجة لله فيه إظهار العبودية لله فيه الإعتراف بتمام قوة الله فيه الإعتراف بتمام علم الله فيه الإعتراف بتمام قدرة الله عزّ وجلّ فيه الإعتراف بأن الله عزّ وجلّ قادرٌ على أن يعطي هذا الإنسان مطلوبه وأن يدفع عنه الضرر الذي يخافه فيكون هذا الطلب تعظيمًا لله عزّ وجلّ وعبادةً له سبحانه وتعالى حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام بايع بعض الصحابةِ على أن لا يسألوا الناس شيئا يعني بعض الصحابة لما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعهم أن لا يطلبوا من الناس شيئا بالمرة كان الواحد منهم يكون راكبًا على الدابة يقع من يده سوط الدابة لا يقول لأحد ناولني إياه بل ينزل عن دابته يتناوله ثم يصعد على ظهر دابته فكانوا رضي الله عنهم لا يسألون الناس شيئا نعم الله يرزقنا التخلق بهذا الخلق العظيم أمض.
قال رسول الله: واعلم أن الأمة
الشرح: أعلم أن الأمة المقصود كل الخلق كما في بعض الروايات الأخرى
قال رسول الله: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء
الشرح: يعني إن اجتمعت الأمة لينفعوك بشيء
قال القارئ: لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك
الشرح: إي قدره الله لك شاء في الأزل أن تنتفع به
قال رسول الله: وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك.
الشرح: يعني بشيءٍ قدر الله تبارك وتعالى في الأزل أن تنضر به شاء في الأزل أن يصل إليك ضرره فأرشده أرشد النبي عليه الصلاة والسلام عبدَ الله بن عباس بهذا أيضًا إلى التوكل على مولاه وهذا الأمر الذي هو التوكل على الله تدور عليه هذه الوصية كلها كل الوصية تدور على هذا المعنى {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} نعم أمض.
قال القارئ: رفعت الأقلام
الشرح: رفعت الأقلام المقصود بالأقلام القلم الأعلى القلم الأعلى إنما جمع لتعظيم أحيانًا العرب تجمع لتعظيم فالمراد بالأقلام هنا القلم كما جاء في وصف الميزان الموازين: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} في الآية والمراد الميزان وإنما جمع لتعظيم كذلك هنا الأقلام جمع لتعظيم كما جمع الكلام الكلمات لتعظيم في بعض المواضع كذلك هنا رفعت الأقلام أي رفع القلم عن اللوح المحفوظ ما عاد يكتب ما قدره الله كتب إلى يوم القيامة كله كتب في اللوح المحفوظ نعم فرغ منه ثبتت الأحكام ليس هناك كتابةٌ أخرى.
قال رسول الله: وجفت الصحف
الشرح: جفت الكتابة التي فيها فُرغ منها على وفق ما قدر الله تبارك وتعالى فلا تغيير لإرادة الله عزّ وجلّ ولا لقضائه سبحانه وتعالى هاتان العبارتان تدلان على أن ما قدر الله حصوله لابد أن يحصل لا يتغير لا يغيره دعاء داع ولا صدقة متصدق إنما الدعاء والصدقة أسباب ولا يكون إلا ما شاء الله ولا يحصل إلا ما قدر الله لا يحدث إلا ما أراد الله تبارك وتعالى بإرادته الأزلية حدوثه لا يتغير ذلك نعم ولا يردُ على ما قلنا يعني لا يصح أن يعترض معترضٌ على الذي قلنا بقول الله تبارك وتعالى {يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} لأن هذه الآية ليس معناها أن الله تبارك وتعالى يغير مشيئته أنه يكون شاء شيئًا ثم يشاء غيره إنما معنى {يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} أي أن الله ينسخ ما يشاء من الأحكام ويثبت ما يشاء من الأحكام فلا ينسخها ينسخ الآية التي شاء أن ينسخها ويثبت الآية التي لم يشأ أن ينسخها فلا ينسخها فهو دالٌ على الناسخ والمنسوخ كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه
قال القارئ: رواه الترمذي وقال حديثٌ
الشرح: وهذا الحديث الذي ذكره النووي رحمه الله رواه الترمذي نعم وقال
قال القارئ: وقال حديثٌ حسنٌ صحيح وفي رواية غير الترمذي
الشرح: في مسند عبد بن حميد وفي مسند أحمد نعم
قال القارئ: أحفظ الله تجده أمامك
الشرح: بمعنا يحفظك تجد عون الله قريبًا منك ومن كان الله تعالى معه فمن أيشن يخاف.
قال القارئ: تعرف إلى الله في الرخاء
الشيخ سمير القاضي: أطع أطع الله في الرخاء والجأ إلى الله في الرخاء
قال القارئ: يعرفك في الشدة
الشرح: أي ويجعل لك منها مخرجا نعم كما جاء وهذا المعنى جاء في الحديث الاخر: “من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكروب فاليكثر الدعاء في الرخاء” ليكثر من اللجوء إلى الله في الرخاء يجد عون الله تبارك وتعالى عند الشدائد.
قال القارئ: واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطأك
الشرح: كما قال ربنا عزّ وجلّ {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} لا يصيب الإنسان إلا ما شاء الله له لو اجتمعت الأمة ليضروه بشيءٍ لم يكتبه الله عليه لا يضرونه ولو اجتمعوا لينفعوه بشيءٍ لم يكتبه الله لا ينفعونه به كما جاء في الرواية التي ذكرناها قبل “كل شيءٍ بقدر” لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا أمض
قال القارئ: واعلم أن النصر مع الصبر
الشرح: واعلم أن النصر للعبد يوجد بعون الله مع الصبر من العبد الصبر من العبد سببٌ لحصول النصر.
الصبر هو كف النفس منع النفس وحبسها على مكروهٍ تتحمله أو لذيذٍ تفارقه طلبًا لرضى الله هذا هو الصبر المحمود طلبًا لرضى الله يحمل الإنسان نفسه على ركوب مشقه أو يمنع الإنسان نفسه من أمرٍ لذيذٍ تطلبه النفس وتميل إليه طلبًا لرضى الله تبارك وتعالى في شدة البرد يقوم ليتوضأ لصلاة الصبح في شدة البرد يقوم ليتوضأ في الليل حتى يقوم في الليل في شدة الحر يصوم رمضان طاعةً لله تبارك وتعالى في الصيف إذا طال الوقت طال النهار يصوم رمضان طاعةً لله تبارك وتعالى أو يصوم غير رمضان طاعةً لله تبارك وتعالى يترك اللذائذ يترك ما حرم الله ولو مالت إليها النفس ولو كان قادرًا على فعلها يتركها في السر والعلن يقمع نفسه عن إتيانها طلبًا لرضى الله تبارك وتعالى وأمورٌ أخرى أمر الله بها مع أنها شديدة يحمل نفسه عليها طلبًا لرضى الله طمعًا بما عند الله من الثواب خوفًا من عقاب الله تبارك وتعالى.
قال القارئ: وأن الفرج مع الكرب
الشرح: الفرج معناه الخروج من الغم مع الكرب الكرب هو الغم الشديد الذي يأخذ بالنفس يكاد الإنسان يختنق الذي يأخذ بالنفس هو شديد الضيق يضايق الإنسان ضيقًا شديدا.
المقصود من هذا النصر مع الصبر والفرج مع الكرب المقصود من هذا أن الكرب لا يدوم وأن الشدة لا تدوم وأن الإنسان إذا صبر عليها فلم يقع في معصية الله تبارك وتعالى فإنها بعد ذلك تزول هذا المراد من هذا الحديث نعم
قال رسول الله: وأنّ مع العسر يسرا
الشرح: كما قال الله تعالى {فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا (6)} أنظر العُسر دخلته ال التعريف فيدل هذا على أن العسر الثاني هو نفس الأول أما يسرا فلم تدخله ال اليسر لم تدخله ال فدل أن اليسرا الثاني غير الأول فكان مع العسر يسران لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:”لن يغلب عسرٌ يسرين” لكن إنما يكون هذا لمن صبر ولمن توجه إلى الله تبارك وتعالى ولمن أطاع الله ولمن لم يقع في معصية الله تبارك وتعالى الكرب والشدة التي تنزل به تكون خيرًا له ثم بعد ذلك إذا فرج الله عنه يفرح بذلك ويكون عاقبة الفرج الذي حصل له تكون عاقبته محمودةً أما الذي يعصي الله تعالى إذا نزل به الكرب ويعصي الله تعالى في حال الرخاء فإن الشدة والرخاء اللذين يمر بهما ليسا محمودي العاقبة بالنسبة إليه الله يجعلنا ممن لا يترك طاعة الله تبارك وتعالى عند الشدة ولا يقع في معصية الله تعالى عندها ولا يترك طاعة الله في الرخاء ولا يقع في معصية الله فيه الله تعالى قال {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ (157)}.
من فهم هذا الحديث وأيقن بمعناه وعمل بمقتضاه شكر الله تبارك وتعالى في الرخاء والسعة وصبر عند الضيق والمصيبة وبهذا يحصل له الفوز والفلاح والظفر نسأل الله أن يوفقنا لهذا الأمر والله عزّ وجلّ أعلم.