الطيبين، اللهمّ عَلّمنا ما جهلنا وذكّرنا ما نسينا وزِدنا علما ونعوذ بك من حال أهل النار وبعد، ما زلنا في الكلام على آداب تلاوة القرآن الكريم ورد أن القرآن نزل بحُزن يعني ورد: “اقرأوا القرآن بالحُزن فإنه نزل بالحُزن” وكذلك ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: “أحسنُ الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزّن به”، فلذلك يُستحب عند تلاوة القرآن أن يقرأه على وجه فيه البكاء المقصود منه الخشوع والتباكي عند قراءة القرآن، يعني يستحب أن يبكي أو يتباكى مُتفكّرا بعظمة الله سبحانه وتعالى خاشعا لله عزّ وجل، الله تعالى قال: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} فالنبي عليه الصلاة والسلام كما ورد في البخاري قال لأحد أصحابه: “اقرأ عليّ يعني اتْلُ عليَّ القرآن، فقال هذا الصحابي قال: “أقرأ عليك و عليك أُنزل؟ (يعني عليك أنزل القرآن كيف أنا أقرأ عليك) فقال عليه الصّلاة والسّلام: “إني أحبّ أن أسمعه من غيري (أن أسمع التلاوة يعني من غيري)، فهذا الصحابي الجليل قرأ على النبي عليه الصلاة والسلام سورة النسا، فحين وصل إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ” أمسك” يعني توقف فإذا عيناه تذرفان” يعني عيْنَا النبي صلى الله عليه وسلم تذرفان الدمع ينزل منهما الدمع، فإذن قراءة القرآن يُستحب عند قراءته أن يُقرأ بتحزُّن وأن يحصل البكاء من الخشوع من الخوف من الله سبحانه وتعالى، حتى ذكر العلماء أن طريق تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأ يُفكّر بما يقرأ من التهديد من الوعيد الشديد من المواثيق من العهود ثم يُفكر في نفسه كم هو مُقصّر فإن لم يحضره عند ذلك حُزن وبكاء فليبكِ على فقد ذلك ليبكي لأنه لا يبكي لماذا؟ لأن هذا من المصائب إذا كان لا يُدرك تقصير نفسه قد يكون عنده من الغرور قد يكون عنده من الكِبر فليبكِ على هذه الحال التي يكون هو فيها، ثمّ من آداب قراءة القرآن تحسين الصوت يعني أن يقرأ بصوت حسن حتى ورد في الحديث زيّنوا القرآن بأصواتكم وفي لفظ: “حسّنوا القرآن بأصواتكم فإن الصَّوت الحَسن يزيد القرآن حُسنا” فإن لم يكن حسن الصوت حسّنه ما استطاع بحيث لا يخرج إلى حدّ التنطيت إلى حدّ التّحريف للقرآن إلى مدّ ما لا يُمدّ ونحو ذلك، ولو قرأ بألحان العرب التي كانوا يستعملونها، الإمام الشافعي رضي الله عنه قال: لا بأس بها لكن يُكره أن يُفرط بالمدّ وفي أن يُشبع الحركات بحيث يتولّد من الفتحة ألف أو من الضم واو أو من الكسرة ياء أو يُدغم في غير موضِع الإدغام فإن لم يصل إلى هذا الحدّ فلا كراهة في ذلك، وقد ورد حديث “اقرأو القرآن بلُحون العرب وأصواتها وإياكم ولُحونَ أهل الكتابيْن وأهل الفسق فإنه سيجيئ أقوام يُرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية لا يُجاوز حناجرَهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يُعجبهم شأنهم”.
نسأل الله سبحانه وتعالى حُسن الختام وحُسن الأداء، النبي عليه الصلاة والسلام هو قال: “لا لله أشدّ أَذَنا لقارئ حسن الصوت بالقرآن من صاحب القيْنة إلى قَيْنته” ما معنى هذا الحديث : “لا لله أشدّ أَذَنا” أَذَنا هنا ليس آذانا كم ظنّ بعض الناس من جهلهم أذنا يعني استماعا وحتى هنا استماعا ليس كما نحن نستمع الله تعالى لا يغيب عن سمعه مسموع، إنما هو المقصود الغاية يعني إذا واحد مثلا سمع شيئا أعجبه ماذا تكون النتيجة؟ أليس تكون النتيجة أن يُثني على ما سمعه وقد يُكرمه بالعطاء، كذلك هنا “لا لله أشدّ أَذَنا” يعني إفادةَ يعني غاية حُسن الأداء هنا ما هو؟ أن يثيبه الله سبحانه وتعالى على هذا الفعل، فالرسول قال: “لا لله أشدّ أَذَنا لِقارئ حَسن الصوت بالقرآن من صاحب القيْنة إلى قيْنته” ما هي القَيْنة؟ القَيْنة هي الجارية كانت في الزمن الماضي حين كان يوجد جوارٍ كان الواحد يختار جارية صوتها حسن ويعلمها الأدب والشعر واللغة فتصير هي تُنشد له فيفرح بها وبعضهم كان يفعل هذا مع ما يرافقه من المُحرمات من شرب الخمر والمعازف ونحو ذلك، وهذا لا يجوز إنما أن تغني بما ليس فيه كذب بما ليس فيه تحريف للدين هذا لا بأس به مع عدم مرافقة المعاصي يعني مع عدم شرب الخمر ونحو ذلك هذا لا بأس به، هذا صاحب القيْنة إذا استمع لصوتِ قينته وهي تُنشد له تغني له كم يفرح! وكم يكافئها ويُثني عليها، هنا المقصود أن قارئ القرآن الذي صوته حسن وقراءته صحيحة مع الاعتقاد السليم الصحيح هذا يكون له أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى، من هؤلاء الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه الذي كان من السلف وُلد سنة مائة وخمسين للهجرة وتُوفي سنة مائتين وأربعة رضي الله عنه أو مائتين وخمسن، كان رضي الله عنه حَسن الصورة وحسن الصوت، حتى إنّ بعض الناس كانوا إذا أرادوا أن يسمعوا قراءة القرآن على الوجه الصحيح الذي هو فيه ترقيق القلب ماذا يفعلون يذهبوا إلى الإمام الشافعي كانوا يقولون اذهبوا بنا إلى هذا الفتى المُطلبي، لأنه هو من ذرية المطلب فيجلسون عنده وكان هو يقرأ القرآن ومن شدة ما يحصل عندهم من الشوق كانوا يتساقطون يغلب عليهم الخوف من الله عزّ وجلّ، وهذا للسرّ في قراءته ليس كل قراءة فيها بركة لو كان صوته جميل، لكن إن كان مُخلصا مع التقوى مع العلم كما كان الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا فيه سرّ عظيم ليس كما كان في أيامنا يعني نسمع بعض الأشخاص لأجل المال يُحسنون أصواتهم ونحو ذلك والبعض قد يكون عنده من البركة ومن الخير لكن ليس كمثل الإمام الشافعي رضي الله عنه، الإمام الشافعي حتى كان من أولياء زمانه كان من أهل الكشف كان غوثا، ثلاثة من تلاميذه رحمهم الله، قال لأحدهم أنت في الحديث يعني أنت تشتغل بالحديث وهذا كان الربيع بن سليمان وكما ذكر الإمام الشافعي كتب الشافعي انتشرت كيف انتشرت؟ بطريق الربيع بن سليمان وكتب الشافعي مليئة بالحديث لأنه يحتج بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جانب الآيات من كتاب الله تبارك وتعالى فكان هذا كما ذكر الشافعي بيبقى بقي يشتغل بالحديث الإمام الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي وقال لآخر الذي هو البُويطي رحمه الله، قال له “أنت في الحديد” وفي المُزني قال: أنت رجل المناظرة يعني أنت قوي في المناظرة، فالذي قال له الشافعي أنت في الحديد حين حصلت المِحنة بسبب المأمون العباسي والمعتزلة الذين أثروا فيه صار الخليفة المأمون في ذلك الوقت يقول للناس: ” قولوا القرآن مخلوق وهذا الكلام لا يجوز كما سبق وذكرنا، إذا سئلت ماذا تقول في القرآن تقول القرآن كلام الله الذاتي الأزلي غير مخلوق وتكون تقصد بذلك كلام الله الذي هو صفته، أما اللفظ الموجود في المصاحف، هذا اللفظ مخلوق، لكن لا نستعمل هذا التعبير القرآن مخلوق، لأنه يوهم ما لا يليق بكلام الله سبحانه وتعالى وكما أنه لم يرد في لفظ السلف عبارة القرآن مخلوق لذلك المعتزلة بسبب معتقدهم الفاسد أقنعوا الخليفة أن يجبر العلماء على قول القرآن مخلوق، الآن بعض الناس خوفا من العقوبة كانوا يقولون القرآن مخلوق ويقصدون بذلك أن هذه الحروف مخلوقة، لكن كما ذكرنا هذا اللفظ بحدّ ذاته القرآن مخلوق حرام إطلاقه إلا في معرض التفصيل نقول أما الألفاظ الموجدة في المصاحف فهذه مخلوقة، لأننا نحن نكتبها نحن نطبعها أما أن نقول القرآن مخلوق هكذا ابتداء لا يجوز لأن هذا يوهم ما لا يليق بالله سبحانه وتعالى، فبعض العلماء خوفا من السّيف قالوا القرآن مخلوق، وبعض العلماء ما قبلوا أن يقولوا القرآن مخلوق، واستمرت هذه المحنة في زمن المعتصم أخ المأمون وفي زمن الواثق الذي هو ابن المعتصم حتى أحد العلماء حين أبى أن يقول القرآن مخلوق قطع رأسه وعُلّق على رمح وأُدير وجهه عن القبلة وجُعل حارس أمامه يراقبه في الليل هذا الرأس صار يتوجه إلى القبلة ويتلو سورة {يس (1) وَالْقُرْءانِ الْحَكِيمِ} إلى آخر السّورة، الرأس لوحده يتلو القرآن هذا كان من أولياء العلماء في ذلك الزمان اسمه أحمد بن نصر الخُزاعي رحمه الله رحمة واسعة، فبعض العلماء كما ذكرنا خوفا من العقوبة كانوا يقولون القرآن مخلوق وبعض العلماء أبى أن يقول أبى أن يقول القرآن مخلوق، الإمام أحمد بن حنبل كان في بغداد فأبى أن يقول القرآن مخلوق، فأخذه الخليفة المعتصم وسلّط عليه مائة وخمسين جلادا في ليلة واحدة يتعاقبون على ضربه لكنه لم يمت من هذا الضرب فالذي قال له الإمام الشافعي أنت في الحديد وهو البويطي كان في مصر عُرض عليه في مصر أن يقول القرآن مخلوق فأبى وهذا كله بعد وفاة الإمام الشافعي، يعني الشافعي توفي سنة مائتين وأربعة للهجرة، وهذه المحنة بدأت سنة مائتين واثنا عشرة، يعني الإمام أحمد بن حنبل بقي في السجن ثمانية وعشرين شهرا أبى أن يقول القرآن مخلوق وضُرب وحصل له ما حصل، كذلك البويطي في مصر أبى أن يقول القرآن مخلوق، فأتى الأمر أن يُساق مكبولا من مصر إلى بغداد في الحديد فصار كما أخبر الإمام الشافعي رضي الله عنه ومات البُويطي وهو في الحديد وكل هذا حتى لا يقول القرآن مخلوق، وما هو الهدف من ذلك؟ أليس المقصود منه حفظ عقيدة المسلمين من الزيغ، لأن الذي يعتقد أن كلام الله الذي هو صفته مخلوقا، هذا ما عرف الله، الله تعالى صفاته أزلية، لا صفة من صفاته تكون حادثة مخلوقة، كذلك من اعتقد أن هذه الحروف التي في المَصَاحف ليست مخلوقة، كذلك هذا كذّب الذي وكذّب العقل وهذا يكون خارجا من الإسلام، فلأجل حفظ الدين أبوْا أن يقولوا: القرآن مخلوق، وهكذا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه، كذلك الثالث المُزني الذي قال له الإمام الشافعي أنت رجل المناظرة صار قويا في المناظرة أي إنسان يناظره كان المُزني يقوى عليه، هكذا الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، بعض الجهال ماذا يظنون؟ يظنون أن العلماء لا يكونون من الأولياء وأنهم ليس لهم كرامات، إنما الكرامات على زعمهم هي فقط لأهل الطريقة المتصوفين، وهذا جهل، الذي هو ينتسب إلى الطريقة ويتصوّف، ولا يكون تعلّم علم الدين الضروري الولاية حرام عليه، الكرامة حرام عليه، إذا لم يتعلم ما افترض الله عليه من علم الدين {ما اتخذ الله وليا جاهلا} لا بد أن يتعلم لو لم يصل عالما ولكن لا بد أن يتعلم الضروريات أما العلماء فهؤلاء أقرب، العالم العامل بعلمه العالم الذي يعمل بعلمه باطنا وظاهرا كما ذكر شيخنا رحمه الله هذا هو الولي، سواء ظهرت له كرامة أو لم تظهر له كرامة، من لنا في هذا الزمن مثل الإمام الشافعي رضي الله عنه، الذي كان إذا قرأ القرآن فاستمع له الناس يتساقطون من شدة الفرح ومن شدة الخشية من الله سبحانه وتعالى، ومن شدة اللذة لسماع القرآن لسماع كلام الله تبارك وتعالى، الإمام الشافعي رحمه الله كان عالما فقيها مجتهدا محدثا يحفظ حديث النبي عليه الصلاة والسلام، الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي ذكر قال: “لا تسُبوا قريشا فإن عالمها يملأ طباقَ الأرض عِلما” يعني معناه سيأتي عالم من قريش يملأ جهات الأرض علما، هكذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، العلماء بعد ذلك فكروا من يكون هذا؟ عالم قريش يملأ طباق الأرض علما، فكّروا فوجدوا أنه ينطبق على الإمام الشافعي رضي الله عن، لماذا؟ لأنه هو القريش بين الأئمة الأربعة، أبو حنيفة لم يكن قرشيا ومالك لم يكن قريشيا والإمام أحمد بن حنبل هؤلاء الثلاثة ليسوا من قريش إلا الإمام الشافعي رضي الله عنه فلذلك أهل العلم فسروا هذا الحديث بالإمام الشافعي وكذلك لأنه لو نظرنا في التاريخ علم الإمام الشافعي انتشر في الشرق والغرب إلى يومنا، أهل مذهبه في الشرق والغرب والجنوب والشمال إلى يومنا هذا، فإذن نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من الذين يتبعون هؤلاء الأئمة الأعلام، ثم يُستحب عند قراءة القرآن أن يُقرأ بالتفخيم يعني في التعظيم، لأنه ورد نزل القرآن بالتفخيم، معناه يقرأه على قراءة الرجال لا يُخضع الصوت فيه ككلام النساء كطريقة النساء في الكلام لا، يقرأ على قراءة الرجال.
الله تعالى يُعطينا حُسن تلاوة القرآن وحُسن اتّباع القرآن وحُسن اتّباع النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، وسبحان الله والحمد لله ربّ العالمين.