الحمد للهِ والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد رسول الله، اللهم علّمنا ما جهلنا وذكّرنا ما نسينا وزدنا علما، ونعوذ بك من حال أهل النار سبق وذكرنا عن جمع القرآن أنه جُمع على ثلاثة مراحل، أول ما جمع قلنا في زمن النبي عليه الصّلاة والسلام
كيف كان الصحابة يجمعون الآيات في السُّور وكانوا يدوّنونه كما ذكرنا على الألواح والرّقاع والعسب والأكتاف ونحو ذلك، وفي زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه حصل الجمع الثاني كأنها كانت أوراق متفرقة فكأنه جمعها وربطها في مكان حتى تُحفظ، وفي زمن سيدِنا عثمان رضي الله عنه جمعَ الجمعَ الثالث، اي أنه نسخ كتب القرآن على وجود القراءات المختلفة ما أمكنه حتى لا يختلف الناس هذا يكون قراءتي أحسن من قراءتك، وقراءتي هي الصحيحة وقراءتك ليست صحيحة ويحصل اختلاف وفتن، والقرآن كونه نزل على وجوه متعددة أُنزل القرآن على النبي عليه الصلاة والسلام على سبعة أحرف، المقصود يعني على قراءات متعددة وليس شرطا مجرد السبعة الرقم 7 لا إنما على قراءات متعددة كان سيدنا جبريل عليه السلام يقرأ القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول يقرأه على أصحابه الكرام ومن سمع من الرسول يُعلّم غيره من هذه القراءة، لذلك اختلفت القراءات ففي زمن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه جُمع ورُسم القرآن ما أمكنهم أن يجمعوا وجوه القراءات المختلفة، ووزّع كما ذكرنا المصاحف في الآفاق إما أربعة أو خمسة أو سبعة وزّعها حتى الناس تعتمدها وأحرق ما بقي مما لم يشتغلوا فيه هؤلاء الصحابة الذين كانوا مع زيد بن ثابت، وقيل بأنهم كانوا أكثر من ثلاثة، يعني جمعوا من المُهاجرين والأنصار حتى يضبطوا ما أمكنوا هذا المصحف، لذلك ذكر العلماء أن الفرق بين جمع سيدنا أبي بكر رضي الله عنه للقرآن وجمعِ عثمان له أن جمع أبي بكر كان للخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته بذهاب الحفظة للقرآن حين صار القتل كثيرا، خاصة عند معركة اليمامة لأنه لم يكن القرآن مجموعا في موضع واحد من حيث الكتابة ، كان كما ذكرنا كان مجموعا في صدور الصحابة فجمعه سيدنا أبو بكر في صحائف مُرتبا لآيات سُوره على ما وقّفهم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، أما جمع عثمان رضي الله عنه فكان لما كثر الاختلاف في وُجوه القراءة، حتى قرأوه بلغاتهم على اتساع اللغات كما أُوحي إلى النبي صلّى الله عليه وسلم مثلا واحد يقرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} واحد يقرأ{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}{إِنَّا أَنْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {نُنشِزُهَا} نَنْشُرُهَا} اختلاف القراءات فأدّى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، واحد يكون سمع قراءة ولم يسمع غيرها فسمع غيره قرأ خلاف ما يقرأ قد يُخطّئه فيحصل من ذلك اختلاف فيما بينهم وقد يحصل الفتنة، لذلك سيدنا عثمان رضي الله عنه خشي من تفاقم الأمر من ذلك فأمر بنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مُرتّبا لسُور القرآن واقتصر من سائر اللغات على لُغة قريش محتجّا بأن القرآن نزل بلغتهم، وقد ذكر القاضي أبو بكر في الانتصار في كتابه الانتصار قال: “لم يقصد عثمان قصْد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحيْن إنما كان قصده جمْعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك، يعني إلغاء ما ليس ثابتا عن النبي عليه الصلاة والسلام من القراءات، وأن يتبعوا مصحفا واحدا لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أُثبت مع تنزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه، كل هذا خشية دُخول الفساد والشُبهة على من يأتي بعد، هكذا اعتنى الصحابة الكرام بحفظ القرآن وكما ذكرنا أرسل سيدنا عثمان رضي الله عنه بنسخ من المصاحف إلى الأمصار المختلفة حتى يجتمعوا في كل ناحية على مصحف واحد ينسخون منه ويحفظون منه، فثم ننتقل بالكلام على ترتيب المصحف على ترتيب الآيات والسُور، ذكرنا سابقا أن الأجماع والنصوص المترادفة الواردة عن أهل العلم أن ترتيب الآيات توقيفي يعني كما علّم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول عليه الصلاة والسلام علّم أصحابه الكرام وهذا لا شُبهة فيه، وقد نقل الإجماع غير واحد من العلماء منهم الزركشي وغيره من العلماء الذين اختصوا بهذا العلم وكان من عباراتهم ترتيب الآيات في سُورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين، ومن النّصوص التي حصلت في زمن الصحابة النبي عليه الصلاة والسّلام مما يدل على أنها توقيفية ما أخرجه الإمام أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه قال كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ شخص ببصره ثم صوّبه ثم قال: “أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة، {ِإنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} الى آخر هذه الآية، معناه سيدنا جبريل عليه السلام هو كان يُبيّن للرسول صلى الله عليه وسلم ترتيبَ الآيات في السُور، كذلك ذكر البغوي الإمام البغوي في كتابه شرح السّنن قال: “الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدّفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا، خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن قدّموا شيئا أو أخروا من غير أن يضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُلقّن أصحابه ويُعلّمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مَصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلانه عند نزول كلّ آية أن هذه الآية تُكتب عقب آية كذا في سورة كذا، هذا كلام الإمام البغوي رحمه الله قال: فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله سبحانه جُملة إلى السّماء الدنيا ثم كان يُنزله مفرّقا عند الحاجة وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة.
الآن الكلام عن ترتيب السُّور يعني البقرة آل عمران النساء المائدة ترتيبها على هذا على هذه الهيئة هذه السورة قبل هذه السورة هل هو توقيفي أو هو باجتهاد من الصحابة، هو في حقيقة الأمر يعني بعض العلماء قد يقول في خلاف، هو الحقيقة الخلاف لفظي ليس خلافا حقيقيا لأنه كلهم متفقون إنو الترتيب ترتيب السُور كان كما كان يتلو النبي عليه الصلاة والسلام، يعني أحيانا الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في ركعة السبعَ الطوال، السبع الطوال اللي هني منهم البقرة آل عمران النساء المائدة الأنعام كان يقرأ هذه في ركعة واحدة على هذا الترتيب كما ورد حنذكر إن شاء الله تبارك وتعالى في النقول، بعض هذه السُور صرّح النبي عليه الصلاة والسلام إنو هذه السّورة تكون قبل هذه السورة، وبعضها بالفعل يعني بعضها صرّح بالقول وبعضها بفعله يعني كيف تلا هذه الآيات كيف كان يقرؤها متوالية في الصلاة، هنا حين قال العلماء بعض العلماء أنها باجتهاد من الصحابة المقصود بما يفهمونه من فعل النبي عليه الصلاة والسلام حتى يُرتب وإلا فهم متفقون في الغالب في الغالب متتفقون إلا في هناك بعض الاستثناءات لاعتبارات معينة لا ندخل فيها الآن، لذلك قال مثلا ابن فارس: جُمع القرآن على ضربين أحدها تأليف السّور كتقديم السّبع الطوال وتعقيبها بالمئيل سُور المئيل هي التي آياتها أكثر من مائة، والمثاني هي التي أتت بعد المئيل وهي أقلّ من مائة آية فهذا الترتيب قال هو الذي تولته الصحابة أما جمع الآخر جمع الآيات في السور قال هو توقيفي كما ذكرنا في سابقا تولاه النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر به جبريل عليه السلام عن أمر ربه، كذلك أبو بكر الأنباري قال: أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدّنيا ثمّ فرّقه في بِضع وعشرين يعني سنة فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية مثلا تنزل لجواب جوابا لمستخبر ويوقف جبريل النبي عليه الصلاة والسلام على مَوضع الآية والسورة، فاتساق السُور كاتساق الآيات والحروف، كله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قدّم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن، وكذلك قال الكرناني في كتاب البرهان ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وعليه كان صلى الله عليه وسلم يَعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده وعرضَه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين، وكان آخر الآيات نزولا {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه} الآية، فأمرهُ جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والديْن، فهذا يُفهم من كلام العلماء وما ينقلونه كيف أن ترتيب السُور توقيفي، ثم كذلك قال الطيبي أنزل القرآن أولا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقا على حسب المصالح ثم أُثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ، فنتيجة ها الكلام وهذه النقول قال الزركشي في كتابه البرهان: “والخلاف بين الفريقين يعني الفريق الذي قال باجتهاد الصحابة رُتب السور والفريق الذي قال: إنما هو توقيف وليس باجتهاد الصحابة قال والخلاف بين الفريقين لفظي قال لأن القائل بالثاني يعني أن القول الثاني أنه بالتوقيف وليس باجتهاد الصّحابة يقول: إنه يعني الرسول رمز إليهم ذلك ليعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته ولهذا قال مالك: إنما هم ألّفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذن ليس هناك اختلاف حقيقي بين القولين إنما الخلاف آل إلى أنه هل الترتيب للسور هو بتوقيفٍ قولي يعني الرسول صرّح هذه السورة قبل هذه السورة؟ أم بمجرد استناد فعلي، يعني أن الرسول حين تلا السُور تلاها على ترتيب معين فنظروا ماذا فعل الرسول فرتبوها كما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هنا يعني مجال النظر الذي بقي لهم في ذلك، فإذن والبيهقي رحمه الله في كتابه المدخل قال: كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مُرتّبا سُوره وآياتُه على هذا الترتيب، وذكر عن سورة الأنفال وسورة براءة كيف كما ورد في حديث سيدنا عثمان رضي الله عنه أنه جعلها جعَل الأنفال أولا ثم براءة من غير ذكر بسم الله الرحمن الرحيم، لأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان يفصل بينهما بالبسملة فتركها كما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذن ترتيب هذه السُور في هذا على هذا النسق هذا ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا نظرنا إلى ما ورد إلى ما ذُكر مثلا أن السبع الطوال النبي عليه الصلاة والسلام علّم ترتيبها كان يقرؤها متوالية على هذا الترتيب السبع الطوال، أما الحواميم التي فيها حام كذلك كان يقرؤها على نسق، والسُور التي هي من المُفصّل كذلك كان يقرؤها على نسق وذكر العلماء غير ذلك يعني مثلا الرسول قال: إقرأوا الزّهراويْن البقرة وآل عمران، وحديث أن الرسول قرأ بالسّبع الطِوال في ركعة، هذا الحديث رواه مسلم، وكذلك أن النبي عليه الصّلاة والسّلام ورد في الحديث الذي رواه ابن أبي شيبة في مُصَنّفه أنه كان يجمع المُفصّل في ركعة، وكذلك روى البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل يعني سورة بني إسرائيل التي هي سُورة الإسراء، لأن فيها بني إسرائيل سميت كذلك بهذا الاسم وسورة الكهف وسورة مريم وطه والأنبياء قال ابن مسعود: إنهن من العتاق الأُول وهن من قلادي يعني ذكرها على هذا النسق كما استقرّ ترتيبها، والنبي عليه الصّلاة والسّلام وردَ في البخاري أنه كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما ثم قرأ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد} والمعوذتين معناه هم على هذا الترتيب، لذلك قال أبو جعفر النحاس: المختار أن تأليف السُور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحديث واثلة أن النبي صلى الله عليه وسلم: “أُعطيت مكان التوراة السبع الطِوال” الحديث، فقال أبو جعفر النّحاس قال فهذا الحديث يدلّ على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنه من ذلك الوقت وإنما جُمع في المُصحف على شيء واحد.
وبهذا نكون عرَفنا كيف جُمع القرآن على المراحل الثلاثة وكيف رُتبت الآيات في السُور وكيف رُتبت السُور في المصحف كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسّلام وأصحابه الكرام.
الله سبحانه وتعالى يُعلمنا ويفتح علينا فتوح العارفين ويُثبّتنا على اتّباع القُرآن وحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الثبات على هدْي النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم إنه على ما نسأله قدير وسبحان الله والحمد للهِ ربّ العالمين.