بسم اللهِ الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين صلوات الله البرّ الرّحيم والملائكة المقربين على سيّدنا محمّد خاتم النبيين وأشرف المُرسلين وعلى سائر إخوانه النبيين وآلِ كل والصّالحين.
أيها الأحبة نلتقي مجددا مع القرآن العظيم في شهر رمضان الكريم نتلو شيئا من كتاب الله عزّ وجلّ ونبين ما يسّر الله لنا أن نبين من بعض الأحكام، نسأل الله سبحانه وتعالى حسن النية والقول والعمل ونسأله العفو والعافية وحسن الختام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4) أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَن كُنتُمْ قَوْمًا مُّسْرِفِينَ (5) وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُون (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ (8) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ(14) وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَ مَن يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (20) أَمْ ءاتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا ءابَآءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا ءابَآءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءابَآءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاء وَءابَآءهُمْ حَتَّى جَاءهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} صدق الله العظيم.
هذه الآيات من بداية سورة الزخرف وهذا على قراءة الإمام أبي جعفر الذي هو القارئ الثامن بعد القراء السبعة المشهورين، وأبو جعفر كان الإمام نافع المدني ممن قرأ عليه أبو جعفر كذلك مدني، وبينه وبين رواية حفص التي اعتاد المسلمون عليها في بلاد الشام وفي كثير من البلاد يوجد بعض الفوارق، فمثلا في الحروف التي تقرأ بأسمائها في بدايات السور التي سبق وذكرنا أنها أربعة عشر حرفا يسكت بين هذه الحروف حم يفصل بسكتة قصيرة بين الحاء وبين الميم، ثم كذلك يوجد بعض الاختلافات بغير هذا وهْو يسكن الهاء ب وهْو وف هْو وما يأتيهم وما ياتيهم يستهزئون يقف عليها يستهزون من خلق كذلك يخفي النون عند الخاء مهدا ومهادا قرئ بالوجهين ميْتا وميّتا جُزءا وجُزّا بعض الخلافات، وهذه السورة الله سبحانه وتعالى يقول: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} هنا هذه العندية عندية منزلة ومكانة وليست عندية منزل ومكان، الله عز وجل منزه عن أن يحل في مكان لأنه عزّ وجلّ ليس جِسما ولا يشبه شيئا من خلقه، الملائكة لهم قدر عظيم كلهم عباد الرحمن الذين هم لا يعصون الله ما أمرهم يسبحون الليل والنهار لا يفتُرون عن عبادة الله سبحانه وتعالى، والملائكة كما بينا ليسوا ذكورا ولا إناثا فالذين كانوا يقولون عن الملائكة إنهم بنات الله، الله عزّ وجلّ يقول: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ أأُشَهِدُوا خَلْقَهُمْ آأَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} يعني لم يشهدوا خلقهم فكيف يفترون ويقولون هم إناث أم هم ذكور، والملائكة خلقهم الله سبحانه وتعالى ليسوا إناثا ولا ذكورا خلقهم من النور هم على صورة جناحين فأكثر، لكن قد يتشكلون بصور جميلة بصور البشر يتشكلون كما كان سيدنا جبريل في بعض الأحاديث جاء بهيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لكن من غير أن تكون لهم آلة الذكورة، وهذه السورة اسمها سورة الزخرف وهذه الدنيا فيها من الزخارف ومن الملاهي التي تلهي عن طاعة الله وعبادته فيها الشيء الكثير لكن المؤمن التقي الصالح لا يغتر بزخارف هذه الحياة الدنيا إنما يمشي بطاعة الله سبحانه وتعالى يؤثر ما عند الله عز وجلّ على ما في هذه الدنيا الفانية وفي هذه السورة يقول الله عز وجلّ: {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} يعني لولا كراهة أن يكون الناس كلهم على الكفر {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سَقْفا أو سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} وهنا هذه الآيات فيها عبر عظيمة وحكمة كبيرة لمن يعتبر ولمن يتفكر، الله عز وجل يقول: {وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ (سَقْفا) أو سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} هذه المعارج هي السلالم عليها يَظْهَرُونَ يعني يرتقون من مكان إلى مكان أعلى، {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ {سُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ أو يَتَّكِؤُونَ} {وَزُخْرُفًا} يعني الله عز وجل لا يحب لعباده أن يكونوا على الكفر لا يرضى لعباده أن يكونوا على الكفر، إنما يحبّ أن يكونوا مؤمنين طائعين ولأن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ليس لها شأن لكن حتى لا ينساق الناس إلى الكفر جعل فيما بين المؤمنين فقراء وأغنياء وإنما أكثر أهل الجنة هم الفقراء، وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ على الكفر كان الله عز وجلّ جعل للكافرين لبيوتهم سُقُفا من فضة وزخرفا يعني وذهبا، البيوت الآن حتى يُحصلها الإنسان يحتاج إلى عمل وجهد كبيرن فإذا حصل بيتا من تراب وإسمنت وحديد ونحو ذلك هذا له في هذه الأيام ثمن كبير فما بالك لو كانت السقف أو كان هذا السقف من ذهب أو من فضة كم يكونوا له ثمن باهظ ولو كانت السلالم وهذه المعارج لو كانت من ذهب وفضة ولو كانت البيوت من ذهب وفضة كانت أبوابها وكان لهم سُرر من ذهب وفضة، كم يكون له عند الناس ثمن عظيم لكن عند الله عز وجل هذا بالنسبة للآخرة لنعيم الآخرة الدنيا كلها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، حتى لا ينساق الناس إلى الكفر كان الله عزّ وجل جعل للكافرين هذه المزية كان أعطاهم الدنيا لكن الآخرة ليست لهم، نبينا عليه الصّلاة والسّلام حين رؤي وقد أثّر الحصير في جنبه الشريف قيل له يا رسول الله أنت تنام على الحصير وكِسرى وقيصر ينامان على الحرير؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: “ما يعطي أنّ الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة” قال: ” أما يرضيك أن لهم الدنيا ولنا الآخرة” أو كما جاء عن النبي عليه الصّلاة والسّلام لذلك لا ينبغي أن يغتر الإنسان بهذه الحَياة الدنيا التي مهما جمع فيها لا بدّ أن يتركه إذا مات يترك كل ما جمع ويُسأل عن كل ما جمع ثم في الآخرة إن لم يكن عل طاعة الله عز وجل يخسر خسرانا عظيما، هذا الكافر الذي غرتّه الدنيا إذا مات خسر الدنيا وخسر الآخرة وذلك هو الخسران المبين، لذلك نرى أن أنبياء الله وأن عباد الله الصالحين لم تكن هذه الدنيا تغرهم ولا تعني لهم الشيء الكثير، نبينا عليه الصّلاة والسّلام بين في حديثه أن ما يكسبه الإنسان في هذه الدنيا مما كفى ولم يغرّه أن يزداد من نعيم الدنيا ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وأنبياء الله كان شأنهم في هذه الحياة الدنيا كسب الأوقات والأعمار في العمل الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.
نسألُ الله عزّ وجلّ أن يوفقنا لاتباع نهج النبي عليه الصّلاة والسّلام ونهج وسيرة الأنبياء والصالحين، إن الله على ما يشاء قدير وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.