بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. سنتكلم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة النازعات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا النازعات الملائكة، ومعنى – غرقًا أي إنها تنزع أرواح الكفار بشدة ثم قال الله عز وجل وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا أي الملائكة تنشط نفس المؤمن بقبضها أي تسلها برفق، ثم قال الله عز وجل وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا أي الملائكة تتصرف في الآفاق بأمر الله تعالى تجيء وتذهب فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًاأي الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا أي الملائكة يدبرون أمور المطر والسحاب والنبات وغير ذلك ومن أول السورة إلى هذا الموضع قسم أقسم الله تعالى به وجواب ما عقد له القسم مضمر محذوف وتقديره لو أظهر وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا 1 وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا 2 وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا 3 فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا 4 فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا لتبعثن ثم لتحاسبن، ثم قال الله عز وجل يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ الراجفة هي النفخة الأولى وبها تتزلزل الأرض والجبال تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ الرادفة هي النفخة الثانية وبينهما أربعون عامًا النفختان هما الصيحتان أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله أما الثانية فتتبع الأولى وتحيي كل شيء بإذن الله ثم قال الله عز وجل قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ أي قلوب الكفار هي قلوب الكفار تكون شديدة الخوف يوم القيامة شديدة الاضطراب من الفزع أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌأي أبصار أصحاب هذه القلوب ذليلة من هول ما ترى يَقُولُونَ أي كانوا يقولون في الدنيا أصحاب هذه القلوب والأبصار كانوا يقولون في الدنيا إنكارًا للبعث واستهزاء أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ كانوا يقولون في الدنيا أنرد بعد الموت إلى الحياة أي في القبور أنبعث بعد الموت كانوا يتساءلون ويقولون هذا الكلام من باب الاستهزاء والعياذ بالله يقولونه من باب استبعاد حصول هذا الشيء وكانوا أيضا يقولون كما أخبر الله عز وجل أءذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً أي عظاما بالية متفتتةً مراد الكفار بقولهم ذلك هو أءذا كنا عظامًا متفتتةً بالية نحيا قالوا ذلك إنكارًا وتكذيبا بالبعث كما تقدم قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ قالوا أي الكفار تلك أي رجعتنا إلى الحياة إن رددنا كرة الخاسرة أي نحن نكون خاسرين إن رددنا أيضا قالوا ذلك على وجه الاستهزاء والعياذ بالله ثم قال الله عز وجل فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ أي الرادفة وهي النفخة الثانية التي يعقبها البعث زجرة واحدة نفخة واحدة يحيا بها الجميع فإذا هم قيام ينظرون وذلك تضمن سهولة البعث على الله وأنه ليس أمرا صعبًا عليه تبارك وتعالى وذلك لأن قولهم وأئنا لمردودون في الحافرة يتضمن استبعاد النشأة الثانية واستصعاب أمرها فرد الله قولهم فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِأي فإذا الخلائق أجمعون على وجه الأرض بعد أن كانوا في بطنها أمواتًا فقال الله عز وجل هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى أي قد جاءك يا محمد وبلغك خبر موسى قصة موسى وتمرد فرعون وما آل إليه حال موسى من النجاة وحال فرعون من الهلاك وفي ذلك تبشير لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنجاته من أذى المشركين و هلاكهم إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ومعنى – المقدس المبارك المطهر اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى أي أن فرعون تجاوز الحد في الكفر فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى أي أدعوك إلى أن تسلم وتعمل خيرًا و تتحلى بالفضائل وتتطهر من الرذائل وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى أي أرشدك إلى معرفة الله تعالى بالبرهان فتخافه عز وجل فتؤدي الواجبات وتجتنب المحرمات في الآية هذه دلالة على أن الإيمان بالله مقدمٌ على العمل بسائر الطاعات لأن الله تعالى ذكر الهداية أولًا وجعل الخشية مؤخرة عنها و مفرّعة عليها فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى أي فذهب موسى عليه الصلاة والسلام وبلغ ما أمره ربه فطلب فرعون آية فأراه موسى الآية الكبرى أي العلامة العظمى والآية الكبرى عصاه ويده كما قال الله عز وجل فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي أن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ألقى عصاه فانقلبت ثعبانا حقيقيًا وهذه معجزة لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام ونزع يده أخرج يده فخرج منها نور عظيمٌ رءاه كل من كان حول سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام فكانت معجزة أخرى عظيمة لكن فرعون كذب كما قال الله عز وجل فَكَذَّبَ وَعَصَى أي كذب فرعون موسى وعصى الله لم يؤمن ولم يقبل بما أمره به موسى عليه الصلاة والسلام مع أنه رأى المعجزة الدالة على صدق موسى في ما أتى به ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى أدبر فرعون ولى مدبرًا معرضًا عن الإيمان يسعى أي يعمل بالفساد في الأرض و يجتهد في نكاية أمر موسى والعياذ بالله فَحَشَرَ فَنَادَى جمع فرعون السحرة للمعارضة وجمع جنوده وقام فيهم خطيبا فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى أعوذ بالله قال لهم أنا ربكم الأعلى فرعون يريد بذلك لا رب لكم فوقي والعياذ بالله فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى أخذه الله أخذًا هو عبرة لمن رءاه أو سمعه عاقبه على كلمته الأولى وهي قوله ما علمت لكم من إله غيري وكلمته الآخرة وهي قوله أنا ربكم الأعلى وكان بين الكلمتين أربعون سنة فأهلكه الله عز وجل بالغرق في الدنيا ويوم القيامة يعذب في نار جهنم كما قال الله تعالى وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ نسأل الله السلامة إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى أي أن الذي جرى لفرعون فيه عبرة لمن يخاف الله عز وجل ثم قال الله عز وجل ءأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا يريد الله بهذا الخطاب أهل مكة الذين أنكروا البعث والكلام يجري مجرى التقريع والتوبيخ والاستدلال على من أنكر البعث والمعنى -: أخلقكم بعد الموت مع ضعف الإنسان أشد أم خلق السماء في تقديركم مع ما هو مشاهد من ديمومة بقائها وعدم تأثرها إلى ما شاء الله عز وجل فنسبة الأمرين إلى قدرة الله عز وجل نسبة واحدة لأن قدرة الله تامة لا يلحقها عجز ولا نقص ثم يصف الله السماء بأنه هو الذي خلقها خلقها فوقنا كالبناء فقال عز وجل رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا أي جعل مقدار ذهابها في العلو مديدًا رفيعًا مسيرة خمسمائة عام وما بين الأرض والسماء مسيرة خمسمائة عام وكذا ما بين كل سماء وسماء إلى سبع سماوات رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا السمك هو الارتفاع الذي بين سطح السماء الذي يلينا وسطحها الذي يلي ما فوقها ومعنى – فسواها أي جعلها ملساء مستوية بلا عيب ليس فيها مرتفع ولا منخفض هي محكمة الصنع متقنة الإنشاء وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وأغطش ليلها أي أظلم ليلها وأخرج ضحاها أي أبرز نهارها وضوء شمسها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا الله سبحانه و تعالى خلق الأرض قبل السماء ثم إن الله خلق سبع سماوات ثم دحا الأرض أي بسطها أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا أي أخرج الله من الأرض العيون المتفجرة بالماء والنبات الذي يرعى وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا أي أثبتها الله على وجه الأرض لتسكن مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ أي أن الله خلق ذلك لمنفعتكم ومنفعة مواشيكم الأنعام والنعم الإبل والبقر والغنم ثم قال الله عز وجل فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى الطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع فالمراد بالطامة الكبرى يوم القيامة يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى أي ذاك اليوم يتذكر الإنسان ما عمله في الدنيا من خير أو شر يراه مدونا في صحيفته و كان قد نسيه إما من فرط الغفلة أو من طول المدة نسأل الله السلامة وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى أي أظهرت جهنم يراها تتلظى كل ذي نظر فيشكر المؤمن نعمة الله وأما الكافر فإنه يفزع منها فَأَمَّا مَنْ طَغَى أي من تجاوز الحد في العصيان والكفر وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا أي انهمك فيها باتباع الشهوات والركون إليها وترك الاستعداد للآخرة فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى أي أن جهنم هي مأوى من طغى و آثر الحياة الدنيا ومات على الكفر والعياذ بالله فإنها مأواه يخلد فيها إلى ما لا نهاية وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ أي خاف وقوفه يوم القيامة للحساب والجزاء والسؤال وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى أي زجرها عن المعاصي والمحرمات فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى أي أن من عمل الصالحات فإن منزله الجنة جعلنا الله تعالى جميعا منهم ثم قال الله عز وجل يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا أي يسألك كفار مكة متى وقوع الساعة يا محمد متى زمانها يسألونه استهزاءً فقال الله عز وجل فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا أي فيم يسألك المشركون عنها ولست ممن يعلمها حتى تذكرها لهم وفيه إنكار على المشركين في مسألتهم له عليه الصلاة والسلام ثم قال الله عز وجل إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا أي إلى الله منتهى علم الساعة فلا يوجد عند غيره علم وقتها وزمنها قال الله تعالى إن الله عنده علم الساعة، إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا أي إنما ينتفع بإنذارك يا محمد وتخويفك من يخاف هولها فيمتنع عن الكفر والطغيان ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان منذرًا لكل مكلفٍ فمعنى – الآية إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا أي ينتفع بإنذارك يا محمد من يخافها، ثم قال الله عز وجل كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَاكأنهم أي كأن الكفار يوم يرونها أي يرون القيامة يرون أهوالها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا أي في الدنيا إلا عشية أو ضحاها فإنهم حين يرون أهوال الآخرة يشعرون كأنهم ما مكثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار و ذلك من شدة ما يرون من الأهوال نسأل الله عز وجل السلامة
و الله أعلم وأحكم