قال الشيخ جميل حليم
من نصائح الولي المرشد العلامة الشيخ الهرري
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
اللهمّ لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت يا حيّ يا قيّوم تجعل الحزن إن شئت سهلا اللهم فاغفر لنا وارحمنا وتب علينا وعافنا واعف عنّا وسامحنا وأصلحنا وأعنّا على الصيام والقيام وأكرمنا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم وبرؤية ليلة القدر وبدخول الجنّة مع الأولين إنّك على كل شىء قدير.
من يفسر القرءان برأيه
أما بعد،
إخواني وأخواتي بارك الله بكم وحفظكم الله ورعاكم وسددكم قال مولانا الشيخ الإمام الحافظ المجتهد المجدد المرشد أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن يوسف الهرري رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا بعلومه وبركاته آمين قال رحمه الله رحمة واسعة:”من يفسر القرءان برأيه فهو من أهل الكبائر يعرض نفسه للهلاك وللخطر” فالحذر الحذر من تفسير القرءان بالرأي وقد قال عليه الصلاة والسلام:”من قال في القرءان بغير علم فليتبؤ مقعده من النار“. يعني من قال في القرءان وتكلم في القرءان برأيه بغير علم فليتبؤ مقعده من النار يعني فليفترش له فليتخذ له مكانًا في النار والعياذ بالله تعالى وهذا في معرض التهديد والوعيد.
إخواني وأخواتي من الآيات القرءانية التي يفسرها المشبهة المجسمة على هواهم بآرآهم بما هو تكذيب للقرءان هذه الآية الكريمة:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} فيحرفون معناها ويشبهون الله بخلقه ويجعلونه جسمًا وحجمًا وجسدًا وقاعدًا وجالسًا ويدّعون أنهم سلف ويقولون نحن السلفية كذبًا وزورًا وبهتانًا يوهمون الجهال بهذه العبارة أنهم على عقيدة الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة منهم براء لماذا لأنه صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف والخلف كلهم على تنزيه الله تعالى على معنى هذه الآية الكريمة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} يعني الله لا يشبهه شيئًا من كل خلقه بالمرة لا يشبه شيئًا من الأحجام والأشكال والألوان والهيئات لا شكل له ولا يوصف بالقعود ولا بالجلوس ولا بالحجم الصغير ولا بالحجم الكبير لا يوصف بشىء من صفات المخلوقين وهذا ليس نفيًا لوجوده لا. بل هناك في المخلوقات أشياء موجودة والعقل لا يستطيع أن يتصورها ولا يكون ذلك نفيًا لوجودها مثلا الروح الروح فينا ومعنا ولا نستطيع أن نتصورها ولا أن نتخيلها فهل يكون ذلك نفيًا لوجود الروح لا لو كان نفيًا لوجود الروح لكان كل هذا البشر والجن والملائكة والبهائم من الجمادات لكانوا من الجمادات إذا كانوا أمواتًا وهذا لا يقوله عاقل إذًا الروح موجودة وهي فينا ومعنا ولا نستطيع أن نتخيلها ولا نستطيع أن نتصورها وهي مخلوقة والله خالق وهو موجود ولا نستطيع أن نتخيله ولا نستطيع أن نتصوره لأن الله لا شبيه له بالمرة.
إذًا الله موجود لا كالموجودات لو كان قاعدًا لو كان جالسًا لكان محتاجًا.
إذًا الأنبياء والأولياء والملائكة والصحابة والسلف والخلف على عقيدة التنزيه الله لا شبيه له الله لا مثيل له الله لا كمية له الله لا حجم له الله لا أعضاء له الله لا صورة له الله منزه عن القعود والجلوس وعن الحلول في الأشياء وعن التغير وهذا ليس نفيًا لوجوده وهو سبحانه موجود أزلا وأبدًا بلا جهة ولا مكان ماذا تقول المشبهة إذا قلتم ليس كمثله شىء ولا شبيه له وموجود بلا مكان فقد نفيتم ربكم يقال لهم كذبتم الله قال: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} فهل يكون نفى وجود نفسه الله قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} فهل يكون أنكر وجود ذاته لا هذا لا يقوله عاقل ولا يقوله فاهم ولا يقوله مؤمن ولا يقوله مسلم بل الله موجود ووجوده ثابت لأن العالم كله دليل على وجود الله بل سُمي العالم عالمًا لأنه علم أي علامة أي دليل على وجود الله عزّ وجلّ فهذا العالم كله على ما فيه دليل يدل على وجود الله الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ}.
ويقال لهم في المخلوقات أشياء أنتم تقرون بوجودها ونحن نقر بوجودها تعترفون بأنها موجودة ونعترف بأنها موجودة ولا نستطيع أن نتصورها لا نستطيع أن نتخيلها كالألم كاللذة كالفرح هل نستطيع أن نتخيل حقيقة اللذة حقيقة الفرح حقيقة الألم الألم بذاته ليس اليد المضروبة ليس العين المقلوعة لا ليس الفم الذي يضحك لا، هذه الجوارح وهذه الأعضاء وهذه الأشكال نراها إنما نتكلم عن حقيقة اللذة والفرح والألم من منكم يرى حقيقة عقله هل تنكرون هذه الأشياء يقولون لا هي موجودة ومع ذلك لا يستطيعون أن يتخيلوا وأن يتصوروا هذه الأشياء وهذا ليس إنكارًا لوجودها والله موجود ولا يشبه الموجودات وهذا ليس إنكارًا لوجوده.
ويقال لهم كما كان موجودًا قبل وجود السموات والأرض والعرش والفضاء والجنة والنار وكان موجودًا بلا مكان قبل وجود هذه الأشياء وهذا ليس إنكارًا لوجوده وليس نفيًا لوجوده كذلك بعدما خلق السموات والأرض والجنة والنار والعرش والفرش وكل هذا العالم ما زال موجودًا بلا مكان كما كان قبل أن يخلق العالم وبعد أن خلق العالم لم يتغير فما زال موجودًا بلا مكان وهذا ليس إنكارًا لوجوده وليس نفيًا لوجوده ويجب الاعتقاد بأن الله صادق فيما قال وهو قال في القرءان: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} يعني مضى وقت مخلوق ماكان فيه ظلمة ونور وهذا أثبته القرءان وأما عقولنا لا تستطيع أن تتصور وقتًا ليس فيه نور ولا ظلمة عقولنا تتصور الظلمة تتصور النور أما وقت مخلوق مضى ليس فيه نور ولا ظلام لا نستطيع أن نتصور ذلك لا نحن ولا أنتم وهذا أثبته القرءان فهل هذا يكون موجودًا أم لا بلى موجود كان موجودًا وإن كانت عقولنا لا تستطيع أن تتخيله ولا أن تتصوره والقرءان أثبته {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} يعني مضى وقت مخلوق لم يكن فيه نور ولا ظلام أول المخلوقات على الإطلاق الماء الماء لم يكن النور ولا الظلام في هذا الوقت المخلوق لم يكن نور ولا ظلام عقلنا يتصور النور وحده أو الظلام وحده أو النور والظلام هذا إلى جنب هذا أما وقت مخلوق موجود ليس فيه نور ولا ظلام من منا يستطيع أن يتصوره لا نستطيع وهذا ليس إنكارًا لذلك الوقت المخلوق الذي كان موجودًا ولم يكن فيه نور ولا ظلام والقرءان أثبته ونحن وأنتم نقر به ولا يكون إنكارًا لذلك الوقت فكيف تريدون بزعمكم أن تتصوروا الله وأن تتخيلوا الله وأن تعتقدوا أنه بهيئة وشكل وصورة ومكان وتقولون إن نفى الأشاعرة عن الله ذلك فقد أنكروا وجود الله وأنكروا وجود الخالق يقال لهم كذبتم نحن نقر بوجود الله ونعتقد أنه موجود لكن العقل لا يستطيع أن يتصوره كما أن تلك الأشياء المخلوقة لا يستطيع العقل أن يتصورها ومن باب أولى أن العقل لا يستطيع أن يتصور الخالق الله يقول في القرءان: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} يعني الذي لا تصل إليه الظنون ولا الأفهام ولا الأوهام ولا التخيلات ولا التصورات لا تدركه لأنه لا شبيه له هذا القرءان:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} هذا القرءان والرسول عليه السلام يقول:”لا فكرة في الربّ”. العقل لا يستطيع أن يتصور الله وأبي بن كعب أقوى الصحابة في قراءة القرءان فسّر هذه الآية قال: “الذي ينتهي دونه فكر من تفكر” هذا معنى {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى}.
بعد هذه المقدمة نأتي إلى الآية: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} ليس معناها جلس أو قعد أو استقر أو حاذى من غير جلوس هذا كله لا يجوز على الله لأن هذا من صفات الأجسام ومن صفات المخلوقين ومن صفات المحتاجين ومحتاج لغيره من يكون في مكان محتاج لغيره محتاج لمن أوجده محتاج لمن جعله على هذه الكمية والشكل والحجم محتاج للمكان الذي هو فيه والمحتاج عاجز والعاجز لا يكون إلهًا وكلمة استوى في لغة العرب لها خمسة عشر معنى في حق الله تُفسر بحفظ واستولى وسيطر وأبقى وقهر وهذا تعظيم لله لأن الله قال {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} فلماذا تركتم ما يليق بالله فأعرضتم عنه من المعاني وذهبتم إلى ما لا يليق بالله إلى ما هو تشبيه لله بخلقه وهو نسبة الاحتياج والعجز إلى الله وهو عقيدة اليهود والكفار فقلتم به فقلتم الله قاعد وقلتم الله جالس وقلتم الله بذاته متحيز فوق العرش وقلتم حقيقة فوق العرش وهذا تكذيب لربّ العالمين: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} والقاعد يكون له نصف أعلى ونصف أسفل ينثني وينطعج والقاعد له جسم أعلى يلتصق بجسم أسفل يجلس عليه وهل يليق بالله أن يكون له هذه الأعضاء والآلآت وهل يليق أن يتصل بجسم أو جسد لو كان كما زعمتم فقد جوزتم عليه أن يتصل بامرأة وأن يكون له ولد وهذا لا يقوله مسلم.
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا} {وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ} ءايات قرآنية تنزه الله عن الجلوس وعن الحجمية وعن القعود وعن الاستقرار والمحاذاة والتغير والتطور والتبدل هذا القرءان ونحن مع القرءان قال سيدنا علي بن أبي طالب:” إن الله خلق العرش إظهارًا لقدرته ولم يتخذ مكانًا لذاته” رواه الإمام المحدث المؤرخ عبد القاهر بن طاهر أبو منصور التميمي البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق.
والحمد لله ربّ العالمين.