-الآياتُ المحكماتُ والمتشابهات : الآياتُ المحكمات والمتشابهات فيها وصفُ الله تعالى بصفاته، إنْ لم تُفْهَم على وجهها وفُهِمَتْ على وجه يُعاكِسُ المقصودَ بها فإنَّ الإنسان قد يقعُ في الضلال والهَلَكة والعياذ بالله، بل إنَّ الإنسان قد يقعُ في الضلال والهلكة عند ذلك.
-قال المؤلف : لِفَهْمِ هذا الموضوعِ كما ينبغي : أي على وجهه.
-قال المؤلف : يجبُ معرفةُ أنَّ القرءان توجدُ فيه ءاياتٌ محكماتٌ وءاياتٌ متشابهات : يوجدُ هذان النوعانِ من الآياتِ في القرءان.
-قال المؤلف : قال تعالى { هو الذي أنْزَلَ عليكَ الكتابَ } : أي يا محمد. { الكتاب } يعني القرءان.
-قال المؤلف : قال تعالى { منه ءاياتٌ محكماتٌ هُنَّ أمُّ الكتاب } : { هنَّ أمُّ الكتاب } أي هن أصلُ الكتاب، أساسُه، أُسُّهُ، هذا معناه.
-قال المؤلف : قال تعالى {وأُخَرٌ متشابهات} : وءاياتٌ أخرى متشابهات. الآن بعد هذا يُبيِّنُ إنْ شاء الله معنى الـمُحكم ومعنى المتشابه. لكنْ ينبغي الإنتباه أنَّ الأصل والمرجِع هو الـمُحكَم{ هنَّ أمُّ الكتاب }.
-قال المؤلف : قال تعالى { فأمَّا الذين في قلوبهم زَيْغٌ فيتَّبِعون ما تشابَهَ منه ابتغاءَ الفِتنةِ وابتغاءَ تأويلِهِ } : أمَّا الذين في قلوبهم زَيْغٌ، الذين قلوبُهُم ليست صافية من حيث العقائد فيها خَلَل فَيَتَّبِعون ما تشابه منه، يجعلون هَمَّهم الآيات المتشابهات، يَتَتَبَّعونَها، لـماذا ؟ ابتغاءَ نَشْرِ الفِتنة، يريدون من ذلك الفتنة {ابتغاءَ تأويله} حتى يُحرِّفوها عن وجهها، حتى يُفَسِّروها على غير وجهها. لأنَّ الآيات المحكمة صريحة لا يستطيعون التلاعُبَ في تفسيرها، أمَّا المتشابهة فمن حيث اللغة تحتمِلُ معانِيَ، لذلك يَتَتَبَّعون هذه الآيات المتشابهة حتى يُلْقوها للناس مفسِّرين لها على غير وجهها لإيقاع الفتنة بين المسلمين. نعوذُ بالله من ذلك.
-قال المؤلف : قال تعالى {وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ والراسخون في العِلْمِ يقولون ءامنَّا به كلٌّ من عند ربِّنا وما يَذَّكَّرُ إلا أولو الألباب } : هذا شأنُ الراسخين في العلم، يقولون { ءامنَّا به } المحكَم والمتشابه، {كلٌّ من عند ربِّنا } هذا مُنْزَل وهذا مُنْزَل، فلا نُفَسِّرُ أيًّا منهما، لا نفسِّرُ المتشابه تفسيرًا يُناقِضُ المحكَم لأنَّ هذا مُنْزَل وهذا مُنْزَل، هذا حقّ وهذا حقّ. إذن لا بد أنْ يكونَ ما يُحْمَلُ عليه المتشابه موافِقًا للمحكَم. { وما يَذَّكَّرُ إلا أولو الألباب } ما يَذَّكَّرُ إلا أولو العقول، هؤلاء الذين يفكِّرون وينظُرون على الوجه السليم هم الذين ينتفِعون بالتذكير.
-قال المؤلف : الآياتُ المحكمة : هي ما لا يحتَمِلُ من التأويل بحسبِ وضعِ اللغة إلا وجهًا واحدًا : إنْ شِئْتَ هكذا تُعَرِّفُ الآيةَ المحكمة، "ما لا يحتَمِلُ من التأويل من التفسير بحسب وضع اللغة على حسب لغة العرب إلا وجهًا واحدًا " إنْ شئتَ تقولُ هذا معنى المحكَم الذي ليس له في لغة العرب إلا معنىً واحدًا.
-قال المؤلف : أو ما عُرِفَ المرادُ به بوضوح : وإنْ شئتَ تقول "الآيةُ المحكَمَة هو ما عُرِفَ المرادُ منه بوضوح " كلُّ أحد يعرِفُ المقصودُ منه.
-قال المؤلف : كقولِهِ تعالى { ليس كمثله شىء } وقولِهِ { ولم يكنْ له كفوًا أحد } وقولِهِ { هل تعلمُ له سميًّا } : فهذه الآيات لا تحتَمِلُ بحسبِ لغةِ العرب إلا معنىً واحدًا وهو أنَّ الله تعالى لا شبيهَ له ولا مثيل ولا عديل، هذا معناها. وهذا يعرِفُهُ كلُّ واحد، كلُّ مسلم يعرِفُ أنَّ هذا معنى هذه الآيات، كلُّ عربيٍّ إذا كان يعرِفُ ويفهَمُ لغةَ العرب إذا قرأها يعرِفُ أنَّ هذا معناها. واضح معناها.
-قال المؤلف : الآياتُ المتشابهة، والمتشابِهُ هو ما لم تتضِحْ دِلالتُه : أمَّا المتشابه فهو الذي يُحتاجُ لمعرفةِ معناه المعنى المرادِ منه إلى الرجوعِ إلى المحكَم. يُحتاجُ إلى الرجوع إلى دليل ءاخر حتى يُعْرَفَ ما هو المراد منها.
-قال المؤلف : أو يحتمِلُ أوجُهًا عديدة : ليش ؟ لأنَّ دِلالَتَهُ لم تَتَّضِحْ، هذا معنى المتشابه. ليس كلُّ واحد يعرِفُ معناها إنما ما معناه غيرُ واضح، هذا معنى المتشابه. وإنْ شئتَ تقول " ما يجوزُ في لغة العرب، ما يحتَمِلُ بحسب اللغة أكثرَ من معنى". لو نظرنا إلى اللغة فقط لاحْتَمَلَ أكثرَ من معنى. إنْ شئتَ تقولُ هذا.
-قال المؤلف : أو يحتمِلُ أوجهًا عديدة : أي من حيث اللغة.
-قال المؤلف : واحتاجَ إلى النظر لحمْلِهِ على الوجه المطابق : يحتاجُ إلى الفِكْر والتأمُّل حتى يُحْمَلَ على الوجه المطابق.
-قال المؤلف : كقولِهِ تعالى { الرحمنُ على العرش استوى } : { استوى } في لغة العرب لها خمسةَ عَشَرَ معنى، تحتَمِلُ أوجُهًا عديدة، ما هو المعنى المراد ؟
-قال المؤلف : وقولِهِ تعالى { إليه يصعَدُ الكَلِمُ الطيبُ والعَمَلُ الصالحُ يرفَعُهُ } : كذلك هذا يحتَمِلُ أكثر من معنى، { إليه يصعدُ الكلمُ الطيبُ } الكلام عَرَض، ما معنى يصعَد ؟ العرض كيف يصعَد ؟ الصفة كيف تَصْعَد ؟ وغير ذلك. { يرفَعُهُ } هذه " الهاء " إلى أيْش ترجِع ؟ هذا ليس واضحًا.
-قال المؤلف : أي أنَّ الكَلِمَ الطيبَ كـ " لا إله إلا الله " يصعَدُ إلى محلِ كرامته وهو السماء : هنا فَسَّرَها المصنِّفُ حتى لا تبقى غيرَ واضحة. { إليه يصعدُ الكلمُ الطيب }، { إليه } أي إلى محل كرامته، " الهاء " ترجِعُ إلى الله، التقديرُ " إلى الله يصعَدُ الكلمُ الطيب أي أنه يُكْتَبُ في محل كرامته، هذا معناه.
-قال المؤلف : {والعملُ الصالح يرفَعُهُ } أي الكَلِمُ الطيبُ يرفعُ العملَ الصالح : كلمة " لا إله إلا الله " هي التي تجعَلُ العملَ الصالح مقبولا، {والعملُ الصالحُ يرفَعُهُ } أي يرفَعُهُ الكلمُ الطيب الذي هو " لا إله إلا الله " أي هو الذي يَجْعَلُهُ مقبولا من العبد أي الإيمان هو الذي يجعلُ العملَ الصالح من العبد مقبولا. إيه، هذا ليس شيئًا واضحَ المعنى يعرِفُهُ كلُّ أحد.
-قال المؤلف : وهذا منطبِقٌ ومنسجِم مع الآية الكريمة { ليس كمثله شىء } : وهذا متوافقٌ مع { ليس كمثله شىء } لا يجوزُ في هذه الآية أنْ يُفَسَّرَ { إليه يصعَدُ الكلمُ الطيب } أي إلى مكان اللهُ تعالى موجودٌ فيه، ما هذا، إنما معناه { إليه } إلى محل كرامته. { إني ذاهبٌ إلى ربّي سيهدين } هكذا قال سيدُنا إبراهيم. معناه أنَّ الله كان في الشام ؟!!! هو ذَهَبَ وقتَها من العراق إلى الشام، هل معنى ذلك أنَّ الله كان في الشام ؟!!! لا، { إلى ربّي } أي إلى المكان المشرَّف عند ربّي. وكذلك { إليه يصعدُ الكلمُ الطيب } أي يصعدُ الكلامُ الطيبُ، قولُ " لا إله إلا الله " ونحوُ ذلك إلى محل كرامته، أي يُجْعَل يُكْتَب في محل كرامته، يكون يُوضَع في محل كرامته، تصعَدُ به الملائكة التي تكتُبُ الأعمال يعني إلى محل كرامته إلى السماء، هذا معناه. وإلا ليس معناه أنَّ لفظ " لا إله إلا الله " يصعَدُ صُعودًا، هذا اللفظُ عَرَض، ليس هذا معناه، صفة لا تُفارِقُ الموصوف.
-قال المؤلف : فتفسيرُ الآياتِ المتشابهة يجبُ أنْ يُرَدَّ إلى الآيات المحكمة : لا بد أنْ يُرَدَّ إلى الآيات المحكمة لأنَّ مَنْ فَسَّرَ { إليه يصعَدُ الكلمُ الطيب } أي إلى محلٍ اللهُ فيه يكونُ ناقَضَ { ليس كمثله شىء } ناقَضَ { ولم يكنْ له كفوًا أحد } لا بد في تفسير الآياتِ المتشابهة أنْ يكونَ موافقًا للآيات المحكمة.
-قال المؤلف : هذا في المتشابه الذي يجوزُ للعلماء أنْ يعلَموه : هذا المتشابه، هذا كلُّه هذا الكلام تفسير إلى ءاخره في المتشابه الذي يجوزُ لأهل العلم أنْ يعلَموه وإلا فهناك متشابِهٌ لا يجوزُ لأهل العلم أنْ يعلَموه، لا يعلَمُهُ أهلُ العلم.
-قال المؤلف : وأمَّا المتشابهُ الذي أُريدَ بقوله { وما يعلمُ تأويلَه إلى اللهُ } على قراءة الوقف على لفظ الجلالة فهو ما كان مثلَ وجْبَةِ القيامةِ وخروجِ الدجال على التحديد، فليس من قبيل ءاية الإستواء : هكذا. أمَّا ما لا يجوزُ أنْ يَعْلَمَهُ أهلُ العلم هذا لا يتكلَّمون فيه، مثل متى تقومُ الساعة ؟ مثلا متى يكونُ خروجُ الدجال على التحديد ؟ هذا لا يتكلَّمُ فيه أهلُ العلم. حتى قبل أنْ نستمِرَّ في الكلام، حتى يكونَ الكلامُ واضح لِنَقُلْ هذا " اللهُ تبارك وتعالى قال { هو الذي أنزلَ عليكَ الكتابَ منه ءاياتٌ محكمَات هُنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرٌ متشابهات فأمَّا الذين في قلوبهم زَيْغٌ فَيَتَّبِعون ما تشابَهَ منه ابتغاءَ الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلمُ تأويلَه إلا الله } في بعض القراءات الوقفُ على لفظ الجلالة { وما يعلمُ تأويلَه إلى الله والراسخون في العلم يقولون } إذن الراسخون في العلم لا يعلمون تأويلَه. وفي قراءات أخرى { وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ والراسخون في العلم } فالوقفُ على لفظ العلم، القراءةُ الأولى تدلُّ على أنه لا يعلمُ تأويلَه إلا الله. والقراءةُ الثانية تدلُّ على أنه يعلمُ الراسخون في العلم تأويلَه. إذن القراءةُ الأولى معنى التأويل فيها مختلِف عن معنى التأويل في القراءة الثانية حتى لا تصيرَ القِراءتان متعارضتين لا بد أنْ يكونَ معنى التأويل في القراءة الأولى مخلتفًا عن معنى التأويل في القراءة الثانية. لِنُبَيِّن ما هو المعنى في كلٍّ منه على حسب كلٍّ منهما. إذا رَجَعْنَا إلى القراءة الأولى { وما يعلمُ تأويلَه إلا الله } قبل ذلك ماذا ذُكِرَ ؟ { فأمَّا الذين في قلوبهم زَيْغٌ فَيَتَّبِعون ما تشابَهَ منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويله } معناه الذين في قلوبهم زيغ وفي عقائدهم خَلل يَتَّبِعون الآياتِ المتشابهة حتى يُبَيِّنوا تأويلَها أي حتى يُبَيِّنوا موعدَ حصولِ المتشابه مثل أيش ؟ مثل وجبة الدجال، قيام الساعة وما شابه ذلك، هذا معناها. فإذن يَتَّبِعون ما تشابه منه، يتَّبِعون ءايات معناها غيرُ واضح، وأيش مرادُهم ؟ مرادُهم تحديدُ موعدِ الحصول. { وما يعلمُ تأويله إلا الله } أي ما يعلمُ موعد حصولِهِ إلا الله. { إبتغاءَ الفِتنة وابتغاءَ تأويله } ابتغاء تحديدِ موعدِ حصولِهِ. مثلا اليهود كانوا يَتَتَبَّعون أوائلَ السُّوَر، الحروف المقطَّعة في أوائل السور { ألم } أو { ألر } أو نحوَ ذلك، يَتَتَبَّعون هذا حتى يُحَدِّدوا متى ينتهي أمَدُ الأمّة المحمدية بزعمهم. هذا من الذي ذَكَرَهُ الله تعالى، يَتَتَبَّعون المتشابه مُرادُهم من ذلك تحديدُ موعدِ حصوله { إبتغاءَ الفتنة } وابتغاء تحديد موعد حصوله. { وما يعلمُ تأويلَه إلا الله } ما يعلمُ موعدَ حصوله إلا الله، هذا يكونُ المعنى على القراءة الأولى. على حسبِ القراءة الثانية { وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ والراسخون في العلم } التأويل له معنىً ءاخر، { الذين في قلوبهم زَيْغٌ يَتَّبِعون ما تشابَهَ منه ابتغاءَ الفتنة وابتغاء تأويلِهِ } أي تفسيره أي تفسيرًا باطلا، {وما يعلمُ تأويلَه } ما يعلمُ معناه إلا اللهُ والراسخون في العلم. على القراءة الثانية إذن التأويل المرادُ به المعنى الذي هو ليس المعنى الظاهر، المعنى الحقيقي لهذه الآيات. لذلك كان عبدُ الله بنُ عباس رضي الله عنهما يقول " أنا من الراسخين في العلم " أنا أعلمُ تأويلَها، " أنا من الراسخين في العلم ". فهذا الذي ينبغي الإنتباهُ إليه أنَّ معنى التأويل يختلِف باختلاف القراءة، معنى التأويل بحسب القرءاة الأولى مختلِفٌ عن معنى التأويل بحسب القرءاة الثانية.
-قال المؤلف : فقد وَرَدَ عنه صلّى الله عليه وسلّم " اعمَلوا بمحكَمِهِ وءامِنُوا بمتشابهه " ضعيفٌ ضَعفًا خفيفًا : ولو كان، لكنْ يُروى مثلُ هذا الحديث لو كان فيه ضَعف لكنْ يُروى. ينبغي علينا العملُ بالمحكم لأنه واضح، والإيمانُ بالمتشابه ما لم يَتَّضِح لنا نؤمِنُ به إلى أنْ يُوَضَّحَ لنا معناه. إذا كان مِمَّا يعلَمُ العلماءُ معناه، إذا كان مِمَّا يعلَمُهُ العلماء.
-قال المؤلف : وقد بَيَّنَ أبو نصرٍ القُشيري رحمه الله الشناعةَ التي تَلْزَمُ نفاة التأويل : أمَّا الذين يقولون "لا تأويلَ بالمرة ما في تأويل بالقرءان، هذه لا يوجد ءايات متشابهة يعرِفُ أهلُ العلم معناها، يعرِفون تأويلَها، لا يجوزُ هذا " هذا إذا قيل يَلْزَمُ عليه شَنَاعَةٌ كبيرة يعني هذا يؤدي إلى شىء بَشِع يُلْزَقُ بالدين. أبو نصرٍ القُشيري من كبار العلماء، ابنُ أبي القاسم القُشيري صاحب الرسالةِ القشيرية، ولدُهُ وكان عالـِمًا كبيرًا.
-قال المؤلف : وقد بَيَّنَ أبو نصرٍ القُشيري رحمه الله الشناعةَ التي تَلْزَمُ نفاة التأويل : يعني أنَّ أبا نصرٍ القشيري بيَّنَ الشىءَ الشنيع الذي يَلْزَمُ على القول بنفي التأويل بالمرة. هناك أناس، المشبهة يقولون " لا يجوزُ تأويلُ الآيات المتشابهة" لا أحد، على زعمهم يقولون " لا يجوزُ تأويلُها، لا يجوزُ تفسيرُها، يجوزُ حملُها على معناها الظاهر، قالوا لا أحد يعلَمُ ما معناها هذه الآيات لذلك لا يجوزُ تأويلُها " هذا يلزَمُ عليه شىءٌ بَشِع ألْزَقوه بالدين. أبو نصرٍ القُشيري رحمه الله بَيَّنَه.
-قال المؤلف : وأبو نصرٍ القُشيري هو الذي وصفَه الحافظُ عبدُ الرزاقِ الطِّبْسِيُّ بإمام الأئمة كما نقل ذلك الحافظُ ابنُ عساكرَ في كتابه " تبيينُ كَذِبِ المفتري " : وهو ولدُ أبي القاسم القُشيري صاحب الرسالة القشيرية وكان عالـِمًا كبيرًا مثلَ أبيه.
-قال المؤلف : قال المحدِّثُ اللغويُّ الفقيه الحنفي مرتضى الزبيدي في شرحه المسمَّى " إتحافُ السادة المتقين " نقلا عن كتاب التذكرة الشرقية لأبي نصرٍ القُشَيْري ما نصُّه : يعني كلامُ أبي نصر نَقَلَه أيضًا الزَّبيديُّ في "شرح إحياء علوم الدين " ووافَقَ عليه، وكِلاهما عالـِم كبير.
-قال المؤلف : وأمَّا قولُ الله عزّ وجلّ { وما يعلمُ تأويلَه إلا الله } إنما يريدُ به وقتَ قيامِ الساعة : فإذن كما ذكرنا، يقول { وما يعلمُ تأويلَه إلا الله } لا يعلمُ وقتَ حدوثِهِ وحصولِهِ إلا الله.
-قال المؤلف : فإنَّ المشركين سألوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم عن الساعة أيَّان مرساها ومتى وقوعُها : متى تكون.
-قال المؤلف : فالمتشابِهُ إشارةٌ إلى علم الغيب : المتشابهُ هنا في هذا السياق " ما لا يعلَمُهُ إلا الله " إشارةٌ إلى علم الغيب مثلُ قيامِ الساعة.
-قال المؤلف : فليس يعلمُ عواقبَ الأمور إلا اللهُ عزّ وجلّ : بلا شكّ.
-قال المؤلف : ولهذا قال { هل ينظُرون إلا تأويلَه يوم يأتي تأويلُهُ } : هل ينتظِرون إلا حصولَه ؟ هو يُبَيِّن كيف أنَّ التأويل يكونُ بمعنى الحصول، { هل ينظرون إلا تأويلَه } هل ينتظرون إلا حصولَه.
-قال المؤلف : قال تعالى { يوم يأتي تأويلُهُ } يوم يأتي حصولُهُ، يَحِينُ موعِدُ حُصُولِهِ.
-قال المؤلف : أي هل ينظُرون إلا قيامَ الساعة : يُبَيِّن أنَّ التأويل على القراءة الأولى، قراءة الوقف عند لفظ الجلالة ليس معناها أنَّ لا أحدَ يعلمُ شيئًا من معاني المتشابهة، لا، بل معناه، التأويل معناه الحصول عن هذا المعنى.
-قال المؤلف : وكيف يسوغُ لقائل أنْ يقولَ في كتاب الله تعالى ما لا سبيلَ لمخلوق إلى معرفته : يقول" كيف يقول القائل إنه في القرءان يوجدُ شىء لا سبيلَ لأحد إلى معرفة معناه ؟!! يعني مرادُهُ أنْ يقول " كيف يقولُ قائل الله أوحى إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام أنْ يقولَ للناس شيئًا لا يفهَمَهُ أحد ؟!! أليس يكونُ هذا عَبَثًا ؟!!! هذا يُنَزَّهُ عنه نبيُّنا عليه الصلاة والسلام ولا يليقُ به. أنا الآن إذا كلَّمْتُ الناس بما لا يفهَمُهُ أحد ماذا يقالُ عني ؟ سفيه، مجنون، أو نحوُ ذلك. هل يليق أنْ يكونَ كتابُ الله فيه ما لا يَفْهَمُهُ أحد ؟!!!!! شو هالكلام ؟
-قال المؤلف : {ولا يعلمُ تأويلَه إلا الله } : لا يعلمُ معناه إلا الله ؟!!! كيف هذا ؟
-قال المؤلف : أليس هذا من أعظم القدح في النبوات ؟ يقول القُشيري " أليس هذا طعنًا في نبوة نبيِّنا عليه الصلاة والسلام ؟!! بل من أعظم الطعن.
-قال المؤلف : وأنَّ النبيَّ ما عَرَفَ تأويلَ ما ورد في صفات الله تعالى ؟!!! : أليس يقولُ هؤلاء إنَّ الله أنزلَ عليه، عليه الصلاة والسلام، ءايات ما كان يعرِفُ معناها ؟!! وهي متعلقة بصفات الله ؟!!!
-قال المؤلف : ودَعَا الخلقَ إلى علمِ ما لا يُعْلَمُ ؟ : أليس معنى كلامِهم أنَّ النبيّ " أيها الناس ءامنوا بما لا تفهموا معناه " ؟!!! أليس هذا طعنًا فيه وفي نبوته ؟!!يقول القُشيري. هكذا يقولُ المشبهة، يزعُمون أنَّ معنى { وما يعلمُ تأويلَه إلا الله } لا أحد يعلمُ معنى هذه الآيات الواردة في الصفات إلا الله، لا أحد يعلمُ معناها إلا الله. يعني كأنه يقول " النبيُّ قال أيها الناس ءامنوا بما لم يُعْرَف معناه " .
-قال المؤلف : أليس اللهُ يقولُ { بلسان عربيّ مبين } : مع أنَّ الله قال { بلسان عربيّ مبين } يعني على وفق لغة العرب.
-قال المؤلف : فإذًا على زعمهم يجبُ أنْ يقولوا كَذَبَ حيث قال { بلسان عربيّ مبين } : يعني كلامُهُم يؤدي إلى نِسْبَةِ الكَذِب إلى القرءان لأنَّ القرءان فيه أنَّ هذا الذي أنزلَه اللهُ على محمد عليه الصلاة والسلام نَزَلَ باللغة العربية الـمُبينة الواضحة. كيف يكون باللغة العربية الواضحة ولا يعرِفُ معناه أحدٌ من العرب ؟!!! أيش هذا ؟!!
-قال المؤلف : إذْ لم يكنْ معلومًا عندهم : إيه، يقولون " لا يعلَمونَه ".
-قال المؤلف : وإلا فأين هذا البيانُ : كيف يكونُ مُبينًا واضحًا ؟ أين هذا الوضوح ؟
-قال المؤلف : وإذا كان بلغة العرب فكيف يدَّعي أنه مِمَّا لا تعلَمُهُ العربُ : وإذا كان القرءان نَزَلَ بلغة العرب فكيف يدَّعي مدَّعٍ أنَّ العربَ لا يعرِفون معناه ؟!!! كيف بلغتهم ولا يعرِفونَ معناه ؟!!! هذا تناقض.
-قال المؤلف : لـَمَّا كان ذلك الشىءُ عربيًّا : كيف يكون بلغتهم عربيًّا ولا يعرِفونَه، لا يعرِفون معناه ؟!!!!
-قال المؤلف : فما القولُ في مقالٍ مآلُهُ إلى تكذيب الربّ سبحانه : يقولُ القشيري " فماذا يقال في تفسير في كلام مؤداه ما يوصِلُ إليه نِسْبَةُ الكَذِبِ إلى الله تعالى ؟!! لا شكَّ أنه يقالُ فيه باطل.
-قال المؤلف : ثم كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو الناسَ إلى عبادة الله تعالى : يُكْمِلُ كلامَه، يقول " النبيُّ عليه الصلاة والسلام كان يدعو الناسَ إلى عبادة الله، كان أرسَلَه اللهُ لدعوة الناس، ما أوحى اللهُ إليه شيئًا يَكْتُمُهُ عندَه، هذا الذي أوحاه إليه، لا، إنما أوحى إليه دينًا لِيُبَلِّغُهُ للناس.
-قال المؤلف : فلو كان في كلامه وفيما يُلقيه إلى أمَّته شىءٌ لا يعلمُ تأويلَه إلا الله تعالى : يعني لو كان فيما دعا إليه النبيُّ عليه الصلاة والسلام شىء لا يعرِفُ العربُ معناه.
-قال المؤلف : لكان للقوم أنْ يقولوا بيّن لنا أولا مَنْ تدعونا إليه وما الذي تقولُ : لكانوا قالوا له " أولا بَيِّنْ لنا معنى ما تقول قبل أنْ تقول " ءامنوا به ". أليس يقول المشبهة " لا أحد يعلَم " لو كان هكذا كان الذين دعاهُمُ النبيُّ إلى الإيمان قالوا له " بيِّنْ لنا أولا المعنى حتى نؤمن، نؤمنْ بما لا نعرِفُ معناه ؟ كيف هذا ؟!!!
-قال المؤلف : فإنَّ الإيمانَ بما لا يُعْلَمُ أصلُهُ غيرُ متأتٍّ : كيف نؤمنُ بشىء لا نعرِفُ أصلَ معناه ؟ حتى الأصل لا نعرِفُهُ ؟ هذا لا يكون، لا يحصُل.
-قال المؤلف : أي لا يُمْكِنُ-هذا معناه أنَّ العرب الذين أُرْسِلَ إليهم كانوا قالوا له هذا لا يمكن. ونِسْبَةُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أنه دعا إلى ربٍّ موصوف بصفات لا تُعْقَلُ أمرٌ عظيم لا يتخَيَّلُه مسلمٌ : "هو لا يجوزُ أنْ يُنْسَبَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام إلى أنه دعا الناس إلى أنْ يؤمنوا بإله متصف بصفات لا يُفْهَمُ ما هي، هذا يَقْبَلُهُ أحدٌ ؟!!! يقبَلُ أحدٌ أنْ يُنْسَبَ إلى النبيّ لا يُعْرَفُ أصلُ معنى هذه الصفة ؟ لا يُفْهَمُ ما هي ؟ ءامنوا بشىء لا تفهَمونَه ولا تعرِفونَه " هكذا يقولون النبيُّ قال، هذا مؤدَّى كلامِهم. هل يُقْبَلُ هذا " ؟!!! يقولُ أبو نصر " لا يُقْبَل".
-قال المؤلف : فإنَّ الجهل بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف : لأنَّ الجهل بالصفات معناه جهلٌ بالموصوف. الذي يَجْهَلُ الصفات يَجْهَلُ الموصوف. إذا قال إنسان " أنا عندي نخلة في الدار، شجرةُ نخل " فقيل له " هل صفتُها كذا " ؟ على صفة النخل، قال " لا أعرِف "، " هل لها أغصان كذا " ؟ قال " لا أعرِف "، " هل لها شَمَاريخ " " لا أعرف "، "هل تحمِلُ الحبة بطريقة كذا " ؟ " لا أعرِف، لا أعرِف " هذا هل يعرِفُ النخل ؟ لا يعرِفُ النخل. إذا قال " أنا عندي حمار " فقيل له " له أربعةُ أرجُل " ؟ قال " لا أعرِف "، " له أذُنان طويلتان "؟ " لا أعرِف"، " له ذَنَبٌ " ؟ " لا أعرِف " له كذا ؟ لا أعرِف. صوتُهُ عالي ؟ لا أعرِف. إذا كلُّ هذا لا أعرِف لا أعرِف، لا يعرِفُ الحمار، إذن هو من الأصل الحمار لا يعرِفُهُ. الجهلُ بالصفات يؤدي إلى الجهل بالموصوف، هذا في المخلوق. كيف لو قيل "إنَّ النبيَّ كان يقول لهم يا ناس ءامنوا بربٍّ له صفات من غير أنْ تفهَموا شيئًا عنها " ؟!!! هذا يُقْبَل ؟!!!
-قال المؤلف : والغَرَضُ أنْ يَستبينَ مَنْ معه مُسْكَةٌ من العقل أنَّ قولَ مَنْ يقول " استواؤه صفةٌ ذاتية لا يُعقَلُ معناها " : المشبهة هكذا يُلَبِّسون، هيك بيخبُّوا. شو بيقولوا ؟ يقولون " إستواءُ الله على العرش، الإستواء صفة ذاتية " يقولون أولا هذه العبارة " صفة ذاتية أي قائمةٌ بذات الله " ثم يقولون " لا يُعْقَلُ معناها " لا يعرِفُ أحدٌ معناها، ما معنى الإستواء.
-قال المؤلف : يقولون" واليدُ صفةٌ ذاتية لا يُعْقَلُ معناها والقدم صفةٌ ذاتية لا يُعْقَلُ معناها " تمويهٌ ضِمْنَهُ تكييفٌ وتشبيهٌ : هذا هو، هذا تمويه، كلام يذكرونَه تمويهًا على العامّة حتى يسوقوهم إلى تشبيه الله بخلقه، يقولون لهم " الوجه صفة ذاتيةٌ لا يُعْقَلُ معناها " هيدا بالأول، يعني " لا تأخذوا بكلام مَنْ يقول ليس جارحة " هذا الذي يريدونَه، لا تأخذوا بمنْ يقول " ليس كصفات المخلوقين، لا، لا يُعْقَلُ معناها، هذا شىء لا أحد يعرِفُهُ " حتى يسوقوهم بعد ذلك إلى التشبيه. هذه هي حقيقتُهُم كما وصَفَها أبو نصر.
-قال المؤلف : ودعاءٌ إلى الجهل، وقد وَضَحَ الحقُّ لذي عينين : أمَّا الحقُّ فواضح لمنْ يَفْهَم. مَنْ أعطاه اللهُ البصيرة يعرِفُ الحق أنَّ النبيَّ لا يجوزُ أنْ يدعُوَ الناس إلى ما لا يُعْرَفُ معناه. هذا كلُّ أحدٍ يعرِفُه، كلُّ أحدٍ عنده فَهم يعرِفُهُ.
-قال المؤلف : ولَيْتَ شِعري هذا الذي يُنْكِرُ التأويلَ يَطرُدُ هذا الإنكارَ في كلِّ شىء وفي كلِّ ءاية : يعني عندما يقول " لا نؤول، لا نُخْرِجُ شيئًا عن ظاهره " هذا قصدُهُ "لا نُؤوِّل " هل يقولُ هذا في كلِّ الآيات أو في بعض الآيات المتعلقة بالصفات ونحوها ؟ ما أراد منها يقول وفي ءايات أخرى لا يقول ؟ على حسب ما يختار هو بهواه ؟ هذا الذي يقولُهُ.
-قال المؤلف : أم يقنَعُ بترك التأويل في صفات الله تعالى : عن شو كلامُهُ ؟ عن صفات الله أم عن كلِّ الآيات ؟ والذين يعرِفون الشرعَ ويعرِفون اللغة يعرِفون كيف يُفَسِّرون هذه الآيات على ما يوافقُ الشرع ويوافقُ اللغة.
-قال المؤلف : وفي لغة العرب ما شِئْتَ من التَّجَوُّزِ والتوسع في الخطاب : في لغة العرب كثير من المجاز والتوسُّع في الخِطاب.
-قال المؤلف : وكانوا يعرِفون موارِدِ الكَلِمِ ويفهَمون المقاصد : وكان العرب الأُوَل يعرِفون الكلام أين يُورَد وفيما يورَد، من السياق يفهمون المعنى المرادَ منه.
-قال المؤلف : فَمَنْ تجافَى عن التأويل فذلك لقلِّةِ فَهمه بالعربية : أغلب الذين يبتعِدون عن التأويل لِقِلَّةِ معرفتِهم بلغة العرب. والذي لا يعرِف لغةَ العرب لا ينبغي له أنْ يتكلَّم في معاني ءاياتِ الكتاب.
-قال المؤلف : ومَنْ أحاط بطرق من العربية هَانَ عليه مَدْرَكُ الحقائق : أمَّا مَنْ تعلَّمَ اللغة العربية على الوجه هذا يَسْهُلُ عليه أنْ يعرِفَ المعاني.
-قال المؤلف : وقد قيل : { وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ والراسخون في العلم } : وقد قُرِىءَ يعني في بعض القِراءات والوقفُ على لفظ العلم { وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ والراسخون في العلم }.
-قال المؤلف : فكأنه قال " والراسخون في العلم أيضًا يعلَمونَه" ويقولونَه : هذا معناه، { وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ والراسخون في العلم يقولون ءامنَّا به } الخ. معناه الراسخون في العلم يعلمون تأويلَ هذا المتشابه { ويقولون ءامنا به كلٌّ من عند ربِّنا }
-قال المؤلف : فإنَّ الإيمان بالشىء إنما يُتَصَوَّرُ بعد العلم : وكيف يؤمنُ بالشىء مَنْ لم يفهمُ معناه ؟ لا يَعْرِفُ معناه ؟ لا يُتَصَوَّرُ.
-قال المؤلف : أمَّا ما لا يُعْلَمُ فالإيمانُ به غيرُ متأتٍّ : لا يُعْلَم كيف يؤمنُ به الشخص ؟ كيف ؟ كيف أؤمنُ بما لا أعرِفُ معناه ؟!! لا يكون.
-قال المؤلف : ولهذا قال ابنُ عباس " أنا من الراسخين في العلم " : أي أنا أعرِفُ معنى هذه الآيات المتشابهة.
-قال المؤلف : انتهى كلامُ الحافظ الزبيدي مِمَّا نَقَلَه عن أبي النصر القُشيريّ رحمه الله : رحمهما الله تعالى.
[من هنا لم يقرأه الشيخ-قال المؤلف : فإنِ امتنع من التأويل أصلا فقد أبطلَ الشريعة والعلومَ إذْ ما من ءاية ( من الآيات التي اختُلِفَ فيها من حيث التأويلُ وتركُهُ } وخَبَرٍ إلا ويَحتاجُ إلى تأويل وتَصَرُّفٍ في الكلام ( إلا المحكَمُ نحوُ قولِهِ تعالى { وهو بكلِّ شىء عليم } مِمَّا ورد في صفات الله، وقولِهِ { حُرِّمَتْ عليكم المَيْتَةُ والدمُ ولحمُ الخِنزير } الآية مِمَّا ورد في الأحكام )، لأنَّ ثَمَّ أشياء لا بد من تأويلها لا خلافَ بين العقلاء فيه إلا الملحدة الذين قَصْدُهُم التعطيلُ للشرائع :
-قال المؤلف : والإعتقادُ لهذا يؤدي إلى إبطال ما هو عليه من التمسك بالشرع بزعمه، وإنْ قال يجوزُ التأويلُ على الجُملة ( أي في بعض الأحوال) إلا فيما يتعلقُ بالله وبصفاته فلا تأويلَ فيه، فهذا مصيرٌ منه إلى أنَّ ما يتعلقُ بغير الله تعالى يجب أنْ يُعْلَمَ وما يتعلقُ بالصانع ( أي الخالق ) وصفاته يجبُ التقاصي عنه-أي البُعْدُ عنه. وهذا لا يرضى به مسلم. وسِرُّ الأمر أنَّ هؤلاء الذين يمتنعون عن التأويل معتقدون حقيقةً التشبيه غير أنهم يُدَلِّسون ويقولون له يد لا كالأيدي وقَدَمٌ لا كالأقدام واستواءٌ بالذات لا كما نَعْقِلُ فيما بيننا، فليقل المحقّقُ هذا كلامٌ لا بد من استبيان. قولُكُم نُجري الأمرَ على الظاهر ولا يُعْقَلُ معناه تناقضٌ، إنْ أجريت على الظاهر فظاهِرُ السياق في قوله تعالى { يوم يُكْشَفُ عن ساق } هو العضو المشتَمِلُ على الجلد واللحم والعظم والعَصَب والـمُخ، فإنْ أخذتَ بهذا الظاهر والتَزَمْتَ بالإقرار بهذه الأعضاء فهو الكفر، وإنْ لم يمكِنُكَ الأخذُ بها ( أي إنْ كنتَ لا تقولُ ذلك ) فأين الأخذ بالظاهر ؟ ألست قد تركتَ الظاهرَ وعَلِمْتَ تَقَدَّسَ الربُّ تعالى عمَّا يُوهِمُ الظاهرُ فكيف يكونُ أخذًا بالظاهر ؟ وإنْ قال الخصمُ هذه الظواهرُ لا معنىً لها أصلا فهو حكمٌ بأنها ملغاةٌ، وما كان في إبلاغها إلينا فائدةٌ وهي هَدَرٌ وهذا محال. إلى هنا لم يقرأ الشيخ ]
-قال المؤلف : فهنا مسلكان كلٌّ منهما صحيح : في هذا الموضع. إذن إذا كان الـمَسْلَكُ الذي قالَه المشبهةُ باطلا، إذا كان من الباطل أنْ يقال " نأخُذُ بالظاهر في هذه الآيات المتشابهة " إذن ما هو المسلكُ الصحيح ؟ هنا طريقتان، هذه صحيحة وهذه صحيحة.
-قال المؤلف : الأولُ مسلكُ السلفِ : أي أغلبُ السلف، ليس كلُّ السلف كانوا على هذا المسلك لكنْ أغلبُهُم كانوا عليه.
-قال المؤلف : وهم أهلُ القرونِ الثلاثة الأولى أي أكثرِهم : بَيَّنَ المصنِّفُ رحمه الله ذلك.
-قال المؤلف : فإنهم يؤولونَها تأويلا إجماليًّا : يؤولونها تأويلا إجماليًّا، ما معناه ؟ الآن يشرح ما معنى التأويلِ الإجماليّ.
-قال المؤلف : بالإيمان بها واعتقادِ أنها ليست من صفات الجسم : هذا معنى التأويل الإجماليّ، يقولون " لها معنىً يليقُ بها وليس كصفات المخلوقين ".
-قال المؤلف : بل أنَّ لها معنى يليقُ بجلال الله وعظمته بلا تعيين : من غير أنْ يُعَيِّنوا المعنى، من غير أنْ يُبَيِّنوا ما هو المعنى.
-قال المؤلف : وصحَّ أيضًا التأويل التفصيلي عن الإمام أحمد وهو من السلف، فقد ثَبَتَ عنه أنه قال في قوله تعالى { وجاء ربُّكَ } إنما جاءت قدرتُه " : " قدرته " يعني جاءت قدرة ربِّكَ، يعني أثرٌ من آثار قدرة ربِّكَ. لماذا فَعَلَ الإمامُ أحمدُ هذا ؟ حتى لا يتوهَّمَ أحد أنَّ الله تعالى جسم ينتقِلُ من مكان إلى مكان. فحيثُ كانتِ الحاجة أوَّل، حيث وُجِدَتِ الحاجةُ أوَّلَ الإمامُ أحمد رضوان الله عليه. وهذا أحمد من السلف وقد أوَّلَ على التفصيل.
-قال المؤلف : صَحَّحَ سَنَدَهُ الحافظُ البيهقي : وهذا قال هذا الأثر عن الإمام أحمد الحافظُ البيهقي قال " صحيح ".
-قال المؤلف : الذي قال فيه الحافظُ صلاحُ الدينِ العَلائي " لم يأتِ بعد البيهقيّ والدارقطني مثلُهما ولا مَنْ يُقارِبُهُما ": إيه، في علم الحديث بعد البيهقي والدارقطني ما جاء مَنْ يُقارِبُهُما حتى، مستواه عالي جدًّا.
-قال المؤلف : أمَّا قولُ البيهقي ذلك ففي كتابِ "مناقبِ أحمد". وأمَّا قولُ الحافظ أبي سعيدٍ العلائي في البيهقي والدارقطني فذلك في كتابه " الوَشْيُ الـمُعْلَم " : في كتاب "الوشي المعلم " الحافظ العلائيُّ ذكر هذا الكلام في البيهقي والدارقطني.
-قال المؤلف : وأمَّا الحافظُ أبو سعيدٍ فهو الذي يقولُ فيه الحافظُ ابنُ حجر " شيخُ مشايخنا " : الحافظُ ابنُ حجر كان يمدَحُهُ، يقولُ " شيخُ مشايخِنا " لأنَّ الحافظَ العراقي هو شيخُ الحافظ ابنِ حجر. وأبو سعيدٍ العلائي هو شيخُ الحافظ العراقي، فهو شيخُهُ. فلذلك كان يقولُ ابنُ حجر " شيخُ مشايخنا " يمدَحُهُ، له رتبة عالية كان، في الحديث وفي الفقه وفي الأصول.
-قال المؤلف 🙁 وكان من أهل القرن السابع الهجري ) : رحمه الله.
-قال المؤلف : وهناك خَلْقٌ كثيرٌ من العلماء ذكروا في تآليفهم أنَّ أحمد أوَّلَ، منهم الحافظُ عبدُ الرحمن بنُ الجوزيّ الذي هو أحدُ أساطينِ المذهب الحنبلي : أحدُ أساطين المذهب أحدُ أعمدة المذهب أي من كبار فقهاء المذهب الحنبليّ.
-قال المؤلف : لكثرة اطّلاعه على نصوص المذهب وأحوال أحمد : فإذن الخُلاصة أنَّ المسلكَ الأول في هذه الآيات أنْ يقولَ الإنسانُ " هذه الآياتُ لها معنىً يليقُ بالله ليس كمعاني المخلوقين ولا يدخُلُ أكثرَ من ذلك في هذا. وهذا سَلَكَهُ كثيرٌ من السلف عندما لم يَجِدوا حاجةً إلى التأويل تفصيلا، هذا يقال له " مسلكُ التأويل الإجماليّ " وقد يسمَّى " مسلَكَ التفويض " هذا هو المسلكُ الأول الذي كان عليه أغلبُ السلف.
-قال المؤلف : الثاني مسلكُ الخلف : المسلكُ الثاني هو المسلكُ الذي عليه أغلبُ الخلف.
-قال المؤلف : وهم يؤولونُها تفصيلا بتعيين معانٍ لها مِمَّا تقتضيه لغةُ العرب ولا يحمِلونَها على ظواهرها أيضًا كالسلف : أمَّا أغلبُ الخلف فيقولون كما يقولُ السلف " لها معنىً يليقُ بالله وليس كمعاني المخلوقين ولا نشبِّهُ اللهَ بخلقه ولا نصِفُهُ بصفات المخلوقات " لكنْ يَزيدون شيئًا أنَّ أغلَبهم يُعَيِّنون المعنى المقصود. وإنما فَعَلوا هذا للحاجة، لـَمَّا بَرَزَتِ الحاجةُ في أيام السلف فَعَلَ بعضُ السلف ذلك، الحاجةُ ازدادت في أيام الخلف لذلك بيَّنوا المعنى تفصيلا، أوَّلوا تأويلا تفصيليًّا.
-قال المؤلف : ولا بأسَ بسلوكه ولا سيما عند الخوف من تَزَلْزُلِ العقيدة حِفظًا من التشبيه : ولا بأسَ من سلوك هذا المسلك لا سيما عندما يُخشى على العوامِّ من فساد عقيدتهم. بعضُ العوام إذا قلتَ له مثلا " الوجهُ صفةٌ تليقُ بالله ليست كصفات المخلوقين " لا يفهَم، يذهَبُ خيالُهُ إلى الوجه الذي هو جارحة. فإذا فَعَلَ الإنسان كما فَعَلَ البخاريُّ فقال " الوجهُ الـمُلْك " يفهم، فلا بأسَ بسلوك هذا المسلك الذي فيه تأويلٌ تفصيليٌّ لا سيما في زمننا حيث الخوفُ على العوام شديد أنْ لا يَفهَموا معنى التأويل الإجمالي.
-قال المؤلف : مثلُ قولِه تعالى في توبيخ إبليس { ما مَنَعَكَ أنْ تسجُدَ لـِمَا خَلَقْتُ بيديّ }: اليد لها معانٍ كثيرة في لغة العرب، العاميُّ لا يعرِفُ هذا. فإذا سَمِعَ { ما مَنَعَكَ أنْ تسجُدَ لـِمَا خَلَقْتُ بيديّ } إذا قال له قائل " اليد لها معنى، { بيديّ } هذا له معنى يليقُ بالله ليس كمعاني المخلوقين قد يذهبُ خيالُهُ به إلى أنَّ الله تعالى له جارحتان هما يَدَان فَيَهلِك. لذلك إذا قيل له " اليد لها معانٍ كثيرة في لغة العرب ومن جملة معانيها العناية والحِفظ. إذن { لـِمَا خلقتُ بيديّ } أي بعنايتي وحِفظي، هذا يكونُ فيه سلامةٌ له من الوقوع في التشبيه، وهو موافقٌ للشرع هذا التأويل موافقٌ للغة. ليس أنَّ العالـِمَ من الخلف يُؤوِّلُ كما يشتهي، بالرأي، لا، لا بد أنْ يكونَ مستنِدًا في تأويله إلى دليل من اللغة، لا بد أنْ يكونَ التأويلُ موافقًا للغة وإلى ودليل من الشرع، يستنِدُ إلى هذين ثم يؤوِّلُ التأويلَ التفصيلي.
-قال المؤلف : فيجوزُ أنْ يقالَ المرادُ باليدين العنايةُ والحِفْظُ : لأنَّ الله خَلَقَ ءادَمَ بعنايته وحَفِظَه.
[-قال المؤلف : بل ردُّوا تلك الآيات إلى الآيات المحكمة كقوله تعالى { ليس كمثله شىء } :
-قال المؤلف : وهو كما قال الإمامُ الشافعيُّ رضي الله عنه " ءامنتُ بما جاء عن الله على مراد الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله " يعني رضي الله عنه لا على ما قد تذهبُ إليه الأوهامُ والظنونُ من المعاني الحِسِّيَّة الجسمية التي لا تجوزُ في حقّ الله تعالى.
-قال المؤلف : ثم نفيُ التأويل التفصيلي عن السلف كما زعم بعضٌ مردودٌ بما في صحيح البخاري في كتاب تفسير القرءان وعبارتُهُ هناك " سورةُ القَصص { كلُّ شىء هالِكٌ إلا وجهَه } إلا مُلْكَه، ويقال ما يتقرَّب به إليه " ا.ه. فمُلْكُ الله صفةٌ من صفاته الأزلية ليس كالملك الذي يعطيه للمخلوقين.
-قال المؤلف : وفيه غيرُ هذا الموضعِ كتأويل الضحك الوارد في الحديث بالرحمة] لم يذكرها الشيخ
يوجد مقطع لم يفرغ من الدرس