fbpx

الصراط المستقيم – الدرس 12

شارك هذا الدرس مع أحبائك

-تفسيرُ قولِهِ تعالى { من روحنا } وقولِهِ تعالى { من روحي } -قال المؤلف : لِيُعْلَمَ أنَّ الله تعالى خالقُ الروح والجسد فليس روحًا ولا جسدًا : هذا واضح. -قال المؤلف : ومع ذلك أضافَ اللهُ تعالى روحَ عيسى صلّى الله عليه وسلّم إلى نفسه على معنى الـمِلْكِ والتشريف لا للجزئية في قوله تعالى { من روحنا } : يعني الله تعالى ليس روحًا مع ذلك قال عن روح عيسى { من روحنا } فأضاف روحَ عيسى إليه سبحانه. هذه الإضافة معناها أنَّ هذه الروح مشرفةٌ عند الله، مِلْكٌ له مشرَّفةٌ عنده، هذا معناه. -قال المؤلف : وكذلك في حقّ ءادمَ قولُهُ تعالى { من روحي } : أي من الروح المشرفة عندي التي هي مِلكي. -قال المؤلف : فمعنى قولِهِ تعالى { فنفخنا فيها من روحنا } أمرنا جبريلَ عليه السلام أنْ ينفُخَ في مريمَ الروحَ التي مِلْكٌ لنا ومشرفةٌ عندنا : هذا معنى { من روحنا } الروح التي هي مِلْكٌ لنا مشرفةٌ عندنا. -قال المؤلف : لأنَّ الأرواح قسمان، أرواحٌ مشرفة وأرواح خبيثة : أرواحٌ مشرفة كأرواح الأنبياء والملائكة، أرواحٌ خبيثة كأرواح الشياطين. -قال المؤلف : وأرواحُ الأنبياء من القسم الأول. فإضافةُ روحِ عيسى وروحِ ءادمَ إلى نفسه إضافةُ مِلْكٍ وتشريف : كما هو ظاهر ،كما في قولِهِ تعالى { بيتي } أضافَ البيتَ إليه سبحانه لِبَيَانِ أنَّ الكعبة لها شرفٌ عنده، ليس معناه أنَّ الكعبة جزءٌ منه، وكذلك { روحنا } و { روحي } بمعنى أنَّ هذه الروح مشرفةٌ عنده. -قال المؤلف : ويكفُرُ مَنْ يعتقد أنَّ الله تعالى روح : لأنه جَعَلَ الله مخلوقًا، شَبَّهَ اللهَ بالمخلوق. -قال المؤلف : فالروحُ مخلوقةٌ تنزَّه الله عن ذلك. -قال المؤلف : وكذلك قولُهُ تعالى في الكعبة { بيتي } فهي إضافةُ مِلْكٍ للتشريف لا إضافةُ صفةٍ أو ملابسة : ليس معنى { بيتي } أنَّ الله حالٌّ في الكعبة، ليس معنى { بيتي } أنَّ الله ملابِسٌ للكعبة إنما معنى { بيتي } أي البيتِ الذي هو مشرَّفٌ عندي. معروف هذا. -قال المؤلف : لاستحالة الملامسة أو المماسَّة بين الله والكعبة. وكذلك قولُ الله تعالى { ربُّ العرش} : أيضًا {ربُّ العرش} ليس تخصيصُ العرش بالذِّكْر لأنَّ العرش له خصوصية أنَّ الله قاعد عليه، حاشا، إنما لأنَّ العرش أكبرُ المخلوقات حجمًا، فإذا كان اللهُ هو ربَّه فهو ربُّ كلِّ ما هو أصغرُ منه، هذا معناه. -قال المؤلف : ليس إلا للدلالةِ على أنَّ الله خالقُ العرش الذي هو أعظمُ المخلوقات ليس لأنَّ العرشَ له ملابسةٌ لله بالجلوس عليه : الملابَسَة المخالَطَة. ليس لأنَّ هناك مماسة أو لأنَّ العرش بينه وبين الله انفصال بـمَسافة، ليس هذا. -قال المؤلف : أو بمحاذاته من غير جلوس : بأنْ يكونَ فوقَه هكذا (وضع الشيخ كفيه فوق بعض) بمحاذاته من غير جلوس. -قال المؤلف : ليس المعنى أنَّ الله جالسٌ على عرشه باتصال، وليس المعنى أنَّ الله محاذٍ للعرش بوجود فراغ بين الله وبين العرش إنْ قُدِّرَ ذلك الفراغُ واسعًا أو قصيرًا، كلُّ ذلك مستحيلٌ على الله : هكذا، لأنَّ الله ليس جسمًا. -قال المؤلف : وإنما مزيةُ العرش أنه كعبةُ الملائكة : أي إليه يَتَوجهُ الملائكةُ الذين هم حولَه. أليس الملائكةُ حول العرش ؟ إلى العرش يتوجهون في صلاتهم. -قال المؤلف : وإنما مزيةُ العرش أنه كعبةُ الملائكة الحافّين من حوله كما أنَّ الكعبة شُرفَتْ بطواف المؤمنين بها. ومن خواص العرش أنه لم يُعْصَ اللهُ تعالى فيه : لبيان شرفِهِ، أيضًا من شرف العرش أنه مكانٌ لم يُعْصَ اللهُ فيه. -قال المؤلف : لأنَّ مَنْ حولَه كلَّهم عبادٌ مكرمون لا يعصون الله طرفةَ عين : كلُّهم ملائكة. -قال المؤلف : ومنِ اعتقدَ أنَّ الله خَلَقَ العرش لِيَجْلِسَ عليه فقد شَبَّهَ اللهَ بالملوك الذين يعمَلون الأسِرة الكبار لِيَجْلِسوا عليها : هيك، شَبَّهَ الله بالملوك. في الماضي كان ملوك يعمَلون أسرَّة كبيرة فخمة حتى يجلِسوا عليها. فمنْ زعَمَ أنَّ الله قاعدٌ على العرش شبَّه اللهَ بهؤلاء الملوك، يَقْعُدُ كما يقعُدون، يجلِس كما يجلِسون، له مَقعدة كما أنَّ لهم مقاعد، وهكذا. هذا لا يليقُ بالله، تعالى اللهُ عن ذلك. -قال المؤلف : ومَنِ اعتقدَ هذا لم يعرِفِ الله : نعم. -قال المؤلف : ويكفُرُ مَنْ يعتقدُ المماسة لاستحالتها في حق الله تعالى : مَنِ اعتقد أنَّ الله مُمَاسٌّ لشىء فهو كافر، للعرش أو لغيره. -تفسيرُ الآية { الرحمن على العرش استوى } : -قال المؤلف : يجب أنْ يكونَ تفسيرُ هذه الآية بغير الإستقرار والجلوس ونحو ذلك : إذا كان العرش ليس مَحَلًّا لله إذن ما معنى قولِ الله تعالى { الرحمنُ على العرش استوى } الآن يُبَيِّن، يقول " يجبُ أنْ يكونَ تفسيرُ هذه الآية بغير الإستقرار والجلوس، جزمًا ليس هذا المراد. " ونحوِ ذلك " ولا بما يشبه ذلك من صفات المخلوقين. -قال المؤلف : ويكفُرُ منْ يعتقد ذلك : الذي يعتقد أنَّ الله جالسٌ على العرش كَفَرَ والعياذ بالله. -قال المؤلف : فيجبُ تركُ الحَمْلِ على الظاهر : لا يجوزُ أنْ تُفَسَّرَ الآيةُ على ظاهرها لأنَّ كلمة استوى إذا قِيلت وحدها من غير السياق كالسياق الذي وَرَدَ في القرءان. إذا قيلت وحدها " استوى " أول ما يخطُرُ على الذِّهْن " جَلَسَ " هذا هو المعنى الظاهر الذي هو أكثرُ استعمالا، يعني المعنى الأكثرُ استعمالا. لها معانٍ أخرى، خمسَ عشرة معنىً كلمة استوى لها في لغة العرب. لكنْ هذا هو الظاهر، فلا يجوزُ أنْ يُفَسَّرَ بالظاهر، لا يجوز أنْ يقال { الرحمن على العرش استوى } معناه جَلَسَ. -قال المؤلف : بل يُحْمَلُ على محمِلٍ مستقيم في العقول : أي يُفَسَّر بتفسير صحيح يقبَلُهُ العقلُ والشرع. -قال المؤلف : فَتُحْمَلُ لفظةُ الإستواء على القهر : هذا تفسيرٌ يوافِقُ اللغة ويوافق الشرع. -قال المؤلف : ففي لغة العرب يقالُ استوى فلانٌ على الممالك إذا احتوى على مقاليد الملك واستعلى على الرقاب : يعني إذا صار قاهِرًا للموجودين. -قال المؤلف : كقولِ الشاعر : قدِ استوى بِشْرٌ على العراق من غير سيف ودمٍ مُهراقِ : وليس معنى ذلك أنَّ بِشْرَ بنَ مروان قَعَدَ على العراق، إنما معناه استولى، قَهَرَ. طيب، إذا كان معنى ذلك أنَّ الله قَهَرَ العرش لماذا خُصَّ العرشُ بالذِّكْر واللهُ قاهرٌ لكلِّ شىء، لماذا خُصَّ العرشُ بالذِّكْر ؟ خُصَّ العرشُ بالذِّكْر كما خُصَّ في قوله تعالى { ربُّ العرش العظيم } وهو ربُّ كلِّ شىء لأنَّ العرش أعظمُ المخلوقات حجمًا. فإذا كان اللهُ قاهرًا له فهو قاهرٌ لـِمَا دونِه بالأوْلى. كما أنه إذا كان ربًّا له فإنه ربٌّ لـِمَا دونِهِ بالأوْلى. فائدةُ تخصيصِ العرش بالذِّكْر أنه أعظمُ مخلوقات الله تعالى حجمًا، فإذا كان الله تعالى قاهرًا له فهو قاهرٌ لـِمَا دونَه بالأوْلى، وذلك كما في قول الله تعالى { وهو ربُّ العرشِ العظيم } واللهُ ربُّ كلِّ شىء لكنْ الفائدة أنه إذا كان ربُّ العرش فهو ربُّ ما دونَه بالأولى. -قال المؤلف : وفائدةُ تخصيصِ العرش بالذِّكْرِ أنه أعظمُ مخلوقات الله تعالى حجمًا، فيُعْلَمُ شُمولُ ما دونَه من باب الأوْلى. قال الإمام عليٌّ " إنَّ الله خَلَقَ العرشَ إظهارًا لقدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته " رواه الإمام المحدِّث الفقيه اللغوي أبو منصورٍ التميميُّ في كتابه " الفرقُ بين الفرق" : هذا هو، إذن، إذا كان الأمرُ كذلك ما الحكمةُ من خلق العرش ؟ الله خَلَقَ ما يشاء لـِمَا يشاء، وليس شرطًا أنْ نعرِفَ الحكمة. لكنْ قد ذَكَرَ سيدُنا عليٌّ رضي الله عنه " إنَّ الله خلق العرش إظهارًا لقدرته " لأنَّ الملائكة الذين يَحُفُّون حول العرش يَرَوْنَ هذا العرشَ العظيم فيُفيدُهم هذا زيادةَ معرفة بكمال قدرة الله تبارك وتعالى وكمالِ علمِهِ سبحانه وتعالى. -قال المؤلف : أو يقال " استوى استواءً يعلَمُهُ هو " مع تنزيهه عن استواء المخلوقين كالجلوس والإستقرار : هذان هما الطريقان المسلَكان اللذان ذَكَرَهما المصنِّفُ قبل، مسلكُ أغلب السلف يقولون { الرحمنُ على العرش استوى } استواءً يليقُ به ليس جلوسًا وليس استقرارًا وليس كمعاني المخلوقين، بلا كيفية. ومسلكُ أغلبِ الخلف يقولون { استوى } أي قَهَرَ وحَفِظَ وأبقى. هذا كثيرٌ من الخلف قالَه وبعضُ السلفِ أيضًا فَسَّرَهُ بذلك. قلنا السببُ، المسلَكان متفقان أنه لا يجوزُ تفسيرُهُ بصفات المخلوقين، لكنْ يختلِفان في أمر زادَه الخلف للحاجة وسَلَكَه بعضُ السلف عند طروء هذه الحاجة وهو أنه عند بروز الحاجة لتعيين المعنى المراد يُعيِّنون المعنى المرادَ من ذلك كما فعلوا هنا. -قال المؤلف : واعلم أنه يجبُ الحذَرُ من هؤلاء الذين يُجيزون على الله القعودَ على العرش والإستقرارَ عليه مفسِّرين لقوله تعالى { الرحمن على العرش استوى } بالجلوس أو المحاذاة من فوق : كما قلنا، هؤلاء المشبهة، بعضهم يقول الله قاعدٌ على العرش ملاصِق له وبعضهم يقول بينه وبين العرش مَسافة، هذا مجسِّم وهذا مجسِّم. -قال المؤلف : ومدَّعين أنه لا يُعْقَلُ موجودٌ إلا في مكان " : يزعُمُون أنَّ الشىء حتى يكونَ موجودًا لا بد أنْ يكونَ في مكان. الجسم يُفْهَمُ فيه ذلك، الجسم لأنَّ له حجمًا لا بد أنْ يكونَ في مكان حتى يكونَ موجودًا. أمَّا ما ليس جسمًا كيف يُشترَطُ فيه المكان ؟!!! خالقُ الأماكن كيف يُشترطُ في وجوده أنْ يكونَ في مكان ؟!!!! العقلُ لا يقبَلُ ذلك. لو كانوا يعقِلون. -قال المؤلف : وحجَّتُهم داحِضة : ساقِطة. -قال المؤلف : ومدَّعين أيضًا أنَّ قولَ السلف " استوى بلا كيف " موافقٌ لذلك : عجيب، هؤلاء المشبهة يقولون " السلفُ قالوا استوى بلا كيف " ثم يفسرون ذلك فيقولون " أي بكيف لا نعلَمُهُ " السلف نَفَوْا الكيف وهم قالوا " أي أنَّ له كيفًا، ثم قالوا " لا نعلَمُهُ ". وإنما فعلوا ذلك لأنَّ عقيدَتهم ضِدُّ عقيدةِ السلف. ولا يريدون أنْ يقولوا عقيدتُنا ضدُّ عقيدة السلف فأوَّلوا كلامَ السلف وزادوا عليه حتى يُلَبِّسوا على ضعفاء العقول أمثالهم. الله يحمينا من شرورهم ويَحمي المسلمين من شرورهم. -قال المؤلف : ولم يَدْرُوا أنَّ الكيفَ الذي نفاه السلف هو الجلوس والإستقرار والتحيُّزُ في المكان والمحاذاةُ وكلُّ الهيئات من حركة وسكون وانتقال : هذا معنى الكيف. جاء فلان " كيف جاء ؟ تقول " ماشيًا " قَعَدَ فلان، كيف قَعَد ؟ تقول متربِّعًا. الكيفُ هو هذا، هو التحيُّز في المكان والمحاذاة والهيئة والسكون والحركة، هذا هو الكيف. لـَمَّا قال السلف " بلا كيف " نَفَوْا كلَّ هذا. -قال المؤلف : قال القشيري " والذي يدحَضُ شُبَهَهم : الذي يُسْقِطُ شُبَهَهم، يَرُدُّ شُبَهَ المجسمة. -قال المؤلف : أنْ يقالَ لهم " قبل أنْ يخلُقَ العالمَ أو المكانَ هل كان موجودًا أم لا ؟ فمنْ ضرورة العقل أنْ يقولوا بلى، فَيَلْزَمُهُ لو صحَّ قولُهُ " لا يُعلمُ موجودٌ إلا في مكان " أحدُ أمرين : يقال لهم قبل أنْ يخلُقَ اللهُ المكان هل كان اللهُ موجودًا أو لا ؟ لا بد أنْ يقولون " بلى، هو موجودٌ في الأزل" يقال لهم " لكنْ أنتم تقولون " لا يصحُّ موجودٌ إلا في مكان " لا يوجَدُ موجودٌ إلا في مكان. -قال المؤلف : والذي يدحَضُ شُبَهَهم : يَرُدُّ شُبَهَهم. -قال المؤلف : أنْ يقال لهم " قبل أنْ يخلُقَ العالمَ أو المكان هل كان موجودًا أم لا ؟ فمنْ ضرورة العقل أنْ يقولَ بلى : الواحد منهم لا بد أنْ يقولَ بلى إذا سُئِل. -قال المؤلف : فيلزَمُهُ لو صحَّ قولُهُ " لا يعلمُ موجودٌ إلا في مكان " أحدُ أمرين : لو كان صحيحًا ما يقولونَه " لا يُعلمُ موجودٌ إلا في مكان " عند ذلك يَلْزَمُهُ أحدُ الأمرين لأنَّه قال " الله موجودٌ قبل المكان " هو الذي خَلَقَ المكان إذن كيف يقول هذا ويقول " لا يُعلمُ موجود إلا في مكان " ؟!!! هذا ينتُج عنه شىء. -قال المؤلف : إمّا أنْ يقول المكانُ والعرش والعالم قديم : إذا قال " لا بد أنْ يكونَ الموجودُ في مكان " إذن إمَّا أنه يقول العرشُ قديم مع الله، لم يخلُقْه الله. -قال المؤلف : وإمَّا أنْ يقول الربُّ محدَثٌ : وإمَّا أنْ يقولَ اللهُ محدَث لم يكنْ موجودًا ثم وُجِد لأنه قال " لا يوجد شىءٌ إلا في مكان " والعرشُ مخلوق والعرشُ هو مكانُ الله بزعمه. -قال المؤلف : وهذا مآلُ الجهلة الحَشْوية. ليس القديمُ بالمحدَث والمحدَثُ بالقديم ".ا.ه. : هكذا. الجهلة والحَشْوية إلى هنا يَصِلون، كلامُهم أنه لا يصِحُّ وجودُ شىء إلا في مكان يؤدي إمَّا أنْ يقولوا المكان قديم لم يخْلُقْهُ الله وإمَّا أنْ يقولوا الربُّ محدَث وُجِدَ بعد عدم. وبِئْسَ المقالةُ المقالتان. -وقال القشيري في " التذكرة الشرقية " " فإنْ قيل أليس اللهُ يقول { الرحمن على العرش استوى } فيجبُ الأخذُ بظاهره : إذا قال المشبه " أليس اللهُ يقول { الرحمن على العرش استوى } علينا أنْ نأخُذَ بظاهره وظاهرُ الإستواء الجلوس. -قال المؤلف : قلنا الله يقولُ أيضًا { وهو معكم أينما كنتم } : نَرُدُّ عليه يقول القشيري نقول { وهو معكم أينما كنتم } هذه أيضًا ءاية، هل تأخذون بظاهرها أيضًا ؟ -قال المؤلف : ويقول { ألا إنه بكلِّ شىء محيط } : وهذه أيضًا ءاية هل تأخذون بظاهرها ؟ إذا أخذتم بظاهر قولِ الله تعالى { الرحمنُ على العرش استوى } معناه زعمتُم أنَّ الله تعالى قاعدٌ في جهة فوق، وإذا أخذتم بقول الله تبارك وتعالى { وهو بكل شىء محيط } معناه جعلتُم اللهَ محيطًا بكل العالم إذا أخذتم بظاهره، يحيطُ به من كلِّ جوانبه، وإنْ أخذتم بقوله بالظاهر { وهو معكم أينما كنتم } معناه هو مثلُ الهواء مرافق لكم، مُنْبَثّ في كلِّ مكان. كيف هذا ؟!!! معنى كلامِ القشيري رحمه الله أنه إذا قال المشبه يجبُ الأخذُ بظاهر { الرحمن على العرش استوى } يقال له " أنتَ تزعم أنه يجبُ الأخذُ بظاهرها لأنها ءايةٌ تتعلَّقُ بالله وبصفات الله. الله تبارك وتعالى يقولُ عن نفسه { بكلِّ شىء محيط } إذا أخذتَ بظاهر هذا أيضًا تكونُ زَعَمْتَ أنَّ الله تعالى يحيطُ بالعالم من كلِّ الجهات والله تبارك وتعالى يقول { وهو معكم أينما كنتم } إذا أخذتَ بظاهر هذا فكأنكَ تزعُمُ أنَّ الله مثلُ الهواء منبَثٌّ في كلِّ مكان، مع كلِّ أحدٍ بذاته. -قال المؤلف : فينبغي أيضًا أنْ نأخُذَ بظاهر هذه الآيات : يعني على زعمِكَ. -قال المؤلف : حتى يكونَ على العرش وعندَنا ومعنا ومحيطًا بالعالم مُحْدِقًا به بالذات في حالة واحدة : مُحْدِقًا به يعني يحيطُ به من كلِّ الجهات، هذا معناه. -قال المؤلف : قال القشيري رحمه الله " والواحدُ يستحيلُ أنْ يكونَ بذاته في حالة واحدة بكلِّ مكان " : كيف يكون على زعمكم ؟ أنتم تقولون " يجبُ الأخذُ بالظاهر، كيف على زعمكم يكونُ الله فوق ومعنا ومحيط بنا في ءان واحد ؟!!!! -قال المؤلف : قال القشيري رحمه الله " قالوا "قولُهُ { وهو معكم } يعني بالعلم : عند ذلك لا يقولون هذا، يقولون { وهو معكم } ليس مأخوذًا على ظاهره، لا نأخذُ الآيةَ على ظاهرها، إنما معنى { وهو معكم } أي عالمٌ بكم. -قال المؤلف : و{ بكلِّ شىءٍ محيط } إحاطةَ العلم : كذلك قولُهُ تعالى { بكلِّ شىء محيط } معناه علمًا ليس بالذات. -قال المؤلف : قلنا وقولُهُ { على العرش استوى } قَهَرَ وحَفِظَ وأبقى ". انتهى : نقولُ إذن وقولُهُ { الرحمنُ على العرش استوى } معناه قَهَرَ وحفِظَ وأبقى. لماذا تمنعونَنَا أم تتحَكَّمون ؟!! -قال المؤلف : يعني أنهم قد أوَّلوا هذه الآيات ولم يحمِلوها على ظواهرها، فكيف يَعيبُونَ على غيرهم تأويلَ ءايةِ الإستواء بالقهر ؟ فما هذا التحكُّم ؟!!. -قال المؤلف : ثم قال القشيري رحمه الله " ولو أشْعَرَ ما قلنا تَوَهُّمَ غَلَبَتِهِ : يعني أنتم تقولون " إذا قلتَ { الرحمنُ على العرش استوى } معناه قهر، هذا يُشْعِرْ أنه لم يكنْ قاهرًا للعرش ثم قَهَرَه، هكذا أنتم تزعُمون. يرُدُّ عليهم يقول " لو كان كما تقولون أيها المشبهة، لو كان يُشْعِرُ بهذا ". -قال المؤلف : لأشعَرَ قولُهُ { وهو القاهرُ فوق عباده } بذلك أيضًا : لو كان كما تقولون لكان قولُهُ { وهو القاهِرُ فوق عباده } أيضًا مُشْعِرًا بأنَّ الله لم يكنْ قاهرًا للعباد ثم قَهَر. وليس الأمرُ كذلك. -قال المؤلف : حتى يقالَ كان مقهورًا قبل خَلْقِ العباد. هيهاتَ إذْ لم يكن للعباد وجودٌ قبل خلقه إياهم : وهذا لا يُقْبَل، لا يقال كان مقهورًا قبل خَلْقِ العباد. -قال المؤلف : بل لو كان الأمرُ على ما توهَّمَهُ الجَهَلةُ من أنه استواءٌ بالذات : إنما الذي يُشْعِرُ بالتغيُّر في حقِّ الله هو كلامُكم انتم أيها المشبهة لأنكم تقولون { الرحمن على العرش استوى } استوى بالذات، بذاته، وتريدون " جَلَسَ " معناه قبلُ لم يكنْ مستويًا بالذات، إنما بعد أنْ خَلَقَ العرش استوى بذاته. فهذا الذي يدلُّ يُشْعِرُ بالتغيُّر، كلامُكم ليس كلامَنا أهلَ السّنة. -قال المؤلف : لأشعَرَ ذلك بالتغيُّر واعوجاجٍ سابق على وقتِ الإستواء، فإنَّ البارىءَ تعالى كان موجودًا قبل العرش. ومَنْ أنصفَ عَلِمَ أنَّ قولَ منْ يقول " العرشُ بالرب استوى " : كما ذكرنا، والمنصِف يقول " مَنْ يفسِّر { الرحمن على العرش استوى } أنَّ المراد به أنَّ العرشَ استوى بالربّ أي أنَّ الرب فَعَلَ فِعْلا في العرش سمَّاه الإستواء، هذا معنى { الرحمن على العرش استوى } هذا حالُه أحسنُ بكثير من الذي يقول " الربُّ بالعرش استوى " أي أنَّ الربَّ بسبب العرش صار مستويًا، فهذا فيه نِسْبَةُ الإحتياج إلى العرش والتغيُّر إلى الله. وحاشا أنْ يكونَ الله محتاجًا إلى العرش أو أنْ يكونَ متغيِّرًا. -قال المؤلف : أمثَلُ مِنْ قولِ مَنْ يقول " الربُّ بالعرش استوى ". فالربُّ إذًا موصوفٌ بالعُلُوِّ وفوقية الرُّتْبَةِ والعَظَمَة ومنزَّهٌ عن الكوْنِ في المكان وعن المحاذاة : هذا خُلاصةُ ما قالَه القشيريُّ إلى هنا. ما زال لكلامه تِتِمَّة، لكنْ إلى هنا خُلاصة ما أراد أنْ يقولَه " أنَّ الذي يقولُ، حتى إنَّ الذي يقولُ " العرشُ بالربّ استوى " هذا حالُهُ أمثل بكثير من الذي يقول " الربُّ بالعرش استوى " لأنَّ الذي يقول " العرشُ بالربِّ استوى " معناه إنَّ الربَّ فَعَلَ فِعْلا بالعرش سمَّاه إستواء، وهذا ليس فيه نِسْبَةُ نقصٍ إلى الله. أمَّا الذي يقول " الربُّ بالعرش استوى " فإنه جَعَلَ اللهَ محتاجًا إلى العرش وجعل اللهَ متغيِّرًا، وهذا ضلالٌ والعياذ بالله تعالى. -قال المؤلف : قال القشيري رحمه الله : وقد نَبَغَتْ نابغةٌ من الرَّعاع : من السفهاء السخفاء، ظَهَرَ قومٌ من السفهاء السخفاء. -قال المؤلف : لولا استِنْزَالُهم للعوامّ بما يَقْرُبُ من أفهامم : لولا أنهم يَشُدُّون عوامَّ الناس إلى الحضيض، يُنْزِلونَهم إلى الحضيض إلى الهاوية بأنْ يُكَلِّموهم بأشياء قريبة من تخيلاتهم. -قال المؤلف : ويُتصورُ في أوهامهم لأجْلَلْتُ هذا المكتوبَ عن تلطيخه بذِكرهم : يقول " لولا أنَّ هؤلاء يحاولون إضلالَ العوام ما كنتُ ذَكَرْتُهم في هذا الكتاب الذي كتبتُه، ما كنتُ أذكُرُهم حتى، لأنهم وسَخ، هذا مرادُهُ. -قال المؤلف : يقولون " نحن نأخُذُ بالظاهر ونجري الآياتِ الموهِمَة تشبيهًا والأخبارَ الموهِمَة حدًّا وعُضوًا على الظاهر : يقولون نحن نأخُذُ بالظاهر الآيات التي توهِم التشبيه نأخُذُها على ظاهرها، الأحاديث التي توهِمُ التشبيه نأخُذُها على ظاهرها ولا يجوزُ أنْ نؤوِّلَ شيئًا منها. -قال المؤلف : يقولون "ولا يجوزُ أنْ نُطَرِّق التأويلَ إلى شىء من ذلك " : لا يجوزُ أنْ نؤول شيئًا من ذلك. يعني نُطَرِّقَ التأويل نُدْخِل التأويل. -قال المؤلف : ويتمسَّكون على زعمهم بقول الله تعالى { وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ } : والآيةُ لا تدلُّ على هذا كما سَبَقَ وبيَّنَّا. { وما يعلمُ تأويلَه إلا الله } ما يعلمُ وقتَ حدوثِهِ إلا الله. -قال المؤلف : وهؤلاء والذي أرواحُنا بيده : يَحْلِفُ بالله، يقول " هؤلاء واللهِ، والذي أرواحُنا بيده" -قال المؤلف : أضرُّ على الإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وعَبَدة الأوثان ؟ ليش ؟ يُبَيِّن. -قال المؤلف : لأنَّ ضلالاتِ الكفار ظاهرةٌ يَتَجَنَّبُها المسلمون : الكفارُ الذين يُظْهِرون أنهم كفار ضلالاتُهم ظاهرة يعرِفُها المسلمون فيجتنِبونَها. -قال المؤلف : وهؤلاء أتَوْا الدينَ والعوامَّ من طريق يَغْتَرُّ به المستضعَفون : أمَّا هؤلاء يُظْهِرون أنهم مسلمون، يتكلَّمون في أمر الدين ويُلْقون إلى العوامّ كلماتٍ مُنَمَّقة بحيث إنَّ الضعفاء يَستهويهم ذلك، يقعُ بعضُ الضعفاء في أشراكهم. -قال المؤلف : فأوْحَوا إلى أوليائهم بهذه البِدع : مَنِ اتَّبَعَهم ألْقَوْا إليه هذه البدع. -قال المؤلف : وأحلُّوا في قلوبهم وصفَ المعبودِ سبحانه بالأعضاء والجوارح والركوب والنزول والإتكاء والإستلقاء والإستواء بالذات والتردد في الجهات : وأدخلوا إلى قلوب مَنْ تَبِعَهم وَصْفَ الله بهذه أنَّ الله له أعضاء له جوارح، يَرْكَب، يَطْلَع، يَنْزِل، يَستلقي، وأنه لم يكنْ قاعدًا ثم قَعَد وأنه موجودٌ في جهة من الجهات وأنه ينتقِل، وهذه كلُّها صفات. ماذا تركوا من صفات المخلوقات ؟ -قال المؤلف : قال القشيري رحمه الله " فمنْ أصغى إلى ظاهرهم : الذي يَقْبَلُ منهم. -قال المؤلف : يُبادِرُ بوهمه إلى تخيُّل المحسوسات : يَتَخَيَّلُ أشياء تشبه المخلوقات. -قال المؤلف : فاعتقد الفضائحَ: فيعتقد أنَّ الله وصفاتِهِ على ما تخيَّل. -قال المؤلف : فسال به السَّيْلُ : فيأخُذُه السَّيْلُ إلى هَلَكَتِهِ وهو غافل. الله يحفَظنا. -قال المؤلف : وهو لا يدري "ا.ه. -قال المؤلف : فَتَبَيَّنَ أنَّ قول مَنْ يقول " إنَّ التأويل غيرُ جائز " خَبْطٌ وجهلٌ : فَتَبَيَّنَ من كلام القشيري أنَّ مَنْ يمنعُ التأويلَ على الإطلاق مُتَخَبِّط، جاهل. -قال المؤلف : وهو محجوجٌ : الحُجَّةُ قائمةٌ عليه. -قال المؤلف : بقوله صلّى الله عليه وسلّم لابنِ عباس " اللهم عَلِّمْهُ الحكمةَ وتأويلَ الكتاب" : فقد دعا النبيُّ لابن عباس أنْ يُعَلِّمَهُ اللهُ تأويلَ الكتاب، فكيف يمنعونَ التأويلَ على الإطلاق ؟!!! -قال المؤلف : رواه البخاري وابن ماجه وغيرُه بألفاظ متعددة. وأوَّلُهُ عند البخاري : "اللهم علِّمْه الحكمة " هذا موجودٌ في صحيح البخاري. على كلِّ حال هو صحيحٌ، هذا عن النبيّ عليه الصلاة والسلام. -قال الحافظ ابن الجوزيّ في كتابه " المجالس " : والحافظُ ابنُ الجوزيّ حنبليٌّ لكنه ليس كهؤلاء المشبهة الذين يدَّعون الإنتسابَ إلى مذهب أحمد بل كان عالـِمًا بحقّ. -قال المؤلف : ولا شكَّ أنَّ الله استجابَ دعاءَ الرسولِ هذا "ا.ه : يقول لا شكَّ أنَّ الله استجاب دعاءَ النبيّ عليه الصلاة والسلام فصار ابنُ عباسٍ عالـِمًا بتأويل الكتاب فدخَلَ تحت قول الله تبارك وتعالى { وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ والراسخون في العلم } . -قال المؤلف وشدَّدَ النكيرَ : وشدَّدَ أي ابنُ الجوزي. -قال المؤلف : والتشنيعَ على مَنْ يمنعُ التأويلَ ووسَّعَ القولَ في ذلك، فليُطالِعْهُ منْ أراد زيادةَ التأكد : تكلَّمَ بكلام يُشابِهُ ما ذَكَرَه أبو النصر القشيري. -قال المؤلف : ومعنى قولِهِ تعالى { يخافون ربَّهم من فوقهم } : الآن أكمَلَ المؤلف رحمه الله في إيضاح ما كان يقول، قال " لا يحتَجَّ أحدٌ بقول الله { يخافون ربَّهم من فوقهم } حتى يقولَ إنَّ الله قاعدٌ فوق. -قال المؤلف : فوقيةُ القهرِ دون المكانِ والجهة : هذا قولُ الله تعالى { يخافون ربَّهم من فوقهم } ليس فيه حجَّة لكونِ الله تعالى في جهة فوق. هذه فوقيةُ القهر. { وجاعلُ الذين اتَّبعوكَ فوق الذين كفروا } هل معنى هذا أنهم ركِبوا أكتافَهم ؟ معناه قاهِرين لهم. -قال المؤلف : أي ليس فوقيةَ المكان والجهة. ومعنى قوله تعالى { وجاء ربُّكَ والملكُ صفًّا صفًّا }: كذلك هذه الآية ليس معناها أنَّ الله ينتقِل من مكان إلى مكان، لا، يكونُ فوق يَنْزِل إلى تحت يوم القيامة، ليس هذا معناه. -قال المؤلف : ليس مجيءَ الحركةِ والإنتقال والزوال : يوجدُ في الآية شىءٌ يسمّيه علماءُ اللغة مجازَ الحذف، { وجاء ربُّكَ } أي جاءتْ قدرةُ ربِّكَ. لكنْ " قدرة " لم تُذْكَر، فقيل { وجاء ربُّكَ } وهذا معروف في لغة العرب، كثير في القرءان، مملوء القرءان والحديث منه. ذكرنا قبل ذلك مِثالا { وأُشْرِبوا في قلوبهمُ العِجْلَ } أي حُبَّ العجل، لكنْ حُذِفَتْ كلمةُ " حُبَّ ". { وأُشرِبوا في قلوبهم العجل } هذا من جملة مجاز الحذف. وهنا أيضًا، إذن ومعنى { وجاء ربُّكَ } وجاءتْ قدرةُ ربِّكَ " كما فَسَّرَ ذلك الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل رضي الله تعالى عنه. -قال المؤلف : وإفراغِ مكانٍ ومَلْءِ ءاخَرَ بالنسبة إلى الله، ومَنِ اعتقد ذلك يكفُر : في بعض الآيات { أتى اللهُ بُنيانَهم من القواعد } هل معنى ذلك أنَّ الله انتقل وجاء إلى البُنيان الذي بَنَوْهُ وَنَزَلَ تحت قواعدهم ؟ لا. الإتيان والمجيء إذا نُسِبَ إلى الله تبارك وتعالى له معنىً يليقُ به عزّ وجلّ، يعرِفُهُ الراسخون في العلم وهم يُفَسِّرونَه، ليس المشبهةَ الجهلة. -قال المؤلف : فالله تعالى خَلَقَ الحركة والسكون وكلَّ ما كان من صفات الحوادث، فلا يوصَفُ اللهُ تعالى بالحركة ولا بالسكون : كما سَبَقَ أنْ بيَّنَّا. -قال المؤلف : والمعنيُّ بقوله { وجاء ربُّكَ } جاءَ أمرُ ربِّكَ : الأمرُ الذي قَدَّرَه ربُّكَ. -قال المؤلف : أي أثرٌ من ءاثار قدرته. وقد ثَبَتَ عن الإمام أحمدَ أنه قال في قوله تعالى { وجاء ربُّكَ } إنما جاءت قدرتُهُ : أي أثَرُ قدرتِهِ. -قال المؤلف : رواه البيهقيُّ في مناقِبِ أحمد وقد مَرَّ ذِكْرُهُ : يوم القيامة الملائكة يأتون بجزء من جهنم يجُرُّونَه، هذا مِثالٌ عمَّا أراده أحمد بقول الله تعالى { وجاء ربُّكَ } ءاثارُ قدرةِ ربِّك، يظهرُ في ذلك اليوم ءاثارٌ عظيمة بقدرة الله تبارك وتعالى، هذا الذي أراده أحمد. { وجاء ربُّكَ } هذا الذي أُريدَ في الآية في القرءان، ليس أنَّ الله ينتقِل من مكان إلى مكان، حاشا. -تفسيرُ معيَّة الله المذكورة في القرءان : الآن يُبَيِّنُ معنى ءاية أخرى قد يُشْكِلُ َفهمُها على بعض الناس. -قال المؤلف : ومعنى قولِهِ تعالى { وهو معكم أينما كنتم } الإحاطةُ بالعلم : هذا معنى { معكم } أي أنَّ الله عالمٌ بكم، أحاط بكم علمًا، هذا معناه. -قال المؤلف : وتأتي المعيةُ أيضًا بمعنى النصرة والكِلاءة : في بعض الأحوال تكونُ المعية بمعنى النصرة والحفظ. الكِلاءة أي الحفظ. -قال المؤلف : كقولِهِ تعالى { إنَّ الله مع الذين اتَّقَوْا } : أي أنَّ الله يحفَظُهُم ويَنْصُرُهم. -قال المؤلف : وليس المعنيُّ بها الحلولَ والإتصال : ليس معنى { معكم } أنَّ الله متصل بكم، يُلابسُكم، يتخلَّلُكم مثلُ الهواء أو مثلُ الروح يدخُلُ فيكم، ليس هذا معناه. -قال المؤلف : ويكفُرُ مَنْ يعتقدُ ذلك : بلا شك. -قال المؤلف : لأنه سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن الإتصال والإنفصال بالـمَسافة : الله لا يجوزُ أنْ يوصَفَ بأنه متصل بغيره أو أنه منفصِل، لأنَّ الذي يتصِلُ وينفَصِلُ هو الجسم لا غير. -قال المؤلف : فلا يقال إنه متصلٌ بالعالم ولا منفصلٌ عنه بالـمَسافة. والحجمُ هو الذي يقبَلُ الأمرين : ولذلك ذَكَرَ المتولّي ونَقَلَه عنه النووي وغيرُه أنَّ مَنْ وَصَفَ الله بالإتصال أو الإنفصال فهو كافر لأنَّ الذي يقبَلُ الإتصال أو الإنفصال هو الحجم. -قال المؤلف : واللهُ جلّ وعلا ليس بحادث : والحجمُ حادث والله ليس حادثًا. -قال المؤلف : نَفَى ذلك عن نفسه بقولِهِ { ليس كمثله شىء } : وهذا ما يدلُّ عليه قولُهُ تعالى { ليس كمثله شىء }. -قال المؤلف : ولا يوصَفُ اللهُ تعالى بالكِبَرِ حجمًا ولا بالصِّغَر، ولا بالطول ولا بالقِصَر لأنه مخالفٌ للحوادث : لأنَّ الله لا يشبه المخلوقات. -قال المؤلف : ويجبُ طردُ كلِّ فكرة عن الأذهان تُفضي إلى تقدير الله تعالى وتحديده : كلُّ فكرة تؤدي إلى وصف الله تبارك وتعالى بالحدود بالنهايات أو أنَّ له مِقدارًا يجبُ طردُها عن الأذهان لأنَّ الله تعالى ليس جسمًا. -قال المؤلف : كان اليهودُ قد نَسَبُوا إلى الله تعالى التعبَ : كذلك الإنفعالات والأحاسيس مثلُ التعب لا يجوزُ نِسْبَتُها إلى الله تعالى. -قال المؤلف : فقالوا " إنه بعد خلقِ السمواتِ والأرضِ استراح فاستلقى على قفاه " وقولُهم هذا كفرٌ : بلا شك لأنَّ فيه نِسْبَةَ التعبِ والإنفعال إلى الله تعالى. الله لا يجوزُ عليه التعب ولا الراحة، هذه صفاتُ المحتاجين. -قال المؤلف : والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك، وعن الإنفعال كالإحساسِ بالتعب والآلام واللذات، فالذي تَلْحَقُهُ هذه الأحوال يجبُ أنْ يكونَ حادثًا مخلوقًا يَلْحَقُهُ التغيُّر : الذي يتصفُ بمثل هذه الأوصاف يكونُ مخلوقًا يتغيَّر. -قال المؤلف : وهذا يستحيلُ على الله تعالى : بلا شك، هذا كلُّه قَدَّمْنا الكلامَ فيه. -قال المؤلف : قال تعالى { ولقد خَلَقْنَا السمواتِ والأرضَ وما بينَهما في ستةِ أيام وما مَسَّنا من لُغُوب } : اللُّغوبُ التعب. { ما مسَّنا من لغوب } أي ما تَعِبنا. -قال المؤلف : إنما يَلْغُبُ : يتعب. -قال المؤلف : منْ يعمَلُ بالجوارح، والله سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن الجارحة : الذي يتعب هو الذي عنده جوارح يستعمِلُها فيما يعمَل والله منزَّهٌ عن الجارحة. -قال المؤلف : قال تعالى { إنَّ الله هو السميعُ البصير } : كذلك قولُ الله { السميعُ البصير } ليس معناه أنَّ الله يشبه المخلوقات، له جارحة يرى بها وله آلة يسمَعُ بها، لا. -قال المؤلف : فالله تعالى سميعٌ وبصيرٌ بلا كيفية، فالسمعُ والبصرُ هما صفتان أزليتان بلا جارحة، أي بلا أذن أو حدقة : وهذا سَبَقَ أنْ شرحناه. -قال المؤلف : وبلا شرطِ قُرْبٍ أو بُعْدٍ أو جهة : يسمَعُ المسموعات كلِّها القريب منا والبعيد عنا. ولا يقال " القريبُ من الله والبعيدُ من الله لأنَّ الله موجودٌ بلا مكان. -قال المؤلف : وبدون انبعاثِ شُعاعٍ من البصر، أو تَمَوُّجِ هواء : ليس كما يَرى المخلوقين بشُعاع ضوء بين المرئيّ والرائي لأنَّ الله ليس حجمًا. ولا بتموُّجِ هواء يسمَعُ به الكلام لأنَّ الله ليس له آلة. -قال المؤلف : ومَنْ قال لله أذُنٌ فقد كَفَر : كما سَبَقَ أنْ بيَّنَّا. -قال المؤلف : ولو قال له أذُنٌ ليست كآذاننا : لأنه نَسَبَ إلى الله صفة ليس لها معنى إلا الجارحة ولم تَرِد في الشرع، ولم يَرِد في الشرع نِسْبَتُها إلى الله فيكفُر. -قال المؤلف : بخلاف مَنْ قال له عينٌ ليست كعيوننا : لأنَّ العين تحتَمِلُ معاني، ليس معناها فقط الجارحة. وجاء في الشرع نِسْبَتُها إلى الله. -قال المؤلف : ويدٌ ليس كأيدينا : وأيضًا اليد في اللغة لها معانٍ مختلفة، ليس معناها الجارحةَ فقط وجاء في الشرع نِسْبَتُها إلى الله. -قال المؤلف : بل بمعنى الصفة : إذا نَسَبَ ذلك إلى الله على معنى الصفة لا على معنى الجارحة لا يُكَفَّر. -قال المؤلف : فإنه جائزٌ : بل هذا يجوز. -قال المؤلف : لورودِ إطلاقِ العينِ واليد في القرءان ولم يَرِدْ إطلاقُ الأذن عليه : كما شرحنا. -تفسيرُ قولِهِ تعالى { فَثَمَّ وجهُ الله }. -قال المؤلف : قال تعالى { ولله المشرقُ والمغربُ فأينما تُولُّوا فَثَمَّ وجهُ الله } : أينما تتجهوا { فَثَمَّ } أي هناك { وجهُ الله }. -قال المؤلف : المعنى فأينما تُوجِّهوا وجوهَكم في صلاة النفل في السفر : إذا كنتم مسافرين وأنتم تصلُّونَ صلاةَ النفل لا الفرض. -قال المؤلف : فَثَمَّ قِبْلَةُ الله : {فَثَمَّ وجهُ الله } أي قِبْلَةُ الله، تتجهون إلى جهة سفركم، صلاتُكم صحيحة وتلك الجهةُ تكونُ قِبْلَتَكم. -قال المؤلف : أي فتلكَ الوِجْهةُ التي توجهتم إليها هي قبلةٌ لكم. ولا يُرادُ بالوجه الجارحةُ : ليس معنى { فَثَمَّ وجهُ الله } أنَّ الله له وجهٌ جارحة. -قال المؤلف : وحكمُ مَنْ يعتقد الجارحةَ لله التكفيرُ : كما سَبَقَ أنْ بيَّنَّا. -قال المؤلف : لأنه لو كانت له جارحةٌ لكان مِثلا لنا يجوزُ عليه ما يجوزُ علينا من الفناء : وهذا سَبَقَ إيضاحُهُ. -قال المؤلف : وقد يرادُ بالوجه الجهةُ التي يرادُ بها التقربُ إلى الله تعالى : أحيانًا يُطْلَقُ الوجه ويرادُ به الجهةُ التي تُفعلُ تقرُّبًا إلى الله. -قال المؤلف : كأنْ يقولَ أحدُهم " فعلتُ كذا وكذا لوجه الله " ومعنى ذلك فعلتُ كذا وكذا امتثالا لأمر الله تعالى : أي أنني فعلتُ الفِعْلَ موافقًا لأمر الله، حتى أكونَ مُمْتَثِلا لأمر الله، طاعةً لله. أحيانًا يأتي "وجهُ الله " بهذا المعنى. -قال المؤلف : ويَحْرُمُ أنْ يقالَ كما شاع بين الجهال " افتح النافذةَ لنرى وجهَ الله " : هنا المؤلفُ استطردَ بما أنه يتكلَّمُ عن الوجه استطرد إلى ذِكْرِ هذا الأمر لأنَّ بعض العوام يقولُهُ لِزَجْرِهم عن هذا القول، يقولُ بعضُهم " افتح النافذة لنرى وجه الله ". هذا لا يجوز. -قال المؤلف : لأنَّ الله تعالى قال لموسى { لنْ تراني } : لو لم يكنْ هؤلاء يقصِدون منه أنهم يريدون أنْ يَرَوْا الله، ذاتَ الله، لكنْ قولُهُ حرام، قولُ هذا الكلام حرام لا يجوز. لو كانوا يظنون أنَّ معناه شيئًا ءاخر. " لنرى وجهَ الله " يظنون أنَّ معناه لنرى خَلْقَ الله. مع ذلك قولُهُم لهذا الكلام لا يجوز. -قال المؤلف : ولو لم يكنْ قصدُ الناطقين به رؤيةَ الله فهو حرام. -تفسير { الله نورُ السموات والأرض } : هذه الآيةُ الأخيرة التي أوردها المصنِّف في هذا المورِد، نذكر تفسيرَها إنْ شاء الله. -فقولُهُ تعالى { الله نورُ السمواتِ والأرضِ } معناه أنَّ الله تعالى هادي أهلِ السمواتِ والأرضِ لنور الإيمان : ليس معنى الآية أنَّ الله هو هذا الضوء الذي نراه في الأرض وفي السموات، قطعًا ليس هذا معناها. إنّما معنى النور الهادي، الله هَدَى أهلَ السموات أي الملائكة وهَدَى المؤمنين من أهل الأرض من إنس وجن. -قال المؤلف : رواه البيهقي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. فالله تعالى ليس نورًا بمعنى الضوء، بل هو الذي خَلَقَ النور : والخالقُ لا يشبه مخلوقَه. -قال المؤلف : قال تعالى { وجَعَلَ الظلماتِ والنورَ } : -قال المؤلف : أي خَلَقَ الظلمات والنور : معناه الظلمةُ مخلوقة والنورُ مخلوق. الظلمة إذن شىءٌ موجود يخلُقُه الله والنور شىءٌ موجود يخلُقُه الله. ليست الظلمةُ مجردَ عدمِ النور، لا، الظلمة شىءٌ موجود يخلُقُه الله والنورُ الضوءُ شىءٌ موجودٌ يخلُقُه الله لأنَّ الله قال { وجَعَلَ الظلمات والنور } أي خَلَقَ الظلمات والأضواء. -قل المؤلف : فكيف يمكنْ أنْ يكونَ نورًا كخلقه ؟!! تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا : فلا يجوزُ أنْ يكونَ الله تعالى ضوءًا كخلقه. -قال المؤلف : وحكمُ مَنْ يعتقدُ أنَّ الله تعالى نورٌ أي ضوءٌ التكفيرُ قطعًا : بلا شك لأنَّ مَنْ يعتقدُ ذلك جعل اللهَ كمخلوقاته. -قال المؤلف : وهذه الآيةُ { الحمد لله الذي خَلَقَ السمواتِ والأرضَ وجعلَ الظلماتِ والنور } أصرحُ دليل على أنَّ الله ليس حجمًا كثيفًا كالسمواتِ والأرض وليس حجمًا لطيفًا كالظلمات والنور : لأنَّ الله أخبر في هذه الآية أنه هو خالقُ الجسم الكثيف كالسموات والأرض وهو خالقُ الجسم اللطيف كالظلماتِ والنور. والله لا يشبه مخلوقاته. -قال المؤلف : فمنِ اعتقد أنَّ الله حجمٌ كثيفٌ أو لطيفٌ : وسبق أنْ ذكرنا الكثيف ما يُقْبَضُ باليد، اللطيف ما لا يُقبضُ باليد. -قال المؤلف : فقد شَبَّهَ اللهَ بخلقه والآيةُ شاهدةٌ على ذلك : هذا كلُّه سبقَ أنْ بيَّنَّاه. -قال المؤلف : أكثرُ المشبهة يعتقدون أنَّ الله حجمٌ كثيفٌ : أكثرُ المشبهة يعتقدون أنَّ الله شىء كالإنسان قاعدٌ على العرش. -قال المؤلف : وبعضهم يعتقد أنه حجمٌ لطيف : بعضهم يظنُّ أنَّ الله تعالى ضوء يتلألأ، وبعضهم يظن أنه مثلُ الروح يدخُلُ في الإنسان أو أنه مثلُ الهواء يتخلَّل في كلِّ الأماكن. -قال المؤلف : حيث قالوا إنه نورٌ يتلألأ : أي بعضُهم. -قال المؤلف : فهذه الآيةُ وحدها تكفي للرد على الفريقين : نعم، هذه الآية { وجَعَلَ الظلمات والنور } تكفي للرد على الفريقين. فيها أولا ذِكْرُ خلقِ السموات والأرض وفيها ذكرُ خلقِ الظلمات والنور. فيها بيانُ أنَّ الحجم الكثيف مخلوق وفيها بيانُ أنَّ الحجم اللطيف مخلوق، والخالق لا يشبه المخلوق كما رُوِيَ عن أبي حنيفة وغيره " أنَّى يشبه الخالقُ مخلوقَه ". -قال المؤلف : وهناك العديدُ من العقائد الكفرية كاعتقاد أنَّ الله تعالى ذو لونٍ أو ذو شكل : وكلُّ هذا ذكرناه قبلُ. -قال المؤلف : فليَحذرِ الإنسانُ من ذلك جَهْدَه على أيّ حال : حتى لا يكونَ خاتمةُ الإنسان على الكفر فيخلُدَ في نار جهنم. وهذه الوِقاية يحتاجُ فيها إلى العلم. أكثرُ مَنْ لم يتعلَّم، الذي لا يتعلَّمُ أصولَ العقائد معرَّضٌ جدًّا للوقوع في مصايد الشيطان. فينبغي على الإنسان أنْ يحفَظَ نفسَه وأهلَه بالعلم وأنْ يبتعد عن تشبيه الله بخلقه.