قال الشيخ رمزي شاتيلا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطّيبين الطاهرين.
سنتكلم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الحاقة وسورة الحاقة سورة مكية.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: {الحاقة} الحاقة يعني القيامة لماذا سُميت بذلك سميت حاقة من الحق الثابت يعني أنها ثابتة الوقوع لا ريب فيها.
ثم قال الله عزّ وجلّ: {ما الحاقة} أي ما هي الحاقة وهذا استفهام والمقصود منه تعظيم شأن القيامة وتهويله ثم زاد الله في التهويل بأمرها فقال سبحانه وتعالى:{وما أدراك ما الحاقة} أي وما أعلمك ما الحاقة أي شىء أعلمك ما الحاقة يعني لا علم لك بكُنهها ومدى عظمها لأنه من العظم والشدة بحيث لا تبلغه دراية المخلوقين ولما ذكر الله عزّ وجلّ القيامة وفخّمها أتبع ذكر ذلك ذكر من كذّب بها وما حلّ بهم بسبب التكذيب تذكيرًا لأهل مكة وتخويفًا لهم من عاقبة تكذيبهم فقال: {كذبت ثمود وعاد بالقارعة} كذّبت ثمود.
ثمود هي قوم سيدنا صالح عليه السلام وكانت منازلهم بالحجر فيما بين الشام والحجاز وعاد وهم قوم سيدنا هود عليه الصلاة السلام وكانت منازلهم بالأحقاف ما بين عمان وحضرموت.
ومعنى بالقارعة أي بالقيامة فهذا اسم آخر من أسماء القيامة القارعة من أسماء القيامة سميت بذلك لأنها تقرع الكفار بالأفزاع والأهوال.
{فأما ثمود فأهلكوا بالطّاغية} أهلك الله ثمود بالطّاغية أي بالصيحة الشديدة المجاوزة في قوتها وشدتها عن حد الصيحات بحيث لم يتحمّلها قلب أحد منهم وقد جاء في قصتهم في سورة القمر فأخبر الله عزّ وجلّ عنه بقوله: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} كذّبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرًا منّا واحدًا نتبعه معناه قالوا أنتبع بشرًا منّا واحدًا اعترضوا أن يكون المرسل من البشر وطلبوا أن يكون المرسل من الملائكة وقالوا على زعمهم إنّا إذَا لفي ضلال وسُعر يعني على زعمهم إذا اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله إليهم يكونون في ضلال وسعر وكانوا يكذبونه ويقولون أؤلقي الذكر عليه من بيننا لماذا يُنزل هو عليه الوحي بل هو كذّاب أشر كانوا يقولون والعياذ بالله إنه كذّاب وهو أشر أي بطر متكبر دعاه تكبره إلى ادعاء ما يدعيه فرد الله عزّ وجلّ عليهم وقال: {سيعلمون غدًا من الكذّاب الأشر} سيعلمون عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة من الكذّاب الأشر سيعلمون أنهم على ضلال.
ثم قال الله عزّ وجلّ:{إنّا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر} أي باعثوها ومخرجوها مخرجو الناقة كما طلبوها لأنهم هم طلبوا إخراج الناقة سنخرج الناقة اختبارًا لهم فارتقبهم فانتظرهم وتبصر ما هم صانعون واصطبر على ءاذاهم ولا تعجل حتى يأتيك أمر الله والخطاب هنا لصالح عليه السلام.
وكان من ذلك أنّ الماء مقسوم بينهم لهذه الناقة شِرب يوم ولهم شِرب يوم كما قال الله عزّ وجلّ: {ونبئهم أنّ الماء قسمةٌ بينهم كلُّ شِرب محتضر} محتضر أي محضور معناه يحضر القوم الشرب يومًا وتحضر الناقة يومًا ولكنهم مع رؤيتهم لهذه المعجزة العظيمة وهي خروج الناقة من الصخرة وكذلك فصيلها أي ولدها قرروا قتل هذه الناقة كما أخبر الله عزّ وجلّ: { فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ } نادوا صاحبهم وهو معروف هو قُدار بن سارف عاقر الناقة هو معروف قُدار بن سارف فتعاطى أي اجترأ على تعاطي الأمر العظيم غير مكترث لها تعاطى الناقة فعقرها أو تعاطى السيف فقتلها عقر الناقة والعياذ بالله.
فقال الله عزّ وجلّ: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ } كيف كان انتقام الله منهم كيف كان عذاب الله عزّ وجلّ أليس كان شديدًا أرسل الله عليهم صيحة كما أخبر سبحانه وتعالى في سورة القمر {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة واحدة {فكانوا كهشيم المحتظر}. ما معنى كهشيم المحتظر؟
الهشيم هو الشجر اليابس المتهشم المتكسر.
المحتظر هو الذي يعمل الحظيرة وما يحتظر به الذي يُعمل به الحظيرة ييبس ييبس بطول الزمان فشبههم الله عزّ وجلّ بعد موتهم بالشجر اليابس المتهشم المتكسر.
ونعود إلى سورة الحاقة إلى قول الله عزّ وجلّ {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} عاد أهلكهم الله عزّ وجلّ بريح صرصر باردة تُحرق ببردها كإحراق النّار.
ومن العلماء من قال في تفسير قول الله عزّ وجلّ صرصر أي شديدة الصوت ومعنى عاتية شديدة العصف تجاوزت في الشدة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب.
{سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسومًا} سخرها الله سلطها الله وأدامها عليهم سبع ليال وثمانية أيّام حسوما أي متتابعة دائمة كاملة ليس فيها فتور وذلك أن الريح المهلكة تتابعت عليهم في هذه الأيام فلم يكن لها فتور ولا انقطاع حتى أهلكتهم {فترى القوم فيها صرعى} أي ترى القوم يعني قوم عاد في تلك الليالي والأيام صرعى أي موتى ثم انظروا بماذا شبه الله عزّ وجلّ عادًا بعد موتهم قال الله تعالى: { كأنهم أعجاز نخل خاوية} كأنهم أعجاز أي أصول نخل خاوية أي ساقطة شبههم الله عزّ وجلّ بجذوع النخل الساقطة التي ليس لها رؤوس فإن الريح كانت تحمل الرجل منهم في الهواء ثم تلقيه فتشدخ رأسه فيبقى جثةً بلا رأس وفي تشبيههم بالنخل إشارة إلى عظم أجسامهم وبعد ذلك لم يبق منهم أحد لم يبق من هؤلاء أحد كما قال الله عزّ وجلّ: {فهل ترى لهم من باقية } أي لا ترى لهم من نفس باقية ولننظر فيما ورد في سورة القمر أيضًا في قصة هؤلاء فقد قال الله عزّ وجلّ في سورة القمر: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} أرسل الله عليهم ريحًا باردة شديدة الصوت وقول الله عزّ وجلّ في يوم نحس أي شؤم مستمر أي دائم الشر فقد استمر عليهم حتى أهلكهم وكان في أربعاء في ءاخر الشهر وقد وصف الله عزّ وجل في هذه السورة الريح التي أرسلت على قوم عاد فقال: {تنزع النّاس كأنهم أعجاز نخل منقعر} أي من شدتها تنزع الناس تقلعهم عن أمكانهم وكانوا أي قوم عاد يصطفون آخذًا بعضهم بأيد بعض ويتداخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها ومع ذلك كانت تنزعهم وتكبهم وتدق رقابهم كما ذكرنا {كأنهم أعجاز نخل منقعر} أي كأنهم أصول نخل منقلع عن مغارسه وكما قلنا شبهوا بأعجاز النخل لأن الريح كانت تقطع رؤوسهم وتبقي أجسادًا بلا رؤوس أو تبقيهم أجسادًا بلا رؤوس فيتساقطون على الأرض أمواتًا وهم جثث طوال.
ثم قال الله عزّ وجلّ في سورة الحاقة: {وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة} وجاء فرعون ومن قبله أي من الأمم الكافرة التي كانت قبله كقوم نوح وعاد وثمود والمؤتفكات المؤتفكات يعني أهل قرى قوم لوط وكانت أربع أو خمس قريات وهي التي ءاتفكت أي انقلبت انقلبت بأهلها فصار عاليها سافلها جاؤوا بالخاطئة أي بالمعصية والكفر والعياذ بالله {فعصوا رسول ربّهم فأخذهم أخذةً رابية} أي عصى هؤلاء الذين ذكرهم الله عزّ وجلّ وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات عصوا رسول ربهم أي كذّبوا رسل الله فأخذهم الله أخذة رابية أي زائدة شديدة نامية زادت على غيرها كالغرق كما حصل لفرعون وجنوده وقلب المدائن كما حصل لقوم لوط وقد قال الله عزّ وجلّ في سورة يونس: { وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيًا وعدوا} الله عزّ وجلّ يقول وجاوزنا ببني إسرائيل البحر مع موسى عليه الصلاة والسلام فأتبعهم فرعون وجنوده بغيًا تطاولا وعدوا أي ظلمًا.
ما الذي حصل مع فرعون؟
حتى إذا أدركه الغرق أدرك الموت لا محالة أدرك الغرق أدرك الموت يأس من الحياة وصل إلى حالة اليأس من الحياة : {قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} أنظر ماذا قال فرعون لكن هو قال هذا في وقت لا تقبل فيه التوبة وهي حالة اليأس من الحياة هو أدرك الغرق لا محالة فقال الله عزّ وجلّ: {ءالآن وقد عصيتَ قبلُ وكنتَ من المفسدين} أي أتؤمن الساعة أتؤمن الساعة في وقت الاضطراار حين أدركك الغرق حين أيست من نفسك حين أيست من الحياة فهو قال ذلك حين أدرك الموت لا محالة حين ألجمه الغرق فلم يقبل الله عزّ وجلّ منه قوله.
وأما المؤتفكات فنجد أيضًا ذكرهم في سورة النجم في قول الله عزّ وجلّ: {والمؤتفكة أهوى فغشّاها ما غشّى} فالمؤتفكة هي القرى التي ءاتفكت بأهلها أي انقلبت بأهلها وهم قوم لوط ومعنى أهوى أي رفعها إلى السماء رفعها جبريل إلى السماء على جناحه ثم أهواها على الأرض أسقطها على الأرض فغشّاها ما غشّى هذا تهويل وتعظيم لما صُب عليها من العذاب.
ثم قال الله عزّ وجلّ في سورة الحاقة: { إنّا لمّا طغى الماء حملناكم في الجارية} إنّا لما طغى الماء أي زاد وارتفع وتجاوز حده حتى علا على أعلى جبل في الدنيا نعم المراد هنا الطوفان الذي حصل في زمن سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام ومعنى حملناكم أي حملنا ءابائكم في الجارية أي في السفينة الجارية على وجه الماء وهي السفينة التي صنعها سيدنا نوح علي الصلاة والسلام بأمر من الله وصعد عليها هو ومن ءامن به على أن تفصيل هذه القصة إن شاء الله عزّ وجلّ سنتكلم فيه عندما نتكلم في تفسير سورة نوح عليه الصلاة والسلام ثم قال الله عزّ وجلّ: {لنجعلها لكم تذكرة} أي لنجعل تلك الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإهلاك الكفرة عبرة وعظة ودلالة لكم على قدرة الخالق وحكمته وكمال قدرته {وتعيها أُذن واعية} أي وتحفظ قصتها أذن حافظة لما تسمع أي من شأنها أن تعي المواعظ وما جاء من عند الله لإشاعة ذلك والتفكر فيه والعمل بموجبه ثم قال الله عزّ وجلّ: {فإذا نُفخ في الصور نفخة واحدة} أي إذا نفخ إسرافيل وهو الملك الموكل بالنفخ في البوق نفخة واحدة وهي النفخة الأولى ويموت عندها الناس ثم ينفخ النفخة الثانية بعد أربعين عامًا ويبعثون عندها ما الذي يحصل عند ذلك هذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله عزّ وجلّ في الدرس القادم. والله أعلم وأحكم.