أخرج البخاري في صحيحه أن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحُدَيبية
فكان فيما اشترط سهيل بن عمرو أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه، فكان لا يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلمًا، وجاءت المؤمنات مهاجرات، فكانت أم كلثوم بنت عُقبة بن أبي معيط ممن خرجت مهاجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم حتى أنزل الله تعالى في المؤمنات ما أنزل.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ (النساء) المُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}
من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح
فَامْتَحِنُوهُنَّ أي اختبروهُن فيما يتعلق بالإيمان فيما يرجع إلى ظاهر الحال دون الاطلاع على ما في القلوب وإلى ذلك الإشارة بقوله: {اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} فإنه تعالى هو المطلع على أسرار القلوب قال ابن عباس كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إلـه إلا الله وأنّ محمّدًا رسول الله،
{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ}
{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} أي بالعلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلِف وظهور الأمارات،
فلا تَرجعوا النساءَ المسلماتِ المهاجراتِ أي لا تردُوهُن إلى أزواجهن الكفرة
{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
{لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} أي لا يحلون لهم وانعقد التحريم بهذه الجملة
وجاء قوله تعالى: {وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}
على سبيل التأكيد وتشديد الحرمة
وهذه الآية نصٌ قاطع على تحريم زواج المسلمة من الكافر
{وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} أي أعطوا أزواجهن الكفار ما أنفقوا عليهن من المهور.قال بعض العلماء الحكمُ في رد الصداق إنما كان في نساء أهل العهد فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يرد عليه الصداق
{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
أي لا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا هؤلاء المؤمنات المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار الحرب مفارقاتٍ لأزواجهن
{إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن فإن الإسلام فرّق بينها وبين زوجها الكافر،
{وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ} العِصَمُ جمع عِصْمَة وهي سبب البقاء في الزوجية والكوافر جمع كافرة والمعنى من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يَعْتَدَّ بها فليست له امرأة فقد انقطعت عصمتها فهذا نهي للمؤمنين عن أن يكون بينهم وبين الزوجات المشركات الباقيات في دار الحرب علقةٌ من عُلَق الزوجية
{وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا}
وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ أي اطلبوا أيها المؤمنون من الكافرين ما أنفقتم على أزواجكم من المهور والمعنى إذا ارتدت امرأة أحدكم ولحقت بدار الحرب فاسألوا مهرها ممن تزوجها منهم
وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا وليسأل الكفار ما أنفقوا من مهور أزواجهم الكافرات أي يقال للمسلمين إذا جاء أحد من النساء مسلمةً مهاجرةً ردوا إلى الكفار مهرها
وذكر بعض العلماء
أن هذا الحكم مخصوصٌ بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة
{ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}
ذَلِكُمْ الحكم المذكور في هذه الآيات هو حُكْمُ اللهِ فإنه الحق لأن الله لا يحكم بالباطل.
{وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} إن الكفار لما أبوا أن يقروا بما أنفق المسلمون على أزواجهم – أي أبوا أن يعملوا بالحكم المذكور في الآية وهو أن المرأة إذا جاءت من المشركين إلى المسلمين مسلمة لم يردها المسلمون إلى زوجها المشرك بل يعطونه ما أنفق عليها من المهر، وكذا بعكسه، فامتثل المسلمون ذلك وأعطَوهم ـ وأبى المشركون أن يمتثلوا ذلك
فحبسوا من جاءت إليهم مشركة ولم يعطوا زوجها المسلم ما أنفق عليها فنزلت: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}
الفوت بُعد الشىء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه وَإِنْ فَاتَكُمْ أيها المؤمنون أحد من أزواجكم إلى الكفار أي لحقن بهم مرتدات، فعاقبتم أي فأصبتم الكفار في القتال بعقوبة حتى غنمتم فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم منكم إلى الكفار مثلما أنفقوا عليهن من المهور لفواته عليهم من جهة الكفار يعني إذا لحقت امرأة كانت مؤمنة بكفار أهل مكة ولها زوج من المسلمين يرد إليه المسلمون صداق امرأته من مال الغنيمة وهذه الأحكام في أداء المهر وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة وغيرها منسوخة عند جماعة من أهل العلم كالزهري والثوري وقتادة وقال ءاخرون هي محكمة ثابتة إلى الآن حكاه القشيري.
{وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} أي اتقوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه
{وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} أي مصدِّقون.