قال المؤلف رحمه الله: فلمَّا أَوعَدَ الله بسَقَرَ لِـمَـن قَالَ {إِن هَذَا إِلاَّ قَولُ البَشَرِ} [سورة المدثر] عَلِمنَا وَأَيقَنَّا أَنَّهُ قَولُ خَالِقِ البَشَرِ ولا يُشبِهُ قَولَ البَشَرِ.
الشرح يقول المؤلف إن من سمع القرءان وقال إنه من تأليف بشر فقد كفر والله أَوعَدَ مَن قال هذا بسقر. فاللفظ لا يستطيع الإنسان أن يأتيَ بمثله، وأما الكلام الذاتي فهو صفة ذاتية لله كسائر صفاته لا يجوز عقلًا أن يكون له شبيه.
قال المؤلف رحمه الله: وَمَن وَصَفَ الله بِمعنًى مِن مَعاني البَشَرِ فَقَد كَفَرَ، فَمَن أَبصَر هَذَا اعتَبَرَ، وَعَن مِثلِ قَولِ الكُفَّار انزَجرَ، وَعَلِمَ أنَّهُ بِصِفَاتِهِ لَيسَ كَالبَشَرِ.
الشرح أن من وصف الله بمعنى من معاني البشر أي بوصف من أوصاف البشر التي هي محدَثة قولًا أو اعتقادًا فهو كافر لأنه كذب قوله تعالى {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ} [سورة الشورى]، فمن صفات البشر الحدوث والتطور والانفعال والتأثر واللون والحركة والسكون والتحيز بالمكان وما أشبه ذلك كل هذا من صفات البشر فمن اعتقد أن الله متصف بهذا أو قاله بلسانه فقد كفر. فصفاتُ الله لا تُشبه صفات البشر لأن صفاته قديمة وصفاتهم محدَثة ولا مشابهة بين القديم والحادث.
وقوله «أَبصَر» كأنه أراد بصرَ القلب لا بصرَ العين إذ المعاني لا تُبصَرُ بالعين عادة.
أما قوله «اعتَبَرَ» فمراده به اعتبر بالكفار القائلين بالمماثلة المستحقين لسقر ليكفَّ عن مثل ذلك القول لئلا يلزمَه ما لزمَهم من العذاب.
قال المؤلف رحمه الله: والرؤيةُ حَقٌّ لأهلِ الجَنَّةِ بِغَيرِ إحاطَةٍ وَلا كَيفيَّةٍ.
الشرح أن المؤمنين يرونه سبحانه في الآخرة من غير أن يحيطوا به لأن الإحاطة به مستحيلة وهذا حق يجب الإيمان به. أما المعتزلة والفلاسفة فقد خالفوا أهل السنة حيث إنهم نفوا رؤية الله في الآخرة واحتجُّوا أنه يلزم القول بالرؤية تشبيهه بالخلق فقالوا لأن الذي يُرى لا بد أن يكون في جهة، لكن نحن معاشرَ أهل السنة فنقول هذا بالنسبة للمخلوق مُسلَّم أما بالنسبة لله فغيرُ مُسلَّم فكما صح علمُهم به من غير جهة صح أن يُرى بلا جهة، وليس واجبًا عقلًا أن تكون رؤية المؤمنين له كرؤيتهم للمخلوق في استلزام الجهة.
قال المؤلف رحمه الله: كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ رَبّنَا {وَجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [سورة القيامة].
الشرح قال أهل الحق رؤية الله بالأبصار للمؤمنين في الآخرة بعد دخولهم الجنة جائزة عقلًا وسمعًا، واحتجوا بقوله تعالى {وَجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ}[سورة القيامة]. معناه ترى ربها ذلك اليوم، والوجوه هنا عبارة عن المؤمنين. والأحاديث الثابتة ليس فيها تحديد أوقات الرؤية وتفصيلها لكن ورد حديث في إسناده ضعف بأن المقرَّبين يَرَونَه غُدوًّا وعَشيًّا وأما غيرهم ففي الجُمعَة مرة.
قال المؤلف رحمه الله: وَتَفسِيرُهُ عَلى مَا أرَادَهُ الله تَعَالى وَعَلِمَهُ.
الشرح أن تفسير هذه الآية {وَجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [سورة القيامة] هو على حسب ما علم الله تعالى وأراده معنًى بكلامه هذا.
قال المؤلف رحمه الله: وَكُلُّ مَا جَاءَ في ذلِكَ مِنَ الحَدِيثِ الصَّحيحِ عَن الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ كما قالَ وَمَعنَاهُ على ما أرادَ.
الشرح أن كل ما جاء في الحديث الثابت الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم فهو على حسب ما أراده صلى الله عليه وسلم، وأما المشبهة من وهابية وأسلافهم فالرؤية عندهم تكون بالكيفية والجهة وإن كانوا يقولون لفظًا بلا كيفية لكنهم يعتقدون الكيفية لأنهم يثبتون الجهة لله، فالرؤية عندهم لا بد أن تكون بكيفية بالمقابلة لأنهم يفسرون الحديثَ الذي رواه مسلم «أمَا إنكم سَتَرَون ربكم كما تَرَون هذا القمر لا تُضَامُّون» بأنّ معناه ترونه مواجهة كما ترون القمر مواجهة، وأجاب أهل السنة على هذه الشبهة بقولهم التشبيه هنا وارد على غير ذلك المعنى الذي تدعون، أي أن العباد يرونه رؤية لا شك فيها كما أن القمر ليلة البدر إذا لم يكن سحاب يُرى رؤية لا شك فيها.
قال المؤلف رحمه الله: لا نَدخُلُ في ذلكَ مُتَأوّلينَ بِآرائنَا وَلا مُتَوَهّمِين بِأهوائِنا.
الشرح أنه أي المؤمن لا يَدخل في ذلك متأوّلًا برأيه تأوُّلًا بلا دليل عقلي قطعي ولا دليل سمعي ثابت كتأويل المعتزلة للآية المذكورة، وأنه لا يَدخل في ذلك متصورًا بوهمه يعني لا كما ذهبت المعتزلة في نفيهم للرؤية وتحريفهم للآية، ولا كما ذهبت المشبهة في جعلهم الرؤية بكيفية حيث أثبتوا لله تعالى الجهة فهم حيث أثبتوا للذات المقدس الجهة فلا بدَّ أنهم يُثبتون الرؤية في جهة، أما أهل السنة فبعيدون من ذلك يعتقدون أنه يُرى بلا مُقابلة ولا مُدابرة من دون أن يكون الرائي في جهة من الله لا يَمنةً ولا يَسرَةً ولا فَوقَ ولا أسفلَ ولا قُدَّامَ ولا خَلف.
ولا يعني كلامُ الطحاوي ردَّ تأويلِ أهل السنة الإجمالي والتفصيلي لآيات الصفات وأحاديثها المتشابهة، فقد ثبت ذلك عن الإمام أحمد وغيرِه من السلف فإنَّ تركَ التأويلين عينُ التشبيهِ والتجسيمِ المَنفيين بقوله تعالى {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ} [سورة الشورى].