fbpx

الدرة البهية – الدرس 17

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قال المؤلف رحمه الله: وَأَصلُ القَدَرِ سِرُّ الله تَعَالى في خَلقِهِ لَـم يَطَّلِع عَلَى ذَلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرسَلٌ. الشرح أن ذلك مستور عن العباد فلذلك نُهينا عن الخوض فيه، وإنما الأمرُ الذي ينبغي في أمر القَدَرِ معرفةُ معناه وتفسيرِه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا ذُكر القَدَرُ فأمسِكوا» رواه البيهقي، هذا القَدرُ هو الذي صحَّ أما زيادة ذكر الصحابة فلم يثبت. قال المؤلف رحمه الله: وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ في ذلِكَ ذَرِيعَةُ الخِذلانِ وَسُلَّمُ الحِرمَانِ وَدَرَجَةُ الطُّغيَانِ فَالحَذَرَ كُلَّ الحَذَرِ مِن ذلِكَ نَظَرًا وَفِكرًا وَوَسوَسَةً. الشرح أي احذروا من حيث التفكير وادفعوا عن أنفسكم محاولةَ الاطلاعِ على ذلك حتى من طريق الوسوسة، فليشغَل الإنسان قلبه بما يحجُزُه عن ذلك. والخِذلان ضد التوفيق لأنه من يتتبع ذلك فهو علامة أنه مخذول أي محروم. قال المؤلف رحمه الله: فَإنَّ الله تَعَالى طَوَى عِلمَ القَدَرِ عَن أَنَامِهِ وَنَهَاهُم عَن مَرَامِهِ. الشرح أنه نهاهم عن طلبه لأنه أمرٌ لا سبيلَ إلى معرفته. قال المؤلف رحمه الله: كَمَا قَالَ تَعَالى في كِتَابِهِ {لاَ يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ} [سورة الأنبياء]، فَمَن سَأَلَ لِـمَ فَعَلَ فَقَد رَدَّ حُكمَ الكِتَابِ وَمَن رَدَّ حُكمَ الكِتَابِ كانَ مِنَ الكافرِين. الشرح هذا في الذي يسأل سؤال اعتراض بترك القبول لما جاء في كتاب الله تعالى أما من يسأل ليعرف الحكم فإن هذا لا ينطبق عليه. قال المؤلف رحمه الله: فَهذِهِ جُملَةُ مَا يَحتَاجُ إلَيهِ مَن هُوَ مُنوَّرٌ قَلبُهُ من أَولياءِ الله تَعَالى. الشرح أن عَقدَ القلب على تصديق ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله هو أصلٌ يَتَمسك المؤمنون به وما ذكره الطحاوي رحمه الله هو ما يحتاج إليه المؤمن في ذلك من حيث الجملة. قال المؤلف رحمه الله: وَهِيَ دَرَجَةُ الرَّاسِخِينَ في العِلمِ. الشرح أي درجة المتمكنين في العلم وهم الذين ثبتوا فيه وتمكنوا. قال المؤلف رحمه الله: لأنَّ العِلمَ عِلمَـانِ عِلمٌ في الخَلقِ مَوجُودٌ وَعِلمٌ في الخَلقِ مَفقُودٌ. الشرح العلم الموجود في الخلق هو ما جعل الله سبيلًا للعباد إليه، وأما العلمُ المفقود بالنسبة لهم فهو ما استأثر الله به ولم يجعل للخلق سبيلًا إليه. فعِلم العقائد والأحكام وعلم ما يُنتفع به في المعيشة هو مما جعل الله للخلق سبيلًا إليه، وأما ما استأثر الله به كعلم وَجبةِ القيامة فذلك من العلم المفقود للعباد، فاكتساب العلم الأول مطلوب ومحمود وأما محاولة اكتساب العلم الثاني فهو ضلال. قال المؤلف رحمه الله: فإنكارُ العِلمِ الموجودِ كُفرٌ وادّعاءُ العلمِ المفقودِ كفرٌ ولا يَثبتُ الإِيمانُ إلا بِقَبولِ العِلمِ الموجودِ وتركِ طَلبِ العِلمِ المفقودِ. الشرح من هنا يُعلم كفرُ من يُنكر العلمَ الموجودَ كإنكار السوفسطائية وجود الأشياء، ويُعلم كفر من يدَّعي من الخلق الإحاطة بكل شىء علمًا، فمن ادَّعى ذلك لنفسه أو لغيره من العباد فقد كفر لأن الله تعالى هو المنفرد بالإحاطة بالغيب علمًا لا أحد من خلقه يُحيط علمًا بالغيب، ومن اعتقد أن أحدًا غيرَ الله يُحيط بالغيب علمًا فقد كذَّب القرءان قال تعالى {قُل لاَ يَعلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلّا اللَّهُ} [سورة النمل] . وقد ألف بعض الغلاة رسالة ذَكَرَ فيها أن الله أَطلَع الرسولَ على كل ما يعلمه تفصيلًا بلا استثناء وهذا غلو قبيح وكفر والعياذ بالله تعالى. قال المؤلف رحمه الله: وَنُؤمِنُ بِاللَّوحِ والقَلَمِ وَبِجَمِيعِ مَا فِيهِ قَد رُقِمَ. الشرح أنه يجب على كل المكلفين الإيمانُ باللوح والقلم، واللوحُ هو عبارة عن جِرمٍ علوي قيل هو تحت العرش وقيل فوقه، وأما القلم فهو جِرم علوي خُلق قبل اللوح ثم خُلق اللوح فأُمِرَ بأن يجري على اللوح فجرى بأمر الله تعالى فكتب ما كان وما يكون إلى يوم القيامة قال الله تعالى {وَكُلَّ شَيءٍ أَحصَينَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [سورة يـس]، فَعِلمُ الله غيرُ مُتناهٍ أما المكتوب في اللوح المحفوظ شىء متناهٍ فاللوح ليس فيه تفاصيل ما يقع في الآخرة لأن هذا شىءٌ لا نهاية له. قال المؤلف رحمه الله: فَلَوِ اجتَمَعَ الخَلقُ كُلُّهُم عَلَى شَىءٍ كَتَبَهُ الله تَعَالى فِيهِ أَنَّهُ كَائِنٌ لِيَجعَلُوهُ غَيرَ كَائِنٍ لَـم يَقدرُوا عَلَيهِ، ولو اجتَمَعُوا كُلُّهُم عَلى شَىءٍ لَـم يَكتُبهُ الله تَعَالى فِيهِ لِيَجعَلُوهُ كَائِنًا لَـم يَقدرُوا عَلَيهِ. الشرح أن الألفاظ التي ذكرها المؤلف هنا وَرَدَت فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه بعضُها بعين اللفظ المروي وبعضُها بما هو معنى اللفظ المروي وذلك مما يشهد العقل بصحته لأنه قامت البراهينُ العقليةُ على أزلية عِلمِ الله بما يكون أبدًا فوجب الاعتقادُ بمضمون ما ذُكِرَ. قال المؤلف رحمه الله: جَفَّ القَلَمُ بمَا هُو كَائِنٌ إلى يَومِ القِيَامَةِ. الشرح أن القلم قد فرغ من كتابة ذلك. وهناك أقلام أخرى غير ذلك القلم تستنسخ بها الملائكة من اللوح المحفوظ ما أُمروا به بدليل الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال «حتى ظهرتُ لمستوًى أسمع فيه صَرِيفَ الأقلام» رواه البخاري ومسلم. قال المؤلف رحمه الله: وَمَا أَخطَأَ العبدَ لَـم يَكُن لِيُصيبَهُ وَمَا أَصَابَهُ لَـم يَكُن لِيُخطِئَهُ. الشرح أن ما أصابَ العبدَ لم يكن ليُخطئه لأن علمَ الله سبق بذلك ولا يتغير علمُ الله لأن تغير العلم يستلزم الجهل والجهلُ مستحيل على الله، وكذلك ما سبق في علم الله أنه لا يُصيب العبدَ فمحالٌ أن يصيبَه ذلك. قال المؤلف رحمه الله: وَعَلَى العَبدِ أَن يَعلَمَ أنَّ الله قَد سَبَقَ عِلمُهُ في كل كَائِنٍ مِن خَلقِهِ فَقَدَّرَ ذلِكَ تَقدِيرًا مُحكَمًا مُبرَمًا لَيسَ فِيهِ نَاقِضٌ وَلا مُعَقّبٌ وَلا مُزِيلٌ ولا مُغَيِـّرٌ وَلا مُحَوّلٌ ولا نَاقِصٌ وَلا زَائِدٌ مِن خَلقِهِ في سَمَاواته وَأرضِهِ. الشرح أنه يجب على العبد أن يعلم أن ما سبق في علم الله أنه يكون فقد شاء أن يكونَ، والمراد بهذا أنه لا يحصلُ شىءٌ إلا بعلم الله الأزلي، وكل ما جرى ويجري للعالم السفلي والعلوي فهو مما سبق في علم الله الأزلي. قال المؤلف رحمه الله: وَذلِكَ مِن عَقدِ الإِيمانِ وَأُصُولِ المَعرِفَة والاعتِرَافِ بِتَوحِيدِ الله تَعَالى وَرُبُوبِيَّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالى في كِتَابِهِ {وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقدِيرًا} [سورة الفرقان]، وقال تعالى {وَكَانَ أَمرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقدُورًا } [سورة الأحزاب]. الشرح أن هذا زيادة بيان لما قبل، والمراد بالعقد الاعتقاد، وليس المرادُ بالأمر هنا الأمرَ التكليفي كالصلاة والصيام إنما ما شاء الله تعالى حصولَه ووقوعَه في الوجود من أعيان المخلوقات أو من صفاتهم وحركاتهم وسكناتهم. قال المؤلف رحمه الله: فَوَيلٌ لِـمَن صَارَ لله تَعَالَى في القَدَر خَصِيمًا وأَحضَرَ للنَّظَرِ فِيهِ قَلبًا سَقِيمًا لَقَد التَمَسَ بِوَهمِهِ في فَحصِ الغَيبِ سِرًّا كَتِيمًا وَعَادَ بِمَا قَالَ فيهِ أَفَّاكًا أَثِيمًا. الشرح أن هذا تصريح بذم من أنكر القدر، هؤلاء المعتزلة يقولون ما شئتَ لم يكن وكان ما لم تشأ فيزعمون أن الله تعالى شاء من الكفار أن يؤمنوا لكن ما كان وما وُجِدَ ولم يشأ الشر من العباد ومع ذلك وُجد بخلق العباد والله تعالى على زعمهم ما شاءه وما خلقه فهؤلاء خصماء الله. والأفاك هو الكذاب، والأثيم هو الفاجر.