قال المؤلف رحمه الله: وَدِينُ الله في الأَرضِ والسَّمَاءِ وَاحِدٌ وَهُوَ دِينُ الإِسلامِ قَالَ الله تَعَالى {إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلاَمُ} [سورة ءال عمران] وقال تعالى {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلاَمَ دِينًا} [سورة المائدة] وَهُوَ بَينَ الغُلُوّ والتَّقصِيرِ وَبَينَ التَّشبيهِ وَالتَّعطِيل.
الشرح أن الملائكة يَدينُون بالإسلام، وأن المؤمنين من أهل الأرض من إنس وجن يَدينون بالإسلام، ومعنى قوله تعالى {إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلاَمُ} [سورة ءال عمران] أن الدينَ الصحيحَ المقبولَ عند الله هو الإسلام وما سواه من الأديان باطلٌ، وفي هذا دليل على أن أولَ البشر كانوا على الإسلام لم يكن لهم دين غيره قال الله تعالى {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [سورة البقرة] ، قال ابن عباس «كلهم على الإسلام» رواه أبو يعلى في مسنده وغيرُه.
أما الغلو فهو مجاوزة الحد المجعولِ للعباد في الدين، وأما التقصيرُ فهو تركُ الوصول إلى حد المأمور فالعبد ليس له التجاوزُ عما حَدَّ له مولاه ولا التقصيرُ عما أمره به، وأما التشبيه فهو تشبيه الله بخلقه، وأما التعطيل فهو نفي وجود الله أو صفاتهِ وكلُّ واحد من المذكورات مذمومٌ وباطلٌ لخروجه عن العَدلِ والحَق.
قال المؤلف رحمه الله: وبَينَ الجَبرِ والقَدَرِ.
الشرح أن دين الله بين الجبر والقدر، والجبر هو اعتقاد أن الإنسان لا فِعلَ له، وأما القدر فهو اعتقاد أن الإنسان يَخلق أفعالَه الاختياريةَ بقدرةٍ خَلَقَها الله فيه.
وقد أفاد المؤلف بهذا أن المُشبهة كفارٌ ليسوا مسلمين وأن المُعطلة كفار وأن الجبرية كفار وأن القدرية كفار وهم المعتزلة وإنما أعاده ليبين أن المعتزلة كفروا بسبب الأمرين أمرِ التعطيل أي تعطيلِ الله عن الصفات وبسببِ القولِ بأنهم يَخلقون أفعالَهم.
قال المؤلف رحمه الله: وَبَينَ الأمنِ وَالإِيَاسِ.
الشرح أن الإسلام الذي هو دين الله هو أن يكون العبد بين الخوف والرجاء فهو حقيقةُ العبودية إذ في الأمن عما أَوعد ظنُّ العجز عن العقاب، وفي الإياس من رحمته ظنُّ العجز عن العفو وهما ينقُلان عن الملة أي أن ذلك كفر، هذا ظاهرٌ على تفسير الماتريدية للأمن واليأس، وقد اشتهر عن الشافعية عَدُّهما من كبائر الذنوب غيرِ المثبتة للردَّة كما تقدم بيان ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: فَهذا دِينُنا وَاعتِقَادُنا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
الشرح أن جميعَ ما ذكرناه من أول الكتاب إلى هـهنا هو ديننا واعتقادنا ظاهرًا وباطنًا.
قال المؤلف رحمه الله: وَنَحنُ بُرءَاءُ إلَى الله مِن كل مَن خَالَفَ الذِي ذكَرنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ.
الشرح أننا برءاء من هؤلاء كلهم لأن ما ذكره من أصول الدين من أول الكتاب إلى ءاخره وهو مذهب أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين ثابت بالمنقول والمعقول وهو الطريق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيكون المخالِفُ على مذهب أهل الهوى والبدعة فوجب التبرؤ منه.
قال المؤلف رحمه الله: وَنَسأَلُ الله تَعَالى أَن يُثَبّتَنَا عَلَى الإِيمانِ وَيَختِمَ لَنَا بِهِ وَيَعصِمَنَا مِنَ الأَهوَاءِ المُختَلِفَةِ والآراءِ الـمُـتَفَرقَةِ وَالـمَـذَاهِبِ الرَّدِيَّةِ مِثلِ المُشَبهةِ والـمُـعتَزِلَةِ والجَهمِيَّةِ وَالجَبريَّةِ وَالقَدَريَّةِ وَغَيرهِم مِن الذينَ خَالفوا السُّنَّة وَالجَمَاعَة وَحالفوا الضَّلالَة.
الشرح إنما سأل المؤلف الثباتَ على الدين لأن ذلك من أهم أمور الدين فالاعتبار بحسن الخاتمة قال تعالى خبرًا عن يوسف {رَبّ قَد آتَيتَنِي مِنَ المُلكِ وَعَلَّمتَنِي مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ أَنتَ وَلِيّي فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسلِمًا وَأَلحِقنِي بِالصَّالِحِينَ} [سورة يوسف].
والأهواء جمع هوى وهو الأمر الباطل الذي تَميل إليه النفوس، وقد يُطلق الهوى بمعنى الحب لكنه ليس المعنى المقصودَ هنا.
وقد ذكر المؤلف المشبهةَ والجهميةَ والقدريةَ تأكيدًا لما ذكره قبلَ هذا لأن التحذيرَ من هذه المذاهب مما افترض الله. ثم المشبهة قد مرَّ تفسيرُها، أما الجَهمية فهي طائفة منسوبةٌ إلى جَهم بن صَفوان وكان يقول إن الله هو هذا الهواءُ مع كل شىء وعلى كل شىء اهـ وكان يقول بفناء الجنة والنار، وتبعه ابنُ تيمية الحراني في القول بفناء النار.
ومعنى قول المؤلف «وحالفوا الضلالة» أي لَزِموا.
قال المؤلف رحمه الله: وَنَحنُ مِنهُم بَرَاءٌ وَهُم عِندَنَا ضُلّالٌ وَأَردِياء وَبِالله العِصمَةُ وَالتَّوفِيق.
الشرح أنّ هذا فيه زيادة تأكيد لشذوذ هؤلاء المخالفين لمزيد التنفير منهم، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.
تم هذا الشرح بفضل الله تعالى وكرمه يوم الأحد تاسع شهر ذي الحجة سنة ألف وأربعمائة وخمس من الهجرة المباركة في مدينة اسطانبول، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى صحابته وأهل بيته الطاهرين الطيبين.