بسم الله الرحمن الرحيـم
الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمّد
وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين
سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الطور.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)} التقي هو الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقوبة أحيانًا نجد لفظ التقي أو المتقين في كتاب الله عزّ وجلّ والمراد به الذين يؤدون الواجبات ويجتنبون المحرمات المؤمنون الأتقياء الذين يؤدون الواجبات ويجتنبون المحرمات وأحيانًا يرد لفظ التقي ويراد به من اجتنب الكفر يعني من مات على الإيمان.
المؤمنون يدخلون الجنة منهم من يدخلها من غير سابق عذاب هؤلاء الأتقياء الذين أدوا الواجبات واجتنبوا المحرمات هناك قسم من المؤمنين يموتون وهم مقترفون للكبائر ماتوا من غير توبة هم مؤمنون لكن كانوا يفعلون المعاصي الكبيرة هؤلاء إن ماتوا بلا توبة منهم من يغفر الله له ولا يعذبه يدخله الجنة من غير سابق عذاب لكن قسم من المؤمنين العصاة الفساق لا بد من أن يُعذبوا في نار جهنم لكن بعد ذلك لا بد من أن يدخلوا الجنة فأحيانًا مثلا نجد قول الله عزّ وجلّ:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ} أي في الدنيا شملت رحمة الله عزّ وجلّ المؤمن والكافر أليس الكافر يأكل ويشرب ويتنعم في هذه الدنيا بلى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} معناه أخصها في الآخرة للمتقين هنا ما المراد بالمتقين الذين يجتنبون الكفر فأخبرنا الله عزّ وجلّ هنا بأن المتقين يكونون في جنات ونعيم هذا النعيم الذي أعده الله عزّ وجلّ لهم نسأل الله عزّ وجلّ أن يجمعنا جميعًا في الجنة.
ثم قال الله عزّ وجلّ:{ فَاكِهِينَ بِمَا ءاتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)} فاكهين معناه متنعمين متلذذين بما أعطاهم الله عزّ وجلّ بما أتاهم بما أعطاهم ربهم ووقاهم ربّهم عذاب الجحيم حفظهم الله عزّ وجلّ من عذاب الجحيم فكما قلنا من كان دخل من المؤمنين من غير سابق عذاب هذا حفظه الله عزّ وجلّ ووقاه الله عزّ وجلّ من عذاب الجحيم من سبق له أن عُذّب من المؤمنين لا بد أن يدخل الجنة بعد ذلك فهذا حفظ من الخلود في نار جهنم لأنه لا يخلد في نار جهنم إلا الكفار نسأل الله السلامة.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (19)} يقال لهم كلوا واشربوا هنيئا أي طعامًا وشرابًا هنيئًا لا تنغيص فيه لا يصيبوكم به مكروه هنيئًا بما كنتم تعملون أي في الدنيا
{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} يجلسون متكئين كما يجلس الملوك هيئة الإتكاء على سرر السرر جمع سرير وصفها بأنها مصفوفة موصول بعضها ببعض.
{وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (20)} أي يزوجهم الله عزّ وجلّ من الحور العين ثم قال الله عزّ وجلّ:{وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} الذين ءامنوا بالله ورسوله وماتوا على الإيمان واتبعتهم ذريتهم بإيمان أي أولادهم الذين هم دون البلوغ {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي يكونون معهم في الجنة {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ} أي ما ناقصهم من عملهم من شىء تتبعهم ذريّتهم ذريتهم الذين ماتوا دون البلوغ يدخلون الجنة معهم أيضًا على أن كل من مات دون البلوغ يدخل الجنة.
ثم قال الله عزّ وجلّ :{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)} هذا كما قال الله عزّ وجلّ:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} كل نفس مرهونة بعملها من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها والله عزّ وجلّ قال: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} نسأل الله عزّ وجلّ التوفيق.
ثم قال الله عزّ وجلّ: {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (22) } وأمددناهم زودناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون الفاكهة ما يُتلذذ بأكلها ووصف الله عزّ وجلّ اللحم أيضًا فقال:{وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ}كل ما يأكلونه في الجنة يشتهونه كل ما يشربونه في الجنة لا يرون شيئًا لا يعجبهم لا يشربون شيئًا لا يعجبهم لا يأكلون شيئًا لا يعجبهم بل كل ذلك مما يشتهون {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ (23)} يجلس أهل الجنة معًا يُناول هذا الكأس لهذا وهذا يتناول من هذا {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} المراد هنا بالكأس الخمر لكن هذا الخمر ليس كخمر الدنيا خمر الدنيا يحرم شربه خمر الدنيا نجس أما هذا الخمر الذي في الجنة فإنه شراب أعده الله عزّ وجلّ للمؤمنين يشربون منه ليس مر الطعم لا يسبب السكر لا يسبب الصّداع الله عزّ وجلّ ماذا قال هنا { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} لا يتكلم أهل الجنة باللغو اللغو هو الكلام الذي حقه أن يلغى الكلام الباطل الذي لا خير فيه {وَلا تَأْثِيمٌ} لا يحصل منهم كما يحصل بين الناس الذين يشربون الخمر في الدنيا يصدر منهم كلام فيه إثم أو كلام باطل والعياذ بالله فأهل الجنة لا يتكلمون إلا بحكمة.
ثم قال الله عزّ وجلّ:{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ (24)} أيضًا من هذا النعيم الذي في الجنة أنه يطوف على أهل الجنة غِلمان لهم هم الولدان المخلدون وصفهم الله تعالى بقوله: {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} كأنهم في جمالهم وحسن هيأتهم وصفائهم كأنهم لؤلؤ مكنون محفوظ مصونٌ.
نسأل الله عزّ وجلّ أن يجمعنا جميعًا في الجنة والله أعلم وأحكم.