fbpx

تفسير جزء الذاريات – القمر – الحلقة: 30

شارك هذا الدرس مع أحبائك

بسم الله الرحمن الرحيـم الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطّاهرين. سنكمل إن شاء الله تعالى في تفسير سورة القمر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} إن المجرمين المراد هنا بالمجرمين الكافرون إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ هم في ضلال عن الحق وَسُعُر أي في نيران والمراد بذلك العذاب في جهنم. نسأل الله السلامة. {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)} {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} تسحبوهم الملائكة يجرونهم على وجوههم الله عزّ وجلّ قال: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ} هذا يوم القيامة يؤخذون من نواصيهم أي من مقدم شعر رؤوسهم يجرون ويجرون من أقدامهم وها هي الآية هنا يُذكر فيها أنهم في النار أيضًا يُسحبون على وجوههم نسأل الله السلامة. ماذا يقال لهم {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}سقر من أسماء النار { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ (29)} فهذه نار جهنم تُغير لون البشرة فهذا من أسماء النار سقر أي هو اللوّاحة المغيرة لألوان الجلد من شدة حرها. { ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} ثم قال الله عزّ وجلّ:{إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} أي إن كلّ شىء وُجد في هذه الدنيا أو في هذا العالم خلقه الله عزّ وجلّ بقدر الله عزّ وجلّ هو الذي قدّر كل ما يكون في هذه الدنيا. القدر هو إيجاد الله الأشياء على حسب ما سبق في علمه الأزلي وإبرازها في الوجود على حسب مشيئة الله الأزلية القدر جعل كل شىء على ما هو عليه القدر هو تدبير على وجه مطابق لعلم الله ومشيئة الله سبحانه وتعالى فيُوجد الأشياء في الوقت الذي شاء وجودها فيه وعلم الله عزّ وجلّ أنها تكون فيه فكلّ شىء يكون في هذه الدنيا هو بمشيئة الله وعلم الله وتقدير الله سبحانه وتعالى وسبب نزول هذه الآيات أن بعض المشركين أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يجادلونه ويخاصمونه في مسئلة القدر معناهم يقولون والعياذ بالله هؤلاء المشركون يقولون والعياذ بالله إن هناك في هذا العالم ما يوجد ويدخل في الوجود بغير تقدير الله والعياذ بالله فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآيات: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) (وماذا يقال لهم أيضًا) إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ(49)} فالذي يعتقد أن شيئًا يحصل في هذا العالم بغير تقدير الله بغير مشيئة الله لا يكون مؤمنًا بالله نسأل الله عزّ وجلّ الثبات على الحق ثم قال الله عزّ وجلّ:{وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} وقد قال الله عزّ وجلّ في سورة أخرى:{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} والمراد من ذلك أن الله عزّ وجلّ إذا أراد شيئًا أوجده في الوقت الذي شاء وجوده فيه لا يعجزه شىء سبحانه وتعالى ولا أحد يستطيع أن يمنع نفاذ مشيئة الله سبحانه وتعالى الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يعلم وقت قيام الساعة فقيام الساعة بعلم الله وتقدير الله سبحانه وتعالى وإذا جاء الوقت الذي قدّر الله عزّ وجلّ أن تقوم فيه القيامة ستقوم في الوقت الذي قدّره الله سبحانه وتعالى لا يحصل أي تأخر في ذلك إنما في الوقت الذي أراده الله سبحانه وتعالى سيحصل ذلك نسأل الله عزّ وجلّ أن يلطف بنّا جميعًا يوم القيامة. فالله سبحانه وتعالى قال:{وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} اللمح بالبصر هو النظر بسرعة ويوم القيامة أخبر الله عزّ وجلّ عنه في القرءان بأنه قريب كل آت حصوله وقوعه متحقق يقال عنه قريب فالله عزّ وجلّ ماذا قال:{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا} أي إن الكفار يرون يوم القيامة بعيدًا من الإمكان أي لا يكون ونراه قريبًا أي نعلمه قريبا فإن يوم القيامة آت كما قال الله عزّ وجلّ: {وَأَنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} نسأل الله عزّ وجلّ السلامة. فإن القيامة لما كانت آتية لا ريب فيها جُعلت من القرب كلمح البصر فيظهرها الله عزّ وجلّ في الوقت الذي شاء وجودها فيه ولا يعجز الله شىء سبحانه وتعالى. نسأل الله التوفيق. ثم قال الله عزّ وجل:{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (51)} {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} أي أمثالكم وأشبهاكم يا أهل مكة أهلكنا أشبهاكم وأمثالكم في الكفر من الأمم السابقة فهل من مدكر هل من متعظ يتعظ. {وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)} كل شىء فعلوه مكتوب في صحائف الأعمال الله عزّ وجلّ قال:{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)} أي كلّ شىء فعلوه أيضًا من صغير أو كبير هو مكتوب مدون مسطور أعمالهم مكتوبة تكتبها الملائكة تحصيها الملائكة كم قال الله عزّ وجلّ:{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}وكذلك في اللوح المحفوظ أمر الله عزّ وجلّ القلم فكتب فيه كلّ ما يكون في هذه الدنيا إلى يوم القيامة. ثم قال الله عزّ وجلّ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)} أي إن المتقين يكونون في الآخرة في الجنة في الجنات والأنهار هنا النهر بمعنى الأنهار. {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)} فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ أي في مكان مرضي في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ الله سبحانه وتعالى هو مالك كل شىء والمليك هو من أسماء الله سبحانه وتعالى معناه المالك والمقتدر أي القادر على كلّ شىء فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ هذه العندية هي عندية منزلة وكرامة ليس المراد بها عندية مسافة ومماسة لأن الله عزّ وجلّ ليس جسمًا لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان فهذه الآية في وصف نعيم المؤمنين في مقعد صدق في مجلس حقّ في مكان مرضي في مكان لا لغو فيه ولا تأثيم وهم في الجنة عند مليك أي في المكان المشرف عند الله عزّ وجلّ أما الله عزّ وجلّ فإنه لا يسكن الجنة ولا يسكن العرش ولا يسكن السماء لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان كان قبل خلق المكان موجودًا بلا مكان وبعد أن خلق المكان ما زال موجودًا بلا مكان وهو مالك كل شىء وهو القادر على كل شىء. وفقني الله وإيّاكم إلى ما يحب ويرضى والله أعلم وأحكم.