قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله:
الحمد لله له النّعمة وله الثنّاء الحسن صلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
كلامنا الآن إن شاء في الحديث الرابع والثلاثين من الأربعين النووية
قال إسماعيل حلاق: الرابع والثلاثون
الشرح: يعني هذا هو الحديث الرابع والثلاثون
قال إسماعيل حلاق: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرًا
الشرح: من رأى أي من علم المراد هنا رؤية القلب ليس رؤية البصر من رأى منكم هذا خطاب للأمة كلها ليس للذين سمعوه فقط كما في قوله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} معناه أنتم أيها المسلمون يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرًا المنكر هو ما ينكره الشرع المقصود الحرام وفي معنى الحرام ترك الواجب ترك الواجب مثل الحرام داخل في المنكر
قال رسول الله: من رأى منكم منكرًا فليغيره
الشرح: فليغيره أي وجوبًا يجب أن يغيره
قال رسول الله: فليغيره بيده
الشرح: يعني ليزله بنفسه إذا كان يستطيع
قال رسول الله: فإن لم يستطع
الشرح: إن لم يستطع أزالته بقوة يده
قال رسول الله: فبلسانه
الشرح: ليأمر فاعله بالحكمة أن يتركه إذا أطاعه فذاك الأمر إن لم يطعه فليستعن بغيره ليزيله بيده أو بلسانه ليستعن بمن يؤثر في إزالة ذلك المنكر يعرف أن إنسانًا يستطيع أن يزيله بيده يكلمه حتى يزيله بيده أو يستطيع أن يزيله بلسانه يكلمه حتى يزيله بلسانه وهذا الإنكار باليد أو باللسان واجب على الكفاية فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الحرج عن الباقيين أما إذا أهمل كل الذين يقدرون عليه القيام به فكلهم آثمون.
وأحيانًا يكون فرض عين مثلا يوجد منكر لا يعلم به إلا هو أو يوجد منكر لا أحد يستطيع أن يزيله إلا هو في هذه الحال تكون إزالته إزالة هذا المنكر فرض عين وهذا إذا كان يستطيع الإنسان أن يزيل المنكر أما إذا لم يستطع أن يزيله بيده وأمر بلسانه فلم يُستمع له ولم يكن يوجد من يستطيع أن يستعين به لم يكن يوجد من يستعين به ليزيل هذا المنكر وهذا أي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية في الحال الذي يعتقد الإنسان فيها أنه يؤثر أمره ونهيه أما إذا كان يعلم أن أمره لا يؤثر ونهيه لا يؤثر فلا يجب عليه عند ذلك الأمر والنهي وذلك لأن أبا ثعلبة الخشني رضي الله عنه سئل عن هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قال للسائل سألت عنها خبيرًا أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ما معناها هل معناها أن الإنسان إذا هو ترك المنكر وفعل المعروف لا يجب عليه أن يأمر غيره وينهاه فقال النبي عليه الصلاة والسلام:”بل أتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شُحًا مطاعًا (الشح هو البخل الشديد رأيت من لا يخرج الحق لأجل الشح) وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بِخويصة نفسك”. عليك بنفسك عند ذلك ودع عنك أمر العوام معنى ذلك أن الإنسان يجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لكن إذا عمل ما عليه فلم يُستمع له إذا كان كلامه لا يُستمع إليه عند ذلك سقط عنه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال رسول الله: فمن لم يستطع
الشرح: هكذا في هذه النسخة التي هي نسخة تلميذ المصنف وأما في نسخ أخرى فإن لم يستطع وهو هكذا في نسخ صحيح مسلم حتى النسخة نسخة صحيح مسلم التي شرحها النووي لفظها فإن لم يستطع
قال رسول الله: فمن لم يستطع فبقلبه
الشرح: وهذا في الحقيقة ليس إنكارًا من لم يستطع فبقلبه يعني لينكره بقلبه لكن هذا في الحقيقة ليس تغييرًا هذا الإنكار بالقلب ليس تغييرًا ما في تغيير فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه هذا ليس تغييرًا لكنه إنكار بالقلب هذا ما في وسعه.
قال رسول الله: وذلك أضعف الإيمان
الشرح: أقل ثمرة الإيمان هذا أقل شىء هذا أضعف الأحوال أن ينكر في قلبه ما بقي وراء ذلك مرتبة أخرى.
قال العلماء ولا يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الآمر كامل الحال يفعل ما يأمر به ويجتنب ما بُنهى عنه بل يجب عليه الأمر بالمعروف وإن كان هو لا يفعله والنهي عن المنكر وإن كان هو يفعله.
لأن هنا مرتبتان مرتبة أن يفعل هو المعروف ويترك المنكر.
ومرتبة أن يأمر غيره بفعل المعروف وبترك المنكر فإذا أهمل مرتبة منهما بقيت الأخرى في حقه فلو كان هو مقصرًا عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر طالما يرجو الاستجابة
ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات والسلاطين والحكام بل كل واحد من المسلمين له أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
إذا كان الأمر ظاهرًا كل أحد يعرف حكم هذا الأمر في الشرع مثلا الصلاة واجبة رأى إنسانًا لا يصلي له أن يأمره بالصلاة الصيام واجب كل إنسان يعرف وجوبه إذا رأى إنسانًا لا يصوم يأمره بالصوم إذا وجد إنسانًا يزني كل إنسان يعرف أن الزنا حرام يأمره بتركه إذا وجده يسرق يأمره بترك السرقة إذا وجده يشرب الخمر يأمره بترك شرب الخمر
هذا كل المسلمون يعلمون.
أما الأمور الدقيقة التي لا يعرفها إلا خاصة العلماء فهذه لا يدخل فيها إلا من أحاط بها علما أما العامي فلا يدخل في ذلك وإنما الذي يتكلم في ذلك خاصة العلماء من علم من أهل العلم هذه المسئلة.
ثم العلماء يُنكرون المنكر الذي أجمع االمسلمون على أنه منكر أما المختلف فيه الذي قال بعض العلماء إنه حرام وقال بعض العلماء إنه جائز فإنهم لا ينكرونه إلا على شخص يعتقد أنه حرام مثلا اللعب بالشطرنج بعض العلماء قالوا ليس حرامًا وبعض العلماء قالوا حرامًا إذا كان إنسان يعتقد أنه حرام ورأيناه يلعب به نقول له اترك هذا أنت تعتقد أنه حرام لا يجوز لك أن تفعل أما إذا كان الذي يلعب به لا يعتقد أنه حرام فهذا لا يجب علينا أن ننكر عليه لكن إذا قلنا له برفق هذا أمر مختلف فيه بعض العلماء قالوا هو حرام لو أنك تركته خير لك فهذا لا حرج فيه بل هذا أمر حسن لأن الإنسان يحسن منه أن يخرج مما أختلف فيه العلماء ما وجد إلى ذلك سبيلا إذا كان يجد السبيل إلى الخروج مما أختلف فيه العلماء فإنه يحسن ذلك.
لكن أحيانًا يكون القول مثلا بأمر من الأمور قويًا ومخالفه شديد الضعف مخالف للحديث الثابت الذي أجمع العلماء على العمل بمثله في هذه الحال إذا رأينا من يفعل هذا المخالف ننهاه عنه لأنه ولو كان قال به مجتهد من المجتهدين لكن هذا المجتهد قال به لأنه لم يبلغه الحديث ولو بلغه الحديث لما قال به لأن هذا الحديث كل العلماء يأخذ بمثله الحديث الذي هو مثله كلهم يأخذ به فهذا الخلاف الضعيف الذي ليس له سند قوي والذي يخالف الحديث الثابت الذي يأخذ به الكل إذا رأينا من يأتي به ننهاه عن ذلك وأُعطي مثالا على هذا بعض المجتهدين قال إذا طلق الرجل زوجته بالثلاث فأمضت العدة منه ثم تزوجها رجل آخر ولم يفعل ذلك حتى يحلها للأول لا تزوجها ثم بعد الزواج ما قدر أن يجامعها لم يستطع أن يدخل بها إذا طلقها بعد ذلك تحل لزوجها الأول هكذا قال وهذا الكلام باطل لماذا لأنه هناك حديثًا متفقًا على صحته أن هذا الأمر حصل مع امرأة من الصحابيات كان طلقها زوجها بالثلاث بعدما طلقها تزوجها آخر أراد أن يجامعها لم يستطع ثم بعد ذلك أرادت أن يطلقها هذا الثاني فترجع إلى الأول فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لها:”لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك”. يعني ليس لك ذلك إلا إذا حصل الجماع وهذا الحديث صحيح لا خلاف في صحته إنما الإمام المجتهد الذي قال ذلك القول ما كان وصله هذا الحديث ومثل هذا الحديث هو يحتج به.
إذا في هذه الحال إذا وجدنا من يأخذ بقوله نمنعه من ذلك ونقول له هذا أمر شديد الضعف هذا قول شديد الضعف مخالف للحديث الذي يحتج الكل به فليس لك أن تأخذ به.
ومما قاله الشيخ محي الدين النووي رحمه الله:” اعلم أن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضُيع أكثره من أزمان متطاولة. يقول النووي في زمنه إن أكثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يحصل ضُيع أغلبه يقول من زمن بعيد ضُيع أغلبه ماذا نقول نحن قال ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًا يقول الذي يطبق من هذا الواجب يعمل من هذا الواجب في أيامنا شىء قليل جدًا إذا كان في أيامه هكذا ماذا نقول نحن في أيامنا قال وهو باب عظيم به قِوام الأمر ومالكه معناه به تنتظم الأمور به انتظام الأمر به يقع النظام وإذا كثر الخبث عمّ البلاء الصالح والطالح يقول إذا شاع ترك الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن البلاء ينزل عامًا فيعم الصالح وغير الصالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشكى أن يعمهم الله بعذاب إذا أهملوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عما قريب ينزل بهم عذاب الله {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضى الله تعالى أن يعتني بهذا الباب أن يعتني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن نفعه عظيم لاسيما وقد ذهب معظمه إذا كان أغلب الناس قصروا فلا يقصر هو ليقم بما يستطيع في هذا الباب ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته لا يهاب أن ينكر على إنسان لأن له رتبة بين الناس فإن الله تعالى قال:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} أي من ينصر دينه واعلم أن الأجر على قدر النصب كلما زاد تعبك في الطاعة زاد أجرك ولا يتركه أيضًا لصداقته ومودته أيضًا لا يسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن من ينبغي أن يأمره أو ينهاه صديق له أو لأنه حبيب له لأن بينهما مودة أو قرابة أو ما شابه ذلك فإن صديق الإنسان هو الذي يسعى في عِمارة أخرته هذا هوصديقك الذي يصدقك الذي يبين لك عيوب نفسك جتى تصلحها كما جاء في الحديث:” المؤمن مرآة أخيه”. وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه لا يبالي وعدوه على الحقيقة من يسعى في ذهاب آخرته أو نقصها وإن حصل بسبب ذلك نيل مآرب له في الدنيا لو كان هذا يمكنه من نيل مآرب في الدنيا معناه الصديق على الحقيقة هو الذي إذا رأى منك عيبًا حتى تصلح وإذا رأى منك تقصيرًا نبهك حتى تسد الخلل الذي عندك هذا هو صديقك في الحقيقة وهذا الذي ينبغي لك أن تتمسك بصحبته وصداقته لا الذي يسكت لك على ما لا ينبغي وعلى ما يقبح حتى تسكت له على ما لا ينبغي وما يقبح فإن هذه في الحقيقة ليست صداقة إذا سكت له عن فعله المحرم ليسكت لك عن فعلك المحرم فإن هذه الصداقة والمودة تنقبل في الاخرة عداوة أعذانا الله تعالى من مثل ذلك ” أنتهى كلام النووي.
كذلك لا ينبغي أن يتركه من النصحية لاعتقاده أن هذا الذي ينصحه له مرتبة عالية لاعتقاده علو مرتبته ولو كانت مرتبة دينية مثلا كأن يعتقد فيه أنه ولي من أولياء الله تعالى تقي من الاتقياء عالم من العلماء فإن الولي ليس معصومًا من المعصية والأحكام الشرعية تجري عليه أيضًا كما تجري على غيره.
السيدة عائشة رضوان الله عليها لما عصت أمر الخليفة الراشد علي بن طالب الذي ما كان يرضى بخروجها إلى البصرة فخرجت من المدينة إلى البصرة وقفت في صف المخالفين لعلي رضوان الله عليه قام الحسن بن علي على المنبر في الكوفة يخاطب الناس وأسفل المنبر قام عمار بن ياسر قال عمار: “أنا أعلم أنها زوجة نبيكم في الدنيا والاخرة أنا أعرف أن رتبة عائشة عالية هي أم المؤمنين في الدنيا وهي في الآخرة مع النبي عليه الصلاة والسلام في الجنة لكن هذا امتحان من الله حتى يظهر هل تتبعونها أو تتبعون شرع الله تبارك وتعالى” هكذا ينبغي أن الإنسان لو كان على رتبة عالية عند الله إذا فعل معصية لا ينبغي أن يُسكت له.
كان شيخ شيخنا رحمه الله يقول لشيخنا إذا رأيت مني مكروهًا فنبهني أخذ عليه عهدًا أنه إذا رأى منه مكروهًا أن ينبهه وذلك لأن الإنسان العالم والولي الصادق ليس معصومًا من المعصية قد يقع في المعصية ثم يتوب إلى الله تبارك وتعالى هذا مع أنه من المعروف أن قصد السيدة عائشة لما خرجت إلى البصرة لم يكن القتال لكنها عصت أمر الخليفة الراشد فلهذا قام عمار فقال ما قال فكيف بالذي يخرج ويعصي وهو يقصد من الأصل عصيان الله تبارك وتعالى كيف بالذي يريد أن يوقع الضرر بالمسلمين ويقصد ذلك لا ينبغي أن يُترك من غير أن ينكر عليه.
مثل هذا حصل مع سيدنا علي حين سمع عبد الله بن عباس يفتي بجواز نكاح المتعة ولم يكن بلغ ابن عباس أن نكاح المتعة نُسخ جوازه ما عاد جائزًا فقال له علي:” كف عن هذا إنك تائه” نهاه عن هذا القول وقال له أنت تائه عن الحق ما سكت له ما قال هذا عالم كبير كيف أنهاه الان لا. قال له كف عن هذا إنك تائه.
لذلك قال الولي الكبير والغدريف الشهير سيدنا أحمد الرفاعي أبو العلمين رضي الله عنهم سلم لهم أي للأولياء أحوالهم “سلم لهم أحوالهم إلا إذا ردها الشرع فكن معه”. إذا حصل من ولي من أولياء الله تعالى ما يخالف شرع الله فكن مع شرع الله انهه عن المنكر ولا تسكت عن ذلك وينبغي له أن يستمع إليك وأن يتوب عما فعل من معصية الله عزّ وجلّ.
وينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يفعل ذلك برفق يعني بحكمة أن يتبع الحكمة في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتى يكون أقرب إلى تحصيل المقصود لأن مراده إزالة المنكر أو فعل المعروف وليس مراده أن يكسر الذي يأمره أو ينهاه.
إذا وقعت الكفاية بالنصيحة سرًا لماذا يجهر بها إذا وقعت الكفاية بأن يكلمه كلامًا رقيقًا لينًا لماذا يغلظ عليه يعني ينبغي له أن يكون مقصده مما يقول أن يصل إلى المراد من فعل المعروف أو إنكار المنكر وأن لا يكون قصده أن يكسر الذي يأمره بالمعروف أو ينهاه عن المنكر وقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال:”من وعظ أخاه سرًا فقد نصحه ومن وعظه علانية فقد فضحه وعابه” يعني هذا في الحال الذي لا ينبغي الإعلان فيها.
وروي عن سفيان الثوري أنه قال: “لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى عدل بما يأمر عدل بما ينهى (يعني لا يجاوز الحق بالأمر والنهي) عالم بما يأمر عالم بما ينهى”. لأن الجاهل كيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو لا يعرفه.
وروي عن الإمام أحمد أنه قال:”الناس محتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلا معلنًا بالفسق فلا حرمة له قال أي أحمد وكان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون مهلا رحمكم الله مهلا رحمكم الله وروي عنه أنه قال: يأمر بالرفق والخضوع فإن أسمعوه ما يكره لا يغضب حتى لا يكون يريد أن ينتصر لنفسه”.
أنظر هذا الكلام الجميل يقول يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بخضوع ورفق لا يكلم الناس بترفع وتكبر إنما برفق بعدم غلظة حتى لو إنهم لم يستمعوا إليه ولو واجهوه بالغلظة لا ينبغي أن يغضب لماذا يقول أنا أخاف إذا غضب أن يصير كلامه معهم من باب الانتصار لنفسه لا من باب القيام بما أوجب الله تبارك وتعالى عليه والناس متساهلون في أيامنا كثيرًا في هذا الباب مما يتساهل به الناس كثيرًا أنهم إذا رأوا إنسانًا يغش الناس في البيع لا ينكرون عليه يسكتون له ولا يعرفون المشتري بعيبه وهؤلاء سيسألون عن ذلك في الآخرة فإن الدين النصيحة ومن أتى خلاف النصيحة فقد غش أهل الإسلام.
ثم الذي يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس له أن يفتش وينقب ويتجسس على الناس كما يفعل كثير مما يدعون أنهم يحافظون على أمن الناس في أيامنا لأن التجسس منهي عنه إنما إذا رأى منكرًا يغيره إذا عرف بمنكر يسعى في تغيره بنفسه أو بغيره على حسب الحال نعم إذا عرف علم أخبره إنسان ثقة عن علم بأن هناك رجلا في هذه الدار سيقتل الآن بغير حق أو ما شابه ذلك من الأمور والدار مغلقة أو أن إنسانًا أدخل امرأة بالقوة إلى هذه الدار ليزني بها يجوز له في هذه الحال أن يتجسس وأن يقدم على البحث والكشف حتى لا يحصل أمر يفوت تداركه بعد ذلك.
ويدل الحديث أيضًا على أن من هدد بالقتل من خاف القتل وخاف الضرب وما شابه سقط عنه التغيير سقط عنه تغيير المنكر على التفصيل الذي ذكره الفقهاء في ذلك أما ما أخرجه الإمام أحمد وغيره عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في خطبة خطبها:”ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علم فإنه لا يُقرّب من أجل (يعني القول بالحق لا يقرب من أجله) ولا يباعد من رزق (ولا يخفف من رزقه) أن يقول بحق أو يذكّر بعظيم”.
هذا ليس معناه إذا كان يخشى يخاف القتل أو الضرب أن عليه يجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لأ هذا إذا الذي كان يمنعه هو مجرد الهيبة من دون الخوف لم يصل الأمر إلى درجة الخوف المسقط للإنكار إذا كان الذي يمنعه مجرد الهيبة عند ذلك ليس له أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا تركوا ذلك إذا ترك الناس ذلك لأجل الهيبة فقط ينطبق عليهم ما قال النبي عليه الصلاة والسلام:”ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيرون إلا يوشك الله أن يعمهم بعقاب”.
أما عند الخوف ينطبق الحديث الآخر ينطبق ما رواه عبد الرزاق عن طاووس أن رجلا جاء إلى ابن عباس فقال أنا أريد أن أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه أريد أن أقوم إلى السلطان آمره بالحق بالمعروف وأنهاه عن المنكر قال له ابن عباس: لا تكن لك فتنة أنت عاجز عن هذا أنت لا تستطيع هذا إذا أردت أن تفعل هذا يبطش بك لا تكن لك فتنة قال أفرأيت إن أمرني بمعصية الله طيب إذا أمرني أن أعصي الله ماذا أفعل قال ابن عباس ذاك الذي تريد فكن حين إذن رجلا يعني أما إذا أمرك بمعصية هنا كن رجلا هنا اثبت ولا تطعه في معصية الله تبارك وتعالى أما أن تتعرض له من غير أن يقول لك شيئًا أنا أخشى أن يبطش بك فلا يحصل ما تريد أي فلا يجب عليك ذلك في هذه الحال.
نعم هناك أناس قويت قلوبهم وجعلوا مرضاة الله نصب أعينهم فقاموا ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف على السلطان الجائر الظالم مع أنهم يخشون أن يبطش بهم مع كونهم يتوقعون أن يبطش بهم وذلك لمنفعة شريعة رأوها في ذلك فهؤلاء إذا فعلوا هذا لهم مقام عظيم عند الله ولو أدى هذا إلى أن يُقتل الواحد منهم فقد جاء في الحديث:”أن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام عند سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله”. معناه في بعض الأحوال هذا الأمر يكون من أفضل أنواع الشهادة فعلى مثل هذا ينطبق هذا الحديث أما من لم يكن كذلك إذا لم يكن على مثل هذه الحال فإنه ينطبق عليه حديث الترمذي وغيره:”لا ينبغي لمؤمن أن يُذل نفسه قالوا وكيف يذل نفسه يا رسول الله قال يتعرض لما لا يطيق من البلاء”.
كذلك إذا كان الإنسان يخاف من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يصطلم الظالم المسلمين يعني أن لا يقتصر آذاه عليه هو بل أن يبطش بغيره من المسلمين أيضًا وهو لا يستطيع أن يدفع عنه عند ذلك يسقط عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند ذلك يترك هذا الأمر حتى لا يكون جارًا الضرر العام للمسلمين بسبب ما أراد هو أراد أن ينكر المنكر فبهذا الفعل الذي فعله جرى منكرًا أعظم عليهم لا ينبغي له أن يفعل ذلك.
ومن الخلاف الضعيف الذي لا ينبغي الأخذ به ولا الالتفات إليه ما خلاف فيه ابن حزم حيث قال إن حديث البخاري في تحريم المعازف ضعيف ومنقطع وقال لذلك إن الاستماع إلى المعازف جائز وهذا الكلام لا يُلتفت إليه ابن حزم أصلا لا يؤخذ بكلامه إذا خالف كلام الأئمة ليس هو بالمجتهد الذي يؤخذ بكلامه وقد بين أهل العلم أن هذا الحديث الذي رواه البخاري في تحريم المعازف إسناده متصل وأنه ثابت صحيح ومن قال من السلف بعض السلف قلة الذين قالوا يجوز الاستماع إلى المعازف هؤلاء ما كان بلغهم الحديث وأيضًا لم يكونوا وصلوا إلى درجة الاجتهاد لذلك لا يعتبر خلافهم بمواجهة كلام أهل الاجتهاد واتفاقهم على تحريم ذلك المقصود من هذا أنه ليس كل خلاف يؤخذ به كما قال بعض العلماء:
وليس كل خلاف جاء معتبرًا إلا خلاف له حظ من النظر
ثم إن البواعث التي تبعث الإنسان الذي هو من أهل الفضل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مختلفة عديدة منها رجاء ثواب الله تعالى منها أن يخاف المعاقبة إن ترك ذلك منها أن يغضب لله عزّ وجلّ بإنتهاك محارم الله تعالى منها النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا فيه أنفسهم من التعرض لعقوبة الله عزّ وجلّ وغضبه منها إجلال الله تعالى وتعظيمه وشدة محبته وامتلاء القلب لأنه سبحانه وتعالى أهل أن يطاع فلا يعصى وأن يُشكر فلا يُكفر فيقوم القائم في منع انتهاك محارمه ما لا يبالي معه بهلاك نفس أو مال كما قال ولد عمر بن عبد العزيز عبد الملك لأبيه:”وددت أني غلت بي وبك القدور في الله تعالى قال يا أبي أنا أحب لو أننا قمنا بنصرة دين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو أدى ذلك إلى أن نلقى في القدور الغالية المحماة التي تغلي.
ومن لحظ هذا المقام والذي قبله أي أن الذي يقوم أمام السلطان الجائر فينكر المنكر ويأمر بالمعروف فيبطش به ويقتله يكون شهيدًا هان عليه ما يلقى من الأذى في الله تعالى بل ربما دعا لمن يؤذيه ذاك يؤذيه وهو لأن قلبه معلق بطاعة الله لا يبالي بالأذى بل يدعو لمن يؤذيه كما حصل مع بعض أنبياء الله عزّ وجلّ ضربه قومه وآذوه فجعل يمسح الدمع عن وجهه ويقول رب اغفر لقومي يعني يا رب اغفر لهم ذنوبهم بإدخالهم في الإسلام يا رب أجعلهم يسلمون يدعو لهم هم يضربونه وهو يدعو لهم مسح الدمع عن وجهه ودعا لهم رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون أدخلهم في دين الله فإنهم لا يعلمون.
أسأل الله أن يرزقنا مثل هذا المقام أن نكون ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يخاف في الله لومة لائم أسأل الله أن يجعلنا ممن يفعل ذلك بالحكمة وأن نتصرف في ذلك على ما تقتضيه الحكمة وعلى ما يقتضيه شرع الله تبارك وتعالى وأن لا نقصر في هذا الأمر إذا قصّر غيرنا.
قال إسماعيل حلاق: رواه مسلم
الشرح: أي روى هذا الحديث مسلم وأصحاب السنن وغيرهم
والله تبارك وتعالى أعلم.