شرح الأربعين النووية الحديث التاسع
قال الشيخ سمير القاضي حفظ الله
الحمد لله ربّ العالمين أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأشكره وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
كلامنا سيكون إن شاء الله على الحديث التاسع من الأربعين النووية.
قال المؤلف: الحديث التاسع عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه
الشرح: عن أبي هريرة هذه كنيته وليس اسمه أسلم عام خيبر شهد فتحها ولازم النبي صلى الله عليه وسلم الملازمة التامة بعد فتح خيبر لازمه عليه الصلاة والسلام إلى وفاته رغبة في العلم منصرفًا عن أي شيء يشغل عن ذلك يعني ما تزوج ما اتخذ مسكنًا حتى كان يبيت في المسجد مع فقراء أهل الصفة ما كان له أهل يأوي إليهم ما كان يأوي إلى مال ما كان يشتغل بتجارة إنما كان يلزم النبي عليه الصلاة والسلام على شبع بطنه معناه مكتفيًا بما يشبعه لا يريد من الدنيا شيئًا غير ذلك يلازم النبي عليه الصلاة والسلام في أحواله كلها ولذلك في هذه السنين الثلاث التي لزم فيها النبي عليه الصلاة والسلام الملازمة التامة سمع كثيرًا مما لم يسمعه غيره وحضر وشهد كثيرًا مما لم يشهده غيره لأن الصحابة كان منهم من له أهل وله مال ويحتاج أن يعمل لأجل النفقة ونحو ذلك.
معروف مثلا أن سيدنا عمر كان له صديق وكان عمر يذهب إلى النّبي عليه الصلاة والسلام يومًا ويشتغل في هذا اليوم صديقه بما يشتغل به من أمر دنياه تحصيل المعيشة ونحو ذلك ثم يرجع عمر يخبره بما حصل ثم في اليوم الثاني يتبدلان يغيب عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام ويحضر صديقه ويخبره بما حصل.
إذا ما كان الصحابة متفرغين الأنصار أغلبهم كان لهم أرض يزرعونها بساتين يهتمون بها المهاجرون كان لهم تجارات ونحو ذلك يهتمون بها.
أما أبو هريرة ما كان له لا أهل ولا مال وكان يلزم النّبي في أحواله كلها صلى الله عليه وسلم فلذلك روى ما لم يروه كثير مما أسلم قبله أيضًا النبي عليه الصلاة والسلام دعا له أن يحفظ ما يسمع منه وهذا أيضًا أعانه على ذلك يعني حصل شيء مع النبي عليه الصلاة والسلام كالدعاء لأبي هريرة أن لا ينسى ما يسمعه منه صلى الله عليه وسلم وهذا أعانه أيضًا على أن يروي ما لم يروه غيره.
النووي يقول عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه عبد الرحمن بن صخر أرجح أقوى الأقوال في اسمه اختلف العلماء ما هو اسم أبي هريرة اختلفوا على ثلاثين قولا أقوى هذه الأقوال وأرجحها ما ذكره النووي أن اسمه عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه أكثر من ثلاثين قولا.
قال المؤلف: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
الشرح: هذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما سيذكره بعد ذلك هو قطعة من خطبة خطبها النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قال فيها يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل يسمى الأقرع بن حابس أَكُلّ عام يا رسول الله فالنبي عليه الصلاة والسلام سكت أعاد أكل عام يا رسول الله حتى قالها مرارًا فقال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ما نهيتكم عنه فاجتنبوه أكمل كلامه قائلا بعد ذلك قال ما نهيتكم عنه فاجتنبوه”.
فدل هذا الكلام في هذا الكلام فائدة قبل أن نتكلم على الحديث الذي ذكره النووي وشرحه في هذا الكلام فائدة تستفاد وهي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجوز له أن يجتهد هذا هو القول الراجح القوي كيف لا إذا كان الشافعي يجوز له أن يجتهد فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم ويدل الحديث على ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: “لو قلت نعم لوجبت” أي لو اجتهدت فقلت نعم يجب في كل عام لكان واجبًا الحج في كل عام ولما كنتم قدرتم لأن السياق ليس فيه ما يدل على نزول الوحي ليس فيه ما يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان مخيرًا بين الأمرين إذًا المعنى لو اجتهدت فقلت نعم لكان ذلك واجبًا يستفاد منه أن اجتهاد النبي عليه الصلاة والسلام لا يكون إلا حقًا وأنه لا يُخطئ في اجتهاده لأنه قال: “لو قلت نعم لوجب” ما قال عليه الصلاة والسلام لو قلت نعم لاحتمل أن يكون واجبًا واحتمل أن أغلط لأ لأنه ليس كغيره من المجتهدين إذا اجتهد عليه الصلاة والسلام لا يكون اجتهاده إلا صوابًا موافقًا لما هو الحكم عند الله لذلك قال: “لو قلت نعم لوجب ولما استطتعم” ويدل على ذلك حديث النبي عليه الصلاة والسلام: “إنما أنا بشر فإذا أمرتكم بالأمر بالشيء من أمر دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بأمر من أمر الدنيا فإنما أنا بشر” معناه إذا قلت لكم حكم هذا الشيء في الدين كذا خذوا به هذا هو الحكم قطعًا لا يحتمل الخطأ أما في أمور الدنيا فيجوز أن أخطأ في بعض الأمور أن أظن ظنًا فلا يكون ظني في محله يجوز عليّ ذلك هذا هو القول الصحيح الذي لا يجوز غيره وما يزعمه بعض الناس من أن النبي عليه الصلاة والسلام يجوز أن يجتهد ثم قد يكون اجتهاده خطأ هذا فاسد والعياذ بالله تعالى لا يجوز اعتقاده ولا يجوز الأخذ به قول مظلم هذا القول لا يجوز الأخذ به كيف يغلط النبي عليه الصلاة والسلام وما أتى به هو الشرع وقد أمرنا الله تبارك وتعالى باتباعه وبين لنا ربُّنا أن ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام من الأحكام هذا هو حكم الشرع فكيف يكون خطأ لا يجوز أن يخطأ النّبي عليه الصلاة والسلام في الشرعيات لا فيما كان عن وحي ولا فيما كان عن اجتهاد هذا الحديث أوله هذا الأول الذي ذكرناه يدل على ذلك.
قال المؤلف: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نهيتكم عنه فاجتنبوه
الشرح: اجتنبوه اجعلوه جانبًا اتركوه لا تقربوه بالمرة معناه هذا حرام ولا يقال الميتة أليس عند الضرورة يجوز أكلها كيف يقال حرام إي عند الضرورة لا يكون أكلها حرامًا في غير حال الضرورة حرام في حال الضرورة لا يكون أكلها حرام.
قال رسول الله: وما أمرتكم به ففعلوا منه ما استطعتم
الشرح: ما قدرتم عليه ما استطعتم ما قدرتم عليه كما قال ربُّنا عزّ وجلّ: “فاتقوا الله ما استطتعم” يعني اعملوا من أوامر الله مما أمر الله به بما تقدرون عليه ما تستطيعون عليه وهذا من قواعد الإسلام المهمة ومن البلاغة التي أُوتيها النبي عليه الصلاة والسلام وجوامع الكلم لأنه قال عليه الصلاة والسلام: “ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ” اجتنبوه بالكلية معناه وما أمرتكم به ففعلوا منه ما استطعتم يدخل تحته ما لا يحصى من الأحكام مثلا الصلاة إذا عجز عن بعض أركانها يأتي بما لا يعجز عنه إذا عجز عن قراءة بعض ءايات الفاتحة يلزمه أن يأتي بما لا يعجز عنه إذا عجز عن غسل بعض أعضاء الوضوء يلزمه أن يغسل ما لا يعجز عنه إذا وجب عليه فطرة جماعة ممن يجب عليه نفقتهم وعجز عن فطرة البعض يُخرج عن البعض على ترتيب ذكره الفقهاء في هذا إذا لم يستطع إزالة جميع المنكرات لزمه إزالة ما يستطيع إزالته منها إلى غير ذلك مما يشبهه مما هو مشهور في كتب الفقهاء.
ومن هذا الباب قالوا الكافر الأخرس لا يلزمه أن ينطق بالشهادتين يكفي أن يعتقد بقلبه إلا أنه إذا كان يقدر على خلاف الغالب يقدر أن يحرك شفتيه بالشهادتين يلزمه أن يحرك شفتيه بالشهادتين يلزمه ذلك لأنه يقدر لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:”فأتوا منه ما استطعتم” افعلوا ما تقدرون عليه نعم أما ما لا يقدر عليه الإنسان فليس مأمورًا به لأن الله تعالى قال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج } ما لا يقدر عليه ليس مأمورًا به {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} أما ما ليس في وسع الإنسان فليس مكلفًا به.
أيضًا يُستفاد من هذا الحديث أن درأ المفساد مقدم على جلب المصالح رد المفساد يقدم على جلب المصالح إذا تعارض في الأمر الواحد رد مفسدة وجلب مصلحة تعارضا عند ذلك يُقدم درأ المفسدة لأن الشارع له اعتناء بترك المنهيات أشد من الاعتناء بفعل المأمورات انظر ماذا جاء في الحديث:”ما نهيتكم عنه فاجتنبوه” كله “ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم” بقدر طاقتكم الشرع له اعتناء برد المفاسد ودرئها أكثر مقدم على الاعتناء بجلب المصالح فإذا تعارض الأمران في شيء واحد يقدم درأ المفاسد.
قال رسول الله: فإنما أهلك الذين من قبلكم
الشرح: أهلك الذين الأمم الذين كانوا قبلكم سبب هلاكهم أيش
قال رسول الله: كثرة مسائلهم
الشرح: كثرة مسائلهم بغير حاجة أن يسألوا عما لا يحتاجون إليه كثرة سؤالهم في غير حاجة أمر سيدنا موسى بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة صاروا يقولون له كيف صفتها ما لونها إلى آخره ولو ذبحوا أي بقرة لأجزأهم لكن صاروا يسألون عما لا حاجة له فشدد عليهم.
النبي عليه الصلاة والسلام من شفقته على أمته أمرهم أن لا يسألوا عما لا حاجة لهم فيه حتى لا يشدد عليهم أهلك من قبلكم الأمم السابقة كثرة مسائلهم فيما لا حاجة فيه وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الأُغلوطات وفسرت الأُغلوطات بهذا بالسؤال عما لا يحتاج إليه الإنسان كيف وكيف وكيف.
وقد روي عن الأوزاعي رحمه الله تعالى أنه قال: “إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليظ فلقد رأيتهم أقل النّاس علمًا”. معناه طلب العلم له طريقة طلب العلم له طريقة يتعلم الإنسان متنًا من المتون بابًا من الأبواب من غير تفاصيل كثيرة وحين يتعلم هذا الباب لا يجعل شغله ولا يشغل قلبه بأن يستنبط أسئلة على ما يلقى إنما ليجعل همه أن يضبط ما يقال وأن يحفظه جيدًا وأن يسعى للعمل به بعدين بعد مدة يأخذه بشكل أوسع ثم يتلقاه بشكل أوسع يتوسع فيه كل مدة وكلما تلقى شيئًا يكون همه أن يفهم ما يُلقى إليه يكون همه أن يستوعب أن يفقه ما يقال له لا يكون همه أن يفكر في أسئلة يستنبطها ماذا لو ماذا إذا ماذا لو إلى آخره فإن هذا يحرمه بركة العلم.
نعم إذا احتاج الإنسان للسؤال يسأل هذا ما فيه كلام إذا كان يحتاج إلى أمر ليعرف حكمه يسأل هذا ما فيه كلام.
لكن الكلام فيمن كان مثل المتنعت ومثل الموسوس الذي همه استنباط الأسئلة مثل هذين التعامل معهما يكون بعدم الرد عليهما بتركهما وبعدم إجابتهما أما إذا كان ليس لذلك إنما لما يحتاجه الإنسان فالسؤال عند ذلك ممدوح لا سيما إذا كان الذي يسأله رجلا ذا فضل وعلم وتقوى ورجلا منوّر القلب عند ذلك فليسأل وليستفد من هذا الجواب وليشرب من هذا النبع الصافي ما استطاع مما يحتاج.
وأحب أن أذكر شيئًا ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري يقول في الحديث إشارة إلى الاشتغال بالأهم المحتاج إليه عاجلا يشير الحديث أنك اشتغل بما تحتاجه الآن عما لا يحُتاج إليه في الحال ما لا تحتاجه الآن لا تقدمه على ما تحتاجه الآن ابدأ الآن بالاشتغال وتعلم ما تحتاجه الآن هذا في الحال.
فكأنه قال عليكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي فاجعلوا اشتغالكم بها عوضًا عن الاشتغال بالسؤال عما لم يقع لا تترك هذه الأسئلة تشغلك عن أداء الواجبات واجتناب المحرمات لا تترك توارد الأسئلة على بالك يشغلك عن تعلم العلم الذي أوجب الله عليك معرفته في الحال.
فينبغي للمسلم أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله ثم يجتهد في تفهم ذلك وفي الوقوف على المراد به ثم بعد ذلك يتشاغل بالعمل به فإن كان من العلميات يعني شيء يتعلق بالعقيدة يتشاغل بتصديقه يصدقه واعتقاد حقيته وإن كان من العمليات من الأعمال بذل وسعه في القيام به فعلا وتركًا إذا أمر الله بتركه يتركه إذا أمر الله تعالى بفعله يفعله فإن وجد وقتًا زائدًا على ذلك فلا بأس بأن يصرفه في الاشتغال بتعرف حكم ما سيقع على قصد العمل به أن لو وقع.
أما إذا كانت الهمة مصروفة عند سماع الأمر والنهي إلى فرض أمور قد لا تقع مع الإعراض عن القيام بمقتدى ما سمع يسمع بدل أن يفهم ما يسمع ويفكر كيف يطبق يبدأ بفرض أشياء ليست واقعة وقد لا تقع فيشتغل بهذا عن الذي هو أولى له فإن هذا مما يدخل في النهي فالتفقه في الدين إنما يحمد إذا كان للعمل لا للمِراء والجدل هذا الذي يحُمد أن يتفقه الإنسان في الدين حتى يعمل بذلك ليس حتى يجادل الآخرين فقط ليس حتى يماري ليس حتى يتكلم في الفقه وفي العلم لا لإحقاق حق ولا لإبطال باطل.
ابن عمر رضي الله عنه سأله رجل عن استلام الحجر الأسود قال له رأيت النبي عليه الصلاة والسلام يستلمه ويقبله فقال له هذا الرجل أرأيت إن غُلبت عنه أرأيت إن زحمت لعله منعوني لعله يكون هناك زحمة ماذا أفعل.
قال له ابن عمر ” اجعل أرأيت باليمن ” اتركوني من أرأيت أرأيت ماذا لو ماذا لو ماذا لو ” رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله ” افعل كما أقول لك هذا هو لا يكن لك هم إلا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حاجة إلى فرض العجز قبل وقوع العجز لأن هذا يضعف همتك ويصرفها عن التوجه بكليتك لفعل هذا العمل الذي ذكرت لك يصرف همتك عن العزم على التصميم على أن تفعل ما ذكرت لك ولأجل هذا كان كثير من الفقهاء الأئمة الكبار إذا سئلوا عما لا يحصل يقولون اتركونا من هذا.
سيدنا عمر قال: أُحرج عليكم أن تسألونا عما لم يكن فإن لنا فيما كان شُغلا” لا تشغلوا أوقاتنا بشيء ما حصل الأمور الحاصلة تكفي لتشغل وقتنا فلا تشغلونا بما لم يحصل.
وكان زيد بن ثابت رضي الله عنه إذا سئل عن شيء قال كان هذا فإذا قيل لا. يعني حصل هذا؟ إذا قالوا لا ما حصل قال دعوه حتى يكون لا تسألوا الآن عنه إذا حصل عند ذلك تسألون وكذلك غيره من الصحابة كان يقول مثل هذا.
وكثيرًا ما كان شيخنا رحمة الله عليه يقول هذا إذا سئل أحيانًا سؤالا يقول حصل إذا قيل لا يقول اتركنا منه قلنا إلى ما حصل فيما حصل ما يكفينا ويملأ وقتنا عن الانشغال بما لم يحصل.
قال رسول الله: فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم
الشرح: واختلافهم على أنبيائهم عدم طاعتهم لأنبيائهم أنهم لم يسرعوا في طاعتهم لم يكونوا إذا قال لهم النبي افعلوا كذا كثير منهم لا يسرعون في الطاعة فينبغي على الواحد منّا أن يتبعه عليه الصلاة والسلام وأن يُسلم لما جاء به من الأحكام من غير معارضة من غير مدافعة وأن يكون عاقدًا قلبه جازمًا أن المصلحة كل المصلحة في اتباع النبي عليه الصلاة والسلام وأنه لا يوجد مصلحة فيما هو خارج عما دل عليه وطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني المصالح محصورة فيما دل عليه وطلبه النبي عليه الصلاة والسلام فيما دل عليه وطلبه الشرع أما شيء الشرع لا يطلبه لا يكون مصلحة.
فإذن ينبغي على الإنسان قبل أن يقول هذا الأمر فيه مصلحة أو هذا الأمر ليس فيه مصلحة أن يفكر جيدًا هل هو من الطبقة من أهل العلم الذين لهم ذلك أو ليس منها بعض الأمور ظاهرة بعض الأمور جاء بها الشرع واضح بعض الأمور ظاهرة لكن أحيانًا يكون الأمر جاء الشرع بالأمر به مثلا الشرع يكره أمرًا من الأمور أو الشرع يحث على أمر من الأمور فيأتي إنسان فيقول لكن هذا مكروه نعم لكن في هذا الموضع هناك مصلحة في فعله هذا يحتاج إلى دقة شديدة قبل أن ينطق به لأنه إذا قال في هذه الحال مصلحة بفعله معناه يقول ليس مكروهًا في هذه الحال ليس مكروهًا يعني يُعطي حكمًا شرعيًا يُفتي فتوى شرعية فإذا لم يكن الإنسان في هذه المرتبة لا يجوز له أن يعتليها لا يجوز له أن يتكلم بذلك أمر جاء الشرع بأنه مستحب الشرع بيّن أنه أمر محبوب يقول إنسان مثلا لكن في فعله في هذا الحال ليس فيه مصلحة هذا ليس شيئًا هينًا يقوله أي إنسان لأن معنى أن يقال ليس فيه مصلحة يعني ليس مستحبًا في هذه الحال هو هذا لا يقوله إلا من هو متأهل لذلك أما من لم يتأهل لذلك فليس له أن يتكلم في هذه الأمور يلزم حده ويترك مثل هذه الأمور لأهلها ولا يدخل فيها.
كثيرًا ما كان شيخنا رحمة الله عليه يقول أمر الضرورات أنا أتكلم فيه يعني ليس الواحد منكم أنتم لستم مؤهلين للكلام في هذا الكلام في هذا دقيق ليس مفتوحًا لكل إنسان ليُعطي رأيه هذا ليس تجارتي أشتري خسًا أو بطيخًا فيتكلم هذا برأيه وهذا برأيه ولا حرج عليه إذا ذكر رأيه وهذا لا حرج عليه إذا ذكر رأيه لأ إنما هذا الذي ذكرناه يتعلق به حكم شرعي فينبغي على الإنسان أن يكون متنبهًا وأن لا يظن أن هذا أمر سهل مفتوح لكل إنسان ليتكلم فيه برأيه.
قال المؤلف: رواه البخاري ومسلم.
الشرح: ورواية مسلم لهذا الحديث: “ذروني ما تركتكم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشىء فاتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شىء فدعوه” وفيها إشارة إلى ما قالوه من أن الترك لا يدل على التحريم إذا ترك النبي عليه الصلاة والسلام فعل أمر هذا لا يدل على أن هذا الأمر محرم لأنه عليه الصلاة والسلام قال: ذروني ما تركتم اتركوني طالما لم أنهكم عن هذا الأمر فهو جائز طالما ما منعتكم فالأمر ليس في فعله معصية اتركوا الأمر على هذا فيفهم من ذلك أن ما يقوله بعض الغلاة بعض المتطرفين الذين مالوا عن الاعتدال هذا الشيء بدعة حرام ما الدليل يقولون لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام لم يقله.
ومن قال أن كل شيء تركه النبي عليه الصلاة والسلام لا يجوز فعله بل النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن ما تركه ولم ينه عنه ففعله جائز يجوز فعله ليس حرامًا لا يدخل تحت النهي إنما يكون جائزًا فمن أين قلت هذا حرام لأن النبي لم يفعله من أين أتيت بهذه القاعدة لا سيما وقد ثبت في البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به معناه يترك عمل شيء من الطاعات الكلام عن العبادات والطاعات كان النبي يترك من الطاعات أشياء وهو يحب أن يعمل بها خشية أن يعمل الناس بذلك فيفرض عليهم لأنه كان يخشى رأفة بأمته إذًا لا يجوز أن يقال ما تركه النبي عليه الصلاة والسلام من الطاعات والعبادات من فعله فهو مبتدع من فعل شيئًا ترك النبي فعله فهو مبتدع لا لا يجوز أن يقال هذا لأن النبي بنص ما قالته عائشة رضي الله عنها النبي عليه الصلاة والسلام كان يترك طاعات لا يفعلها خشية أن تفرض على أمته.
إنما يرُجع في الأمر إلى قواعد الدين كما سبق أن بينا عند الكلام على حديث:”من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” عندما تكلمنا على هذا الحديث بينا أنه ينظر في قواعد الدين الأمر الذي يجد العلماء الكبار أنه موافق لقواعد الدين موافق لما أمر به الدين لما طلبه الدين هذا حسن الأمر الذي يجدون أنه موافق لما طلب الدين تركه فهذا قبيح هذه هي القاعدة ولا يجوز أن يقال لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام ولم يأمر بفعله إذًا هو حرام حاشى وكلا هذا ليس منهج نبي الله عليه الصلاة والسلام بل هو ضد منهجه صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث كما رواه الشيخان رواه غيرهما أيضًا.
والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.