قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله:
الحمد لله تعالى وصلى الله وسلم على النبي المصطفى محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أسأل الله أن يرزقنا النية الخالصة
كلامنا إن شاء الله تعالى يكون في الحديث الثامن والثلاثين من الأربعين النووية
قال إسماعيل حلاق: الثامن والثلاثون
الشرح: يعني هذا الحديث الثامن والثلاثون
قال إسماعيل حلاق: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عزّ وجلّ قال
الشرح : يعني هذا حديث قدسي
قال إسماعيل حلاق: قال :”من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب
الشرح: من عادى لي وليّا أي من أتخذه عدوًا هذا معنى من عادى لي وليًّا عاداه المعاداة المنهي عنها في الدين وأما إذا كانت الأحوال تقتضي نِزاعًا في محاكمة يعني إذا كان بين إنسان وبين ولي من أولياء الله خصومة عند القاضي أو خصومة راجعة إلى حق تدق معرفته فإن مثل هذا لا يدخل في هذا الحديث هذا ليس داخلا النزاع عند الحاكم والخصومة في الحق الغامض لأن هذا كان يحصل من أولياء الله تعالى فيما بينهم أبو بكر وعمر تخاصما علي والعباس تخاصما وهكذا غيرهم من أولياء الله تبارك وتعالى.
والولي المراد هنا هو المؤمن الكامل يعني أي المؤمن الثابت على أداء الواجبات كلها واجتناب المحرمات كلها والإكثار من الأفعال المندوبة من الطاعات المندوبة من نوع أو أكثر منها إذا ثبت الإنسان على هذا الطريق فإنه يصير وليًا من أولياء الله تبارك تعالى هذا الإنسان تولى الله تعالى بالطاعة وبالتقوى فتولاه الله عزّ وجلّ بالحفظ وبالنصرة كما قال ربّنا عزّ وجلّ:{وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} إذا كان الحال كذلك لا يُستغرب أنّ من عادى هذا الولي فقد عادى الله تعالى وأن الله تبارك وتعالى آذنه بالحرب ومعنى آذنته بالحرب يعني أعلمته أني محاربٌ له ومن كان في محاربة مع الله تبارك وتعالى من حاربه الله أهلكه الله وقسمه.
فينبغي أن يبتعد الإنسان عن معاداة أولياء الله تبارك وتعالى وأن يعتبر من هذا الحديث الذي من ناحية فيه تسلية لعباد الله الأصفياء المخلصين عن معاداة الأعداء يعني فيه من الله تعالى تسلية لقلوبهم حتى لا تتكدر خواطرهم بمعاداة أعدائهم حتى يعلموا أن الله تعالى معهم وأنه معاد لمن عاداهم وفيه من ناحية أخرى تحذير لأعداء الأولياء وتنبيه على عظيم شأنهم بيان بما لهم عند الله من الشأن والرفعة والمكانة.
قال إسماعيل حلاق: قال وما تقرب إليّ عبدي
الشرح: ما طلب القربة تقرب طلب القربة
قال إسماعيل حلاق: قال وما تقرب إليّ عبدي بشىء
الشرح: لا يوجد شىء سبب يتقرب اليّ عبدي إليه حتى يصير له عندي شأن
قال إسماعيل حلاق: أحب أليّ مما أفترضت عليه
الشرح: لا يتقرب بشىء صفته أنه أحبُّ مما أفترض الله معناه أحب شىء يتقرب العبد به إلى الله أن يؤدي ما أوجب الله ويجتنب ما حرم الله هذا معناه أحبّ شىء وهذا الحديث كما هو ظاهر يدل على طريق الولاية “من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب” ثم بعده أحب شىء يتقرب به إليّ العبد هو أداء الواجبات واجتناب المحرمات ويدخل في الواجبات فروض العين التي تجب على كل مسلم مكلف وفروض الكفاية هذا داخل وما يسميه الحنفية الواجب ما يسميه الحنفية الواجب الواجب في اصطلاحهم لأنه فرض عملا وإن لم يكن فرضًا اعتقادًا عندهم.
ومن المصائب اشتغال بعض الناس بالنوافل عن الفرائض تجد أن بعض الناس يشتغل بالذكر اللساني الكثير كل يوم يذكر الله يقول سبحان الله كذا ألفًا من المرات كل يوم يقول الحمد عددًا كبيرًا من المرات وهكذا لكن يشتغل بهذا وهو ليس فرضًا ويهمل الفرض فلا يشغل وقته به لا يشغل وقته بتعلم علم الدين الذي يجب عليه أن يتعمله لا يشغل وقته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يكون أحيانًا من الكثرة المنكر يكون أحيانًا من الكثرة بحيث يحتاج أُناسًا كثيرين حتى ينهىوا عنه تكون الحاجة لعدد كبير من الناس ليأمروا بالمعروف ولا يقوم به قدر الكفاية إذا أهمل في مثل هذه الحال الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر وقع في معصية الله تعالى بدل أن يشتغل بهذا الواجب يشتغل بقول سبحان الله سبحان الله سبحان الله وبعضهم من إهمال العلم إذا أراد أن يذكر الله لا يعرف كيف يذكر الله بعض الناس يقول لا إله إلا الله – لا إله إلا الله من غير أن يتلفظ بالهاء في لفظ الجلالة فلا يكون هذا ذكرًا مقبولا عند الله لأن ربّ العالمين اسمه الله ليس اسمه اللـ.
أحيانًا يريد أن يسبح إنسان من جهله ما تعلم يقول سبحان اللـ ليس له ثواب بل عليه ذنب لأنه حرف اسم الله تبارك وتعالى حرف اسم الله سبحانه وتعالى وكذلك ما شابه ذلك لأنه ما تعلم بدل أن يصرف وقته في التعلم يصرف وقته فيما هو سنة غير مفروضة وأحيانًا فيما يكسبه إثمًا والعياذ بالله تعالى بدل أن يصرف وقته في قضاء الصلوات التي تركها مثلا مضى عليه بعد بلوغه عشر سنين لا يصلي ثم بدأ بالصلاة تراه يتردد إلى المسجد يكثر من التسبيح بالسبحة لكن لا يقضي الصلوات التي كان تركها بعد بلوغه ويجب عليه أن يقضيها ويصلي قبل الظهر كذا ركعة وبعد الظهر كذا ركعة وقبل الصبح ويصلي بعد المغرب وبعد العشاء ولا يصلي القضاء الذي عليه.
أو تراه ينشغل بغير ذلك من النوافل يتصدق على الفقراء ولا يدفع الزكاة الواجبة عليه يتصدق من الصدقة غير الواجبة ولا يدفع الصدفة الواجبة عليه لا يسد ضرورات المسلمين التي يجب في هذا الزمن على الأغنياء أن يسدوها لأنه لا يوجد بيت مال للمسلمين فيترك ما أوجب الله وينشغل عنه بأمور هي ليست واجبة إنما هي مندوبة هذا أضاع الطريق حاله كما نقل الحافظ ابن حجر في شرحه على البخاري قال قال بعض الأفاضل:”من شغله الفرض عن النفل فهو معذور” الذي اشتغل بالفرائض ولأجل إنشغاله بالفرائض لا يبقى له وقت حتى يؤدي النفل:”من شغله الفرض عن النفل فهو معذور” له عذر ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور أما من ترك الفرض حتى يشتغل بالنفل فهذا قد غرّه الشيطان وسلك به غير الطريق المستقيم.
قال إسماعيل حلاق: قال وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل
الشرح: ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل وفي بعض الروايات ما يزال عبدي يتحبب إليّ بالنوافل أدى الواجبات اجتنب المحرمات ثم أكثر من النوافل صار يكثر من النوافل هذا معنى ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل يكثر بالزوائد على الفرائض نعم من السنن المؤكدة والسنن غير المؤكدة من النوافل.
قال إسماعيل حلاق: قال حتى أحبه
الشرح: يترقى بذلك من مقام إلى مقام حتى يصل إلى مقام أنه يصير محبوبًا لله تبارك وتعالى وإنما يصل إلى هذا المقام لأنه تبع الرسول عليه الصلاة والسلام فيما أمر به سلك النهج الذي دل عليه الرسول عليه الصلاة والسلام تعلم ما هو هذا النهج ثم سلكه فانطبق عليه قول الله تعالى:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} هذا اتبع الرسول عليه الصلاة والسلام على الوجه فأحبه الله عزّ وجلّ وإذا أحبّ الله عبدًا أعلم جبريل يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل ثم جبريل يعلم الملائكة إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبونه ثم يوضع له في الأرض القبول يوضع له القبول بين أفاضل الناس أما الهمج هؤلاء لا عبرة بهم قبلوه أو لم يقبلوه أيش هؤلاء هؤلاء كلا شىء إنما يوضع له القبول بين أفاضل الناس فيحبه أهل الفضل في الأرض كما قال ربّنا تبارك وتعالى:{إنّ الذين ءامنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا}. يجعل الله تعالى لهم بين الناس أهل الفضل في الأرض المحبة.
والمحبة من الله إذا قلنا أحب الله فلانًا ما معناه معناه أراد له الثواب في الآخرة من غير عذاب هذا معنى أحبه الله تبارك وتعالى ولذلك لا ينقلب بعد ذلك عدوًا لله من وصل إلى درجة الولاية معناه هذا شاء الله له السعادة وشاء الله في الآخرة أن يتنعم فلا يتعذب لذلك لا ينقلب بعد ذلك عدوًا لله تبارك تعالى لا يكفر بعد أن وصل إلى هذه المرتبة حتى لو صدر منه ذنب لا بد أن يتوب منه ولا يموت على حال العصيان لله تبارك وتعالى.
سئل الجنيد رضي الله عنه من أين قلت الحبيب لا يعذب حبيبه؟
كان الجنيد يقول:” الحبيب لا يعذب حبيبه” قال قال الله تعالى:{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ } إلى آخر الآية فلِم يعذبكم بذنوبكم لو كنتم محبوبين عند الله لما عذبتم في الآخرة على ما تفعلون من المعاصي ورأس المعاصي الكفر والعياذ بالله تعالى أنتم إذا متم على غير دين الإسلام تخلدون في نار جهنم أعذانا الله من ذلك.
قال إسماعيل حلاق: قال فإذا أحببته
الشرح: فإذا أحببته هذه تتمة الحديث القدسي إذا أحببته إذا وصل العبد إلى مرتبة أنه صار وليًا لله محبوبًا عند الله.
قال إسماعيل حلاق: قال كنت سمعه
الشرح: كنت أي صرت معناه صرت سمعه الذي يسمع به
قال إسماعيل حلاق: قال كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها.
الشرح: وفي رواية وقلبه الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به معنى هذا كله من الكنايات مجازات وكنايات هذا ليس على حقيقته ليس معناه أن الله يصير بصر هذا الإنسان على الحقيقة ليس معناه أن العبد يصير هو الله حاشى ليس معناه أن الله يحل ويدخل فيه حاشى من قال إن هذا الحديث محمول على الحقيقة أن بصر العبد هو الله وسمع العبد على الحقيقة هو الله فهو كافر والعياذ بالله تعالى لكن هذه مجازات وكنايات ما معناه؟
معناه أجعل له بركة في يده أجعل له بركة في رجله أجعل له بركة في عينه أجعل له بركة في سمعه يسمع أحيانًا ما لا يسمعه غيره يبصر ما لا يبصره غيره يفعل ما لا يقدر غيره على فعله.
سيدنا علي في معركة خيبر ضربه كافر ضرب الترس الذي كان معه فوقع من يده طاح من يده فأمسك باب الحصن تترس به لما انتهى القتال ألقاه بعض الصحابة قال ثمانية ما استطعنا حتى حركناه أربعون ما استطعنا أن نحمله حمله علي بيد واحدة جعل الله له في يده هذه القوة.
عمر بن الخطاب كان على المنبر رأى حال الجيش رأى حال الجيش بعيدًا في بلاد العجم قال يا سارية الجبل الجبل أوصل الله صوته إلى سارية ومن كان معه هكذا حال أولياء الله تعالى يجعل الله بركة في أعضائهم ويحمي الله تعالى هذه الأعضاء يحمي الله عينه فلا ينظر بها إلى ما حرم الله يحمي يده لا يستعملها فيما حرم الله يقي رجله فلا يمشي بها إلى معصية الله يقي بطنه فلا يدخل إليه ما حرم الله تبارك وتعالى هذا معنى كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها.
يدل على هذا الرواية الأخرى فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي معناه أعينه وأحفظه أعينه في جوارحه وأحفظها له من معصيتي هذا معناه.
قال إسماعيل حلاق: قال وإن سألني أعطيته
الشرح: إذا طلب مني أعطيته ما طلب
قال إسماعيل حلاق: قال ولئن أستعاذني لأُعذينه
الشرح: كما حصل مع بعض الصحابة في بعض المعارك المسلمون بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كانوا في حال حرجة فقالوا له أقسم على ربّك فقال: “يا رب أقسم عليك أن تمنحننا أكتافهم” يعني أن نهزمهم فما أسرع أن إنهزم الكفار.
ثم في مرة ثانية في معركة أخرى حصل مثل ذلك فقيل له أقسم على ربّك فقال:” يا رب أقسم عليك أن تمنحننا أكتافهم وأن تتوفاني شهيدًا” فقتل في تلك المعركة وهزم الكفار وأمثلة هذا كثير إذا سأل الله أعطاه الله.
قال إسماعيل حلاق: قال ولئن إستعاذني لأُعذنه
الشرح: في بعض الروايات ولئن استعاذني بالنون وفي بعضها ولئن استعاذ بي بالباء وكلاهما صحيح من حيث الرواية روي ومن حيث المعنى صحيح يقال إستعذت زيدًا من كذا وإستعذت بزيد من كذا ولم يُذكر في الحديث ولئن سألني أعطيته لم يذكر سألني كذا لم يعين ما يسأله ولئن استعاذني لأعيذنه لم يعين في الحديث ما الذي يستعيذ به هذا حتى يعم فيما يُسأل وفيما يستعاذ به كأنه قال مهما سألني أعطيته ومهما أستعاذ بي منه أعذته وأغثته.
فالمراد إن ألتجأ إلى رحمتي وتعلق بإعانتي وإغاثتي لأعذنه مما نزل به أو خشيه من ضرر إنس أو جن أو خواطر قلب أي حفظ هذا أي تأييد هذا أي نصرة أين الحفظ الذي هو كهذا الحفظ والتأييد الذي هو كهذا التأييد والنصرة التي هي كهذه النصرة من وصل إلى هذا المقام كيف يلتفت بعد هذا إلى جيفة الدنيا من وصل إلى هذا المقام كيف يخاف بعد هذا في طاعة الله مخلوقًا من المخلوقين والشواهد على ما نقول كثيرة من سير الصالحين وأحوالهم لا تحصى بعض الصحابة أسرهم الروم فأخذوه إلى ملكهم قالوا هذا من أصحاب محمد فتناقلوه حتى وصل إلى ملكهم.
قال له: هذا الملك تترك دينك وتدخل في ديننا.
قال: لا
أوقد قدر زيت كبيرًا ثم جاء بأسير من أُسارى المسلمين رماه أمامه في قدر الزيت هذا هلك على الفور.
قال له: تترك دينك أو أفعل بك كما فعلت بهذا
قال: لا أفعل
واحد ثاني قال لا أفعل
بعد ذلك وصل معه يقول له تقبل يدي
قال: لا أفعل
ثم بعد ذلك قال له إذا أطلقت أُسارى المسلمين أقبل رأسك
قال: نعم
فقبل رأسه فأطلق أُسارى المسلمين.
هذا كيف وصل إلى هذه الحال من شدة وثوق قلبه بالله لأنه واثق بتأييد الله تبارك وتعالى من شدة المحبة لله من شدة التوكل على الله تبارك وتعالى.
ذاك الغلام الذي أراد الملك أن يعلمه السحر فتعلم الدين واستقام في طاعة الله وصار يشفي المرضى ويتعافون على يده من غير دواء ظاهر هذا الغلام أليس قال الملك خذوه ارموه من على الجبل وصلوا إلى الجبل ارتجف الجبل وقعوا رجع يمشي خذوه ألقوه في البحر أنقلب بهم السفينة الزورق انقلب بهم هم غرقوا رجع إليه سالمًا.
بعد ذلك قال له إنّك لن تقتلني حتى تفعل كذا وكذا ففعل الملك لما فعل الملك ما قال له الغلام قال الناس صدق الغلام فآمنوا دله كيف يقتله حتى يؤمنوا الناس على ذلك وما خافه وما هابه وذلك لشدة وثوق قلبه بنصرالله تبارك وتعالى ولتعلق قلبه بمحبة الله تبارك وتعالى ولأن الذي يشغل قلبه وتعلقت به همته هو مرضاة الله تبارك وتعالى.
أسأل الله أن يصل الواحد منّا إلى هذا.
قال إسماعيل حلاق: رواه البخاري
الشرح: وصححه أهل الحديث والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.