fbpx

الأربعون النووية – الدرس 29

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قال الشيخ سمير القاضي شرح كتاب الاربعين النووية الحديث الخامس والعشرين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين له النّعمة وله الفضل وله الثنّاء الحسن صلوات ربي وسلامه على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين. الله أسأل أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يجعل نياتنا خالصةً لوجهه كلامنا الآن إن شاء الله على الحديث الخامس والعشرين من الأربعين النووية اسماعيل حلاق: الحديث الخامس والعشرون عن أبي ذرٍ أيضا الشرح: أيضًا يعني رجوعًا بالحديث إليه نعم اسماعيل حلاق: عن أبي ذرٍ أيضًا رضي الله عنه أن ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرح: وهم جمعٌ من فقراء المهاجرين اسماعيل حلاق: قالوا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور. الشرح: الدثور جمع دثر والمراد المال ذهب أهل الدثور أي أهل الأموال الكثيرة الأغنياء أهل الأموال الكثيرة ذهبوا بالأجور يعني حصلوا على الدرجات العالية وكانوا عليها في الدنيا ونفعتهم في الآخرة ثم بينوا كيف ذلك. اسماعيل حلاق: يصلون كما نصلي الشرح: يقولون هم يصلون كما نحن نصلي فيحصلون ثواب الصلاة كما نحصل نحن ثواب الصلاة. اسماعيل حلاق: ويصومون كما نصوم الشرح: فيحصلون ثواب الصيام كما نحصله نحن اسماعيل حلاق: ويتصدقون بفضول أموالهم الشرح: فيزيدون علينا بهذا الأمر نحن ما عندنا أموالٌ زائدة عن حاجتنا نتصدق بها وهم عندهم أموال زائدةٌ عن حاجاتهم فيتصدقون بها فيحصّلون الثواب من الله تبارك وتعالى بهذه الصدقة وهذا كان غبطة منهم لهم وليس حسدًا ما حسدوهم على أموالهم لكن كان غبطة لهم الغبطة معناها أن يتمنى الإنسان لنفسه مثل ما لغيره من النعمة من غير أن يتمنى زوالها عن أخيه ومن غير أن يسعى في ذلك إنما أن يتمنى أن يكون له مثل ما لأخيه من النّعمة وهذا حال أهل الفضل أنهم إذا رأوا عند غيرهم نعمةً ليست عندهم لا سيما والكلام عن النعمة التي تتعلق بالآخرة إذا رأوا غيرهم قادرين على فعل أمرٍ من الأمور طاعةٍ من الطاعات ينالون بها الثواب في الآخرة وهم لا يستطعون ذلك يحزنون على أنفسهم كما بيّن ربّنا عزّ وجلّ في بعض فقراء المسلمين الذين عجزوا عن مرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد لأنه لم يكن عندهم ما يركبونه قال الله عزّ وجلّ {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} ما عندي دواب أحملكم عليها {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا} يبكون ذهبوا وهم يبكون {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} لأجل هذا يحزنون ليس حسدًا لغيرهم لكن يحزنون فوات الطاعة على أنفسهم. قال اسماعيل حلاق: قال أوليس قد جعل الله لكم ما تصّدقون الشرح: يعني هل يكون الأمر كذلك وقد جعل الله لكم أبوابًا تكسبون منها الثواب كما يكسبون الصدقة قال تصّدقون وبعضها ليس فيه إنفاق مال ومنها ما ليس فيه إنفاق مال أو كثير منها ليس فيه إنفاق مال لكن من باب المشاكلة يعني هذا فيه ثواب كما أن الصدقة فيها ثواب. قال رسول الله: إن كل تسبيحة صدقة الشرح: إذا سبّح الواحد منكم ربّه كسب بذلك حسناتٍ عند الله تبارك وتعالى نعم إذا قال سبوح قدوس بالنية الحسنة يعني قال رسول الله: وكل تكبيرةٍ صدقة الشرح: وكل مرة يقول الواحد منكم الله أكبر بنية حسنة له صدقة له ثواب من الله قال رسول الله: وكل تحميدةٍ صدقة الشرح: كذلك إذا قال الحمد لله كل مرة قال رسول الله: وكل تهليلةٍ صدقة الشرح: أيضًا كل مرة إذا قال لا إله إلا الله له ثواب من الله إذًا أنتم لا تعجزون عن طرقٍ أخرى تكسبون بها الثواب غير الإنفاق والتصدق بالمال قال رسول الله: وأمرٌ بالمعروف صدقة الشرح: المعروف ما عُرف من الشرع ولو كان على خلاف ما تميل إليه طباع أغلب الناس ونفوسهم أمرٌ بالمعروف أنظر النبي عليه الصلاة والسلام ما قال الأمر بالمعروف قال أمرٌ بالمعروف منكّر لفظ أمر نكرة وهذا من النبي عليه الصلاة والسلام لدلالة على أن القليل من هذا الصنف يكون فيه ثوابٌ مثل الكثير من غيره القليل من الأمر بالمعروف فيه ثوابٌ مثل قال وأمرٌ بمعروفٍ ونهيٌ عن منكر نكّر الأمر أمرٌ ما قال الأمر نهيٌ ما قال النهي حتى يبين عليه الصلاة والسلام أن القليل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه ثوابٌ مثل الكثير من غيره كيف لا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض يكون فرض كفاية وقد يكون في بعض الأحوال فرض عين وثواب الواجب أكبر من ثواب المندوب إذا عمِل الإنسان واجبًا من الواجبات هذا أكثر ينال ثوابًا أكثر مما عمل مندوبًا من المندوبات إذا تعلم علم الدين أو علّمه ثوابه من الله أكثر مما لو صلى النفل أكثر مما لو ذكر بلسانه وسبّح بلسانه نفلاً نعم قال رسول الله: ونهيٌ عن منكر صدقة الشرح: نعم المنكر ما ينكره الشرع ما نهى عنه الشرع نعم قال رسول الله: وفي بضع أحدكم صدقة الشرح: أيضًا وفي بضع وإذا جامع البضع المراد به هنا الجماع إذا جامع أحدكم زوجته أو أمته التي تحل له له في ذلك ثواب تعجبوا يعني إذا جامعها بنية من النيات الحسنة كنية أن يعف نفسه كنية أن يعف زوجته كنية قضاء حقها معاشرتها بالمعروف كنية أن يرزقه الله تبارك وتعالى ولدًا صالحًا بنحو هذه النيات إذا جامع زوجته بنية من هذه النيات بنية كف نفسه عن الزنا بنيةٍ من هذه النيات قال رسول الله: قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر الشرح: تعجبوا أيأتي أحدنا شهوته ويكون له ثوابٌ في ذلك تعجبوا لأنهم لأن هذا أمر كانو يستبعدونه في أذهانهم لا يخطر في أذهانهم أن الإنسان إذا جامع زوجه يكون له ثوابٌ عند الله تبارك وتعالى بذلك. اسماعيل حلاق: قال أرأيتم لو وضعها الشرح: أرأيتم أخبروني يعني قال رسول الله: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر الشرح: أليس إذا وضع ذلك في حرام أليس إذا زنا ترتب على ذلك الوزر واستحق العقوبة في الآخرة. قال رسول الله: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر الشرح: فإذا وضعها في الحلال كان له أجر وفي هذا الحديث دليلٌ على جواز القياس في الدين والذي نبّه إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وبيّنه في هذا الحديث هو قياس العكس لأنه أثبت بالفرج بالجماع أجرًا لأنه وطءٌ حلال كما أن في الجماع الحرام وزرًا لأنه وطءٌ حرام لما كان الأمر على عكس الأمر كان في هذا ثواب كان الحكم على عكس الحكم الجماع المحرم فيه وزر إذًا الجماع الحلال بالنية الصحيحة فيه أجر. وأيضًا يدل هذا الحديث على أن العمل المباح إذا كان بالنية الحسنة يصير فيه ثواب بل إن الإنسان قد ينوي النية الحسنة ويفوته العمل فيعطيه الله تبارك وتعالى أجر العمل مع أنه فاته بالمرة ما عمله كما روى النّسائي عن نبي الله عليه الصلاة والسلام:” من نام عن ورده كان معتادًا أن يقوم في الليل كل يوم ليصلي صلوات من نام عن ورده كتب الله له أجر صلاته في ذلك اليوم لأنه كان ناويًا أن يقوم هو نام وفي نيته أن يقوم لكن أخذه النوم فلم يقم كتب الله له أجر صلاته وكان نومه صدقةً من الله تصدق به عليه”. وهذا إنما كسب الثواب لأجل النية فأحيانًا بسبب النية ينال الإنسان الثواب ولو لم يعمل العمل نيته الجازمة أن يعمل عملًا من الأعمال وقد ذُكر في الأحاديث التي وردت مرفوعةً وموقوفةً أنواعٌ أخرى من الصدقة بغير المال يعني لو فعلها الإنسان ينال عليها الثواب من غير أن يكون فيها دفع مال منها تعليم العلم النافع منها إقراء القرآن أن يُعلم غيره قراءة كتاب الله منها إزالة الأذى من الطريق أن يزيح ما يضر الناس من طريقهم منها السعي في جلب النفع للناس أن يسعى حتى ينفع غيره منها دفع الأذى عن الناس منها إعانة الصانع إذا كان إنسان يصنع شيئًا يعينه على فعله يبني بيتًا يصنع دكانًا يفعل يصنع كرسيًا أو نحو ذلك. منها الصناعة لأخرق إنسان لا يعرف أن يفعل هو يصنع له وإرشاد الضال إلى الطريق الذي يكون تائهًا إرشاده إلى الطريق فيه ثواب إذا كان بالنية الحسنة وإفراغ الرجل من دلوه في دلوِ أخيه أنت معك ماء أخوك ليس معه ماء تعطيه من الماء الذي معك هذا فيه ثواب إسماع الأصم واحد لا يسمع جيدًا لا يفهم الكلام تفهمه ما يقول غيره له هداية الأعمى الأخذ بيده حتى يصل إلى مقصده إسماع الأبكم يعني إسماع ضعيف العقل يعني إفهام ضعيف العقل من كان ضعيف العقل إذا أفهمته ما يُراد منه وما يقال له لك في ذلك ثواب. السعاية بساقيك مع اللهفان إنسان يريد شيئًا إذا سعيت معه بالمشي لقضاء حاجته إذا كان يستغيث بك إذا استعانك واستغاث بك أن تسعى معه برجليك بساقيك لك في هذا ثوابٌ من الله إذا إنسان احتاجك لتحمل معه شيئًا فحملت بشدة ساعديك لك في هذا ثوابٌ من الله إنسان ضعيف أعنته بالحمل معه إنفاق الرجل على نفسه وعلى أهله وعلى فرسه في سبيل الله كذلك أن ينفق على أصحابه في سبيل الله إذا غرس غرسًا أو زرع زرعًا بنية صالحة حتى يأكل منه الإنسان أو الطير أو الدابة لو زرعت زرعًا بنية أن يأكل منه الدواب فلك ثواب لو زرعت شجرة بنية أن يأكل منها الطير فلك ثواب فكيف إذا نويت أن يأكل منها أخوك المسلم إذا حفرت بئر ماء بنية أن يشرب منه المسلمون إذا أقرضت الدراهم كان معك مال وإنسانٌ محتاج للمال فأقرضته إقراضًا لك في ذلك ثواب من الله. منحة ظهر الدابة أن تعير دابتك لمن يركبها وكذا ما شابه الدابة لك في ذلك ثواب من الله منحة لبن الشاة أو البقرة معناه أن تعطي الشاة والبقرة لغيرك يبقيها عنده مدة وينتفع من لبنها وحليبها ثم يردها إليك بعد ذلك لك في ذلك ثواب إعارة الإناء إذا أراد إنسانٌ شيئًا إحتاج إلى شيء فأعرته هذا الشيء بنية خالصة لله لك في ذلك ثواب إعارة الفحل إنسان ما عنده فحلٌ ذكرٌ وعند شياه أنثى أعرته الفحل الذي عندك حتى يطرق الإناث التي عنده حتى في هذا لك ثواب من الله تعالى. إذا أعطيت حملت إنسانًا في سبيل الله على ظهر دابة أعرته دابةً ليجاهد بها في سبيل الله تبارك وتعالى إذا دعوت للمسلمين إذا استغفرت للمسلمين ربي اغفر لي وللمسلمين لك في ذلك ثوابٌ من الله إذا سلمت على المسلم لك ثوابٌ من الله تعالى فإذا سلمت عليه مع طلاقة الوجه كان لك ثوابٌ أكبر كل هذا لكن شرط الثواب فيه أن تكون نيتك أنك تفعل هذا مرضاةً لله عزّ وجلّ قيامًا بما طلب الله عزّ وجلّ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حث عليه لأن الله جعل فيه ثوابًا بنية من نحو هذه النيات لا على وجه العادة ولا على وجه مجرد الشفقة ولا على وجه فعل هذا طلبًا لمنفعة دينية وطلبًا لأن يرد لك بالمثل لا إنما تفعل هذا طلبًا لمرضاة الله تبارك وتعالى لا غير كما يدل على ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك” يعني حتى اللقمة لو وضعتها في فم امرأتك معاشرة لها بالمعروف طلبًا لمرضاة الله لأن الله حث على نحو ذلك يكون لك ثوابٌ من الله لكن أنظر هو مقيد هذا مقيدٌ في الحديث بقوله تبتغي بها وجه الله فهو مقيدٌ بإخلاص النية كما يدل عليه أيضًا قول الله عزّ وجلّ {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} فجعل الله تبارك وتعالى ما ذُكر خيرًا لكن لم يرتب الأجر عليه إلا مع إخلاص النية ما جعل أجرًا عليه إلا إذا كانت النية خالصةً لوجهه عزّ وجلّ فينبغي على الإنسان أن يراعي في أعماله إخلاص النية لله تبارك وتعالى إذا راقب قلبه فأخلص نيته فيما يفعل من نحو هذه الأعمال يجد أنه في كل يومًا وليلة يحصل ثوابًا عظيمًا يغفل عن تحصله أكثر الناس لإغفالهم النية الصحيحة اسماعيل حلاق: رواه مسلم الشرح: هذا الحديث الذي شرحناه رواه مسلم وأبو داوود وابن ماجه وغيرهم وفي بعض طرقه عند مسلم فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله سمعوا يا رسول الله بما قلت لنا ففعلوا مثله يعني فهم ما زالوا يزيدون علينا يفعلون مثلنا حتى هذه الأمور ويزيدون بالتصدق من فضول أموالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء” هذا فضلٌ من الله أعطاهم الله تبارك وتعالى إياه ويظهر من هذا الحديث أن الغني إذا شارك الفقير في الأعمال الصالحة وزاد عليه بالتصدق من ماله أنه أفضل حالًا عند الله تبارك وتعالى لكن وهذا متفقٌ عليه هذا لا خلاف فيه لكن ما ذكروه من أنه هل الغني الشاكر أفضل أو الفقير الصابر إنما هذا فيما إذا تساوى الفقير والغني في أداء الواجب وإجتناب المحرم ثم زاد الغنيُ بالإنفاق من ماله وزاد الفقيرُ بالأعمال الصالحة الأخرى وبالصبر على الفقر فأيوهما يكون أفضل عند الله هذا الذي تردد فيه نظر الفقهاء واختلفوا فيه هل الغني الشاكر أفضل أو الفقير الصابر أفضل. هذا وفي الحديث أيضًا دليلٌ على جواز سؤال المستفتي عن بعض ما يخفى علمه من الدليل اليس سألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن الدليل مع تصديقهم إياه لكن أرادو أن يفهموا كيف يكون له في جماعه أجر فبين لهم عليه الصلاة والسلام الدليل على ذلك. وأيضًا فيه بيان أن العالم أحيانًا قد يذكر بعض ما يخفى لعامة الناس ويفهمهم إياه وأن هذا شىء حسن ليس شيئًا مرغوبًا عنه وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والله تبارك وتعالى أعلم.