شرح الحديث الثاني عشر
قال الشيخ سمير القاضي حفظه الله
الحمد لله ربّ العالمين أحمده وأستعينه وأستهديه وأشكره وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
الآن كلامنا إن شاء الله على الحديث الثاني عشر.
قال المؤلف:الحديث الثاني عشر
الشرح: وهذا حديث جليل عظيم كما قال أبو داود رحمه الله تعالى وغيره.
قال المؤلف: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه “.
الشرح: يعني حين يأتي الإنسان المسلم بأحكام الدين حين يعمل أمورَه التي يعملها كل يوم ينبغي أن يكون هذا حال هذا المسلم أنه تارك لما لا يعنيه والذي يعنيه هو الذي يشتد اهتمامه له الذي هو مقصوده ومطلوبه ويشتد اهتمامه له من عناه الشيء يعنيه أي يشتد اهتمامه له هذا الأمر درج عليه الصالحون على حسب ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الجامع في اللفظ القليل للمعنى الكثير ذكر مالك في الموطأ أنه قيل للقمان ما بلغ بك ما ترى يعني ما الذي أوصلك إلى هذه الرتبة التي أنت عليها من الفضل فقال: ” صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني وعدم الدخول فيما لا يعنيني ”
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: “من علامة إعراض الله تعالى عن العبد يعني من علامة كون العبد غير مرضي وغير مقبول عند الله تبارك وتعالى أن يجعل شغله فيما لا يعنيه وقاله أيضًا غيره من الصالحين معناه من علامة كون العبد غير مفلح أن يكون شغله فيما لا يعنيه يترك ما يعنيه فلا يشتغل به ويُقبل على ما لا يعنيه ويبذل جهده فيه فهذه علامة أنه غير مرضي عند الله وغير مقبول عند الله تبارك وتعالى وإذا قلنا ما يعنيه فهذا على وفق ما يدل عليه الإسلام والإحسان والإيمان على وفق ما يدل عليه الإسلام والإيمان والإحسان كما في حديث جبريل على وفق ذلك ليس على وفق ما تسوق إليه الميول النفسانية والشهوات الدنيوية ليس ما يعني الإنسان هو ما تميل إليه نفسه الأمارة بالسوء ليس ما يعني الإنسان هو ما تسوقه إليه شهواته ليس الأمر الذي يعني الإنسان المراد في هذا الحديث هو ما يوافق شهواته الدنيوية ليس هو ما يوافق شهوة الرئاسة ليس هو ما يوافق شهوة المال ليس هو ما يوافق شهوة السمعة ليس هو ما يوافق ما شابه ذلك من الشهوات ليس هو ما يوافق ميل النفس إلى الأمور القبيحة إنما هو ما يدل عليه الإيمان والإسلام والإحسان ومن ذلك أداء الواجبات هذا على رأس ما يعني الإنسان أداء الواجبات واجتناب المحرمات ثم بعد ذلك الإحسان وهذا الإحسان يقتضي مرتبة ومقامًا أعلى من مجرد أداء الواجبات واجتناب المحرمات لأنه يسوق ويدل على زيادة على ذلك يدل على أداء الواجبات واجتناب المحرمات ويدل على ما زاد على ذلك من ترك المكروهات وترك الأمور المشتبهات وترك فضول المباحات فضول المباحات معناه الأمور المباحة التي لا يحتاج إليها الإنسان.
فإذا أردنا أن نلخص ما الذي يعني الإنسان من الأمور نقول هو ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه حياته في الدنيا ما يكفيه الجوع والعطش ويستر عورته ويعف فرجه ويسكنه وينفق به على عياله هذا أمر، أيضًا ما يتعلق بضرورة سلامته في الآخرة الأمور التي تسلمه في الآخرة مما يقتضيه تطبيق أحكام الإسلام والعمل بما يقتضيه الإحسان كما سبق أن شرحنا.
إذا نظر الإنسان في هذه الأمور وجد أنها قليلة بالنسبة إلى ما لا يعنيه أما ما لا يعنيه فهو كثير الأمراض النفسانية الشرور القلبية أن يكون في قلبه حقد حسد وما شابه ذلك المخاصمات مع الغير التي هي لحظ النفس ليست لإحقاق الحق وإبطال الباطل إنما لترفع على الغير التوسع في الدنيا في هذه الدنيا الدنية التوسع فيها طلب المناصب الرئاسية الذي يسعى فيما يعنيه ويترك ما لا يعنيه ويشتغل بما فيه صلاح معاشه في الدنيا ومعاده في الآخرة وتكون حياته في الدنيا سعيًا لتزوّد في الآخرة هذا يكون مقبلا على ما يعنيه تاركًا لما لا يعنيه يسعى في التعلم يسعى في الازدياد في العلم وبلوغ مراتب أعلى في علم الدين وفي بلوغ مراتب أعلى في العمل والتقوى والورع هذا يكون عاملا بهذا الحديث مهتمًا بما يعنيه تاركًا لما لا يعنيه .
أما من كان على العكس من ذلك وصرف وقته فيما لا يعنيه فهذا صرف وقته بالكلام بالاهتمام ببيت فلان واسع أو ضيق أوسع من بيتي أو أضيق ، الأثاث الذي عند فلان أعلى من أثاثي أو مثله أو أنزل ، فلان حسن الصورة أو ليس حسن الصورة ، بنتي أحسن أو بنته ، ابني أحسن أو ابنه ، هل جارتي هذه حالها من حيث الدنيا أعلى من حالي أو أنزل من حالي ، ماذا فعل فلان اليوم مع أهل بيته وماذا أكلوا ما نوع سيارتهم إلى أين ذهبوا إلى أين سافروا هل السيارة التي عندهم أحسن من سيارتنا هل التلفون الذي في يده أحسن من الذي معي أو الذي معي أحسن من الذي معه وهكذا ما هو الزي ما هو التفصيل الذي يلبسه الناس في هذه الأيام للقميص وما هو التفصيل الذي يلبسونه للسروايل وما هو ما شابه ذلك هل هذا الزعيم أحسن من ذلك الزعيم أو ذلك الزعيم أحسن من هذا الزعيم والكلام في زعيمين يتنازعان الرئاسة الدنيوية ويركبان على أكتاف الناس لتحقيق مآربهما النفسانية مآربهما الدنيوية من أمضى عمره في نحو هذا ومضت أيامه في هذا يكون أمضى حياته فيما لا يعنيه واشتغل بذلك عما يعنيه وعما قريب يستيقظ عند موته ويفيق من نومه عندما يقبض عزرائيل روحه ليجد نفسه أن مزوده خال وأنه لم يتزود للآخرة من الحسنات ولم يهيئ لها ما ينبغي تهيأته كما فعل غيره من أهل الفضل والإحسان فيندم حين لا ينفعه الندم نسأل الله أن لا نكون من هؤلاء.
وأما الكلام فحد ما لا يعنيك منه أن تتكلم بما لو تكلمت به لم تثب ولو سكت عنه لم تأثم ولم تتضرر لا الآن ولا في المستقبل كلمة إذا تكلمت بها ليس لك ثواب وإذا سكت عن هذا الكلام لا أثم عليك ولا ضرر يلحقك لا الآن ولا في المستقبل مثل هذا الكلام لا ينبغي لك أن تشغل نفسك به ولا أن تضيع أنفاسك به ولا أن تصرف مالك فيه وجهدك فيه لأنك تعرض نفسك للمحاسبة على ما لا ينفعك لأنك بسبب كثرة الكلام في مثل هذا قد تزل فتقع في معصية الله تبارك وتعالى ومن هنا جاء في الحديث: “من صمت نجا” إذا اشتغلت بهذا الكلام عرضت نفسك أن تقع في الرياء عرضت نفسك أن تقع في شهوة السُّمعة عرضت نفسك إلى ما لا تحمد عاقبته لأجل شيء لا منفعة فيه ولا فائدة لك فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة مثل هذا الكلام مما لا يعني لذلك جاء في الحديث:” من صمت نجا ” لو أنك بدل أن تشغل نفسك بهذا قعدت في مجلس علم تكون رتعت في رياض الجنة أليس جاء في الحديث إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا وما رياض الجنة يا رسول الله قال: “حِلَقُ الذِكرِ “. لو أنك سبحت قلت سبحان الله لكان لك غرس في الجنة أليس جاء في الحديث أن الإنسان يكون له بكل تسبيحة شجرة في الجنة وشجرة في الجنة خير من الدنيا وما فيها لو أنك قلت لا حول ولا قوة إلا بالله بدل أن تشغل نفسك بما لا خير فيه يكون لك كنز من كنوز الجنة كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل هذا كان السابقون يدربون أنفسهم على كثرة الصمت يكسرون أنفسهم فلا يتكلمون فيما تشتهي نفوسهم أن يتكلموا فيه إلا إذا عرفوا أن الكلام فيه فيه مصلحة لهم.
داود الطائي رضي الله تعالى عنه كان يقعد في حلقة الإمام أبي حنيفة وهم يتكلمون في الفقه لا يتكلمون في غير ذلك يتكلمون يتفاوضون في الفقه يحب أن يتكلم معهم في المسألة فلا يتكلم سنين كثيرة مرت عليه وهو على هذه الحال يقول لماذا أتكلم هم يتكلمون وفي كلامهم كفاية مع أن نفسه كانت تشتهي أن يتكلم وذلك حتى يُدرب نفسه على الابتعاد عما لا يعنيه هذا وكما قلنا كلامهم كان في أمور الآخرة في أمور العلم لكنه أراد أن يكسر نفسه حتى تتواضع أراد أن يكسر نفسه حتى تتحلى بالإخلاص وبترك ما لا يُحتاج إليه إذا كان هذا حال داود مع ما تكلموا به فكيف بمن تمر عليه الليالي والأيام وهو يتكلم بالكذب وبالمعاصي وبالغيبة وبالنميمة وبالأمور المضحكة المبنية على الكذب يكذب حتى يُضحك غيره فيُسخط ربّه تبارك وتعالى ويفعل الأفاعيل السخيفة والأمور الركيكة التي يريق بها ماء وجهه ولا يعود له بين الناس مرتبة ولا اعتبار كيف يكون حال مثل هذا وبأي شيء يكون أوقع نفسه الله تبارك وتعالى قال { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) } وروى ابن حبان عن النبي عليه الصلاة والسلام أن في صحف سيدنا إبراهيم مكتوب من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلا فيما يعنيه من نظر واعتبر وفهم أن كلامه من جملة عمله يكتب له أو عليه فإن كلامه يقل إلا فيما يعنيه وجاء في سنن الترمذي كما قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” من صمت نجا” وعند ابن أبي الدنيا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خصلتان ما إن تجمل الخلائق بمثلهما حسن الخلق وطول الصمت”.
وقال ربّنا تبارك وتعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} معناه كل لفظ يتلفظ به الإنسان يكتبه الملكان رقيب وعتيد فلينظر الإنسان ما الذي يخرج من رأسه وما الذي يقوله بلسانه وما الذي يكتبه الملكان وأي الملكين يكتب كلامه ملك الحسنات أو ملك السيئات أما من غفل عن هذا وأطلق لسانه من عقاله بلا مبالاة يقول ما يشاء كما يقول بعض الناس الحكي ما عليه جمرك يقول ما يشاء من غير أن يراقب نفسه ولسانه فلا يلومنّ إلا نفسه هذا في الآخرة يكون من الخاسرين وكان شيخنا رحمه الله تعالى يقول من كثر كلامه فيما لا خير فيه وفيما لا يعنيه يُخشى عليه سوء الخاتمة نسأل الله أن يسلمنا من ذلك.
في أيامنا كثير من الناس قد يتكلمون بالكفر ولا يبالون . النطق بالكفر عندهم مثل شربة ماء الإمام الشافعي رضي الله عنه بيّن أن الإنسان قد يتكلم بالكلمة الواحدة يكون فيها الكفر يقع فيها في الكفر كلمة الكفر سماها الشافعي رضي الله عنه وذلك لأن الإنسان قد يقع في الكفر باعتقاد يعتقده بفعل يفعله أو بكلمة يقولها الله تعالى قال { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } سب الله تعالى سب النبي عليه الصلاة والسلام سب دين الإسلام الاستهزاء بالأنبياء الاستهزاء بالدين الاستهزاء بالجنة الاستهزاء بالقرءان كل ذلك مما يوقع صاحبه في الكفر إذا تكلم الإنسان بكلمة فيها أن دينًا غير دين الإسلام خيرٌ من دين الإسلام أو أن حكمًا من الأحكام الذي هو ضد أحكام الإسلام أحسن من أحكام الإسلام يكون بذلك خرج من الدين والعياذ بالله تعالى ليس أمر اللسان أمرًا سهلا أي يتركه الإنسان يقول ما يشاء ثم لا يحاسب عليه ، لا بل يُحاسب الإنسان على ما يتلفظ منه قال ربّنا عزّ وجلّ {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} نسأل الله أن يسلمنا من مثل هذه الحال البشعة.
هذا من ناحية من ناحية أخرى الكلام أحيانًا يكون حسنًا يرغب فيه الدين يدل عليه الشرع وقد يكون في مواضع واجبًا في بعض المواضع هو واجب في بعض المواضع هو مسنون فيه ثواب إذا كان الحال كذلك ينبغي أن يقبل عليه الإنسان مع ملاحظة قلبه حتى يكون قلبه مخلصًا لله تعالى عند تكلمه بهذا الكلام وليس من ترك ما لا يعنيه أن يسكت الإنسان عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعض الناس إذا رأوا منكرًا لا ينهون عنه تقول له لم لم تنه عنه يقول لك ما إلي علاقة شو خصني لأ هذا مما يعنيك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا لم يقم به غيرك وجب عليك أن تقوم به إذا كنت قادرًا لا يسعك السكوت من غير عذر لك عند الله تبارك وتعالى.
في سنن الترمذي وغيره عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه أنه قال يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإنكم تضعونها في غير مواضعها أنتم تفسرون هذه الآية على غير معناها هذه الآية ليس معناها إذا فعل غيرك المعصية اتركه لا تتدخل فيه طالما أنت لم تفعل أنت سالم لا تأمره بالمعروف لا تنهه عن المنكر ليس هذا معناها قال إنكم تضعونها على غير مواضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”إنّ النّاس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه” وهذا ما نراه في أيامنا سكت أكثر الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا نُدرة قليلة فعمت البلايا والمصائب فيما بيننا عم البلاء ونزل فأصاب الصالح والطالح.
قال المؤلف حديث حسن رواه الترمذي وغيره.
والله تعالى يهدي من يشاء وبه الحول والقوة وهو سبحانه وتعالى أعلم.