برنامج: في بيت رسول الله
الحلقة: 016
عنوان الحلقة: طِيب رسول الله ﷺ
تقول السيدة عائشة رضوان الله عليها في وصف نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (كان يحب الطِّيب ويأمر به). كلامنا اليوم عن طيب رسول الله ﷺ. يقول نبينا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام: “حُبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة” قبل أن نشرع في الكلام على طيب رسول الله ﷺ ينبغي أن نتوقف وقفة مع هذا الحديث، أما قول النبي عليه الصلاة والسلام (والنساء) فليس معناه أن نبينا محمدًا كان مُعلق القلب بالنساء، حاشاه، فإن نسبة الرسول ﷺ إلى تتبع شهوات النساء هو مُخرج من الدين فإن هذا طعن في نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وهذا مما لا يرضاه مسلم محب لهذا القائد العظيم، فإن رسول الله ﷺ تزوج خديجة وهو ابن خمس وعشرين وكانت هي بنت أربعين سنة وهذا في أوَجّ شبابه، ولمن لا يعرف فإن رسول الله ﷺ لم يتزوج امرأة أخرى إلا بعد وفاة خديجة وكان عليه الصلاة والسلام قريب الخمسين سنة وهذا يدل على أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُعدد النساء قبل ذلك، فطيلة فترة شبابه لم يعدد الرسول ﷺ من النساء، فلا يجوز أن يُقال إن نبينا كان مُعلق القلب بالنساء. ومما يدل على ذلك أيضا أن سيدنا الرسول محمدا عليه الصلاة والسلام لم يتزوج بِكرا إلا السيدة عائشة رضي الله عنها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يذهب إلى جبانة المسلمين إلى البقيع يدعو للأموات المسلمين ويستغفر لهم في ليلتها ولو كان مُعلق القلب بالنساء لانتظر ليلة الأصغر والأجمل ليلة عائشة ليبقى عندها إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينتظر ليلتها لزيارة الجبانة، وهذا يدلنا أيضا على أنه لم يكن معلق القلب بالنساء. فإن قيل لماذا عدد الرسول ﷺ الزوجات مع أنه لم يكن معلق القلب بهن فالجواب أن هذا كان بأمر من الله تبارك وتعالى وهذا لحكمة. إخوة الإيمان ينبغي أن نكون وقافين عند أوامر الله تعالى وعند حدوده فإن الله تعالى إذا أمرنا بشيء وقفنا عنده عرفنا الحكمة أو لم تعرف، ومع ذلك فقد أُطلعنا على الحكمة من تعداد النبي عليه الصلاة والسلام من الزوجات فأما الحِكم من ذلك فكثيرة منها أن النساء في ذلك الوقت لم يكن تعلمهن من الرجال مشتهرا فأراد الرسول ﷺ أن ينشر الدين بين النساء كما ينشره بين الرجال، وكذلك كان من عادة النبي عليه الصلاة والسلام أن يُصلح بين قبيلتين بأن يتزوج امرأة من كل قبيلة وبذلك ينشر الدين في كلتا القبيلتين وكذلك أراد النبي ﷺ أن يعرف الناس حاله داخل بيته وذلك لما كان يقال عنه إنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو مجنون حاشاه عليه الصلاة والسلام فكان من مخالطة النساء للنبي عليه الصلاة والسلام أدل دليل على ما نقول فكان النساء في بيته يعرفن حاله وكن يخبرن غيرهن أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن كما يقال، بل كان أشرف الناس وأفضلهم، وكذلك أراد النبي ﷺ أن ينشر بين الأمة الأحكام التي تتعلق بين الزوجين وذلك يكون أحيانًا بتعليمها إرشادا وقولًا وبيانا وأحيانا يكون بفعله عليه الصلاة والسلام مما ينقله عنه زوجاته. ففي بيت النبي عليه الصلاة والسلام سُكة كان فيها شيء من الطيب كان نبينا عليه الصلاة والسلام يتطيب منها ورسول الله ﷺ طيب طيب هو طيب تطيب أو لم يتطيب، فخادمه أنس بن مالك يقول: (ما مسِست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله ﷺ ولا شممت مسكا ولا عنبرةً أطيب من ريح رسول الله ﷺ). وإنما كان يتطيب عليه الصلاة والسلام ليزداد طيبه طيبا وليسُن لأمته أمر الطيب، وقد علم النبي ﷺ أمته أن ثلاثة لا تُرد ومنها الطيب، فإذا أهداك الإنسان طيبا فمن سنة النبي ﷺ أن لا ترُد الطيب وسن النبي عليه الصلاة والسلام للرجل أن يتطيب في بيته وخارج بيته، وأما المرأة فيُسن لها أن تتطيب في بيتها لزوجها، ويُسن الطيب يوم الجمعة عند الخروج لصلاة الجمعة ولصلاة العيد وعند الاجتماع للخير وعند الجماع بين الرجل والمرأة، وكذلك علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أنه يُسن تطييب الشارب فالطيب غالبا يكون في الرأس والرقبة، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يُحب من نفسه ومن غيره من المؤمنين أن تظهر الرائحة الطيبة، لذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان قد نهى أن يدخل المسجد من أكل من الشجرة الخبيثة كالثوم مثلا أي من شجرة ذي رائحة كريهة، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يُخرج من دخل المسجد ورائحة فمه الثوم حتى كان يبلغ به البقيع، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يأكل من هذه الشجرة ويقول إنني أُناجي من لا تناجون أراد بذلك الملائكة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان طيب الفم طيب البدن طيب الثوب طيب الرائحة طيب الحال طيب الوقت طيب المقال طيب الفعل والفعال صلى الله على نبينا وعلى سائر إخوانه الأنبياء وسلم وكذلك كان من سنة النبي ﷺ للرجل أن يخضب شعره ولحيته بالحناء للشيب مثلا إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام اختُلف في حقه هل خضب شيبه أو لم يخضب شيبه أي هل استعمل الحناء للشيب أو لم يستعمل الحناء للشيب. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام قد شاب شيئا من الشيب شابت عَنفقته وشاب شيء من الشعر في عِذاريه وشاب شيء قليل متفرق في شعر الرأس فلم يكن شيبه كثيرا ولذلك قال بعض العلماء إن النبي عليه الصلاة والسلام لم يخضب شيبه لأنه كان قليلا. وما يُروى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يُرى شيبه أحمر فإن هذا بسبب أن الشيب في أول أمره يضرب إلى الحُمرة قبل أن يشتد بياضا وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن شيب النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن منتشرا بل شاب من شعر الرسول ﷺ قريب العشرين من الشعر. حبيبي رسول الله علمنا كيف نكون في بيوتنا وخارج بيوتنا، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (كنت أنظر إلى وبيص الطيب -لمعانه- في مفرق شعر رسول الله ﷺ وهو مُحرم) وهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب وضع الطيب فكان قد طيب شعره وطيب بدنه لإحرامه. ما أحلى رسول الله ﷺ ما أحلاه طيبا مُطيبا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.