الآبار السبعة
هي آبار عُرف أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منها أو توضأ منها، وكان المسلمون يهتمون بها بعد مماته عليه الصلاة والسلام وذلك لقلة الماء في المدينة المشرفة وهذه الآبار السبعة يوجد غيرها شرب منها الرسول عليه الصلاة والسلام أو زارها أو وضع فيها شىء من أثره الطيب المبارك. وعلى سبيل المثال بئر تفلة، والتفلة يعني البصقة وهذا البئر في وسط عسفان، كان النبي عليه الصلاة والسلام توجه إلى مكة المكرمة من المدينة المنورة، فلما خرج رسول الله معتمرا مر ببئر ماؤها قليل فتفل النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك البئر أي بصق في مائها فصار الماء غزيرا، وهذه البئر مشهورة جدًّا يقصدها الناس إلى يومنا هذا ويستشفون بها، وعرف عن كثير ممن أصيب بأمراض الكلى أنه كان يشرب من ذلك البئر للاستشفاء فيشفيه الله تبارك وتعالى بإذنه وببركة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وغير هذه البئر، هناك الآبار السبعة التي منها بئر حاء أو بيرحاء وهي البئر التي كانت ملكا لأبي طلحة الأنصاري والتي جعلها صدقة لله تبارك وتعالى وللنبي عليه الصلاة والسلام لما سمع قوله تعالى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فهذا البئر كان يشرب منه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوضأ منه.
وكذلك بئر أريس والذي يسمى ببئر الخاتم، والذي كان النبي عليه الصلاة والسلام يقصده ويشرب منه ويتوضأ فيه، ووضع ذات يوم قدميه الشريفتين هو وأبو بكر وعمر وعثمان، وهذا البئر بئر مشهور قرب قباء، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يستعذب ماءه، يعني يجد مائه عذبا.
وكذلك بئر العهن والعهن هو الصوف، وهو بئر كان يشرب منه النبي صلى الله عليه وسلم.
وبئر بضاعة، وهذا البئر كان يُستقى للنبي عليه الصلاة والسلام منه وذات يوم أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذا البئر يلقى فيها لحوم الكلاب الجيف، ويلقى فيه أيضا عذرات الناس أي القذر فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الماء طهور لا ينجسه شىء، وذلك لأن الماء كثير لا يتغير بهذه الأشياء والماء ما دام غير متغير فهو طاهر مطهر يُشرب ويُتوضأ منه.
ومن هذه الآبار أيضا بئر غَرس ويقال له غُرس ويقال الأغرس، وهذا البئر شرب منه النبي عليه الصلاة والسلام ويقع هذا البئر قريبا من قباء وهذا البئر أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن يغسل منه، أوصى علي بن أبي طالب أن يغسل بهذا البئر بسبع قِرب، والقرب جمع قِربة، وهي الإناء الذي يوضع فيه الماء. وذات يوم ذهب أنس بن مالك مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء، فبئر غرس هي بقباء، وكانت هذه البئر قليلة الماء كان يستسقى بهذا الماء طيلة اليوم كان ماؤها قليلا، فأخبر النبي عليه الصلاة والسلام بذلك فمضمض من الدلو فنزل في ذلك البئر من ريق النبي عليه الصلاة والسلام فصارت الماء تفور جاشت بالرواء أي فيها ماء كثير فعرفت هذه البئر بعذوبة الماء وكثرة مائها حتى كان أنس بن مالك رضي الله عنه وهو خادم النبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب شرب الماء من تلك البئر.
وبقي بئر رومة وبئر البوصة. وأما بئر البوصة فكان النبي عليه الصلاة والسلام كما أخبر أبو سعيد الخدري يزور الشهداء ويزور عيالهم وأبنائهم ويتفقد أحوالهم وذات يوم كان في مكان فيه بئر يقال له بئر البوصة، كان النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يغتسل غسل الجمعة وذلك لأنه يستحب للمسلمين أن يغتسلوا في ذلك اليوم، لأنه يوم عيد للمسلمين، فأراد النبي أن يغتسل في ذلك البئر، فأُخذ للنبي من مائه ووضع فيه شيء من السدر فاغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بئر البوصة.
وأما بئر الرومة ويقال له بئر عثمان، أي يراد بذلك عثمان بن عفان، وذلك لأن المسلمين لما قدموا المدينة المنورة كان ماؤها قليلا، وكانت تلك البئر بئر رومة لرجل يهودي، وكان يبيع المسلمين الماء بيعا، فثقل ذلك على المسلمين، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فذهب عثمان بن عفان إلى ذلك اليهودي يريد شراء ذلك البئر، فرفض ذلك اليهودي أن يبيع ذلك البئر، فطلب منه عثمان أن يبيعه نصفها، فاشترى عثمان بن عفان من هذا اليهودي نصف البئر، فجعل مهايئة، أي دور بين عثمان وبين ذلك اليهودي، يعني يوم لعثمان ويوم لذلك اليهودي، يوم لعثمان ويوم لذلك اليهودي، وأباح عثمان بن عفان الماء للمسلمين في يومه فصار المسلمون يأتون في يوم عثمان بن عفان ويستقون من هذه البئر ليومين فبعد ذلك صعب الأمر على ذلك اليهودي، فاشترى عثمان بن عفان النصف الثاني من اليهودي وجعله للمسلمين، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قال: “من حفر بئر رومة فله الجنة“، فكان هذا بشارة لعثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو حدّث المسلمين عندما دخلوا عليه لقتله وذكّرهم بذلك، أي أنا من حفر ذلك البئر. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يثني ثناء عظيما على صدقة عثمان بن عفان فقال ذات يوم: “رحم الله عثمان تستحيه الملائكة” من شدة خجله وحيائه “زاد في مسجدنا حتى وسعنا وجهز جيش العسرة“. وكانت من صدقات عثمان رضي الله عنه أن اشترى ذلك البئر بئر رومة وجعله للمسلمين.
فهذه الآبار كان المسلمون ولا زالوا يهتمون بها ويزورونها ويأخذون من مياهها يشربون منها ويستشفون منها بسبب بركة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله يدل على بركة النبي وعلى التبرك، فالنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي علم الصحابة التبرك، وإلا فلأيش كان يطلب مالك بن أنس من ذلك البئر ليشرب منها؟ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من تلك البئر، وكذلك مما يدلنا على هذا أن السلف الصالح كان إذا دخل المدينة المشرفة يشرب من ألبان أي من حليب النوق، والنوق جمع ناقة، والناقة هي أنثى الجمل، كانوا يشربون من حليب النوق، عسى أن تكون هذه النوق قد رعت وأكلت من عشب داس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون مباركا فتحل فيهم البركة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيعنا يوم القيامة، وأن نزداد من بركاته، عند تلك الآبار كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، هناك كان الحبيب.