fbpx

هنا كان الحبيب – الحلقة: 3

شارك هذا الدرس مع أحبائك

غار حراء هو غار مبارك في أعلى جبل النور، كان النبي عليه الصلاة والسلام يتردد إليه، وكان يختلي به في كل سنة شهرا كاملا، كانت السيدة خديجة رضي الله عنها تعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الزاد أي الطعام، فكان النبي يتزود ويذهب إلى هذا الغار ويتعبد. ويسأل بعض الناس ما معنى تعبد النبي عليه الصلاة والسلام ولم يكن نزل عليه جبريل بعد؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان موحدا كان مؤمنًا بالله تبارك وتعالى لم يكن شاكًّا في وجود الله ولا في قدرة الله، بل كان موقنا متأكدا جازما بأن لهذا العالم خالقا خلقه وهو قادر كامل لا يشبهه، كان الناس في ذاك الوقت يعبدون الأصنام؛ هذا يعبد صنما من تمر فإذا جاع أكله، وذاك يعبد صنما من ذهب فإذا افتقر باعه، وكان النبي عليه الصلاة والسلام لا يحب ذلك ولا يقبله لأنه إشراك بخالق هذا الكون، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يختلي بنفسه في غار حراء، وكان نبينا عليه الصلاة وسلم يرى المرائي، أي الرؤى في المنام وكانت تتحقق هذه المرائي، تأتي مثل فلق الصبح. ذات يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء فنزل جبريل عليه السلام ودخل الغار وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن هذه الحادثة بأن جبريل عليه السلام قال: يا محمد اقرأ فقال نبينا: “ما أنا بقارئ” قال: “فغطني جبريل” أي ضمه جبريل عليه الصلاة والسلام ضمة شديدة، قال: فضمني ثم قال له: اقرأ، قال: “ما أنا بقارئ” أي أنا أمّيّ لا أقرأ، لا أقرأ المكتوب ولا أجيد الكتابة وهذا ليس ذمًّا في نبينا عليه الصلاة والسلام فإن الأمية في محمد معجزة، وفي غير محمد مَعجزة، فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو أفصح خلق الله، قال: “يا محمد اقرأ” قال: “ما أنا بقارئ” قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} النبي عليه الصلاة والسلام بلغ ذلك منه الجهد أي المشقة، وإنما ضمه جبريل حتى يقوى على تحمل ما ينزل عليه، نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غار حراء وتوجه نحو بيت خديجة، ودخل بيت خديجة رضي الله عنها وهي صاحبة سره، هي الأمينة، هي الصادقة المصدقة لنبينا عليه الصلاة والسلام، وهي أول من آمن بالنبي من النساء، وأخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جرى معه وحدث فصارت تسأله وتستفصل منه ورسول الله يخبرها، وكان من جملة ما حدث أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى جبريل بين الأرض والسماء وذلك أنه مرة سمع صوتًا يناديه فنظر عن يمينه فلم يجد أحدا فنظر عن شماله فلم يجد أحدا ونظر أمامه وخلفه فلم يجد أحدا فنظر إلى فوقه فرأى جبريل عليه السلام يقول له: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يقص على زوجته المباركة خديجة بنت خويلد ما حدث معه في ذلك الغار، وكان نبينا شجاعا ولم يكن جبانا ولكن شعر نبينا عليه الصلاة الصلاة بالبرد فلما نزل ودخل عند خديجة قال: “زملوني زملوني” طلب التزميل ليدّفأ وصار يخبرها بما جرى فقالت له السيدة خديجة المباركة: “لا تخف أبشر كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَل” أي تعطف على الضعفاء على الفقراء والمساكين وتقري الضيف، أي تكرم الضيف إذا جاءك وتعين على نوائب الحق، معناه إذا ألمت إذا نزلت مصيبة أنت تعين وتغيث وتساعد، لا يضيعك الله يا محمد، ثم أخذته خديجة عند رجل اسمه ورقة بن نوفل، وهذا الإنسان كان قد تعلم الإنجيل الصحيح الذي نزل على نبي الله عيسى عليه السلام وكان قد قرأ فيه صفة نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام فما قص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ورقة بن نوفل ما جرى معه ورآه قال له ورقة: “هذا الناموس الذي نزل على موسى بن عمران”، الناموس أي صاحب السر هذا الذي كان ينزل سرا يراه موسى ولا يراه أحد، ثم قال له: “يا ليتني فيها جذعا” يا ليتني فيها أي يا ليتني في أيام الدعوة التي تدعو فيها إلى دين الإسلام جَذَعًا أي شابًّا، وذلك لأن ورقة كان قد شاخ صار شيخا كبيرا في السن وعمي قال له”: يا ليتني فيها” في أيام دعوتك “جذعا يا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك” يعني يا ليتني أكون حيًّا عندما يخرجك قومك، عندما يكفرون بك، وعندما يرفضون دعوتك ولا يقبلون الإيمان بك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أومخرجي هم”؟ يعني سيخرجني قومي؟ فقال له ورقة: “نعم، لم يأت بمثل دعوتك أحد إلا وعوديَ” وفي رواية أن ورقة بن نوفل قال له: “أشهد أنك رسول الله حقا، أشهد أنك أنت الذي بشر به عيسى ابن مريم”، ثم إن هذه الحادثة كما ذهب أكثر العلماء حصلت في شهر رمضان المبارك في يوم الإثنين، إذ إن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عن يوم الاثنين فقال: ذاك يوم أنزل عليه فيه. وكان من كرم نبينا عليه الصلاة والسلام أنه يتصدق على فقراء الغار فكانت السيدة خديجة تعطيه الزاد وكان النبي يتصدق به على الفقراء، وما معنى تعبد النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء؟ ليس معناه أن نبينا كان شاكًّا في وجود الله وكان يتفكر في ذات الله تبارك وتعالى في غار حراء، حاشا بل الأنبياء كلهم مؤمنون بالله تبارك وتعالى قبل النبوة وكذا بعدها، وإنما معنى ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يفكر في ملكوت السماوات والأرض، فإن الإنسان إذا تفكر في هذا الكون ازداد يقينًا بكمال الله تعالى وعظمته، ازداد يقينا بوجود الله تعالى وقدرته وهذا ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعبّده في غار حراء. ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن حدثت هذه الحادثة فتر الوحي مدة من الزمن أي انقطع الوحي، انقطع نزول سيدنا جبريل على النبي عليه الصلاة والسلام مدة من الزمن، ثم بعد ذلك تجدد نزول جبريل عليه السلام على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وانتشرت الدعوة سرا، وبعد ذلك جهرا، وما معنى قولنا الدعوة سرا؟ ليس معناه أن رسولنا الكريم كان خائفا، لكن كان نبينا عليه الصلاة وسلم في أول أمره يدعو الناس أفرادا إلى دين الإسلام، ثم بعد ذلك صار يدور في المواسم ويدور بين الناس ويقول: “من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقد أفلح“، وكان الصحابة في أول أمرهم يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم خلف جبل الصفا بحيث لا يراهم المشركون إلى أن آمن عمر بن الخطاب. فغار حراء هو مكان في جبل النور. هو مكان نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في أول مرة.