fbpx

عمدة الراغب – الدرس 2

شارك هذا الدرس مع أحبائك

ضروريّات الاعتقاد الشرح أنَّ «ضروريات» جمع ضروري وهو هنا ما لا يجوز للمكلف جهله أي أن هذا الفصل معقود لبيان ما يَلزَمُ ويجب اعتقاده على المكلف. قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ) (يجبُ على كافةِ المكلّفينَ الدُّخولُ في دينِ الإسلامِ والثُّبوتُ فيه على الدَّوامِ والتزامُ ما لزمَ عليه من الأحكامِ) الشرح المكلّفُ هو البالغُ العاقلُ الذي بلغته دعوة الإسلام أي من بلغه أنه لا إلـه إلاَّ الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله فهذا هو المكلّف الذي هو مُلْزَمٌ بأن يَدِيْن بدين الإسلام ويعمل بشريعته أي أن يؤدّيَ الواجبات ويجتنبَ المحرّمات. أما من مات قبل البلوغ فليس عليه مسؤولية في الآخرة وكذلك من اتّصل جنونه إلى ما بعد البلوغ فمات وهو مجنون فليس مكلّفًا وكذلك الذي عاش بالغًا ولم تبلغه دعوةُ الإسلام أي أصلُ الدعوةِ. وليس شرطًا لبلوغِ الدعوةِ أن تبلغه تفاصيلُ عقائدِ الإسلام بأدلّتها بل يكون مكلّفًا بمجرّد أن يبلغه أصلُ الدعوة ولا يكون له عذرًا أنه لم يكن فكّر في حقيّة الإسلام برهة من الزمن فإن من سمع في الأذان الشهادتين وهو يفهم العربيّة فهو مكلّف فإن مات ولم يُسلم استحقّ عذابَ اللهِ المؤبّدَ في النار. ثم إنَّ نية الثبوت على الإسلام ضرورية أي أن يخلو قلبُه عن أي عزم على ترك الإسلام في المستقبل أو تردّدٍ في ذلك فإن من نوى الكفر في المستقبل كفر في الحال. قال المؤلف رحمه الله (فممّا يجبُ علمُهُ واعتقادُهُ مطلقًا والنطقُ به في الحالِ إن كان كافرًا وإلا ففي الصلاةِ الشهادتانِ وهما أشهدُ أنْ لا إِلـه إِلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.) الشرح أنّ أول ما يجب على الإنسان معرفةُ الله ومعرفةُ رسوله والنطقُ بالشهادتين مرةً واحدة للدخول في الإسلام إن لم يكن مسلمًا ومن حصل منه ذلك مع الاعتقاد الجازم فهو مسلم مؤمن ثم لا يكمل إيمانه وإسلامه إلا بأداء الواجبات واجتنابِ المحرّمات. ثم اختلف العلماء في وجوب النطق بالشهادتين بعد تلك المرة وأكثر العلماء على وجوب النطق بالشهادتين في كل صلاة. ثمّ إنّ النطق الذي يجب على الكافر يحصل بلفظ أشهد أنْ لا إلـه إلا اللهُ وأشهد أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ باللغة العربيّة وبترجمته لغيرها من اللّغات فمن كان أعجميًّا يقول (أنّ مهمدًا) بالهاء يُقال له قُلْ (أبا القاسم رسولُ الله) وإذا لم يكن يأتي بهاء لفظ الجلالة (الله) فيكفي ترجمته بلغته. ولا يُشترط خصوصُ هذا اللفظ بل يكفي ما يعطي معناه كأن يقول لا ربَّ إلا اللهُ أو لا خالقَ إلا اللهُ ويكفي «محمّدٌ نبيّ الله» لكن لفظ أشهدُ أفضلُ من سائر الألفاظ لأن معناها اللغويَّ يتضمن العلمَ والاعتقادَ والاعتراف. ومن عجز عن النطق باللسان يكفيه إيمانه بالقلب. قال المؤلف رحمه الله (ومعنى أشهدُ أنْ لا إلـه إلا الله أعلمُ وأعتقدُ وأعترفُ أنْ لا معبودَ بحقٍ إلا الله) الشرح معنى قول الفقهاء لا معبودَ بحقّ إلا الله لا يستحق أحدٌ أن يُعبَد أي أن يُتذلّل له نهايةُ التذلّل إلاّ الله كما قال ذلك الإمام الحافظ الفقيه اللغويُّ تقي الدين السبكي وغيره ولفظه العبادةُ أقصى غاية الخشوع والخضوع، ولو كان معنى العبادة مطلقَ الطاعةِ لمخلوق في أيّ شىء طاعةً كان أو معصيةً لكان عمّال الحكّام الجائرين كفّارًا فهل يقول هؤلاء الذين يقولون إن مجرد الطاعة أو التوسل عبادة ويكفرون المتوسلين بالأنبياء والأولياء عن أنفسهم إنهم مشركون. أَلَيس هؤلاء أنفسهم يطيعون الحكّام في بعض المعاصي فيكونون كفَّروا أنفسهم وإن لم يشعروا. فهؤلاء الذين يكفّرون المستغيثين بالأولياء والأنبياء ليتعلّموا معنى العبادة في لغة العرب قبل إطلاق ألسنتهم بالتكفير. وما ذكرناه هو معنى العبادة المرادة بقوله تعالى {لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ } [سورة الأنبياء] وبقوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [سورة الفاتحة] وهذه هي العبادة المختصّة لله تعالى التي من صَرَفها لغيره صار مشركًا وليس معناها مجرّد النداء أو الاستعانةِ أو الاستغاثةِ أو الخوفِ أو الرَّجاءِ.