الحمدُ لله ربّ العالمين له النّعمة وله الفَضل وله الثّناء الحسن صلوات الله البرّ الرّحيم والملائكة المقرّبين على سيدنا محمَّد وعلى ءاله وصحبه الطّيبين الطَّاهرين الميامين.
وبعد فما زلنا مع كتاب الله تبارك وتعالى في الكلام على ما فيه من الخير والعلوم.
القرآن العظيم فيه نوعان من الآيات فيه آياتٌ محكمات وفيه آيات متشابهات.
الله تعالى قال ﴿هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابْ﴾ أي المرجِعُ إليهِم ﴿وأُخَرُ مُتَشَابِهَاتْ﴾ ما معنى متشابهات؟ يعني آيات غير واضحة تحتاجُ إلى النَّظر من أهل العلم لحملها على الوجه المطابق.
كيف يعني هذا؟ يعني يكون آية في القرآن فيها مثلًا كلمة تحتمل بحسب اللغة العربيّة معانيّ متعددة فتحتاج إلى النَّظر لحملها على الوجه الّذي يليق بالله تبارك وتعالى.
فالمتشابه هو ما احتمل بحسب وضع اللّغة معانيَ متعددة يعني مثل الآية التي ذكرناها قبل ﴿الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوَى﴾ استوى لها في لغة العرب خمسة عشر معنى منها ما يليق بالله ومنها ما لا يليق بالله يعني تأتي “استوى” بمعنى استقرّ، لا يليق بالله الاستقرار لأنه من الّذي يستقر؟ الجسم، الحجم. تأتي “استوى” بمعنى تمَّ يعني هذا تمَّ بعد نقصٍ وهذا لا يليق بالله. تأتي “استوى” بمعنى استقامَ كذلك هذا لا يليق بالله.
وتأتي “استوى” بمعنى قَهَرَ ﴿اللهُ قَاهِرٌ فَوْقَ عِبَادِه﴾ يعني قادرٌ عليهم ليس فوق عباده يعني بالجهة والمكان ﴿اللهُ الوَاحِدُ القَهَّار﴾ في القرآن، فهذا يليق بالله سبحانه وتعالى.
الله قاهرٌ لعباده ما معناه؟ معناه أنَّ العباد محتاجون إلى الله سبحانه في كلّ أحوالهم ﴿الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوَى﴾ يصح أن نُفسّرها بمعنى قَهَرَ العرش، ما معنى قَهَرَ العرش؟ يعني العرش محتاج إلى الله سبحانه وتعالى في كلّ أحواله.
ما الّذي يجعل العرش في هذا المكان فوق الجنّة؟ العرش هو سقف الجنّة، ما الّذي يجعله فوق بحيث لا يقع؟ فيتكسّر أو يُكسّر ما تحته؟ الله سبحانه وتعالى بقدرته رفعه إلى ذلك المكان وجعله سقفَ الجنَّة كما أنَّ السَّماء سقفُ العرش.
كذلك يليق بالله أن نقول الله هو مالكٌ للعرش وفي لغة العرب يأتي استوى بمعنى ملك
“إذا ما غزا قومًا أباح حريمهم وأضحى على ما ملكوه قد استوى
يعني قد ملك.
فيقال هذا في لغة العرب. كذلك يقال “استوى” بمعنى احتوى بمعنى سيطر وورد في لغة العرب:
قد استوى بشرٌ على العراقِ من دون سيفٍ ودمٍ مهراقِ
وهذا كلّه في لغة العرب. فإذًا الآية المتشابهة، علماء الإسلام ينظرون فيها.
أوّلَا لنُبيّن أمرًا هناك من العلماء من يُعدّون علماء السّلف يعني أول ثلاث مائة سنة القرون الثلاث الأولى هؤلاء علماء السَّلف منهم الصَّحابة والتَّابعون وتابعوا التابعين ومن بعدهم إلى تمام الثلاثِ مائة سنة، هؤلاء يعدون السَّلف. والخلف هم من بعدهم. هذه الآيات المتشابهة كيف تعامل معها هؤلاء العلماء. ماذا فعلوا؟ السَّلف في وقتهم يعني كان يوجد دولة الإسلام في زمن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام في والصَّحابة الكرام كان يوجد علماء كثرة بحيث من يحاول أن يؤوّل هذه الآيات على غير وجهها كان يوجد من يردّ عليهم، فلم يجدوا حاجة أن يخوضوا في الآيات المتشابهة إنَّما كانوا يتلونها تلاوة يعني بما أنّها أُنزلت في القرآن يقرؤونها كما أُنزلت من غير أن يخوضوا في معناها.
يعني كما ورد عن سيدنا الإمام مالك رضي الله عنه حين أتاه رجل قال له {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟” فغضب الإمام مالك رضي الله عنه لأنه أدرك أن هذا الذي يسأل هذا السؤال ليس يسأله للتعلم إنَّما يريد التشويش، لذلك ماذا قال رضي الله عنه قاق “الاستواء معلوم والكيف غير معقول” ما معنى الاستواء معلوم؟ الاستواء معلوم يعني معلومٌ ذكره في القرآن ورد في القرآن.
والكيف غير معقول يعني في حقّ الله سبحانه وتعالى منفيّ لا يجوز أن ننسب الكيف إلى الله. لأنَّ الكيف ما هو؟ الكيف هو الحجم، الشَّكل، الصورة، الطول، العرض، الحرارة، البرودة، كلّ ما هو من صفات الأجسام هذا يقال له كيف.
فحين قال “والكيف غير معقول” فهمنا أن هذه الآية لا تفسَّر على هيئة هي على ما عليه صفات الأجسام يعني لا تفسر بالجلوس، لا تفسر بالاستقرار، لا تفسر بالانتقال، لا تفسر بالحجم والشَّكل لأنه قال “والكيف غير معقول” وأكمل الإمام مالك رضي الله عنه قال “وما أراك إلا صاحبَ بدعة أخرجوه” يعني أنكر عليه الإمام مالك وأمر بإخراجه من المجلس فأُخرج هذا لأنه حين سأل هذا السؤال ماذا يريد بذلك؟ يريد بذلك التشويش على النّاس أن يخوض يصدُقُ عليهِ قول الله تعالى ﴿فأمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغآءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهْ﴾ يعني هو في قلبه زيغ يتّبع الآيات المتشابهة يريد الفتنة يريد أن يؤوّل القرآن على غير معناه الصّحيح. فلذلك مثل هؤلاء يكون جوابهم كما فعل الإمام مالك رضي الله عنه. فلذلك الإمام مالك ما خاض في تعيين معنًى لهذه الآية لأنه ما وجد حاجةً لذلك. لكن في زمن السَّلف حصلت بعض المحن وحصل ما يُحتاج فيه إلى تأويل هذه الآيات المتشابهات يعني إلى تبيين معنًى لها يليق بالله سبحانه وتعالى ويوافق الآيات المحكمات وأن يُبيَّن هذا حتّى لا يفتتن النَّاس فيفهموا الآيات عل غير وجهها. يعني مثلًا في زمن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه حين حصلت فتنة المعتزلة الذين كانوا يقولون القرآن مخلوق ونحن ماذا نقول إذا سُئلنا عن القرآن ماذا نقول؟ نقول القرآن كلام الله الذاتيّ الأزليّ غير مخلوق، هكذا نقول القرآن كلام الله الذاتيّ الأزليّ غير مخلوق، ما معناه؟ يعني القرآن كلام الله الذي هو صفته وصفة الله ليست مخلوقة كما نقول القُدرة صفة الله ليست مخلوقة، العلم صفة الله ليست مخلوقة.
كذلك القرآن هو كلام الله وكلام الله صفة الله غير مخلوقة. يعني لا نكون نقصد بذلك الألفاظ الموجودة في المصاحف، الألفاظ الموجودة في المصاحف مخلوقة.
أليس نحن نطبعها، نحن نكتبها فما كانت موجودة ثمَّ صارت موجودة هذه الألفاظ مخلوقة. صحيح نقول عنها كلام الله لكن ليس على معنى أنها صفة كلام الله، لا.
إنما على معنى أنَّها عبارةٌ عن كلام الله، تدلّ على كلام الله سبحانه وتعالى، يعني كيف إذا كتبنا “الله” تقول ماذا كتبتَ؟ أقول الله، تقول لي ماذا تعبد؟ من تعبد؟ أقول الله، لكن أنا لا أعبد هذا الحرف الذي كتبته أنا أعبد ما يدّل عليه هذا الحرف وهكذا القرآن.
في زمن الإمام أحمد رحمه الله المعتزلة كانوا يقولون القرآن مخلوق ويريدون من الإمام أحمد أن يقول القرآن مخلوق والإمام أحمد ما قَبِلَ أن يقول القرآن مخلوق، إنّما كان يقول القرآن غير مخلوق. فحاولوا أن يحتجّوا عليه قالوا له “أليس وَرَدَ أنه تجَيئ تبارك والبقرة أو تجيئ البقرة وآل عمران على ما ورد أليس ورد أنها تجيئ يوم القيامة؟ فماذا قال الإمام أحمد؟ قال، هم ماذا يريدون؟ يريدون تجيئ يعني تنتقل والذي ينتقل يكون مخلوقًا. الإمام أحمد ماذا قال؟ قال “إنَّما يجيئ ثوابهما” يعني ثواب تلاوة البقرة وثواب تلاوة آل عمران أو ثواب تلاوة تبارك هذا الذي يجيئ يوم القيامة. يعني معناه يجيئ النّعيم الّذي يُحصّله المؤمن يوم القيامة هذا معناه. واحتجّ عليهم الإمام أحمد قال الله تعالى قال ﴿وَجَاءَ رَبّكَ وَالملَكُ صَفًا صَفّا﴾ إنَّما يجيئُ ثوابه في رواية إنَّما يجيئُ ثوابه، في رواية إنَّما تجيئُ قُدرته. ﴿وَجَاءَ رَبّكَ﴾ يعني هنا أضيف المجيئ إلى الله هل معناه يُفسّر على وجه الانتقال أنَّ الله ينتقل؟ حاشا! لأنَّ الله ليس حجمًا، لا يتصّف بأنّه ينتقل من مكان إلى آخر، لا يتّصف بأنه يُفرِغ مكانًا ويملأُ آخر، لا.
إنَّما يجيئ ثوابه يعني ما أعدّه الله تعالى ليوم القيامة، إنَّما يجيئ أمره في رواية أخرى يعني ما أعدّه الله سبحانه وتعالى ليوم القيامة من الأهوال ومن النَّعيم وغير ذلك ممَّا أعدّه الله عزَّ وجلّ. فهنا الإمام أحمد وهو من السَّلف، هو من أهل القرون الثلاثة الأولى هنا أوّل هذه الآية ﴿وَجَاءَ رَبّكَ وَالملَكُ صَفًا صَفّا﴾ حين وجد حاجةً لذلك، حين وجد حاجة أن يبيّن لهؤلاء المعتزلة أنَّ القرآن لا يقال القرآن مخلوق، أنَّ القرآن ليس مخلوقًا فبيَّن احتجَّ بهذه الآية ﴿وَجَاءَ رَبّكَ﴾ ومعلوم ان الله سبحانه ليس مخلوقًا هنا أضيف المجيء إلى الله على معنى مجيئ قدرته أو أمره أو ثوابه على ما ورد في تفسير هذه الآية. وهذا التّفسير صحيح ثابتٌ عن الإمام أحمد رحمه الله رواه عنه الإمام البيهقيّ في “مناقب أحمد” له كتاب يذكر فيه مناقب الإمام أحمد وبيَّن أنَّ هذا ما ورد عن الإمام أحمد وأنَّ إسناده صحيح حتى ابن كثير الّذي هو مُفسّر وحافظ للحديث، ابن كثير هو قال نقل عن البيهقي أنه قال “إسناده لا غُبار عليه” ووافقه ما أنكر على الإمام البيهقيّ رحمه الله رحمة واسعة.
فإذن ينبغي هذا الأمر نفهمه على وجهه الآيات المتشابهة، السَّلف كانوا لا يخوضون في تعيينِ معانٍ لها إنَّما كانوا يتلونها تلاوة، إلّا إذا وجدوا حاجة كانوا يُبيّنون لها معنًى بحيث من يتلوها من العامَّة لا يفهمها على الوجه الفاسد أو يكونوا يحتجون بذلك على أهل البدع كالمعتزلة. هذا الّذي غلب على السَّلف انَّهم لا يخوضون في تأويلها، تأويلها تأويلًا تفصيليًا يعني إذا عيَّنوا معنًى هذا نُسمّيه تأويلًا تفصيليًا أمّا إذا لم يعيّنوا معنى قالوا بلا كيف أمرّوها كما جاءت بلا كيف هذا يُسمّى تأويلًا إجماليًا، لماذا؟ لأنَّه تأويل في حقيقة الأمر تأويل أليس هم قالوا بلا كيف؟ معناه صرفوها عن ظاهرها لأنَّ ظاهرها الكيف كما ذكرنا والكيف هو صفات الأجسام فإذًا هم أوّلوها تأويلًا إجماليًا هذا الّذي غلب عليهم، الخلف الّذين هم بعد القرون الثلاثة الأولى حين كثُر النَّاس وكثرت البدع وكثر الّذين أدخلوا من عقائد اليونان وغيرهم بعد أن تُرجمت كتبهم وصار هناك تشويش على العامَّة وجدوا حاجةً إلى تأويل الآيات المتشابهة تأويلًا تفصيليًا بحيث يُبيّنون معناها حتى يحفظوا العامّة من العقائد الفاسدة من أن يفهموا هذه الآية على غير وجهها، ما معنى التَّأويل التَّفصيلي؟ كما ذكرنا في الآية ﴿الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوَى﴾ أليس عيّنا لها معنى قلنا استوى معناه قَهَرَ؟ فهذا التأويل تفصيلي هذا نقول الأشبه أنَّ معناها قهر وهذا يليق بالله. كذلك مثال آخر بالآية ﴿وَجَاءَ رَبّكَ وَالملَكُ صَفًا صَفّا﴾ كذلك هذا تأويل تفصيلي يعني بدل أن يقول بلا كيف قال “جاء ثوابه” أو “جاء أمره” فهذا تأويل تفصيلي معناه نفى الانتقال عن الله، أليس ظاهر العبارة {وَجَاءَ رَبّكَ} أليس ظاهرها الانتقال من مكان إلى آخر ولا يجوز حملها على ظاهرها فحين نقول بلا كيف معناه ننفي الانتقال عن الله سبحانه وتعالى وحين نقول “جاءت قدرته” أو “جاء أمره” هذا كذلك نفيٌ للانتقال عن الله سبحانه وتعالى وتعيينُ معنًى لها أنَّه الذّي يجيئ هو ما أعدّه الله سبحانه وتعالى من الأمور فيوجِدُها في ذلك الوقت. كذلك مثالٌ آخر عن الآيات المتشابهة قوله تعالى ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ أي أنَّ روح عيسى عليه السَّلام نُفِخَ في السيّدة مريم عليها السَّلام نُفِخَ في فُتحةِ قميصِها سيّدنا جبريل عليه السَّلام نفخ روحه مريم التي أحصنت فرجها، أكّد ربنا أنها بريئة ممَّا رُمِيت به وكانت رُمِيَتْ بالزّنَى لأنَّها أتت بولد من غير أبّ فبرَّأها ربّنا سبحانه وتعالى فقال ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾. ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ هنا أُضيفَ روحُ عيسى عليه السَّلام إلى الله سبحانه وتعالى ليس على معنى أنَّ روح عيسى جزءٌ من الله حاشى. إنَّما ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ أي الرّوح المشرَّفة عندنا التي خلقناها وكوَّنّاها وجعلناها مُشرَّفةً مُكرَّمةً عندنا لأنَّ روح عيسى مكرمة.
هناك أرواح مشرَّفة وهي أرواح الأنبياء منها أرواح الأنبياء وأرواح الأولياء.
وهناك أرواح خبيثة كأرواح الكفَّار أرواح الشَّياطين هذه أرواحهم أرواح خبيثة، فروح سيدنا عيسى أُضيفت إلى الله لأنَّها مشرفة ليست إضافة جزئية كما في القرآن ﴿أَنْ طَهّرَا بَيْتِيَ﴾ بَيتِيَ ما المقصودُ بهِ هُنَا؟ الكعبة وليس معناه أنَّ الكعبة مكان لله حاشى. طيب لماذا قال بيتي؟ لماذا أضاف الكعبة إلى الله؟ تشريفًا لها يعني بيتيَ المشرف المكرَّم لأن الكعبة مشرَّفة عند الله سبحانه وتعالى فلذلك أضيفت إلى الله.
كذلك قوله تعالى عن ناقة نبيّ الله صالح ﴿نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا﴾ نَاقَةَ الله، أضيفت النَّاقة إلى الله ليس على معنى أنَّها جزءٌ من الله إنَّما هي ناقة مشرَّفة عند الله سبحانه وتعالى.
الله تعالى جعل فيها بركة، هذه النَّاقة كانت حين تذهب إلى الماء، الممر الّذي مرَّت منه لا ترجِعُ منه لأنها تكون مملوءةً باللّبن. في اليوم الّذي ترد فيه الماء وتشرب الماء لا يرد فيه بقية المواشي، إنّما فقط هي تشرب من الماء في هذا اليوم. وفي هذا اليوم تكفي القبيلة كلَّها من اللّبن من الحليب في هذا اليوم. في اليوم الثاني بقيَّة الماشية ترد الماء يعني تذهب إلى الماء لتشرب. يعني هي تشرب يومًا من الماء وتترك يومًا وبقية الماشية تشرب ثمَّ في اليوم الذي بعد ذلك هي تشرب وهكذا.
اليوم الّذي ترد فيه الماء تكفي القبيلة كلَّها من حليبها من لبنها.
الله سبحانه وتعالى جعلها ناقةً مباركة هلأ هذه النَّاقة التي خرجت من صخرة صمّاء بعد أن تحدّى قوم نبيّ الله صالح تحدَّوْا صالحًا فقالوا له إن كنت نبيّا أخرج لنا من هذه الصخرة ناقةً فأخرج لهم من الصخرة التي ليست مجوّفة ناقةً وكانت حاملًا. فحين خرجت ولدت هذا الفصيل الذي هو ولد النَّاقة وهذه كانت معجزة لنبيّ الله صالح عليه الصَّلاة والسَّلام.
فإذن يوجد في القرآن آيات متشابهات.
مثال آخر على الآيات المتشابهات ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي﴾ ما معنى على عيني هنا؟ ليس معناه أنَّ الله له عين بمعنى الحدقة، لا.
هنا بلُغة العرب تستعمل “على عيني” بعنايتي وحفظي نحن بالعاميَّة بعض النَّاس تقول له افعل لي كذا بقلك ﴿عَلَى عَينِي﴾ شو يعني على عيني؟ يعني سأعتني لك وأفعل لك وأنا مسرور. فهذا يستعمله النَّاس ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي﴾ يعني بعنايتي وحفظي.
الله تعالى قال إخبارًا يعني عن خطابه لإبليس ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّْ﴾ إبليس أليس عصى الله تعالى حين أُمر بالسُّجود لآدم كما أُمِرَ الملائكة وذكرنا أنَّ إبليس ليس ملكًا إنما كان من الجنّ لكن بما أنَّه كان مندمجًا في الملائكة شمله الأمر فأُمر بالسُّجود لآدم لم يسجد ثمّ اعترض على الله فكما ورد ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ﴾ هنا ما معنى بيدي؟ ليس بيدي أنَّ الله له يدين على معنى العضوّ، لا.
إنّما بيدي معناه بعنايتي وحفظي، هذا ما فعله الخلف علماء الخلف حين خافوا على النَّاس على العامَّة أن يفهموا فهما فاسدًا من هذه الآيات المتشابه بيَّنوا معانيَها على ما يوافق لغة العرب لا يخالف لغة العرب ولا يخرج عن مقتضى لغة العرب، فبيّنوها على الوجه الَّذي يليق. بعض النَّاس والعياذ بالله يفسّرون ﴿الرَّحمَنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوَى﴾ بجلس، وهذا الكلام ضلال، هذا مخرج من الدّين.
الذي يقول عن الله بأنه جلس وصفه بصفات خلقه.
الجلوس لا يكون إلا ممن له نصف أعلى ونصف أسفل والنّصف الأعلى ينثني على النّصف الأسفل، فهذا كلامٌ فاسد.
بعض النَّاس ماذا يقولون؟ يقولون “في القرآن لم يرد في حقّ الله وصفه بأنه جسم ولم يرد نفي ذلك فنحن لا نثبته ولا ننفيه”، هذا الكلام ضلال، نحن ننفي الجسم عن الله سبحانه وتعالى لأن الله تعالى قال ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء﴾ فلو كان جسمًا لكان مثلنا، والله تعالى منزَّه عن أن يكون مثل خلقه. ولا يشفع لهم أن يقولوا هو جسم لا كالأجسام، لأنَّه حين قال جسم معناه جعل الله تعالى مُركبًا، لو قال لا كالأجسام، معنى كلامه مُركب لا كالمركبين، التركيب بحدّ ذاته هذا دليل الحدوث دليل أن الذي يكون متصفًا بذلك يكون له بداية يكون وجِد بعد أن لم يكن موجودا.
والله سبحانه هو الأزليّ الّذي لا أزليّ سواه، فإذًا ينبغي العناية بالقرآن، لا نفسّر القرآن على حسب ما يخطر في بالنا، لا، إنَّما نسأل أهل العلم ولا نفسّر القرآن على وجه يخالف قوله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء﴾ أسأل الله العليّ القدير أن يوفقنا لما يحبّ ويرضى وأن يثبتنا على اتباع القرآن وسنَّة النبيّ المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى الالتزام بإجماع الأمَّة المحمديّة. وسبحان الله والحمد لله ربّ العالمين.