fbpx

علوم القرءان – الدرس 14

شارك هذا الدرس مع أحبائك

الحمدُ لله ربّ العالمين له النّعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البرّ الرّحيم والمَلائكة المُقربين على سيّدنا مُحمّد وعلى آله وصحبه الطّيبين الطّاهرين المَيامين. اللهم عَلّمنا ما جَهلنا وذكّرنا ما نسينا وزدنا علما ونعوذ بك من حالِ أهل النار. ما زلنا في الكلام على القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم الذي الله سبحانه وتعالى تفضّل على هذه الأمة المباركة بأن أنزله على خير نبيّ على سيدنا مُحمّد عليه الصّلاة والسّلام، هذا الكتاب العظيم الله تعالى أخبرنا أن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يُبيِن للناس ما نُزّل إليهم ما نزل إليهم في القرآن، فبعض أهل العلم ذكروا بأن الله عزّ وجلّ إنما خاطب عبادَه خاطب خلقه بما يفهمونه، لماذا؟ حتى يعبدوه حقّ العِبادة لذلك الله عزّ وجلّ أرسلَ كل رسول بلسان قومه يعني بلغة قومه يخاطبهم بما يفهمون، وأنزل كتابه على لغة هؤلاء القوم الذين أُنزل عليهم الكتاب، والقرآن أُنزل أول ما أُنزل على العرب لكن مأمور كل الناس أن يعملوا بما فيه لأن سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام هو مُرسل من عند الله إلى كافة العالمين، فالقرآن أُنزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه أما دقائق بواطن القرآن، هذا كان يظهر لهم إذا بحثوا إذا نظروا وإذا سألوا النبي عليه الصّلاة والسّلام في الأكثر كانوا يسألون النبي عليه الصّلاة والسّلام كمثل سؤالهم حين نزل قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} حين قرأها الصّحابة حين سمعوها بعضهم ماذا قال؟ قال: وأيّنا لم يظلمْ نفسَهُ {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} يعني لم يفعلوا ظلما لم يفعلوا معصية، فقالوا وأيّنا لم يظلم نفسه، فسألوا النبي عليه الصّلاة والسّلام، ففسّره الرّسول صلّى الله عليه ماذا قال؟ فسّره بالشرك، قال {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} هذا قول الله عزّ وجلّ، الرّسول استدل بهذه الآية بأن الظُلم المقصود في هذه الآية {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} إنما هو الشّرك يعني الذين يُغفر لهم في الآخرة هم المؤمنون أما من مات على غير الإيمان فلا مغفرة له في الآخرة، الذي يُختم له بالإيمان لو كان عاصيا هذا قد ربنا سبحانه يغفر له، وفي كل الأحوال لو دخل النار بذنوبه لا يُخلّد فيها إنما لا بد أن يخرج من النار و يدخل الجَنة، كذلك مما سُئل به النبي عليه الصّلاة والسّلام حين سألته السّيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين سألته عن الحِساب اليسير {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} ما معناه، فقال النبي عليه الصّلاة والسّلام: “ذلك العرض” يعني يُعرض عليه عمله ليس على وجه المُناقشة إنما يُعرض عليه عملُه ومنه ما قد غفره الله سبحانه وتعالى له، فإذن هذا مما سئله النبي عليه الصّلاة والسّلام، كذلك أحد الصحابة عدي بن حاتم رضي الله عنه سأله عن قول الله تعالى {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ما معنى هنا الخيط الأبيض والخيط الأسود، فبيّن له النبي عليه الصّلاة والسّلام أنه ليس المَقصود الخيط أنه يربط خَيطا فيميّز الخيط الأبيض من الخيط الأسود لا، إنما الخَيط الأبيض هو الفجر الذي يكون في الأفق الشرقي، فإذن صَحابة النبي عليه الصّلاة والسّلام الذين هم كانوا فُصحاء العرب هم هؤلاء الصحابة الكرام احتاجوا إلى أن يسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يعني الذين كانوا أقل واحد فيهم أقوى من أقوى واحد فينا في اللغة العربية، كانوا يحتاجون إلى سؤال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، في بواطن القرآن الكريم حتى يُدركوا معاني القرآن بواطنه ظواهره وبواطنه، كانوا يفهمون الظواهر لكن هناك أشياء يحتاجون إلى تفسيرها سألوا بها رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك ربّنا سبحانه وتعالى أعطى بعضَ أصحاب النبي عليه الصّلاة والسّلام ملكة تفسير القرآن كسيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه الذي دعا له رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم أن يؤتى الحِكمة وتأويل الكتاب، لذلك كان يُلقّب بترجمان القرآن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فإذن الناس يحتاجون إلى التفسير ونحن نحتاج إلى التفسير أكثر مما احتاجه صحابة النبي عليه الصّلاة والسّلام لأنا نحن ماذا نعرف من لغة العرب؟ ما هي قوتنا في لغة العرب لا شيء بالنّسبة إلى ما كان عليه الصحابة الكرام من إدراك اللغة العربية، فمن هنا لا بد أن نتنبّه أنه ليس لأي كان أن يُمسك المصحف وأن يفسر يقرأ ويفسر على ما هو يظن، لا، التفسير يحتاج إلى نقل، نقل ماذا فسّر الرّسول؟ هذه الآية، ماذا فسّر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية، ماذا أجمعت الأمة عليه من تفسير هذه الآية، ماذا تحتمله وفوق ذلك معرفة هذا التفسير الذي يريد أن يدخل فيه هل يوافق الآيات المحكمات أم لا يوافق، هل يوافق عقيدة الرسول وأصحابه، هل يوافق عقيدة الإسلام أم لا، لذلك لا بد في التّفسير من شروط وقيود ليس لأي واحد أي يتصدّر للتفسير وأن يعتبر نفسه مُفسّرا ، نسأل الله السّلامة، من قال في كتاب الله برأيه فليتبوّأ مقعده من النار” صحابة النبي عليه الصّلاة والسّلام كانوا يتحرّجون أن يُفسروا القرآن بغير علم بل كانوا من شِدة حرصهم حتى سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين سُئل عن تفسير آية {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} ما معنى وأبا قال: لا أدري، هو صاحب رسول الله هو أفضل هذه الأُمة بعد نبيّها وقال: لا أدري قيل له أنت صاحب رسول الله ولا تدري قال لهم: “أي أرض تقلني ( يعني أي أرض بتحملني) وأي سماء تظلّني ( يعني أي سماء تغطيني تظلني) إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم” فإذن إذا كان الصحابة الكرام يقولون: “لا أدري” نحن ماذا نقول؟ نحن حريّ بنا أن نكون على أبواب أهل العلم نتواضع ونسعى أن نرتشف وأن نأخذ من هذا الخير الكبير من أهل العِلم، لأن العلمَ يكون بالتلقّي، هذ العلم يا أحبابنا علم التفسير له شرف عظيم، شرفه لا يخفى الله تبارك وتعالى قال: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء} ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:{ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء} أي القرآن، يعني يؤتيه تفسير القرآن، فهم القرآن وحتى كذلك ابن عباس رضي الله عنه هو فسّره قال: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ} أي المعرفة بالقُرآن، ناسخه ومنسوخه ومُحكمه ومُتشابهه ومُقدّمه ومؤخره وحلاله وحرامه، وأمثاله. انظروا كم ذكر من علوم ويوجد غيرها، هذه من الحِكمة هذا من شَرف عِلم القرآنِ أن يتعلّم الواحد القرآن على وجهه، وقد ذكرنا في حلقة سابقة الكلام على المُحكم والمتشابه وإن شاء الله في هذه الحلْقة إن كُتب لنا نُكمل كذلك في الكلام على بعض هذه الأنواع التي ذكرها سيّدنا عبد الله بن عبّاس، ثم مِن شرف هذا العلم من شَرف التفسير أنه من فروض الكفاية لأنه كيف تُدرَك الأحكام أليس من القرآن؟ فإذن أليس لا بد من الرجوع إلى التفسير لأخذ الأحكام من القرآن الكريم، فإذًا هو من فروض الكفاية وهو من العلوم الجليلة من العلوم الشّرعية الجليلة لذلك لا بدّ من العناية به عناية عظيمة، ثم المفسّر له شروط حتى ورد عن أهل العِلم في شروط المفسّر من أول شرط أول شرط من شروطه هو صحة الاعتقاد، أن تكون عقيدته سليمة وأن يكون مُلازما للدّين، لأنه إذا كان ليس صحيح الاعتقاد هل يؤتمن أن يؤخذ منه أمرُ الدين، إذا كان ليس مُلازما للدّين كما ينبغي هل يؤتمن في أمر الدنيا، لا يؤتمن في أمر الدنيا، إذا لم يكن يؤتمن في أمرِ الدنيا كيف يؤتمن في أمر الدين؟ ثم لا يؤتمن في الدّينِ على الإخبار عن عالِم، فكيف يؤتمن في الإخبار عن أسرار الله تبارك وتعالى؟ فلذلك إذا كان عقيدته فاسدة يعني كان مُجسّما كان معتزليا كان خارجيا كان مُلحدا أو غير ذلك من المُعتقدات الفاسِدة هذا لا يؤخذ منه تفسير القرآن، لا يؤتمن على عِلم التفسير، فشرط المُفسر الأول هو صحة الاعتقاد، هذا هو الأهم، ثم كذلك المُفسّر ينبغي عليه من شروطه أن يعتمد على النقل عن النبي صلى الله عليه وسلّم وأصحابه الكرام، ومن عاصرهم لأنه إذا كان لا ينقل عنهم كيف يعرف التفسير؟ كما ذكرنا {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} أليس بعض الصحابة ظن أنها المعصية فسأل الرسول عليه الصّلاة والسّلام إنو من منا لم يخالط معصية ففسّرها له الرسول {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} أي بالشّرك، أي بالكفر، وذكر له الآية {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} فإذا كان في الصحابة من قد لا يفهم الآية على وجهها على تفسيرها كما ينبغي فكيف فيمن بعد ذلك، لذلك من أراد تفسير الكتاب لا بدّ أن يكون ناقِلا عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ناقلا عن الصّحابة الكرام ناقلا عن إجماع الأمة، ثم أمرٌ آخر المفسرون أنفسهم الذين هم أهل إذا أرادوا التفسير ماذا يفعلون؟ ينقلون عن الحديث والصّحابة وكذلك ينظرون في القرآن لأنه يُطلب التفسير أولا من القرآن، لأن القرآن قد يأتي بعض الآيات مجملة في موضع من القرآن، مُجملة يعني ليست مُبيِنة للأحكام تفصيلا فلكن في موضع آخر من القرآن تأتي مفسّرة يعني مبيّنة فقد يأتي من القرآن ما هو مجمل وما هو مبيَّن، لذلك من العلوم في القرآن المُجمل والمُبيّن فلذلك إذا أراد أن يفسّر ينظر إذا يفسر آية مجملة ينظر أين بُيّنت أو قد يكون موضوع في القرآن آية وردت باختصار لقصة ثم في موضع آخر وردت في بسط في شرح أكثر في توسع أكثر، فإذن يُنظر، فالقرآن يُفسّر بعضُه بعضا لا يناقضُ بعضه بعضا يعني لا أُفسر آية بغض النظر عمّا وردَ من الآيات الأخرى التي قد تكون مفسِّرة لها، أول شي أنظر هل ورد في القرآن ما يفسّر ؟ هل ورد في حديث الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ما يفسّر هذه الآية، وهكذا فإذن علم التفسير يحتاج إلى علوم، المفسّر يحتاج إلى علوم، العلماء عدّوا من هذه العلوم خمسة عشر علما، عدّوا معي: ينبغي أن يعلم اللغة العربية، ينبغي أن يعلم النّحو أن يعلم الصّرف أن يعلم الاشتقاق اشتقاق الكلمات هذه مُشتقة من أين؟ من أي مصدر اشتُقّت هذه الكلمة؟ يعلم علوم البلاغة البديع و البيان والمعاني يعلم القراءات، لأن القرآن أُنزل على قراءات متعددة وقد قراءة تُفسِّر قراءة أخرى، كذلك من العلوم التي ينبغي أن يُحصّلها أن تكون عنده ليكون مُفسرا هي علم أصول الدّين علم العقيدة وعلم أصول الفقه حتى يعرف كيف يُستنبط التفسير وتُستنبط الأحكام، وكذلك معرفة أسباب النزول سبب نزول هذه الآية، لأن سبب نزولها يوضح معناها ويعرف كذلك الناسخ والمنسوخ لأنو هناك آيات ناسخة وهناك آيات منسوخة، كذلك أن يعرف الفقه حتى لا يُفسر القرآن على ما يُخالف ما أجمعت عليه الأمة، من الأحكام الفِقهية، كذلك يعرف الأحاديث المبيّنة لتفسير المُجمل من القرآن والمُبهم منه، كذلك ينبغي هذا مما يُعطيه الله سبحانه وتعالى من العِلم اللدني المفسّر في كثير من الأحيان الذي هو مثل سيدنا عبد الله بن عباس، الله تعالى أعطاه علم الدنيا لذلك بعض العلماء ذكروا أن من العلوم التي يحتاجها المفسر هو علم الموهبة يعني العلم الذي يورّثه الله تعالى لمن عمل بما علِم وَاتَّقُوا اللَّهَ ويُعلّمكم الله هذا يُفتح عليه بهذا العِلم فسنذكرُ شيئا من هذه العلوم والتي هي علم الناسخ والمنْسوخ، النّسخ في القرآن على ثلاثة أضرب على ثلاثة أنواع أحدها: ما نُسِخ تلاوته وحكمهُ معًا، يعني ما عاد يُتلى من القرآن ولا عاد يُعمل به، مثلا السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “كان فيما أُنزل عشر رضعات معلومات يُحرّمن” يعني كان حتى يصير ابنها من الرّضاع لا بد أن يرضع عشر رضعات معلومات، ثم نُسخْن بآية أخرى خمس رضعات معلومات نُسخن بخمس معلومات كما قالت السيدة عائشة، ثم هذه الآية نفسها نُسخت صارت في الحديث ما عادت من القرآن، تُوفي النبيّ عليه الصّلاة والسّلام يعني قريب وفاته كان تُتلى خمس رضعات معلومات، كانت تتلى ثم بعد ذلك نُسخت في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم لأنه لا نَسخ بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذًا هذا مما نُسخ تلاوة وحُكما عشْر رضعاتٍ معلومات ثم نسخ تلاوة وبقي حكما و هو خمس رضعات، يعني إذا رضع الطفل الذي هو دون السّنتين خمس مرات محقّقات يصير ابنا بالرّضاع وهذا في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره وإن حصل خلاف يعني الإمام أبو حنيفة عنده رضعة واحدة مُحقّقة يكون بها ابنا من الرّضاع، هذا لأنه ما عاد قرآنا، فهنا يدخل ماذا يحتمل من التأويل ما هي صحة هذا الحديث ونحو ذلك، فلذلك اختلف العلماء في هذا، فهذا مثال على ما نُسخ حُكما وتلاوة، ومنه ما نُسخ حكمه دون تلاوته، يعني ما عاد يُعمل به لكن ما زال يُتلى من القرآن وهو قليل جدّا لكن يوجد مثلا “كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن تَرك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقّا على المُتقين” الوَصّية كما ورد في الحديث “لا وصية لوارث” يعني لا يوصي لأبويْه ولأولاده لأنهم يرثونه لكن كان في الأول هناك الوصيّة للوالدين والأقربين فنُسخت هذه الآية بآية المَواريث التي نزلت وفيها الفروض التي فرضها الله سبحانه وتعالى لأصحاب الفروض الذين يرثون الذين منهم الأب ومنهم الأم الابنة والأخت ونحو ذلك كما ورد في علم المواريث في علم التركات، فإذن هذا مما نُسخ حُكمه لكن بقي تلاوته، وهناك ما نُسخت تلاوته يعني ما عاد يُتلى لكن بقي حكمُه بقي العملُ بحُكمه كما ورد أن النبي عليه الصّلاة والسّلام كما ورد عن أُبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال”: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إن الله أمرني أنْ أقرأ عليك القرآن” فقرأ قولَه تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} يعني هذه الآية مما سمعه سيدنا أُبي بن كعب رضي الله عنه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لكن ماذا قال أبي بن كعْب: “ومِن بَقيّتها يعني قرأ عليه هذه الآية مع تكملة وهذه التكملة نُسخت فيما بعد، فقال: “ومن بقيتها ولو أن ابن آدم سأل وادِيا من مال فأُعطيه سأل ثانيا، يعني واديا ثانيا، وإن سأل ثانيا فأُعطيه سأل ثالثا، “ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب اللهُ على من تاب” هذه كانت من القرآن مما تلاه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم على أُبي بن كعب ولكن نُسخ هذا القدر لكن الحُكم ما زال يُعمل به، يعني الحُكْم ما نُسِخ، إنما التّلاوة نُسّخت، وهناك حِكمة من رفع الحُكم مع بقاء التّلاوة، والجَواب: حتى نقول ما هي الحكمة من ذلك، أولا أن القرآن كما يُتلى ليُعرف الحُكم منه وللعمل به كذلك يُتلى لكونه كلام الله سبحانه وتعالى، وتلاوة القرآن مجرد التلاوة لأنه كلام الله فيه ثواب فيه عبادة يُتعبّد بتلاوته الحرف بعَشر من الحسنات الحرف الذي فيه حسنة هذه الحسنة تُضاعف إلى عشرٍ، فتلاوته عبادة لذلك تُركت التلاوة وإن رفع الحُكم لأجل هذه الحِكمة، كذلك النّسخ غالبا ما يكون للتخفيف ففي بعض المواضع أُبقيت التلاوة وكان فيها تثقيلا لكن نُسخت فصار الحُكم إلى التّخفيف تذكيرا للنّعمة ورفْع المشقّة عن العبد، فأُبقيت التلاوة، ثم كذلك من حِكم رفع التلاوة مع بقاء الحُكم أنه ما عاد يُتلى لكن بقي العمل به كما ذكر أهلُ العلم بأن هذه الأمر يُظهر مقدار طاعة هذه الأمة في المُسارعة إلى بذل النّفوس من غير استفصال فيُسرعون بأيسر شيء كما سارع سيدُنا إبراهيم الخليل عليه الصّلاة والسلام إلى ذبح ولده يعني أراد أن يذبح ولده لمجرد أنه رأى مناما والمنام بالنسبة له يُعدّ وحْيا، فالمنام هو أدنى طريق الوحي فسارَ عن التّنفيذ فهذا يدلُّ على أن سيدنا إبراهيم عليه السلام سريعُ الاستجابة لم ينتظر شيئا لمجرد الرؤية لمجرّد المنام قام ليُنفّذ ولم ينتظر وحْيا آخر، كذلك الأُمة لو كان نُسِخ التلاوة لكن بقي الحُكم الأمة من ثقتها بالنبي وبصَحابة النبي عليه الصّلاة والسّلام يُسارعون إلى تنفيذ ما وردَ الشرعُ به، وقد يقع كذلك السّؤال، هل النّسخ كان موجودا في الأُمم السابقة؟ نقول: النّسخ هو مما خصّ الله سبحانه وتعالى به هذه الأمة لحِكم منها: التيسير على هذه الأمة، الله سبحانه وتعالى جعل شريعةَ سيدنا محمد عليه الصّلاة والسّلام أيسرَ الشرائع فجعل النّسخ في هذه الأُمة ثم كذلك قد يقع سؤال آخر كيف نعرف النسخ ما الذي يقع فيه النّسخ؟ أولا: النسخ لا بد فيه من النّقل من النقل عن النبي عن الصحابة الكرام حتى يُعرف أن هذا ناسخا وأن هذا مَنسوخا، وهناك أن النسخ علم يتعلّمه المرءُ حتى يُدرِك لأنه مثلا مما يُعرف به النّسخ تأخر الخبر هذا بالنسبة للحديث مما يُعرف به النّسخ أمور يُدركها من تعلّم هذا العِلم الشّريف، لكن ينبغي أن نتنبّه، أن النسخ لا يكون في الخَبر، لا يكون في الوعد لا يكون في الوعيد يعني إذا الله سبحانه وتعالى وعدَ المؤمنين بالجنة لا نقول أنه يُنسخ وعده فيدخلون النار”ووعدَ الكافرينَ بالنَار فلا نقول أن الكافر ماذا لو غفر الله له بعد مَوته وهو على الكفر، الله تعالى أخبرنا بأنه لا يغفر لمن مات على الكفر، فكيف يُخلِف وعده الله لا يُخلف وعده، لذلك النسخ لا يدخل في الوعد والوعيد لا يدخل في الخبر الذي ليس بمعنى الطّلب، قد يأتي خبر جملة خبرية بمعنى الطلب مثلا: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} هنا لا يمسّه جملة خبرية، ليس جملة إنشائية لكن المقصود منها الإنشاء يعني المقصود منها النّهي عن مسّ المُصحف لمَن عليه حدث لمن ليس مُتطهّرا يعني لمن ليس على وضوء، هكذا فسّرها الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، فهذه خبر لكن بمعنى الطلب، أما الخبر الذي ليس بمعنى الطّلب كالوعد و الوعيد مثلا هذا لا يَدْخله النّسْخ، لذلك لا بدّ أن نتنبّه إذا واحد يدّعي أن هذه نُسخت وهي هذه الآية فيها خبر يكون كلامه باطلا يعني مثل مثلا بعض الناس والعياذ بالله يقولون في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} إلى آخر الآية، هنا هذه رضي الله عنه ورضوا عنه، هذا إخبار من الله سبحانه وتعالى أنه رضي عن السّابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، الذين منهم أبو بكر الصدّيق وعمر وعثمان وعليّ وبقية العَشرة المبشّرين بالجّنة، المُهاجرون الذّين هاجروا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هاجروا إلى المدينة المنوّرة حين أمرهم النبي عليه الصّلاة والسّلام، والأنصار الذين نصروا رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم أهلَ المدينة، فهؤلاء الله تعالى أخبر بأن هؤلاء الله رضي عنهم، فلا يصحّ أن يقال: كان راضيا عنهم كما قالها بعض النّاس لا هذا كلامٌ باطل. أسأل اللهَ العليّ القدير أن يجعلنا من الذّين يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه، إنه على ما نسأله قدير، وسبحان الله والحمدُ لله ربّ العالمين.