بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين وأشرف المرسلين وعلى سائر إخوانه النّبيين وآل كل والصالحين.
أيّها الأحبة الكرام:
نلتقي مجددًا مع القرءان العظيم في شهر رمضان الكريم نتلو شيئًا من ءاياته ونبين بعض أحكامه بإذن الله عزّ وجلّ ونسأل الله سبحانه وتعالى حسن النّية والقول والعمل ونسأله العفو والعافية وحسن الختام.
نقرأ في هذه الحلقة بإذن الله تعالى شيئًا من كتاب الله عزّ وجلّ برواية السوسي عن أبي عمرو البصري ونُبين بعض الأحكام ونسأل الله سبحانه وتعالى القبول.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)}
في هذه الآيات يظهر لنا الفرق بين رواية حفص عن عاصم ورواية السوسي عن أبي عمرو البصري وفي قوله تعالى: {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ} يقرأ السوسي {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دِرِّيٌّ توقَّد مِنْ شَجَرَةٍ} وكذلك السّوسي هو الذي شُهر عنه بروايته عن أبي عمرو البصري أنه يدغم الإدغام الكبير {يَكَادُ زَيْتُهَا} يدغم الدال في الزاي {يَكَاد زَّيْتُهَا} بتشديد الزاي ومن غير تلفظ بحرف الدال فيقرأ يكاد زيتها{يَكَادُ زّيْتُهَا} وله في هذا المد أن يمد بمقدار حركتين أو أربع أو ستّ حركات.
وكذلك لأبي عمرو بلفظ {يَحْسَبُ} له كسر السين كما هو قراءة غيره من القراء وهذا يخالف فيه رواية حفص عن عاصم.
ثم ننبّه على أمر مهم، الله عزّ وجلّ الذي خلق كل شيء لا يشبه شيئًا من خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} له صفات الكمال وصفات الله عزّ وجلّ لا تشبه صفاتِ خلقه فإذا سمعنا مثل قوله عزّ وجلّ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لا يجوز أن يعتقد الإنسان أن الله عزّ وجلّ ضوءٌ يشبه ضوء الشمس أو يشبه ضوء القمر أو يشبه هذه الأضواء التي نستعملها في الليل، الله عزّ وجلّ لا يوصف بالشكل ولا باللون ولا يوصف بأنه ضوء، إنما الله سبحانه وتعالى هو خالق الضوء من أسماء الله عزّ وجلّ النور بمعنى الهادي.
النور يأتي بمعنى الضوء يقول الله عزّ وجلّ: بسم الله الرحمن الرحيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} أي خلق الظلام وخلق الضوء وهنا لو نظر الإنسان كذلك نظرة تفكر وتدبر إلى أن الله سبحانه وتعالى الذي خلق السموات والأرض وخلق الظلمات والنور وجعل الظلمات والنّور أي خلقها لو فكر أنه قبل خلق الظلام والنور، الله سبحانه وتعالى خلق العرش لم يكن ظلام ولا نور وخلق الظلمات والنور هل يدرك الواحد منّا هل يتصور أنه لا يوجد ظلام ولا نور؟ نحن بحسب ما اعتدنا إما أن نرى غرفة مظلمة أو غرفة فيها ضوء، ضوء خفيف أو ضوء شديد لكن لا نتصور مكانًا لا يوجد فيه ظلام ولا يوجد فيه نور، فإذا كان هذا في مخلوقات الله عزّ وجلّ فكيف يتصور الإنسان ذاتَ خالقه، الله سبحانه وتعالى ذاته أي حقيقته لا تشبه ذواتِ المخلوقات.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه فيما رُوي عنه: “من انتهضَ لمعرفة مُدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فِكره (يعني تصور بباله صورة، انتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره) فهو مُشبه”. يشبه الله بمخلوقاته والله سبحانه وتعالى لا يشبه أحدًا من مخلوقاته.
هذه المخلوقات مخلوقات يعني وجدت بعد عدم، أما الله سبحانه وتعالى فهو الخالق هو الموجود الذي ليس له بداية ولا نهاية هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، فينبغي أن يتنبه الإنسان ومثل هذه الأحكام بيان الاعتقاد السّليم، هذا أساس إذا قُبل الإيمان تُقبل بقية الأعمال من الإنسان.
أما الكفار فكما مرّ معنا في هذه الآية: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} القيعة أو القاع هو المكان المستوي من الأرض، إذا كان الإنسان مسافرًا في فلاة في وقت الظهيرة يتراءى أنه يوجد ماء، فإذا أتى إلى هذا الموضع إلى هذه القيعة أو إلى هذا القاع إلى هذا المكان حتى يأخذ الماء يرى أنه سراب، وهكذا أعمال الكفار مهما عملوا من عمل صالح بحسب الظاهر أطعموا الفقراء ساعدوا المحتاجين وبنوا المستشفيات والمدارس وعملوا أعمالا لا يجدون ثوابها يوم القيامة: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} يعني جزاءه، الله سبحانه وتعالى كما بينا موجود لا يشبه الموجودات موجود بلا كيف ولا مكان.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على الإيمان وأن يعيننا على طاعته وعلى العمل الصّالح وأن يتقبل منّا إنّه سميع مجيب والحمد لله ربّ العالمين.