بسْم الله الرّحمن الرحيم الحَمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم النبيين وأشرف المرسلين وعلى سائر إخوانه النبيين وآل كل والصالحين.
أيها الأحبة الكرام نلتقي مجددا مع القرآن العظيم في شهر رمضان الكريم نتلو شيئا من آياته ونتدبّر شيئا من معانيه، ونسأل الله سبحانه وتعالى حُسن النية والقول والعَمل ونسأله العفو والعافية وحسْن الختام.
كنا ذكرنا في حلقات سابقة أن القرآن يُتلى بعدة وجوه فهو أنزل على سبعةِ أحرف وبيّنا بعض هذه الوجوه التي اختلف فيه القراء رواية الدّوري عن أبي عمرو البصري من سورة المؤمنون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسمِ الله الرَحمن الرّحيم
{وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَآؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (83) قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ الله قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ(87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ الله قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96) وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98) حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ} صدق الله العظيم.
أيها الأحبة في هذه التلاوة يتبين لنا بعض الأشياء التي يخالف فيها الإمام الدوري بروايته عن أبي عمرو البصري يظهر لنا وجه الخلاف بينه وبين رواية حفص عن عاصم الكوفي التي اشتهرت في الآفاق وهو الهاء برواية الدوري ساكنة هو هاؤها بعد الواو والفاء واللام وكذلك هي الهاء ساكنة، للكساء ولقالون وكذلك لأبي عمرو من روايتيه هذا بخلاف رواية حفص عن عاصم الذي يضم هذه الهاء، وكذلك بالنسبة للألفات إن كانت قبل الراء المكسورة يميلها أبو عمرو وكذلك بين الهمزتين من كلمة مثل آيذا يجعل ألفا فاصلا بين الهمزتين ويسهل الهمزة الثانية، وكذلك بالنسبة أَفَلَا تَذَكَّرُونَ يقرأ أَفَلَا تَذَّكرُونَ بتشديد الذال، وكذلك {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}، برواية حفص سيقولون لله، هذا وكذلك يوجد في قراءتنا كذل بعض الاختلافات ومن المهم أن ننبه وأن نذكر في بيان بعض أحكام ما قرأنا من هذه القراءة من سورة المؤمنون، نبيّن أنّ الله عزّ وجل هو المنعم {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} إذا أصيب الإنسان ببصره أو بسمعه كم يدفع من المال حتى يعود إليه سمعه وبصره، الله سبحانه وتعالى الخالق العظيم المنعم الكريم أنعم على عباده بنعم كثيرة، {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا} وإذا أمعن الإنسان الفِكر والنظر إلى أنه خلق من نطفة من هذه النطفة التي لم يكن فيها حياة، الله سبحانه وتعالى حول الإنسان حتى صار إنسانا سويا يرى يتكلم يسمع فيه حياة عنده قدرة ثم لو تفكر أنه بعد قوته وشبابه يعيده الله سبحانه وتعالى من بعد قوة إلى الضّعف ثم إلى الموت، الله عزّ وجلّ الخالق العظيم يستحق أن يعبد وأن يتذلل له، وأن يطاع وأن نؤمن أنه سبحانه وتعالى الذي أحيانا قادرعلى أن يعيدنا، الذين أنكروا البعث {والذين قالوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} لو فكروا لأدركوا أن الله عزّ وجلّ الذي خلقهم وخلق آباءهم وأمات آباءهم لا يعجزه أن يحييهم، والله سبحانه وتعالى قادرعظيم خلق السّموات والأرض وما فيهما وما بينهما، يقول الله عز وجلّ: {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} سيقولون لله، نحن قد نبني بيتا نبني بناء نقول هذا بنيناه هذا لنا ملكنا، السموات والأرض من رفع السماء من بناها؟ الأرض من الذي خلقها؟ لمن الأرض سيقولون لله هم خلقوا على هذه الأرض التي كانت قبلهم، الله سبحانه وتعالى الذي خلق كل شيئ خلق السموات والأراضي والشمس والقمر والناس وما على هذه الأرض من الدوابّ ومن المخلوقات التي تدل على عظيم قدرة الله عز وجلّ وعلى حكمة الله سبحانه وتعالى، الله عزّ وجلّ هو ربّ السموات السبع وربّ العرش رب العرش العظيم، الله رب كل شيء، خُص العرش لأنه أكبر المخلوقات حجما والله سبحانه وتعالى هو ربه خالقه ومالكه لا يحتاج إليه لأنه سبحانه وتعالى هو الواحد الأحد الفرد الصمد {الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} بعض الناس إذا سمعوا هذه الكلمة التي جاءت عن سيدنا علي رضي الله عنه: “كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ” إذا سمعوا قول: “الله موجود بلا مكان” يقولون أنتم نفيتم ربكم كيف تقولون بلا مكان ونحن إذا قلنا مثلا: هذا الشيء هذه السيارة هذا البيت موجود بلا مكان يعني ليس موجودا، نقول لهم كما قيل سابقا:
وكم من عابء قولا صحيحا
وآفته من الفهم السّقيم
حينما يقال الله موجود هل هذا معناه نفي لوجود الله؟ الله موجود إثبات لوجوده سبحانه وتعالى وإثبات لأنه سبحانه وتعالى موجود لا يشبه الموجودات، كان قبل خلق العرش وقبل خلق السموات وقبل خلق كل شيء كان الله ولم يكن شيء غيره، ثم في هذه الآيات الله عز وجل يأمر بحُسن المعاملة بالأخلاق الحميدة، {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} الله عزّ وجلّ جعل من خلق نبينا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أنه يتأدّب بآداب القرآن ويتخلّق بالأخلاق الحميدة التي أمر الله عز وجل بها ثم ننبه على أمر وهو أن الله عزّ وجلّ يقول: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ} في هذه الدنيا الإنسان إذا احتاج إلى أمر وقع في مشكلة يلجأ إلى أبيه إلى أمه إلى أقاربه وأصدقائه وأحبابه، في الآخرة لا أنساب بينهم، الله عز وجل يقول: {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} يكون أبوه عدوا له يوم القيامة إن لم يكونوا على الصلاح والتقوى، إن كان أحدهما كافرا والآخر مؤمنا يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه يوم القيامة إلا المتقين، ثم قد يشكل على بعض الناس أن الله عز وجل يقول: {فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ} وفي موضع آخر يقول الله عز وجل: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} كيف ثم كيف يتساءلون هذا أجاب عنه سيدنا عبد الله بن عباس بأنّ مواقف يوم القيامة مواقف كثيرة هي ليست موطنا واحدا أو موقفا واحدا، في بعض المواقف لا يتساءلون وفي بعضها يتساءلون.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لحُسن تلاوة كتابه وأن يوفقنا لفهم ما في كتابهِ عزو جلّ من الحِكَم العَظيمة ونَسأل الله عزّ وجل أن يوفقنا للعمل بما أمرنا الله عزّ وجلّ به إنه سَميع مُجيب والحَمد لله ربّ العالمين.