fbpx

علوم القرءان – الدرس 26

شارك هذا الدرس مع أحبائك

الحمد للهِ ربِّ العالمين وصلّى الله وسلّم على سيدِنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطّاهرين الميامين وبعد، ما زلنا في الكلام على علوم القرآن فنتكلم اليوم بإذن الله تعالى عن جمع القرآن وعن نسخه ترتيبه كتابته، ورد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: “قُبض النبي صلى الله عليه وسلم (يعني توفي النبي) ولم يكن القرآن جُمع في شيء يعني يعني جمع بين دفتي كتاب) وقال الخطابي إنما لم يُجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من وُرود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته عليه الصلاة والسلام ألْهمَ الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه بمشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم إن القرآن جُمع ثلاث مرات كما ذكر الحاكم في كتابه المستدرك قال جمع القرآن ثلاث مرات إحداها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الحاكم عن زيد بن ثابت أنه قال: “كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن (يعني نجمع القرآن) من الرقاع (يعني رقعة جلد أو من شيء من سعف النخل أو نحو ذلك يعني يُكتب ما كانت هناك الأوراق التي هي في زماننا، و ذكر البيهقي قال: يُشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سُورها في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا يجمعون هذه الآيات في سُورها كما يعلمهم النبي عليه الصلاة والسلام، والرسول يفعل هذا كما يُعلمه سيدنا جبريل عليه السلام، فكل هذا كان بالوحي فلذلك كان الجمع الأول يجمعون الآيات في ضمن السُور على حسب ما يُشير عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو الجمع الأول، الجمع الثاني كان بحضرة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقد ورد في البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: ” أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة (يعني حين حصلت معركة اليمامة وقُتل سبعون من القراء من حفظة القرآن، فخشي سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، على أمر القرآن ماذا نفعل؟ فإذا عمر بن الخطاب عند أبي بكر يعني ذهب سيدنا زيد بن ثابت إلى أبي بكر ووجد عنده عمر بن الخطاب، فقال له سيدنا أبو بكر إن عمر أتاني فقال: “إن القتل قد استحرّ بُقراء القرآن، يعني قتل الكثير من قراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقُرّاء في المَواطن يعني أن يموت قراء أكثر في المعارك التي تحصل فيذهب كثير من القرآن لذلك كان سيدنا عمر بالُه منشغلا في هذا الأمر لذلك ذهب إلى سيدنا أبي بكر رضي الله عنه يشير عليه في هذا الأمر فقال عمر: فإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقال سيدنا أبو بكر الصديق لسيدنا عمر كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير فلم يزل يراجعني كما ذكر سيدنا أبو بكر فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك أي أن نجمع القرآن في ضمن مُصحف قال “ورأيت في ذلك الذي رأى عمر هكذا قال سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، قال زيد وهو الذي يروي هذا الخبر والذي كلفه سيدنا أبو بكر بجمع القرآن قال: قال أبو بكر إنك شاب عاقل لا نتّهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبَّعِ القرآن فاجمعه، هنا كان تكليف سيدنا أبي بكر الصديق لسيدنا زيد بن ثابت بأن يجمع القرآن، ماذا كان موقف زيد قال فوالله لو كلّفوني نقْل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت يعني زيد يقول لسيدنا أبي بكر ولسيدنا عمر كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “هو والله خير (يعني ابو بكر الصديق) قال هو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر فتتبّعت القرآن أجمعه من العُسب واللخاف وصدور الرّجال ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره التي هي {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} هذه في آخر سورة براءة، سورة التوبة، فكانت الصحف يعني بعد أن جمعها زيد بن ثابت كانت عند أبي بكر الصديق حتى توفاه الله ثم عند عمر حياة عمر في حياته ثم عند وفاة سيدنا عمر جُعلت هذه الصحف عند حفصة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ابنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لذلك كان أول من جمع القرآن هو سيدنا أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه حتى قال سيدنا علي: ” أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر. رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله” هكذا قال سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فحين اتُخذ هذا القرار وبدأ زيد بن ثابت يجمع الآيات من صدور الرجال ومن الصحف والألواح والعُسب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدِم وقال: “من كان تلقى يعني أخبر الناس نادى في الناس” من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به، وكانوا يكتبون ذلك بالصحف والألواح والعسب وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد به شهيدان وهذا يدلّ على أن سيدنا زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كله مع كونه زيد بن ثابت هو من حفظة القرآن كان يحفظ القرآن ولكن كان لا يكتفي بذلك حتى يسمع من الصحابة ويسمع من الذي شهد نزولَه على رسول الله وسمعه مباشرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من باب المبالغة في الاحتياط، حتى مما ورد من الروايات في ذلك أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لسيدنا عمر ولسيدنا زيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه وهذا الخبر صحيح رجاله ثقات، فذكر الحافظ بن حجر في تفسير قول سيّدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: “كأن المُراد بالشاهديْن الحفظ والكتابة يعني أن يكون محفوظا في صدور الصحابة وأن يكون مكتوبا، هكذا ذكر العلماء في تأويل هذا الكلام أو حتى بعض العلماء منهم السّخاوي قال المراد أنهما هذان الشاهدان يشهدان أن ذلك المكتوب كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان غرض الصحابة في تدوين المصحف في جمع القرآن في هذه الحال أن لا يُكتب إلا من عين ما كُتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يعني ليس من مجرد الحفظ، لذلك حين قال كما ذكرنا قبل حين قال زيد في آخر سورة التوبة لم أجدها مع غيره أي لم أجدها مكتوبة مع غيره، لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة أو قد يكون تأويل هذا الكلام الشاهدان أنهما يشهدان أن ذلك مما عُرض على النبي الله صلى الله عليه وسلم عام وفاته، يعني العرضة الأخيرة ثم ذكر الحارث المحاسبي في كتابه الذي اسمه فهم السُنن قال كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته يعني في عهد النبي كان الصّحابة يكتبون القرآن ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعُسب الأكتاف يعني أكتاف الإبل يعني حين يذبحون الإبل أليس يبقى العظم، وهذا العظم طاهر كانوا في هذا الوقت إلى هذا الحدّ يعني ما كان هناك أوراق كما في زماننا فكانوا حتى الأكتاف لأنها تكون عريضة عليها كذلك يكتبون وعلى عسف النخل كذلك يكتبون يقشطونه ويكتبون، سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أمر بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا وكان ذلك كما ذكر الحارث المحاسبي بمنزلة أوراق وجدت يعني كأنها أوراق وُجدت في بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها القرآن منتشر مكتوب فيها فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء يعني هذا هو فِعل سيدنا أبي بكر الصديق يعني كأنه جمع أوراقا كانت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعها وربطها في مكان واحد وهو ماذا فعل إنما أتى بالحفاظ وأتى بما كتب وجعلهم يجمعونه كله في مكان واحد، فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدر والرجال؟ يعني كيف يوثق بهذا حتى نقول القرآن ليس فيه تحريف ليس فيه تغيير! الجواب لأنهم كانوا يُبدون عن تأليف معجز ونظم معروف قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة فكان تزوير ما ليس منه مأمونا وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه يعني أليس ذكرنا أن القرآن معجِز وقد تحدى القرآن المشركين أن يأتوا بمثله وهم الصحابة يعرفون وجوه إعجازه، فحين كانوا يتلون ما حفظوا من القرآن وما كتبوه هذا الذي كانوا يذكرونه كان ظاهر الإعجاز يعني الصحابة يعرفون أنه هذا من الإعجاز، هذا القرآن الذي هو معجزة لذلك يتأكّدون أن هذا ليس خلاف القرآن فبقي الإعجاز فيه يعني بقي التحدّي أن يأتي أحد بمثله فلا يقدرون على ذلك، فهذا وجه التثبت من أن الذي جمعوه هو القرآن، هذا الجمع الثاني الذي كان في زمن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، الجمع الثالث كما ذكر الحاكم هو ترتيب السّور في زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه فقد روى البخاري عن أنس بن مالك أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم على عثمان، وكان حذيفة في الغزو وكان عثمان يرسل الجنود للغزو في بلاد الشام في فتح أرمينيا وفتح أذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة في تلك البلاد فقال لعثمان أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، يعني في الكتب فأرسل سيدنا عثمان رضي الله عنه إلى حفصة زوجة النبي عليه الصلاة والسلام أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها يعني ما كان اجتمع عندها مما تركه عندها سيدنا عمر رضي الله عنه بعد الجمع الذي صارت في زمن سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فطلب منها أن أرسِلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليكِ فأرسلت بها حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه فأمر سيدنا عثمان زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة “إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرءان فاكتبوه بلغة قريش” يعني على لسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصّحف إلى حفصة رضي الله عنها وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يُحرق ومما يدل على طريقة نسخهم للقرآن كتابتهم وكيف أنهم كانوا يتحرّون كيف يكتبونه قال زيد فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد قمت أسمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} فألحقناها في سورتها في المصحف وهذا في سَنة خمس وعشرين كما ذكر ابن حجر وكان عدد المَصاحف التي وُزّعت على ما ذكر المشهور أنها خمسة، ومنهم من قال أكثر من ذلك أو أقل منهم من قال أنه كتب سبعة مصاحف فأرسل إلى مكة وإلى الشام وإلى اليمن وإلى البحرين وإلى البصرة وإلى الكوفة وحبس بالمدينة واحدا، فهكذا جُمع القرآن وهكذا نرى عناية الصحابة الكرام بجمعه ونسخه وحفظه، الله تعالى ألهم هذه الأمة كيف يُحفظ وهذا مصداق وعد الله سبحانه وتعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. أسألُ الله العليّ القدير أن يفقّهنا في الدّين وأن يثبّتنا على اتّباع القرآن وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وسبحان الله والحمد لله ربّ العالمين.