ولما انقضى في هذه السورة وصف المنافقين واليهود وعظ الله المؤمنين وكرر الأمر بالتقوى على سبيل التوكيد فقال عزَّ وجلَّ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}
أمرَ اللهُ المؤمنينَ بالتقوى وهي أداءُ ما فرض اللهُ واجتنابُ ما حرَّمَه
ومعنى {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أي لينظر المرء ما يُعد ويقدم لآخرته من العمل الصالح
ومعنى الغد هو الآخرة ولما كان أمر القيامة كائنًا لا محالة عبَّر عنه بالغد وهو اليوم الذي يلي يومك على سبيل التقريب
قرّب الساعة حتى جعلها كغد ولا شك أن كل ءات قريب.
{وَاتَّقُوا اللهَ}
{وَاتَّقُوا اللهَ}هذا تكريرٌ للتأكيد فالمقامُ مقامُ الاهتمامِ بأمر التقوى
{إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} إن الله خبير بما تعملون من خير أو شر لا يخفى عليه منها شىء وهو مجازيكم عليها
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} ولا تكونوا كالذين نسوا الله أي تركوا أمرَ الله والنسيان كما يكون بمعنى عدمِ الحفظ والذكر يكونُ بمعنى الترك ومنه الآية وهذا إشارة إلى فرط غفلتهم واتباع شهواتهم.
{فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} حيث لم يسعوا إليها في الخلاص من العذاب أنساهم الله أنفسهم أن يقدموا لها خيرا
وهذا فيه رد على المعتزلة وهم القدرية الذين يقولون إن العبد إذا ضلَّ إنما يضل بنفسه لا دخل لمشيئة الله في ذلك
{ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} أي الخارجون عن طاعة الله إلى معصيته.
{لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ} فأصحاب النار هم الكفار الذين أعرضوا عن الإيمان بالله تعالى ورسوله
وأصحاب الجنة هم المؤمنون بالله و بما جاء عن الله
{أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ} أصحاب الجنة هم الفائزون بالنعيم المقيم الذي لا ينقطع.
{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ} أخبر الله بهذا عن تعظيم شأن القرءان وأنه لو جعل في جبل – على قساوتِه وصلابتِه – تمييزًا كما جعلَ في بني ءادم ثم أنزل عليه القرءان لرأيت الجبل خاشعا متطأطئا خاضعا ذليلا متصدعا متشققا من خشية الله وخوفًا أن لا يؤديَ حقَ الله في تعظيم القرءان، وهذا تنبيه على قساوة القلب لهؤلاء الكفار وغلظ طباعهم.
{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} تلك الأمثال المذكورة في هذه السورة و في سائر القرءان يضربها الله للناس ليتفكروا فيها فيُنِيْبُوا ويَنْقادُوا للحق.