{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ}
أي لم يُصِبْ أحدًا من الناس مصيبةٌ في المال أو النفس أو الأهل وغيِر ذلك إلا بتقدير الله وقضائه وقدره وعلمه وإرادته ومشيئته
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}
من يصدقْ بوجود الله ويعتقدْ أنَ كلَ حادثةٍ بقضائهِ وقدرِه
يهدِ اللهُ قلبَه لليقين فيعلمْ أن ما أصابه لم يكن ليخطئَه وما أخطأه لم يكن ليصيبَه ويهد قلبه للاسترجاع وهو أن يقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون
{وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
أي بما كان ويكون وما هو كائن من قبل أن يكون
{وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}
وأطيعوا الله أي في أمره ونهيه في جميع الأوقات
ولا تشغلْكم المصائب عن الاشتغالِ بطاعةِ الله تعالى والعملِ بكتابه
وأطيعوا الرسول أي اعملوا بطاعة الرسول واتباع سنته ولْيكنْ جُلُ هِمتِكُم في السراء والضراء العملَ بما شُرِعَ لكم
{فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ}
فإن توليتم عن الطاعة فليس على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا التبليغ
فلا ضرر ولا بأس على الرسول في تولّيكم فإنه ليس عليه إلا البلاغ وقد فعل {اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ}
أي هو المعبود بحق فلا أحد يستحق أن يعبد إلا الله عزَّ وجلَّ
{وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ}
أي فعليه توكّلوا فإنه خالقُ المنافع والمضار وسائرِ ما يدخل في الوجود
فلا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}
روى الترمذي عن ابن عباس وسأله رجل عن هذه الآية
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}
قال هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يَدَعُوهُم أن يأتوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
فلما أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين هَمُّوا أن يعاقبوهم
(أي هموا أن يعاقبوا أزواجَهم وأولادَهم الذين منعوهم من أن يأتوا رسول الله)
فأنزل الله عزَّ وجلَّ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} الآية.
إن من أزواجِكم وأولادِكم من يشغلُكم ويُثَبِّطُكم عن طاعة الله، ويدخلُ في الأزواج الذكر والأنثى فكما أن الرجلَ قد يكون له ولدُه وزوجته عدوًّا كذلك المرأة قد يكون لها زوجها وولدها عدوًا بهذا المعنى بعينه فقد توجد زوجة تَسُرُّ زوجَها وتعينه على مقاصده في دينه ودنياه وكذلك الولد
وقد يوجد زوج يَسُرُّ زوجتَه ويعينها على مقاصدها في دينها ودنياها فَاحْذَرُوهُمْ أي على أنفسكم.
والحذر على النفس يكون بوجهين: إما لضرر في البدن وإما لضرر في الدين، وضررُ البدن يتعلق بالدنيا وضرر الدين يتعلق بالآخرة،
فحذَّر سبحانه العبدَ من ذلك وأنذره به،
ومعنى الآية: لا تطيعوهم فيما يأمرونكم به من ترك طاعة الله والتخلفِ عن الخير،
قال رسول الله ﷺ: «لا طاعة في المعصية إنما الطاعة في المعروف» رواه البخاري، وقال أيضًا:«لا طاعة لمخلوق في معصية الله عزَّ وجلَّ» رواه أحمد.
{وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
وَإِنْ تَعْفُوا أي تتركوا عقابهم
وَتَصْفَحُوا أي تعرضوا عن التوبيخ
وَتَغْفِرُوا أي بإخفاء وستر ما فعلوا
فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لمن تاب من عباده من ذنوبه
{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} أي بلاء ومحنة وشغل عن الآخرة
وقد يقع الإنسان بسببهم في منعِ الحق وتناولِ الحرام وغصبِ مال الغير
ومنهم من يشغَلُه الكسب والتجارة في أحواله عن أداء الصلوات الخمس في أوقاتها
{وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}
أي ثواب جزيل وهو الجنة فلا تعصوه بسبب المال والأولاد
ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم،
وفي هذه الآية تزهيدٌ في الدنيا وترغيب في الآخرة.
{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ}
فَاتَّقُوا أي أدّوا فرائضه واجتنبوا معاصيه
{مَا اسْتَطَعْتُمْ} أي جَهْدَكُمْ و وُسْعَكُم
قال النووي في «شرح صحيح مسلم» عند شرح قوله ﷺ:“فإذا أمرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم” ما نصه: «هذا من قواعد الإسلام المهمة ومن جوامع الكلم التي أعطيَها ﷺ ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام
كالصلاة بأنواعها فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي
وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن
وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارته أو لغَسل النجاسة فعل الممكن
وإذا وجد ما يستر بعض عورته أتى بالممكن
وأشباه هذا غير منحصرة وهي مشهورة في كتب الفقه
فالآية: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
مفسرة للآية {اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} سورة ءال عمران
ومبينة للمراد بها، فحق تقاته هو امتثالُ أمره واجتناب نهيه، ولم يأمر سبحانه وتعالى إلا بالمستطاع
{وَاسْمَعُوا} أي ما توعظون به
{وَأَطِيعُوا} أي فيما أمرتم به ونهيتم عنه
{وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ}
وَأَنْفِقُوا في طاعة الله خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ أي مالا
{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}
من يَقِهِ اللهُ الشح وهو البخل الشديد فأولئك هم المفلحون أي الفائزون
وقد تقدم تفسيرها في سورة الحشر
ولما أمر الله بالإنفاق أكَّده بقوله
{إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}
القرض هو ما يُدفع إلى الإنسان من المال بشرط ردّ بدله
ومعنى الآية إن تنفقوا وتصرفوا المال في سبيل الله وفي وجوه الخير مع إخلاص النية وطيب نفس يَجزِكم ربُكم بأن يجعل لكم مكانَ الواحد سبعَمائة ضعف إلى أكثرَ من ذلك مما يشاء الله من التضعيف وَيَغْفِرْ لَكُمْ
{وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}
الله شكور أي الذي يُثيب على اليسير من الطاعة الكثيرَ من الثواب
وهو حليم أي الذي يؤخر العقوبة عن مستحقيها وهو الصفوح مع القدرة
{عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الحَكِيمُ}
عَالِمُ الغَيْبِ أي ما غاب عن عباده وما لا تراه أعينهم
{وَالشَّهَادَةِ} أي وعالم بما يشاهدونه فيرونه بأبصارهم
{العَزِيزُ} أي الغالب القاهر
{الحَكِيمُ} أي في تدبير خلقه.