ولما وعظ أزواج الرسول ﷺ موعظة خاصة
أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم فقال عزَّ وجلَّ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا ملائكة غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} أي المصدقون بالله ورسوله محمد ﷺ
{قُوا أَنْفُسَكُمْ} أمرٌ بالوقاية أي احفظوا وجنبوا أنفسكم الهلاك وذلك بالتأسّي به ﷺ في تركِ المعاصي وفعلِ الطاعات
{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وقوا أهليكم أيضًا وهم النساء والولدان وكلُ من يدخلُ في هذا الاسم بالنصح والتأديب وحملِهم على طاعة الله ونهيهم عن المنكر.
وقال عليّ رضي الله عنه:”علِّموا أنفسكم وأهليكم الخير“رواه الحاكم وصححه، أي ضرورياتِ علم الدين من الاعتقاد ومسائل في الأحكام،
وقال عطاء رضي الله عنه: «أن تتعلم كيف تصلي وكيف تصوم وكيف تبيع وتشتري وكيف تنكح وكيف تطلق».
فمن تعلَّم وعلَّم أهله وعملوا بذلك فقد حفظ نفسه وأهله من النار التي عظَّم الله أمرها بقوله: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ}
وَقُودُهَا أي ما توقد به وهذا الوَقود والحطب
هو النَّاسُ أي الكفار الذين أعرضوا عن الإيمان بالله ورسله وَالحِجَارَةُ
وهي حجارة الكبريت الأسود قاله ابن مسعود وخُصَّت بذلك لأنها تزيد على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب وهي: سرعةُ الاتقاد ونتنُ الرائحة وكثرةُ الدخان وشدةُ الالتصاق بالأبدان وقوةُ حرها إذا حميت،
وقيل: الحجارة الأصنام
{عَلَيْهَا ملائكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
أي على النار أي يلي أمرَها وتعذيبَ أهلها خزنةٌ
{ ملائكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} وهم في أجرامِهم غلظةٌ وشدة أو غلاظُ الأقوال شدادُ الأفعال
{لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ} لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} أي في وقته فلا يؤخرونه،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ} يقال للكافرين في الآخرة لا تعتذروا وذلك عند إدخال الملائكة إياهم النار لأنهم لا ينفعهم الاعتذار فلا فائدة فيه لأنه قد قُدِّمَ إليهم الإنذارُ في الدنيا فأعرضوا عن الإيمان، وهذا النهي لتحقيق اليأس
{إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي تعطون جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا لأن الآخرة دار الجزاء على العمل والدنيا دار العمل.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ}
أمر الله سبحانه المؤمنين بالتوبة لمن وقع منهم في ذنب
{تَوْبَةً نَصُوحًا} بالغة في النصح توبةً صادقة ًخالصةً
والتوبة النصوح أن يتوبَ من الذنب ثم لا يعودُ إليه
قال الفقهاء: التوبة التي لا تعلق لحق ءادمي فيها لها ثلاثة شروط:
– الندمُ أسفًا على عدم رعاية حق الله.
– الإقلاعُ عن الذنب في الحال.
– العزمُ على أن لا يعود إلى الذنب.
فإذا اجتمعت هذه الشروط في التوبة صحت، وإن فقد شرط منها لم تصح توبته.
وأما التوبة من المعصية التي لها تعلق بحقوق بني ءادم أو كانت بترك فرض فشروطها أربعة: هذه الثلاثةُ المتقدمة
والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها إن كانت تبعة لآدمي،
وبقضاء الفرض إن كان تاركًا له كأن كان تاركًا لصلاة أو زكاة أو كفارة ونحوِ ذلك
فتتوقف صحة توبته على إبراء ذمته
ثم التوبة من المعصية الكبيرة والصغيرة واجبة عينًا فورًا على كل مكلف
{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ}
عسى هنا واقعة موقع القطع والبت
توبوا إلى الله توبة نصوحا يكفرِ الله عنكم سيئاتكم
فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له
عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ أي يمحو عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ التي ارتكبتموها في الدنيا وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أي تجري من تحت أشجارها وغرفها الأنهار.
{يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ}
ذلك اليوم وهو يوم القيامة يكون النبي ﷺ معززًا مكرمًا غير مذلول فإنه نبيُّه وحبيبه
ولا يخزي الله المؤمنين الذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم
{نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
نورهم يمضي قُدامهم وَبِأَيْمَانِهِمْ يضيء لهم نورُ عملهم على الصراط على قدر أعمالهم.
{يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} المراد بإتمامه إبقاؤه ودوامه
{وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ} بالسيف وبالحجة
{وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} أي استعمل الخشونة فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ}
الكفار والمنافقين مكثهم في جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِيرُ أي المرجع
يعني: وبئس الموضع الذي يصيرون إليه جهنم.