ثم الصفات التي يجب لها القِدم اختلفَ فيها طائفة أهل السنة فمنهم من قال صفات الذات أزلية وصفات الأفعال حادثة لأنها لا تقوم بالذات إنما هي ءاثار القدرة الأزلية وهؤلاء هم الأشاعرة أي الطائفة المنسوبة إلى الإمام أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، وليس ذلك قولَ جميع الأشاعرة بل هو قولُ بعضهم، وغلب ذلك على أكثر الأشاعرة المتأخرين، أما المتقدمون فكان كثير منهم يقول بأزلية صفات الأفعال أيضًا. وصفات الأفعال هي إحياؤه لمن شاء حياتَه من المخلوقات وإماتَتُه لمن يميته والإسعادُ والإشقاءُ وغيرُ ذلك مما لا يُحصى، ويُعبَّر عن ذلك عند الماتريدية بالتكوين، والتكوين عندهم صفة فِعل قديمة أزلية كصفات الذات. ولا يلزم من قِدم التكوين قِدَمُ المُكوَّن، قالوا كما لا يلزم من قِدَم القدرة الإلـهية قِدَمُ المقدورات، فهذا العالم مقدورات الله أحدثه الله بقدرته الأزلية، فالقدرة أزلية ومتعلَّقُها وهو العالم حادث قالوا كذلك التكوين أزلي والمُكَوَّنات حادثة ويُعبَّر عن ذلك أيضًا بالفعل، فيقال فعل الله أزلي ومفعوله حادث، فإذا كان كذلك تبيَّن وظهر أنه تبارك وتعالى لم يزدد بإحدَاثهِ الخلقَ صفةً حادثةً. صفات الأفعال عند الماتريدية كصفات الذات في الأزلية، وحجتهم ظاهرة ما فيها إشكال، فإذا قيل أحيا الله كذا أو أمات كذا المعنى المقصود عندهم أن الله أحيا هذا المخلوق الجائز العقلي بصفته التي هي أزلية وهي صفة الإحياء، فالمُحْيا حادث أما إحياء الله له فهو أزلي، وكذلك يقال عندهم في إماتة الله لمن يميت من خلقه: إماتة الله لهذه الأشياء التي يميتها صفة أزلية أبدية له، لكن اتصاف هذه الأشياء بالموت هو المُحدث وهذا لا إشكال فيه لمن فهم المعنى المقصود وهذا الأمر يَطَّرِد فيما أشبه ذلك. فإذا قيل الله تعالى أسعد السعداءَ من خلقه أو أشقى الأشقياءَ من خلقه فالإسعاد والإشقاء اللذان هما صفتان أزليتان لله من غير لزوم أزلية المُشقَى أو المُسْعَدِ، فالعباد الذين يُشقيهم الله مُحْدَثون وشقاوتهم حادثة وكذلك العباد الذين أسعدهم الله تعالى هم مُحدَثون وسعادَتُهم حادثة، أما إشقاء الله للذين أشقاهم وإسعاد الذين أسعدهم فأزلي.
وهذا الاعتقاد كان هو اعتقادَ السلف ولو لم يُشهر هذا التعبير عنهم لكن المعنى كان موجودًا، وقد صَرَّح الإمام أبو حنيفة في بعض رسائله بأن فعلَ الله صفة له في الأزل ومفعولَه حادث وهو في النصف الأول من عصر السلف، فلا يقال لو كان هذا معتقد السلف كان يسمع من فلان وفلان من الصحابة ومن التابعين ومن أتباع التابعين. فلا يضرُّ مُثْبِتَ القِدَمِ لصفاتِ الأفعال عدمُ ظهور هذا التعبير عنهم أي القول بأن صفات الأفعال قديمة فاشتهار هذا ليس شرطًا في ثبوت اعتقاد السلف لذلك.
أما الأشاعرة أكثرهم يقولون يُحيى من شاء أي يُحدث فيه الحياة بقدرته، فالإحياء عندهم أثر القدرة ليس قائمًا بذات الله لذلك تجرأوا على قولهم الإحياء صفةُ فعلٍ حادثةٌ عندهم هكذا ليس قائمًا بذات الله، أما أن يعتقدوا أن إحياءه صفة قائمة به وحادث فليس من معتقدهم، فلا يلزمهم من ذلك أن يكونوا وصفوا الله بالحدوث ولا أن يكونوا نسبوا إليه صفة حادثة قائمة بذاته، وكذلك في الإماتة وكذلك في الإسعاد والإشقاء.
فبعد اتفاق الفريقين أنه لا يقوم بذات الله صفةٌ لم تكن له في الأزل ليس في اختلافهم هذا ما يضر في أصل الاعتقاد بل هذا اختلافٌ لفظي اختلافٌ في التعبير وكلا الفريقين على هدى، إنما الضرر الأعظم والكفر والإلحاد هو أن يقولَ القائل الله تعالى يقوم به صفة حادثة كابن تيمية