fbpx

الدرة البهية – الدرس 10

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قال المؤلف رحمه الله: وَأَمَرَهُم بِطَاعَتِهِ وَنَهَاهُم عَن مَعصِيَتِهِ. الشرح أن الله تعالى أمر العباد بالطاعة ونهاهم عن المعصية تحقيقًا لمعنى الابتلاء لأن أوامرَ الله تعالى ونواهيه لابتلاء العباد واختبارهم ليُظهر المطيع من العاصي على حسب ما سبق به علمه ويتحقق منهم ما خُلقوا له من العبادة قال تعالى {وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدُونِ} [سورة الذاريات] أي لآمرهم بعبادتي وأنهاهم عن معصيتي. قال المؤلف رحمه الله: وَكُلُّ شَىءٍ يَجرِي بِتَقدِيرِهِ وَمَشِيئَتِهِ. الشرح شرع المؤلف هنا بشرح المشيئة التي هي إحدى الصفات الأزلية التي معرفتها لها أهمية كبيرة في أصول الدين، وتفسيرها تخصيص الممكن العقلي ببعض ما يجوز عليه دون بعض، فالشرّ الذي دخل في الوجود بتخصيص الله تعالى دخل وفي العقل كان جائزًا أن يبقى في العدم وإنما الله تعالى أخرجه من العدم لتعلّق مشيئته الأزلية بوجوده فدخل في الوجود. قال المؤلف رحمه الله: وَمَشِيئَتُهُ تَنفُذُ لا مشيئةَ للعبادِ إلا ما شَاء لَـهُم فَمَا شَاء لَـهُم كَانَ وَمَا لَـم يَشَأ لَـم يَكُن. الشرح يُعلم من ذلك أنه لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، والمعنى أن مشيئة العباد من جملة الحادثات فلا تحدُث إلا بمشيئته فلا مشيئة للعباد إلا أن يشاء دخولَها في الوجود، فمشيئتنا حادثة لم تحدُث إلا بمشيئة الله تعالى في الأزل حدوثَها، وقبل أن تحدث مشيئتنا شاء الله في الأزل حدوثَها، أما أن يشاء العبادُ شيئًا لم يشأ الله تعالى في الأزل حدوثَه فلا يكون ذلك بل هو مستحيلٌ، والدليل السمعي على ذلك قوله تعالى {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [سورة التكوير]. قال المؤلف رحمه الله: يَهدي مَن يَشَاءُ وَيَعصِمُ ويُعَافي فَضلًا، وَيُضِلُّ مَن يشاءُ وَيَخذُلُ وَيَبتَلي عَدلًا. الشرح أن الله يخلق الاهتداء فيمن يشاء من عباده بفضله وكرمه، هو هداهم فضلًا منه وكرمًا فلو لم يخلق فيهم الاهتداء لم يكن هو ظالما لأنه لا يجب عليه شىء فلا حاكم له وليس له ءامرٌ ولا ناهٍ، لم يخلق سبحانه في الكفار الاهتداء فخذلهم عدلًا منه أي ليس ظلمًا منه لأن الظلم لا يُتصور منه لأنه لا يَتصرف إلا فيما هو ملك له حقيقةً وليس مِلكُه مجازيًّا عقلًا كَمِلكِنا، وأما مِلكُنا فإنه ملكٌ مجازي عقلًا لأن العباد وما يملِكون كلٌّ ملك لله تعالى لا فرق بينك وبين ما تملكه بالنظر إلى كونِ كلّ ملكًا لله تعالى، أنت خَلَقَكَ وأحدثَكَ من العدم وكذلك ما تملِكُه هو خَلَقَهُ وأحدَثَهُ من العدم فله سبحانه الحاكمية على العباد فما مَنَعَهُم ونهَاهُم عنه فعليهم أن ينتهوا عنه فإن لم ينتهوا توجه اللوم عليهم واستحقوا العقوبة والعذاب. قال المؤلف رحمه الله: وَكُلُّهُم يتقلَّبونَ في مَشِيئتِهِ بَينَ فَضلِهِ وَعَدلِهِ. الشرح أن العباد يتصرفون بمشيئة الله تبارك وتعالى، فإن تصرفوا بالخير فبفضل الله تعالى وإن تصرفوا في المعاصي والشرور فبعدل الله تبارك وتعالى، وهذا فيه إبطال ما ذهبت إليه المعتزلة من أن العبادَ تصرُّفُهم في الشرّ ليس بإرادة الله أما تصرفهم في الخير فبإرادة الله، فهذه التفرقة باطلة والحق خلاف ذلك فالعباد مهما فعلوا من فعل خيرًا كان أو شرًّا فبمشيئة الله، وفي ذلك بيان أنه ليس واجبًا على الله أن يفعل لعباده ما فيه صلاحهم أو ما هو أصلح لهم.