fbpx

الدرة البهية – الدرس 14

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قال المؤلف رحمه الله: فإنهُ مَا سَلِمَ في دينِهِ إلا مَن سَلَّمَ لله عَزَّ وجَلَّ ولرسولِهِ صلى الله عليه وسلم وَرَدَّ عِلمَ ما اشتَبَهَ عليهِ إلى عَالِـمِـهِ. الشرح أن السلامة في التسليم لله ولرسوله أي اعتقادِ أن ما جاء في الشرع من أمور الدين فهو على حسب ما أراد الله تعالى ورسولُه ليس مبنيًّا على التوهم والتصور المعتمد على الرأي أو على ما جرت به العادة بين المخلوقات، فالمعتزلة رجعوا إلى الرأي الذي هم اتخذوه أصلًا، والمشبهة رجعوا إلى ما هو مألوف بين المخلوق وفتنهم أنهم قاسوا الله على الخلق فقالوا كما أنه لا يُرى الشىءُ إلا في جهة من الرائي فالله يُرى في جهة، وكِلا المذهبين باطل. وقوله «عَالِـمِـهِ» المراد بذلك أن الذي اشتبه عليه فهمُ شىء من الأمور المتعلقة بالآخرة وغيرِها يرجع به إلى أهل العلم الراسخين وهم العلماء الكُمَّلُ المتمكنون في العلم كابن عباس رضي الله عنهما فإما أن يستفيدَ منهم السائلُ التأويلَ التفصيليَّ أو التأويلَ الإجماليَّ وهو أن يعتقد الإنسان أن ما يُضاف إلى الله من الصفات هي منزهة عن الهيئة والشكل وءاثار الحدوث. قال المؤلف رحمه الله: وَلا تَثبُتُ قَدَمٌ في الإِسْلاَمِ إلا على ظَهرِ التَّسْليمِ والاستِسْلام. الشرح أن التسليم هو الرضى بما جاء عن الله تعالى، وأما الاستسلام فهو الانقياد للشرع أي قَبولُ ما جاء فيه من العقائد والأحكام، فلا يصح الثبات على الإسلام إلا لمن سَلَّم لله تعالى ولم يعترض عليه ولم يصفه بما لا يليق به. قال المؤلف رحمه الله: فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ وَلَـمْ يَقنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهمُهُ حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ وَصَافِي المَعْرِفَةِ وَصَحِيحِ الإِيمانِ فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالإِقْرارِ وَالإِنْكارِ مُوَسوِسًا تائهًا شاكًّا لا مؤمنًا مُصَدقًا ولا جَاحِدًا مُكَذّبًا. الشرح أن من طلب أن يَعلَم ما مُنع عنه علمُه ولم يقنع بتسليمه إلى عالمه حجبه مطلوبُه عن خالص التوحيد فيكون مضطربًا مؤمنًا ببعضٍ أي مصدقًا ببعضٍ وكافرًا ببعض لا كالكافر المعلن كفرَه ولا كالمؤمن الذي صَدَقَ في الإيمان وءامن عن حقيقة أي فيتذبذب بين الإقرار بالإيمان وبين إنكاره وهذا بيانُ كونه مُذَبذَبًا. وقوله «مُوَسوِسًا» تأكيدٌ لما قَبلُ أي ويكون مُوسوِسًا تائهًا عن طريق الحق شاكًّا زائغًا مائلًا عن الحق إلى الباطل. وقوله «مُصَدقًا» لأن الإيمان لا يكون مقبولًا إلا بالإيمان التام الذي ليس فيه تجزئة من حيث التصديقُ أما أن يُصدّق ببعضِ ما جاء به الرسول ويُكذّبَ ببعضٍ فلا يكون إيمانًا مقبولا إنما ذلك إيمانٌ جزئي من حيث اللغة. قال المؤلف رحمه الله: ولا يَصحُّ الإِيمانُ بالرؤيةِ لأهلِ دارِ السلامِ لمن اعتبررها منْهُم بوَهْمٍ أو تَأَوَّلهَا بِفَهمٍ. الشرح أنه من اعتبر الرؤيةَ على غير الوجه المشروح المتقدم ذكره الذي هو معتقد أهل السنة والجماعة فهو غير مُصدّق به كما أُمِر. وقوله «لمن اعتبرها منْهُم بوَهْمٍ» المراد به المشبهة الذين ظاهرًا يقولون ءامنا بالرؤية أما في الحقيقة فلم يؤمنوا. وقوله «أو تَأَوَّلهَا بِفَهمٍ» المراد به من كان كالمعتزلة فقد نفوا نفيًا صريحًا حيث إنهم قالوا لا يُرى وهم يفسرون قوله تعالى {إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ} [سورة القيامة] بقولهم نعمةَ ربها ناظرةٌ أي منتظرة، وأما الحديث فيزعمون أنه غير ثابت، فالمعتزلة والمشبهة على طرفي نقيضر. وقوله «دارِ السلامِ» اسم للجنة سُميت بذلك لأن فيها السلامةَ من كل ءافة ونكد ومن كل ما يزعج، وجميع طبقاتها يشمله هذا الاسم.