fbpx

الدرة البهية – الدرس 28

شارك هذا الدرس مع أحبائك

قال المؤلف رحمه الله: وَنُؤمِنُ بِأَشرَاطِ السَّاعَةِ مِن خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عيسى ابنِ مَريَمَ عَلَيهِ السَّلامُ مِنَ السَّمَاءِ. الشرح الأشراط جمع شَرطٍ بمعنى العلامة، وأول هذه الأشراطِ على ظاهر ما ورد في مسلم خروجُ الدجال. ثم الأشراط قسمان كبرى وهي عشرة وما سوى ذلك يقال لها الأشراطُ الصغرى، ونزولُ عيسى من السماء من الأشراط الكبرى. أما ما ذَكر بعض كُتَّابِ القاديانية في منشور له أن ما جاء في الحديث من نزول عيسى لم يرد أن نزوله من السماء فهذا جهلٌ منه بالحديث فقد وردت رواية في البيهقي وغيره «من السماء» وهذا غرَّه أنه لم يُذكر في أكثر الروايات لفظ «من السماء». قال المؤلف رحمه الله: وَنُؤمِنُ بِطُلُوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا وَخُرُوجِ دَابَّةِ الأَرضِ مِن مَوضِعِهَا. الشرح أنه يجب الإيمان بذلك، أما طلوع الشمس من مغربها فقد جاء ذكره في البخاري ومسلم، وأما موضعُ خروجِ الدابة على ما جاء في الأثر فهو الصفا ولم يثبت ذلك بطريق صحيح فليس فرضًا علينا أن نؤمن بأن خروجها من هناك وإنما الواجب علينا أن نؤمن أنها ستخرج من حيث شاء الله. قال المؤلف رحمه الله: وَلا نُصَدّقُ كَاهِنًا وَلا عَرَّافًا وَلا مَن يَدَّعِي شَيئًا يُخَالِفُ الكِتَابَ والسُّنَّةَ وَإجمَاعَ الأُمَّةِ. الشرح الكاهِن هو الذي يتعاطى الإخبار عما يَحدُث في المستقبل اعتمادًا على صاحب له من الجن أو اعتمادًا على النجم أو على مقدماتٍ وأسبابٍ اصطلحوا عليها، أما العَرَّاف فهو الذي يتحدث عن الأمور الخفية مما حصل كالسرقة والضائعات فلا يجوز تصديق هذا ولا هذا. ومعنى قوله «وإجماعَ الأمةِ» هو اتفاق المجتهدين فمن خالف ما اتفق عليه المجتهدون فقوله مردود، أما اتفاق مشايخ أهل بلد أو بلدين أو ثلاثة على أمر شرعي فلا يسمى إجماعًا. والدليل على تحريم إتيان العَرَّافِ والكاهِنِ أحاديثُ منها حديثُ مسلم “من أتى عرافًا فسأله عن شىء لم تُقبَل له صلاةُ أربعين ليلة”، وحديثُ الحاكم في المستدرك “من أتى عرَّافًا أو كاهنًا فَصَدَّقَهُ بما يقولُ فقد كَفَرَ بما أُنزل على محمد” أي إن اعتقد أنه يَطَّلِعُ على الغيب وليس المراد من يَظن أنه قد يُوافِقُ الواقع وقد لا يُوافِقُ الواقع فإنه لا يَكفر بل يكون عاصيًا لسؤاله إياهم، وممن يدخل في ذلك من يعتمد في إخباره على الضربِ بالمَندَل والنظرِ في فُنجان قهوةِ البُن والذي يعتمد على كتابِ قُرعَة الأنبياء وكتابِ قُرعة الطيور وكتاب أبي مَعشَر الفلكي الذي يدعي أن البشر كلَّهم أحوالُهم مرتبطة بالبروج الاثني عشر وأن كل مولود يرجع أمرُه إلى أحد هذه الأبراج، وكذلك الذين يعتمدون على الرمل المعروف عند بعضهم والضربِ بالحصى أو الحبوبِ لذلك. ومن الكهان من يسميهم بعض الناس الرُّوحَانيين فيقولون فلان رُوحَاني ويعتمدون على كلامه ظنًّا منهم أن له اتصالا بالملائكة وإنما هو مُعتَمِدٌ على فسَّاق الجن من كفارهم وغيرِهم. قال المؤلف رحمه الله: وَنَرَى الجَمَاعَة حَقًّا وَصَوَابًا والفُرقَةَ زيغًا وَعذابًا. الشرح مرادُه بالجماعة إجماعُ أهل الحق في مسألة دينية في الاعتقاد أو الفروع ويحتمل أن يكون مرادهُ بالجماعة طاعةَ الإمام الذي بايعه المسلمون لأن الخروج على الإمام الذي صحت بيعته من الكبائر لقوله صلى الله عليه وسلم «من خَلَعَ يدًا من طاعة لقي الله لا حُجة له يوم القيامة، ومن مات وليس في عُنقه بَيعَةٌ مات مِيتَةً جاهلية» . رواه مسلم وغيره، وينطبق ذلك على الذين خرجوا على أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه وقاتلوه، ولا يصح أن يقال إنهم اجتهدوا فإن هذا ليس مبنيًّا على اجتهاد شرعي بدليل قولِ علي رضي الله عنه «إن بني أمية يقاتلونني يَزعمون أنني قتلت عثمان وكذبوا إنما يريدون الملك»، رواه الحافظ مُسدَّد بن مُسَرهَد في مسنده، وكذلك قال عمار بن ياسر رضي الله عنهما فيما رواه عنه البيهقي وابن أبي شيبة وهذان أدرى بحال معاوية ممن قال إنه اجتهد فأخطأ فله أجر واحد. وقد نقل الفقيه المتكلم ابن فورك في كتاب مقالات الأشعري كلام الإمام أبي الحسن الأشعري في أمر المخالفين لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال ما نصه: «وكان أي الأشعري يقول في أمر الخارجين عليه والمنكرين لإمامته إنهم كلُّهم كانوا على الخطأ فيما فعلوا ولم يكن لهم أن يفعلوا ما فعلوا من إنكار إمامته والخروج عليه. وكان يقول في أمر عائشة إنها إنما قصدت الخروج طلبًا للإصلاح بين الطائفتين بها للتوسط في أمرهما»، «فأما طلحة والزبير فإنهما خرجا عليه وكانا في ذلك مُتَأولَين مجتَهِدَين يريان ذلك صوابًا بنوع من الاجتهاد وأن ذلك كان منهما خطأً وأنهما رَجَعَا عن ذلك وندما وأظهرا التوبة وماتا تائبَين مما عملا. وكذلك كان يقول في حرب معاوية إنه كان باجتهاد منه وإن ذلك كان خطأً وباطلًا ومنكرًا وبغيًا على معنى أنه خروجٌ عن إمام عادل»، «فأما خطأ طلحة والزبير فكان يقول إنه وقع مغفورًا للخبر الثابت عن النبي أنه حكم لهما بالجنة فيما رُوي في خبر بِشارة عشرةٍ من أصحابه بالجنة فذكر فيهم طلحة والزبير، وأما خطأ من لم يبشره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالجنة في أمره فإنه مُجوَّزٌ غُفرانُهُ والعفوُ عنه» اهـ فهذا نص صريح من إمام أهل السنة أبي الحسن الأشعري بأن كل مقاتليه عَصَوا وأن طلحةَ والزبيرَ تابا من ذلك جَزمًا وأن الآخرين تحت المشيئة يجوز أن يَغفر الله لمن شاء منهم. فبعد هذا لا يَسوغُ لأشعري أن يُخالف كلامَ الإمام فيقول إن معاويةَ وجيشَه غيرُ ءاثمين مع الاعتراف بأنهم بغاة، وأما من يقول إنهم مأجورون فأبعدُ مِنَ الحق. وعنى المؤلف بالفرقةِ مخالفةَ الإجماع، والزيغُ هو الميل أي عن الحق، وقوله «وعذابًا» أي أن الخروجَ مِن الجماعة سببُ العذاب أي في الدنيا والآخرة.