الشيخ طارق اللحام
النص
ثم علم الكلام علم يقرره أهل الحق، وليس مذمومًا كما تظن المجسمة، فإن السلف الصالح منهم مَن اشتغل به تأليفًا وتعليمًا وتفهيمًا، ومنهم مَنْ عرفه لنفسه ولم يشتغل به تأليفًا وتفهيمًا لأن الحاجة للتأليف في أيامه كانت أقل، ثم اشتدت الحاجة إلى الاشتغال به تأليفًا وتفهيمًا وهذا ليس فيه ما يخالف شرع الله بل هو محض الدين، وهو أشرف علوم الدين لأنه يُعرف به ما يجب لله من الصفات الأزلية التي افترض الله معرفتها على عباده، وما يستحيل على الله من النقائص وما يجوز على الله مع ما يتبع ذلك من أمور النبوة وأمور الآخرة، وقد ألف الإمام أبو حنيفة في علم الكلام خمس رسائل، وكان يذهب من الكوفة إلى البصرة لمناظرة المعتزلة والمشبهة والملاحدة حتى إنه تردد إليهم نيفًا وعشرين مرة، وكذا الإمام الشافعي رضي الله عنه كان يتقن هذا العلم، والذي ذمَّه ليس هذا العلم بل كلام أهل الأهواء، والأهواء جمع هوى وهو ما مالت إليه نفوس المبتدعة الخارجين عما كان عليه السلف فهم مَن خرج عن أهل السنة كالمرجئة والجهمية والمعتزلة والخوارج وما أشبههم فقد قال الشافعي رضي الله عنه: «لأن يلقى اللهَ العبدُ بكل ذنب ما سوى الشركِ خيرٌ له من أن يلقاه بشىء من الأهواء» فليس مراد الشافعي بالأهواء هذا العلم الذي هو فرض تعلمه. كذلك اشتغل بهذا العلم عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد وعمل رسالة يُبَيّن فيها مذهب أهل الحق ويدحض بها رأي المعتزلة، كذلك الحسن البصري الذي هو من أكابر التابعين، وتكلم فيه الإمام مالك وغيره من أئمة السلف. فلا يلحقُ شىءٌ مِن ذمّ هذا العلم الذي يشتغل به أهل السنة، وقد أحسن في ذلك من قال: [البسيط]
عابَ الكلامَ أناسٌ لا عُقولَ لهم
وما عليهِ إذا عَابُوهُ مِن ضَرَرِ
ما ضرَّ شمسَ الضُّحى في الأُفْقِ طالِعةً
أَن لا يَرَى ضَوءَها مَن ليس ذا بَصَرِ والإمام أحمد ليس كما يظن المشبهة فيه حيث قالوا إن القول بأن كلام الله حرفٌ وصوتٌ مذهب أحمد، بل هو لم يكن يرى أن يُطلِقَ هذا اللفظ «القرءان مخلوق» ولا أن يقال «لفظي بالقرءان مخلوق» لأنه قد يَتوهم متوهم من هذا اللفظ أن القرءانَ مخلوق أي الكلامَ الذاتِيَّ مخلوق أي وَصْفَ الكلام الذاتي بالمخلوقية فحذرًا من ذلك كان يَمْنَعُ من اللفظين، أما أن يَعتقد أن الله تبارك وتعالى يتكلم بحرف وصوت قائم بذاته فهو بريء من ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: وَلا شَىءَ يُعْجِزُهُ.
الشرح أن هذا فيه رد على قول المعتزلة إن الله لا يستطيع أن يخلق مقدورَ العبد لأن الله أعطاه القدرة عليه فصار عاجزًا أما قبل ذلك فكان قادرًا عليه، والقائلون بهذا لا يجوز الاختلاف في تكفيرهم. وقد التبس على كثير من الناس هذا فيقولون المعتزلة لا يُكَفَّرون على القول الأصح، فليس المقصود بترك بعض العلماء تكفيرَ بعضِ المعتزلة هؤلاءِ ومن كان على شاكلتهم.