برنامج حلية البشر للشيخ طارق اللحام
اسم المادة: حلية البشر
الرقم: 1200
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلًا ومرحبًا بكم. ما زلنا نتابع، جزاكم الله عنا خيرًا، هذا الكتاب المبارك شرحًا وذكرًا لأحاديث رسول الله صلى الله عيله وسلم حلية اللبشر. بسم الله والحمد لله وصلى اللهُ وسلّمَ على رسولِ الله
بابُ ما يُقالُ دُبُرَ صلاةِ الصبحِ والمغربِ
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ عَنْ مُسْلِمِ بنِ الْحَارِثِ التَّمِيميِّ الصَّحَابِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهِ فَقَالَ: “إِذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ” يعني بعد أن تنهيَ الصَّلاة “فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ ثُمَّ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا” معناه الله يجيرك منها، أي الله يحفظك من النار، “وَإِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كَذَلِكَ فَإِنَّكَ إِذَا مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْهَا” معناه الله يجيرك منها.
فواظبوا على هذه الحسنةِ الطيّبة، “اللهُمَّ أجِرْني مِنَ النَّار” هذه نقولُها عقِبَ الصلاةِ سبع مرات، صلاةِ المغرب وصلاة الصبح “اللهُمَّ أجِرْني مِنَ النَّار”. وانتبهوا أحبابي، إذا زدنا “وأجرْ أهلَنا” مثلًا أو “أحبابَنا” مثلًا هذا لا بأسَ به، هذا دعاءٌ جائزُ، لكن انتبهوا ممّا يزيدهُ بعضُ النّاسِ في بلادِ الشام وبلادِ الحبشةِ ونحوِها زيادةٌ تخالِفُ ما عليه النبيّ ﷺ وما أجمعتِ عليه الأمّة، دعاؤنا ينبغي أن يكونَ مواقفًا للشرع لا مخالفًا للدّين. فإذًا يقولُ البعضُ: “وأَجِرْ جميعَ المسلمينَ من النّار”، انتبهوا هذه الزيادة معناها يخالِفُ الإجماع، كيف أجمعت الأمّة، أي أهل السنّةِ والجماعة، أجمعوا أنَّ المسلمينَ العصاة قسمان: قسمٌ يُعذِّبهُم الله، لا بدّ، وقسمٌ يعفو عنهم ويدخِلُهُم الجنّةَ بلا عذاب، فالذين عُذِّبوا، نعم اعتقادُنا لا يخلُدونَ فيها أبدا، لكن لا بُدَّ أن يُعذَّبَ قسمٌ في النّار.
فإذًا يا أحباب، اللهُ تعالى أخبرَ في القرءان: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء} معناه ليس كلُّ العصاةِ يُغفَر لهم، فلا يُقالُ “أجر جميعَ المسلمين من النَّار”. وكذلك ما يُنسبُ لسيّدِنا أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنه وهو فاسِدٌ وبعضُهُم يَنسُبُ ذلك إلى غيرِ سيدِنا أبي بكرٍ، يقولون: “لو استطَعتُ أن أفديَ كلَّ العصاةِ من النّارِ لفعلتُ” أي أنا أدخلُ بدلًا منهم النّارَ وأعذَّبُ بدلًا منهم، هذا كلامٌ يا أحباب يُعارضُ الشرع، لماذا؟ لأنَّ الرسولَ ﷺ أخبرَ أبا بكرٍ بأنَّه مبشَّرٌ بالجنّةِ، فكيف يقولُ ادخلُ النَّارَ؟!! هذا أمرٌ، الأمرُ الثاني الذي ذكرنا أنَّهُ لا بُدَّ أن يُعذّبَ قسمٌ من العصاةِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى وَابْنُ مَاجَه فِي السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، هذه أمُّ سلمة الصَّحابية الطيبة المباركة قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلاً مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقًا طَيِّبًا”. وَفِي رِوَايَةٍ: “صَالِحًا” بَدَلَ “مُتَقَبَّلاً” يعني وعملًا صالحًا. هذا الدعاء من النبي عليه الصلاة والسلام أيضًا تعليم لنا. وانتبهوا ماذا قال؟ “ أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا” ليس كلُّ العلومِ نافعة، إنَّما هناك علومٌ محرّمةٌ، نعم، حرامٌ تعلُمُها كالسحرِ والشَعْوَذَةِ وهذا الذى يُقالُ له علمُ الحَرف، هذا علمٌ محرّمٌ، بعضُ النّاسِ يَعمَلُ به، ما هو هذا؟ يأخذونَ حرفًا من اسمِكَ و من اسمِ أمِّكَ أو نحوِ ذلك ويبنونَ عليه تكهُّناتِ، هذا العلمُ حرامٌ لا يجوزُ لنا تعَلُّمُهُ ولا يجوزُ تعليمُهُ.
وأمّا نزولُ هاروت وماروت الملكانِ الكريمانِ على الله، هاروت وماروت نزلا إلى الأرضِ بأمرٍ من اللهِ لتعليمِ النّاسِ السحرَ من أي باب؟ ليُمَيِّزَ النّاس بين السحرِ والمعجزة، بين النبيِّ وبين الساحر، وكانا يُعلمانِ النّاسَ ويحذِّرانِ النّاسَ من هذا السحر، يعني يقولان لا تعمل بهذا وكانا أيضًا يُبَيِّنانِ للناسِ أنّهُما فتنة أي امتحان، ابتلاء من اللهِ تبارك وتعالى.
وانتبهوا أحبابي السحرُ قسمانِ: هناك سحرٌ كفر وهناك سحرٌ من الكبائرِ، هناك أعمالٌ وأقوالٌ يفعلُها بعضُ السَّحرة فيها عبادةٌ للشيطانِ مثلًا، فهذا من النوعِ الذي يُخرِجُ من المِلّةِ، وهناكَ سحرٌ دون ذلك لكن هو من الكبائرِ والعياذُ باللهِ تباركَ وتعالى
قالَ “وعمَلًا متقبَّلًا”، ليس كلُ عملٍ يكونُ مقبولًا عند اللهِ عزَّ وجلَّ. اللهُ يتقبلُ منّي ومنكم. قال “ورزقًا طيِّبًا” الرزقُ ما ينفع ومنه ما يكونُ حلالًا ومنه ما يكونُ حرامًا، هذا الطيب يعني الحلال يعني الجائز.
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ بِشىءٍ فَقُلْتُ: “يَا رَسُولَ اللهِ مَا هَذَا الَّذِي تَقُولُهُ؟”. قَالَ: “اللَّهُمَّ بِكَ أُحَاوِلُ وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ”. الله الله، هذا من شدة توكله على الله تبارك وتعالى. ومعنى قولِه ﷺ “اللَّهُمَّ بِكَ أُحَاوِلُ” يعني يا اللهُ بعونكِ أطلبُ حاجتي، اللهُ خالقُ كلِ شىءٍ وهذا من شدةِ توكُلِ النبيِّ ﷺ على ربِّهِ عزَّ وجلَّ.
قال “وَبِكَ أُصَاوِلُ” معناهُ أدفعُ شرَّ عدوِّي بك يا ربي، يعني أطلبُ منك يا الله أن تدفعَ عني الضرر الذى يأتي من أعدائي.
قال “وَبِكَ أُقَاتِلُ” ومعناه إن قاتلَ فهو يقاتِلُ للهِ وبقدرةٍ أعطاهُ اللهُ إيّاها، وهذه عقيدةُ أهلِ السُّنة بأنَّ اللهَ تعالى خالقُ الأعمالِ كما أنَّه خالقُ الأجسام، لا كما قالتِ القدرية، هؤلاءِ المعتزلةِ اعتزلوا مجلسَ الإمام الحسن البصري رضي الله عنه وأرضاه وكان رأسُهم في ذلك الوقت، يُقالُ له واصل، هذا واصل اعتزلَ مجلِسَ أهلِ السنّةِ وخرجَ عنهم في العقيدة والعياذُ باللهِ واعتقدَ في اللهِ بأنّه لا يخلقُ الأعمالَ وادّعى والعياذُ باللهِ بأنّه هناك خالِقِينَ غيرُ اللهِ يخلِقون.
نسألُ اللهَ تبارك وتعالى السّلامة.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ الْفَجْرِ -يعني بعد صلاة الفجر أي الصبح- وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ” يعني من غير أن يمدَّ رجليه، وانتبهوا لهذه الفائدة، يعني وأنت في مجلسك بعد السلام تبدأ بهذه الكلمات “قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ” يعني لا تتكلَّم مع أحد، تسلّم تبدأ، “لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ” هذا نقولُه بعد صلاة الصبح الفرض وبعد صلاة المغرب الفرض من غيرِ أن نتحركَ من مجلِسِنا ومن غيرِ أن نتكلمَ بكلامِ الناس. وهذا الورد كان شيخنا رحمات الله عليه يبدأ به قبل غيره من الأوراد التي تقال بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الصبح، مثل اللهمَّ أجرني من النار، هذه كان يقدمها رحمات الله عليه، فماذا يكون له من الأجر إن قالها بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب عشر مرات، قال: “كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ”. قال العلماء عشر حسنات كبيرة. “وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ” يعني يمحى عنه عشر سيئات كبيرة معناه من الكبائر إن كانت عليه، “وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ فِي حِرْزٍ مِنَ كُلِّ مَكْرُوهٍ”، معناه ربنا تبارك وتعلى يحفظه، هذا معنى في حرز، يعني في حفظ، الله يحفظه من كل مكروه. “وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطَانِ” انظروا لهذه البركات، فيها حفظ من الشيطان ومن كل ما تكره، قال: “وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلاَّ الشِّرْكَ بِاللهِ تَعَالَى”. معناه لا يكتب عليه ذنب في ذلك اليوم إلا أن يكون الشرك والعياذ بالله تعالى والذي هو أشد الذنوب. الكفرُ منه ما هو شِركٌ وهو عبادةُ غير الله، منه ما هو تشبيهٌ، من شبّهَ اللهَ تعالى بغيرِهِ، منه ما هو تعطيلٌ، إلحادٌ، نفىُ وجودِ الله، منه ما هو والعياذُ باللهِ تعالى تكذيبٌ للرسولِ ﷺ أو تكذيبٌ للقرءانِ، فهذه أنواعٌ من الكفرِ من وقعَ في هذا فهذا، فهذا لا شكَّ يُكتَبُ عليه وتُمحى كلُّ حسناتِهِ نسألُ اللهَ تعالى السلامة. قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: صَحِيحٌ.
بَابُ الْقَوْلِ فِي التَّهَجُّدِ بِاللَّيْـــلِ
ماذا نقول في صلاة التهجّد؟ التهجد هي الصلاة التي يصليها الإنسان منا بعد أن نام ليلًا، يعني تكون بعد نوم، تسمّى تهجّدًا إذا كانت بعد نوم. وأما إن كنتَ مستيقظًا كل اللَّيل فهي صلاة ليل وهي أيضًا فيها ثواب، لكن حتى تسمّى تهجّد هذه تكون بعد النوم.
رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، هو النبي عليه الصلاة والسلام كان يقسم ليله، يعني بعد صلاة العشاء إذا كان هناك حاجات للناس كان يقضيها أو إذا كان لأهله حاجات كان يقضيها ثمَّ ينام، وهذا الأحسن، من ليس له عمل مضطر عليه ال يسهر بعد العشاء، وإنَّما ماذا يفعل؟ ينام بعد العشاء ثمَّ يقول في الليل يصلّي لله تبارك وتعالى. النبي كان يقوم عدَّة مرات ثم ينام حتى يوقظه بعد ذلك أذان الصبح، فماذا كان يقوم النبي ويعمل في الليل؟ يقوم يصلي التهجد قيام الليل، وكان عليه الصلاة والسلام يقول كلمات، ما هي؟ “اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ” وانتبهوا أحبابي، معناهُ أنت مُنَوَّرُ السّمواتِ والأرض، خالقُ الأنوارِ في السمواتِ والأرض، ليس المعنى أنَّ اللهَ ضوء، الضوء والظلامِ مخلوقانِ للهِ، لا يقالُ اللهُ ضوء، لا يقالُ اللهُ تعالى نورٌ بمعنى الضوء، إنما من أسماءِهِ النّور معناه الهادي، وقال بعضُ العلماء منيرُ السّمواتِ والأرض، مُنَوِّرُ السّمواتِ والأرضِ أي خالِقُ الأنوارِ فيهِما. يقول ﷺ: “اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ” ومعنى “قَيَّامُ” أي القائِم بتدبيرِهما، تدبيرِ السّموات وتدبير الأرض، اللهُ ليس بحاجةٍ إلينا، اللهُ يتصرّفُ في خلقِهِ ولا يحتاجُ إلى استعانةٍ بأحد، حتى الملائكة اللهُ تعالى وكّلَهُم بأمور لا لحاجتِهِ إليهم هذا تكليفٌ، هم مكلّفونَ بأداءِ هذا لكنَّ اللهَ غنيٌ عن العالمين، ليس معناهُ القيام الذي هو بعكسِ القعود، هذه مسألةٌ مهمة اللهُ لا يوصفٌ بالقعود ولا بالقيام الذي هو بعكس القعود، القعود يكونُ لمن له نِصفٌ أعلى ونصفٌ أسفل كما أنا الآن، أمّا اللهُ منزّهٌ عن ذلك. “قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ” أنت مالِكُ السَّموات ومالكُ الأرض ومن في السّموات ومن في الأرض، هذه من أدلةِ أهلِ السنّةِ أنَّ اللهَ لا يسكُنُ السّماء ولا يسكُنُ الأرض وإلا يكونُ مالِكًا لنفسِهِ وهذا لا يقبَلُهُ العقلُ السليم. “أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ” ثابِتُ الوجود، ربُّنا تبارك وتعالى ولا يُقال دخلَ في الوجود عن اللهِ عزَّ وجلّ، أنا دخلتُ في الوجود، العالمُ كلُهُ يُقالُ فيه دخلَ في الوجود، سبقَهُ عدم أمّا الله تعالى لا يُقالُ عنه دخلَ في الوجود، موجودٌ أى ثابتُ الوجود، العقلُ يوصِلُكَ أنَّ اللهَ تعالى موجودٌ هذا العالم لا بُدَّ له من خالِقٍ. “أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ” وعدُ اللهِ تعالى المؤمنينَ بالجنّةِ يعني ما يُثيبُهُم على الطاعات، قال: “ولقاؤُكَ حقَّ” كما ذكرت لكم بأنْ يموتَ العبدُ ثمَّ يُبعثُ للحساب، ليس اللقاء الذى يكونُ بينَ جسمَيْنِ، بينَ مخلوقَينِ. “وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ” نؤمِنُ بهِما، موجودتانِ الآن، مخلوقتانِ، باقيتانِ لا تفنيانِ. “وَالسَّاعَةُ حَقٌّ” كما قالَ اللهُ: {وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} لا شكَّ فيها وأنَّ اللهَ يبعَثُ من في القبور، فإذًا نؤمنُ بالساعة. قال عليه الصلاة والسلام: “اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ ءَامَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ” أنبت أي رجَعْتُ إليكَ يا الله “وَبِكَ خَاصَمْتُ” إذا خاصَمْتُ فبحولِ اللهِ وقُوَّتِهِ. وكان النبيُّ يخاصِمُ فـي الله معناه لا لأجلِ غرضٍ دُنْيَوِي، وإنَّما لأجلِ الآخرة. “وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ” معناه منك أُريدُ طلبَ حقي مِمّنْ يؤذِيني، الله الله، اسمعوا هذه العبارة إليكَ يا ربّي حاكَمْتُ معناهُ من ظلمَني أنت تعطيني حقّي منه يا الله. فهذا يا أحباب يذكرنا أنَّ الواحِدَ منّا في هذه الدنيا من كان عليه حقوق فليؤدّها، من كان لأخيهِ عليه مظلمة، قالَ عليه الصلاة والسلام: “فليتحَلَّلْهُ الآن من قبلِ أن لا يكونَ دينارٌ ولا دِرهَمٌ”، الآن تُبْ إلى الله وأعِد الحقوقَ إلى أهلِها.“وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ”.
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: فَقَدْتُ النَّبِيَّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ يعني ما وجدته أمامها وكانت ليلتها، قال: فَالْتَمَسْتُهُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ، معناه كان في السجود، يعني وقعت يدها على باطن قدم رسول الله، هنيئًا لها السيدة عائشة هذه الكريمة بنت الكريم، الصديقة بنت الصديق أمدنا الله بها وبأمدادها وأمداد أبيها وزوجها صلى الله عليه وسلم. الشافعية قالوا مسَّته بحائل وأما عند الحنفية ونحوهم على الظاهر، فعندهم إذا الزوجة مست جسد زوجها لا ينتقض وضوؤها ولا وضوؤه. المالكية فصلوا إن كان بشهوة هذا اللمس أو بغير شهوة، قالت رضي الله عنها: “وهو ساجد” وَهُوَ يَقُولُ: “اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ” عافني ولا تعاقبني، فتجَنِّبُني العقاب بأن تعفوَ عني هذا معناه. “وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ” رضا الله وسخَطُ الله ليس كرضانا وغضَبِنا، نحن عندنا انفعالات، اللهُ تعالى لا يوصفُ بذلك، كما قالَ الطحاويُّ رضى الله عنه، الإمامُ أبو جعفر: “واللهُ يغضَبُ ويرضى لا كأحدٍ من الورى”، نحن ننفعل يغلي الدمّ عندنا، هذا لأنَّنا مخلوقون، أمّا اللهُ تبارك وتعالى ليس كذلك. “وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ” هذه انتبهوا لها، أعوذُ باللهِ من اللهِ، كيف هذا؟ معناهُ قال العلماء أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَثَرِ غَضَبِكَ عَلَيَّ هذا معناه ليس المعنى أني استعيذُ باللهِ أي من ذاتِ الله، ليس المعنى أني استعيذُ من ذاتِ الله، لا، لا يُقالُ هذا، وإنَّما أعوذُ برحمتِكَ من عذابِكَ، هذا معناه، أعوذُ بالرّحمةِ من العذاب. “وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”.
بَابُ مَا يُقَالُ عَقِيبَ الْوِتْرِ
أما صلاة الوتر فهي سنة على قول جمهور أهل السنة والجماعة. وقال الحنفية هي واجبة دون الفرض. الوتر عند بعض العلماء أقلها ركعة، وبعضهم قال تصلى ثلاث ركعات.
رَوَى النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، هذا أُبىّ رضي الله عنه وأرضاه كان أقرأَ الصحابة، أبى بنُ كعب أمَدّنا اللهُ بأمدادِهِ، “أقرأُكُم أُبَى” هكذا قالَ الرسولُ ﷺ عنه، وهو الذي فسّرَ قولَ اللهِ تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى} قال: “لا يصلُ إلى اللِه فكرُ كُلِّ من تفَكّر” يعني الأفكار تصلُ دونَهُ، يعني “مهما تصوّرتَ ببالك فاللهُ لا يُشبِهُ ذلك”، اللهُ ليس له صورة، اللهُ المُصَوِّر خالقُ الصُوَر. قَالَ رضي الله عنه: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا سَلَّمَ فِي الْوِتْرِ قَالَ: “سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ“. تنزَّهَ الله الْمَلِكُ، اللهُ الْمَالِكُ لِكُلِّ شَىءٍ والْمُتَصَرِّفُ بكلِ شيء، ومعنى القدّوس يعني المنزّه، هذه مبالغة في التنزيه، منزّهٌ عن كلِ عيبٍ وكلِ نقصٍ تبارك وتعالى.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ فِي ءَاخِرِ وِتْرِهِ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وبمعافاتِكَ من عُقوبَتِك، وأعوذُ بكَ منكَ، لا أحصي ثناءً عليكَ أنتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”.
وهذا يا أحباب قد مرَّ ذِكرُهُ وشرحُهُ فنسألُ اللهَ تعالى أن يوفّقني وإياكم على أن نلتزِمَ هذه الأوراد المباركة وهذه السنن التي جاءت عن نبيِّنا المصطفى ﷺ، واظبوا عليها وانشروا الخيرَ بين النّاس. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.