سورة المنافقون
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ}
إذا جاءك المنافقون يعني عبدَ اللهِ بنَ أُبيّ وأصحابَه والمنافقون هم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر قالوا بألسنتهم ما يخالف اعتقادَهم الباطلَ نشهد إنك لرسول الله
أصلُ الشهادة أن يواطئ اللسانُ القلبَ هذا بالنطق وذلك بالاعتقاد فهم كاذبون فيما أخبروا عن أنفسهم بأنهم يعترفون ويعتقدون برسالة سيدنا محمد
{وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}
أخبر سبحانه وتعالى عن حَقيّة رسالةِ رسولِه لأن الله هو الذي أرسله
ثم بين كذِبَ المنافقين فيما أظهروه من الإيمان برسوله فقال:
{وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}
الله يعلم أن المنافقين كاذبون فيما أظهروا من شهادتهم وحلِفهم بألسنتهم فلم تواطئ قلوبُهم ألسنتَهم على تصديقك فإنهم كاذبون فيما أظهروه من الإسلام والإيمان بمحمد
{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ}
اتخذ المنافقون حلفَهم الكاذبَ أنهم منكم وقولهَم نشهدُ إنك لرسول الله وغيرَ ذلك من أيمانِهِمُ الكاذبةِ جُنَةً أي سُترةً ووقايةً يستترون بها من القتل فأعرضوا عن دين الله وما جاء به الرسول من الحق والهدى ومنعوا الناس عن الدخول في الإسلام بالتنفير وإلقاء الشبه.
{إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
أي بئست أعمالهُم الخبيثةُ أعمالا من نفاقِهم وأيمانِهم الكاذبةِ وصدِهم عن سبيلِ الله.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ}
سوءُ عملهم بسبب أنهم نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعلُ المسلمون من حيث الظاهر وكفروا بقلوبهم فالمنافقون لم يكونوا مؤمنين ثم كفروا فأظهروا النفاق
وأما قوله تعالى:{فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} معناه خُتم على قلوبهم بالكفر
فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ:أي لا يفهمون حقيقة الإيمان لأنهم حرموا الفهم ولا يتدبرون القرءان.
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ}
إذا رأيت المنافقين تعجبُك هيئاتُهم ومَناظرُهم لحُسْنِها وجمالها
{وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}
وإن يتكلموا في مجلسك تستمعْ لقولهم فإنهم كانوا ذوي فصاحة إذا سمعهم السامع يصغي إلى كلامهم لبلاغتهم {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} شبهوا بالخُشُب لخلوّهم من الفهم وفراغ قلوبهم من الإيمان فإن الخَشَبَ لا يعقلُ ولا يفهم ومسندةٌ أي ممالة إلى جدار
والمراد: أنها ليست بأشجار تثمر بل خُشُبٌ مُسَنَدَةٌ إلى حائط وكذلك المنافقون لا فقه لهم ولا علم ولا خير عندهم ولا ينتفع بهم
{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} يحسبون كلَ صيحة واقعةً عليهم والمعنى لا يسمعون صوتًا في العسكر بأن يناديَ مناد أو تَنفلت دابة أو تُنشد ضالة إلا ظنوا أنهم قد أُتوا لما في قلوبهم من الرعب والجبن وهم على خوف من أن ينزل فيهم أمر يهتك أستارهم ويفضحهم وفي الآية إشارة إلى أنه لا عبرة بالأجسام العريضة ولا بالألسن الفصيحة إنما العبرة بالقلوب المطهّرة والسرائر المنوّرة.
ثم قال الله عزّ وجلّ: {هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} أي لا تأمنهم على سرك لأنهم عيونٌ لأعدائك الكفار
{قَاتَلَهُمُ اللهُ} أي لعنهم الله
{أَنَّى يُؤْفَكُونَ}كيف يكذبون كيف يعدلون عن الحق وهذا تعجيب للسامع من جهلهم وضلالتهم
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}
وإذا قيل لهؤلاء المنافقين تعالوا إلى رسول الله
{يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ} واستغفار الرسول لهم هو استتابتهم من النفاق فيستغفر لهم أي يطلب منهم الرجوع عن النفاق.
{لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} أي حرّكوها استهزاءً وإباءً وإعراضًا واستكبارًا عن التوبة إلى الله من النفاق الذي هم عليه
{وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ}أي يعرضون عن الرسول
{وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ}أي متكبرون
وروى ابن جرير في تفسيره أن عبد الله بن أُبَيّ لما قيل له: تعال إلى رسول الله يستغفر لك، حرّك رأسه استهزاء، فنزلت فيه هذه الآيات.
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ}
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ} أي طلبتَ من الله أن يغفرَ لهم بدخولهم في الإسلام.
{أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} لأنهم ليسوا بأهل للاستغفار لأنهم لا يؤمنون بل هم مصرُّون على الكفر فلا ينفعهم استغفارُك شيئًا، وهذا تيئيس له من إيمانهم وليس المعنى أن الرسولَ يستغفرُ لهم مع علمه أنهم لا يؤمنون
{إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ}
لا يوفّق للإيمان من سبق في علم الله أنه يموت فاسقًا أي خارجًا عن طاعته ومكذبًا به.