fbpx

2 :تفسير جزء قد سمع – الحلقة

شارك هذا الدرس مع أحبائك

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إن الذين يحادون أي يعادون ويشاقُّون ويخالفون الله ورسوله أُخزُوا وذُلوا وأُهلكوا ولُعنوا كما أُخْزِيَ من كان قبلَهم من أعداء الرسل. {وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} آياتٍ تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ} للذين يحادون الله ورسوله عذاب يهينهم ويذلهم {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} للكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم الله جميعا أي كلَهم يخرجهم من قبورهم لا يستثني منهم أحدًا فيخبرهم بما عملوا في الدنيا، ويكون ذلك على رءوس الأشهاد تشهيرًا لحالهم وتوبيخًا لهم. {أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ} أحصاه الله عليهم في صحائف أعمالهم بجميعِ تفاصيلِه وكميتِه وكيفيتِه وزمانِه ومكانِه ونسُوا ما كانوا يعملون في الدنيا ولكن الله تعالى يذكرهم بها في صحائفهم ليكونَ ذلك أبلغَ في الحجةِ عليهم {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي مطَّلع وعالم لا يخفى عليه شىء. { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} أي ألم تعلم أن الله يعلم مافي السماوات وما في الأرض لا يخفى عليه صغيُر ذلك و لا كبيرُه فكيف يخفى عليه أعمالُ هؤلاء الكافرين وعصيانُهم ربَهم. ثم أخبر سبحانه وتعالى أنه يعلم ما يكتمونه الناسَ من أحاديثهم فيتحدثونه سرًّا بينهم فقال عزَّ وجلَّ {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} والنجوى السرار والمعنى ما يكون من خلوة ثلاثة يُسِرون شيئًا ويتناجون به إلا بعلم الله فمعنى إلا هو رابعهم أي بالعلم يسمع سرَّهم ونجواهم لا يخفى عليه شىء من أسرارهم {وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ} أي لا يكون من نجوى خمسة إلا بعلم الله {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} أي ولا أقل من ثلاثة ولا أكثر من خمسة إلا هو معهم أي بعلمه أي عالم بهم أينما كانوا يعني في أي موضع ومكان كانوا هو عالم بهم وهو سبحانه وتعالى موجود بلا مكان {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ} أي يوم القيامة يخبرهم بما عملوا في الدنيا {إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} كان اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم ويوهمون المؤمنين أنهم يتناجون بما يسوؤهم فيحزن المؤمنون لذلك ويقولون ما نراهم إلا قد بلغهم عن إخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو هزيمة فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم فلما طال على المؤمنين ذلك وكثر، شكوا إلى رسول الله ﷺ فأمرهم أن لا يتناجوا دون المؤمنين فلم ينتهوا فأنزل الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} أي المناجاةِ فيما بينهم {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} أي يرجعون إلى المناجاة التي نُهوا عنها ) {وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} ذلك السرُ الذي كان بينهم إمّا مكر أو كيد بالمسلمين أي شىء يسوؤهم وكلاهما إثم وعدوان و يوصي بعضهم بعضًا بمعصية الرسول. {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ} {وَإِذَا جَاءُوكَ} يعني اليهود إذا جاءوا إلى النبي ﷺ {حَيَّوْكَ} أي خاطبوك وسلموا عليك {بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ} أي بغير التحية التي جعلها الله لك تحية، والمعنى أن اليهود كانوا يأتون النبيَّ ﷺ ويقولون: السام عليك يريدون السلام ظاهرًا وهم يعنون الموت باطنًا لأن السام هو الموت، على زعمهم يوهمون النبي ﷺ بأنهم يسلمون عليه فكان الرسول يرد عليهم فيقول: «وعليكم». أخرج البخاري في صحيحه عن عروة أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رَهْطٌ من اليهود على رسول الله ﷺ فقالوا: السام عليك، ففهمتُها فقلتُ: وعليكم السام واللعنة، فقال رسول الله ﷺ: «مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله»، فقلتُ: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله ﷺ: «فقد قلتُ: وعليكم». {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ} أي يقول بعضهم لبعض إذا خرجوا من عند رسول الله ﷺ، أو يقول الواحد منهم في نفسه لو كان محمد نبيًّا لعذبنا الله بما نقول فهلاَّ يعذبنا الله {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} أي كافيهم جهنم عقابًا يوم القيامة يدخلونها {فَبِئْسَ المَصِيرُ} أي فبئس المرجع جهنم. ولما ذمَّ اليهود والمنافقين على التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول أتبعه بأن نَّهى المؤمنين أن يسلكوا مثلَ طريقهم وأن يفعلوا كفعلهم، فقال عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى} أي إذا تناجيتم أي تساررتم فيما بينكم فلا تتناجوا بما يوقع في الذنب والمعصية ولا بما فيه ظلم واعتداء ولا بما فيه عصيانُ أوامر {وَتَنَاجَوْا بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى} وتناجوا بالطاعة و بترك المعصية {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وَاتَّقُوا اللهَ بأداء ما فرض واجتناب ما نهى عنه وَاتَّقُوا اللهَ الذي إليه تحشرون أي تجمعون في الآخرة للحساب على أعمالكم التي عملتموها في الدنيا من خير أو شر. ) {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} إنما النجوى بالإثم والعدوان من تزيين الشيطان {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا} أي ليسوء الذين آمنوا فكانوا يوهمون المؤمنين أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا ونحوَ ذلك مما يُحزن المسلمين. {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللهِ} وليس الشيطان أو التناجي بضارِ المؤمنين بشئ إلا بمشيئة الله وقضائه وقدره وفي ذلك رد على المعتزلة وهم القدرية الذين قال فيهم الرسول ﷺ: «القدرية مجوس هذه الأمة» وذلك لأن المعتزلة قالوا إن ما يحصل من العباد من شر ليس بمشيئة الله {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} هذا أمر من الله للمؤمنين بأن يكِلوا أمرهم ويفوّضوا جميع شؤونهم إليه، ويستعيذوا به من الشيطان ومن كل شر، فهو الذي سلّط الشيطان بالوساوس ابتلاءً للعبد وامتحانًا ولو شاء لصرفه عنه.