fbpx

26 :تفسير جزء قد سمع – الحلقة

شارك هذا الدرس مع أحبائك

الطلاق بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا العِدَّةَ} أي أردتم تطليق النساء فأوقعوا الطلاق لاستقبال عدتهن وهو الطهر ويعني بالنساء المدخولَ بهن من الأزواج والمراد من الآية أن يطلقن في طهر لم يُجامَعنَ فيه أما غيرَ المدخولِ بهن لا عدة عليهن بالطلاق لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} {وَأَحْصُوا العِدَّةَ} أي احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق ففي الإحصاء فوائد منها: مراعاة الرجعة وزمانُ النفقة والمسكن والعلم بأنها قد بانت وغيرُ ذلك {وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ} أمرهم سبحانه بطاعته وأن لا يعصوا أمره فإن الأزواج قد يحصل من بعضهم جَور وظُلم تُجاه زوجاتهم المطلقات وكذلك الزوجة المطلقة يجب عليها التزام شرع الله وان لا تخرجَ عما أمرها الله به والصبرُ على ما أصابها بسبب الفرقة فذكَّر الله تعالى كلا الفريقين بالتقوى وأمرهم به. ثم نهى الأزواج عن إخراجهن من البيوت فقال عزَّ وجلَّ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة وإضافة البيوت إليهن إضافة إسكان وليس إضافة تمليك {وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} قال ابن عباس وغيره: إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن وقال ابن عمر: إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة فخروجهن هو الفاحشة المبينة {وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ} أي هذه الأحكام التي بينها أحكام الله على العباد وقد منع سبحانه التجاوز عنها فقال: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} أي أثم وعرَّض نفسه للعقاب {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} لا تدري أيها المطلق لعل الله يحدثُ بعد الطلاق الرغبةَ في ارتجاعها والميلَ إليها بعد انحرافه عنها أو قد يظهرُ حمل فيراجعُها من أجله. {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} إذا قاربن وأشرفن على انقضاء العدة فأمسكوهن أي راجعوهن بمعروف أي بغير ضرار وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصدًا الإضرار بها أو فارقوهن بمعروف أي سرّحوهنّ بإحسان والمعنى اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن أنفسهن وأشهدوا على الطلاق أو المراجعة ذوي عدل منكم أي صاحبَي عدالة من المسلمين والعدل هو من سَلِم من الكبائر ومن غلبة الصغائر على طاعاته مع كونه ملتزمًا بمروءة أمثاله وفائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد وأن لا يتهم في إمساكها ولئلا يموت أحد الزوجين فيدعي الآخر ثبوت الزوجية ليرث وهذا الإشهاد مندوب مستحب {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} أي أدّوا أيها الشهود الشهادة إذا استشهدتم تقربًا إلى الله لإقامة الحق من غير تبديل ولا تغيير {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ} ذلكم المذكور من أول السورة من أمر الطلاق والإمساك أو التسريح بمعروف والشهادة بالحق أي عظة منا لكم نعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} فإن الله تعالى يجعل للتقي مخرجًا من كل ما يضيق عليه {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} أي من حيث لا يأمل ولا يرجو ولا يشعر ولا يعلم. {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} أي ومن يفوّض أمره إلى الله فهو كافيه ما أهمه {إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} أي لا بد من نفوذ أمر الله {قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي تقديرًا لا يتعداه في مقداره وزمانه وأحواله {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ أي والنساء اللاتي انقطع عنها المحيض يعني دمَ الحيض إِنِ ارْتَبْتُمْ أي إن لم تعلموا عدة الآيسة {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} أي أن حكم الصغيرة واللاتي لم يحضن أصلاً حكمهن في العدة حكمُ اللاتي يئسن ثلاثةُ أشهر {وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ واحدُها ذات حَمْل بفتح الحاء والحَمل هو ما كان في البطن أَجَلُهُنَّ أي منتهى عدتهن أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ أي بوضع الحمل وهذا عام في المطلقة وفي المتوفى عنها زوجها. {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} ومن يتق الله فيما أمر يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة ويوفقه للخير، {ذَلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} أي الذي ذُكر وعلم من حكم المعتدات حكم الله أنزله إليكم لتعملوا به {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} من يعمل بطاعته يمحُ الله عنه ذنوبه وسيئات أعماله و يُجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه. أمر الله تعالى بالتقوى إذ الزوج المطلق قد ينسُب إلى مطلقته بعض ما يَشينها به وينفر الخطاب عنها ويوهمُ أنه إنما فارقها لأمر ظهر له منها فلذلك تكرر قوله:{وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ} {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} أَسْكِنُوهُنَّ أي المطلقات المعتدات {مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} أي من الموضع الذي سكنتم {مِنْ وُجْدِكُمْ} أي بقدر سعتكم والوُجد المقدرة والغنى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} أي لا تستعملوا معهن الضرار لتضيقوا عليهن في المسكن حتى تضطروهن إلى الخروج، وقيل: هذه الُمضارة مراجعتها إذا بقي من عدتها قليل ثم يطلقها فيطولُ حبسها في العدة الثانية. وقيل: لا تضيقوا عليهن بالنفقة {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وَإِنْ كُنَّ أي المطلقات الرجعيات أو البائنات {أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَإِنْ أَرْضَعْنَ أي أن النساء الحوامل المطلقات إذا ولدن فقد انتهت عدتهن وبِنَّ بانقضاء العدة وإذا أرضعن لَكُمْ أي أولادكم منهن. {فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أي على الآباء أن يعطوهنّ أجرة إرضاعهن {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} وَأْتَمِرُوا تشاوروا بَيْنَكُمْ أي وبينهن، الخطاب للأزواج والزوجات بِمَعْرُوفٍ أي بجميل في الأجرة والإرضاع، والمعنى: لا يحمل بعضكم بعضًا على العسرة والضيق فيما يتعلق بإرضاع الولد بأن يكلف كل واحد منهما الآخر فوق ما ينبغي وما يعتاد {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أي تضايقتم وتشاكستم فلم ترض بما ترضى به الأجنبية فطلبت زيادة وأبى الزوج الزيادة فسترضع له أخرى أي يستأجر له الأب امرأة أخرى والمعنى فليطلب له الأب مرضعة أخرى غير أمه البائنة منه. {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} لينفقِ الزوج الموسر والمقتدر على قدر وسعه بالمعروف على زوجته وعلى المطلقة إذا كانت رجعية وعلى الحامل وعلى ولده {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللهُ} وَمَنْ قُدِرَ أي ضيق عَلَيْهِ فلم يوسع عليه فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللهُ على قدر ماله وما أعطي منه {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آَتَاهَا} لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا أي في النفقة إِلا مَا آَتَاهَا أي على قدر ما أعطاها من المال فلا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني في النفقة {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} سيجعل الله بعد الضيق غنى وبعد الشدة سعة، وصدق الله وعده فيمن كانوا موجودين عند نزول الآية ففتح عليهم جزيرة العرب ثم فارسَ والروم حتى صاروا من أغنى الناس وصدقُ الآية دائم لأن في هذه الآية وعدًا من الله تعالى ووعدُه حقٌ لا يخلفُه والله على كل شىء قدير وبعباده خبير.