الشيخ سمير القاضي
شرح كتاب الأربعون النووية
الحديث الواحد والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين أحمده وأستعينه وأستهديه وأشكره وأصلي وأسلم على سيدي رسول الله محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
الكلام الآن إن شاء الله في الحديث العشرين من الأربعين النووية
قال القارئ: العشرون
الشرح: العشرون يعني الحديث العشرون من هنا إلى ءاخر الكتاب في الغالب لم يذكر النووي قبل لفظ العدد لفظ الحديث قبل كان يقول الحديث الأول الحديث الثاني أما من هنا إلى الأخير في الغالب يقول العشرون الحادي والعشرون الثاني والعشرون من غير أن يذكر لفظة حديث قبله نعم
قال القارئ: عن أبي مسعودٍ عُقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال
الشرح: هو أنصاريٌ من الخزرج عقبة بن عمرو أنصاريٌ خزرجي ممن شهد بيعة العقبة يعني من السابقين من الأنصار رضي الله عنه ولقب بالبدري لنزوله بدرًا أو لشهوده معركة بدر في المسألة خلاف منهم من قال لم يشهد معركة بدر ومنهم من قال شهدها وإلى هذا ميل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى سكن الكوفة ومات بها في خلافة علي رضوان الله تعالى عليهما قال
قال القارئ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن مما أدرك الناس
الشرح: يعني بعض ما أدرك الناس نعم
قال القارئ: إن من ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى
الشرح: من كلام النبوة يعني من كلام ذوي النبوة في اللغة العربية يوجد شيء يقال له حذف المضاف ذوي النبوة ذوي مضاف والنبوة مضاف إليه كما تقول كتاب الطالب كتاب مضاف والطالب مضاف إليه أحيانًا العرب إذا كان الأمر واضحًا يحذفون المضاف من الكلام ويسند الفعل أو نحوه إلى المضاف إليه وذلك لأن المعنى واضح كما قال الله تعالى: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} أي أشربوا حب العجل لكن حب ما ذكر في القرءان لكن المعنى هكذا بس لوضوحه واضح أنه ليس المعنى ان العجل نفسه دخل في قلوبهم كذلك هنا إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى أي من كلام ذوي النبوة الأولى أي الأنبياء المتقدمين السابقين.
قال القارئ: إذا لم تستح فاصنع ما شئت
الشرح: إذا لم تستح فاصنع ما شئت هذا فيه حث وتشجيعٌ على الحياء الحياء من قضايا النبوة المجمعِ عليها كل الشرائع كل الأنبياء كل الأنبياء إتفقوا على مدح الحياء في كل الشرائع الحياء شيءٌ مستحسنٌ مأمورٌ به لم يُنسخ لم يكن خلاف ذلك في شرائع الأنبياء الأولين ما من نبيٍ إلا حث عليه وندب أمته إليه وهذا في الحياء الممدوح.
ما هو الحياء الممدوح خجلٌ يكون في النفس يمنع الإنسان من أن يفعل ما هو قبيحٌ شرعًا أو قبيحٌ عرفًا شيءٌ شعور خجل في النفس يمنع الإنسان من إتيان المعصية ومن إتيان المكروهات الأمور المستقبحة في الشرع ويمنعه أيضًا من إتيان ما يستقبحه العرف أي عرف عرف ذوي الفضل عرف الناس الفضلاء ما يستقبحه أعراف الناس الفضلاء وعاداتهم لا يأتيه بسبب أيش بسبب هذا الحياء هذا الخجل الذي في قلبه هذا الحياء هو الحياء الممدوح الذي أتفقت الشرائع على مدحه وأتفق الأنبياء السابقون على الدعوة إليه وأتفق الأنبياء كلهم على الدعوة إليه.
وهذا هذا الشعور ينشأ عن علم القلب وشهود القلب بأن الله تعالى رقيبٌ عليه بأن الله تبارك وتعالى يراه فيحفظ ظاهره وباطنه من مخالفة أحكامه ويستقبح أن يصدر منه الهفوات يستقبح أن يكون في حال فعل الهفوات وما لا ينبغي وفعل الزلات فيراه المولى عزّ وجلّ على ما لا يحب سبحانه فينشط لذلك إلى المعالي يقبل على الخيرات يصرف وقته في الطاعات في الحسنات يبتعد عن الأمور القبيحة معتمدًا في ذلك على الله تبارك وتعالى متوكلًا عليه سبحانه عزّ وجلّ وعلى هذا مدار الإسلام من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام:”الحياء من الإيمان” الحياء من الإيمان.
الله يرزقنا ذلك وأقل مراتبه أقل مراتب كمال الحياء أقل مراتب كماله أقل مراتب كمال الحياء أن لا يراك الله حيث نهاك وأن لا تُفتقد حيث أمرك يعني أن لا تعصي الله حيث نهاك أي أن لا تقع في معصية الله تبارك وتعالى وأن لا تكون غير فاعل للواجب ما أوجب عليك فعلته وما نهاك عنه تركته هذا أقل مراتب كمال الحياء أدنى درجات كمال الحياء أن يكون في الإنسان خجل في قلبه يمنعه من ترك الواجبات ويمنعه من فعل المحرمات ثم بعد ذلك الحياء درجات يعلو فيها الإنسان كلما ترقى الإنسان تحلى بدرجةٍ أعلى كلما ترقى في الفضل عند الله ويبقى يترقى حتى يصل إلى حد يستحي فيه الإنسان أن يصرف وقته فيما لا يحب الله أن يصرف جهده فيما لا يحب الله أن يصرف عمره فيما لا يحب الله أن يصرف ما أعطاه الله من النعم في الأمور التي هي من السفاسف التي هي ليست من المعالي يستحي الإنسان أن يصرف ماله في سفاسف الأمور أن يضع جهده ويوجه انتباهه إلى الأمور التي ليست من المعالي هذا يكون ترقى إلى مرتبةٍ عاليةٍ في الحياء يحمله هذا الحياء على صرف أوقاته وجهده في طاعة الله تبارك وتعالى فيما يحبه الله تبارك وتعالى ومن وصل إلى هذه المرتبه فهنيئًا له ثم هنيئا نعم هذا الحياء الممدوح.
أما الحياء المذموم فهو الحياء الخجل من الناس هو نوع خجلٍ من الناس يمنعك من فعل الخير هذا مذموم هذا ليس هو الحياء الذي مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا إليه الأنبياء أن يمتنع الإنسان من الخير حياءً من الناس بل هذا خَور هذا ضعف هذا جبن هذا ليس حالة حسنه يحبها الله ورسوله هذا مهانة للإنسان الذي يقع فيه وفي مثل هذا الحياء المذموم ورد لا يستحي الشيخ أن يتعلم العلم كما لا يستحي أن يأكل الخبز كما أن الإنسان إذا كان كبيرًا في السن لا يستحي أن يأكل الخبز كذلك لا ينبغي له أن يستحي من التعلم معناه تعلم علم الدين في أي سنٍ كنت لا تستحي من ذلك أحمد بن حنبل كان بلغ الدرجة التي بلغها ثم رأوه يُسرع وفي يده الدوات يعني يحمل الدوات التي فيها المدات الذي يكتب به وهو مسرع يريد أن يلحق مجلس أحد أهل العلم فقيل له إلى هذا السن مع المحبرة فقال:”مع المحبرة إلى المقبرة” يعني أنا أستمر في طلب العلم إلى الوفاة ولم يمنعه سنه ولا قدره من طلب العلم وهذا الذي ينبغي لأن الإنسان إذا كان كبيرًا في السن ولم يحصل الفرض العيني من علم الدين بعد إذا استحيا أن يراه الناس يطلب العلم ماذا تكون نتيجة ذلك تكون نتيجة ذلك أنه قدم مرضاة الناس على مرضاة الله تكون نتيجة ذلك أنه استمر جاهلاً بعلم الدين تكون نتيجة ذلك أن يقع في المعاصي وهو لا يدري أنها معاصي تكون نتيجة ذلك أن لا يتوب من الذنوب لأنه لا يعرف أنها ذنوب تكون نتيجة ذلك أن يموت على حال غير مرضي عند الله لا سيما أن الشيخ الذي صار مسنًا صار قريبًا من الموت فهذا الحياء الذي يمنعه من الخير ليس الحياء المحبوب ليس الحياء الذي دعا إليه الشرع إنما هذا حياءٌ مذمومٌ لا يحبه الله ولا يحبه رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول:”نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن حيائهن من التفقه في الدين” حيائهن من الناس لم يمنعهن من طلب علم الدين من التفقه في الدين وكذلك قال مجاهدٌ رحمه الله: لا يعلم العلم مستحٍ ولا متكبر” المقصود بمستحٍ هنا هذا المتصف بالحياء المذموم الذي يمنع من الخير لأجل الناس مرضاةً للناس نسأل الله أن يسلمنا من مثل ذلك.
قال القارئ: إذا لم تستح فاصنع ما شئت
الشرح: فاصنع ما شئت ليس معنى هذا أنه إذنٌ في أن يفعل الإنسان ما يريد إذا كان غير متحلم بالحياء إنما هذا قيل فيه وجوه فيه أكثر من وجه لعل الأقرب أنه تهديدٌ ووعيد إذا لم تستح فاصنع ما شئت مثل قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} ليس معنى هذا ليس معنى هذه الآية أنه مأذونٌ للكافر أن يكفر وللعاصي أن يعصي إنما هذا تهديدٌ ووعيد كذلك قول الأنبياء السابقين: “إذا لم تستح فاصنع ما شئت” معناه يأتك العقاب على ما فعلت تجد عاقبة ما فعلت من الأمور التي تخالف شرع الله تعالى ومن الوقوع في المنهيات والمعاصي التي لم يحجزك عنها الحياء من الله عزّ وجلّ وهذا مثل ما جاء في الحديث: “من باع الخمر فاليشقص الخنازير” ليس معنى هذا الحديث الإذن في شقص الخنزير وفي بيع الخمر ليس معناه يجوز تقطيع الخنزير وبيعه كما أنه يجوز بيع الخمر إنما معنى هذا أن الذي يقع في هذه المعصية هو مثل الذي يقع في هذه المعصية كلاهما مستحقان لعذاب الله تبارك وتعالى معناه ليوطن نفسه على أنه مستحقٌ لعقوبة الله تبارك وتعالى فهو وعيدٌ لمن يفعل ذلك.
قال القارئ: رواه البخاري
الشرح: الحديث رواه البخاري وأبو داوود وابن ماجة وغيرهم والله تبارك وتعالى أعلم.