الشيخ سمير القاضي
شرح كتاب الأربعين النووية
الحديث الثالث والعشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين وأصلي وأسلم على سيد المرسلين محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
وأسأل ربّي عزّ وجلّ أن يرزقنا النية الخالصة كلامنا الآن على الحديث الثالث والعشرين من الاربعين النووية
اسماعيل حلاق: الثالث والعشرون
الشرح: يعني الحديث الثالث والعشرين
اسماعيل حلاق: عن أبي مالك الحارث بن عاصمٍ الأشعري رضي الله عنه
الشرح: المتوفى سنة ثلاثٍ وعشرين بالطاعون في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنهما
اسماعيل حلاق: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطُّهور شطر الإيمان
الشرح: الطُّهور شطر الإيمان المقصود بالطهور الطهارة عن الحدث الأكبر والأصغر وعن النجاسة هذا المراد بالطُّهور شطر الإيمان أي جزءٌ منه ولعل الأقرب أن الإيمان يراد به هنا الصلاة كما قال ربّنا عزّ وجلّ:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أي صلاتكم لما كانت الصلاة تحتاج إلى الطهارة من أظهر شروطها الطهارة جُعلت كأنها جزءان والطهارة أحد هذين الجزئين وهذا معروفٌ في لغة العرب يعني الشطر ليس دائمًا يكون بمعنى النصف إنما كل أمر يكون تحته جزءان العرب يقولون أحيانًا عن أحد الجزئين أنه شطره كما يقول العرب شطر السنة سفر وشطرها حضر ليس معناه نصفها على التمام سفر ونصفها حضر إنما المراد جزءٌ منها حضر وجزءٌ منها سفر كما جاء أيضًا في الحديث في الحديث القدسي:”جعلت صلاة بيني وبين عبدي شطرين” وليس المراد هنا أنهما نصفان متساويان على التمام إنما المراد أن الفاتحة جعلت الصلاة المراد بالصلاة هنا الفاتحة في الحديث المراد أن الفاتحة قسمٌ منها تمجيدٌ لرب وقسمٌ منها سؤالٌ من العبد.
هذا فإذًا كل شيءٍ تحته جزءان العرب يقولون عن أحد الجزئين نصف أو شطر ولا يعنون بهذا أنهما متساويان على التمام وعلى هذا المعنى جاء قولهم لا أدري نصف العلم وجاء قولهم إن الفرائض نصف العلم أي لأن العلم منه ما يتعلق بالإنسان قبل موته ومنه ما يتعلق بالإنسان بعد موته فالقسم المتعلق بالإنسان بعد موته هو الفرائض فيقال عنها بهذا الإعتبار نصف العلم.
إذًا الحديث الطهور شطر الإيمان أي نصفه أي جزءٌ منه والمراد بالإيمان الصلاة كأنها كأن الطهارة جزءٌ من الصلاة ويحتمل أيضًا أن يقال إن خصال الإيمان تطهر القلب قسم منها يطهر القلب وقسمٌ منها يطهر البدن وهو هذه الطهاره فلما كان قسمٌ منها يطهر البدن قيل عنه شطر الإيمان الله أعلم بمقصد رسوله عليه الصلاة والسلام لكن في كل حال لم يرد النبي عليه الصلاة والسلام بهذه المقالة إلا رفع شأن الطهارة وبيان فضلها وأهميتها وأن لها قدرًا عظيمًا عند الله تبارك وتعالى.
لذلك ينبغي على الإنسان أن يعتني بطهارتهِ ينبغي على الإنسان أن لا يهمل تعلم كيف تصح الطهارة حتى يؤدي هذه الطهارة على الوجه وينبغي أن يؤديها على الوجه الذي يكون له بها الثواب من الله تبارك وتعالى بأجتناب المكروهات بفعل ما ينبغي حتى تكون
طهارته عند الله تعالى مقبوله إذا كانت بهذه المرتبة العظيمة عند الله عزّ وجلّ فلا ينبغي أن يفرط بها الإنسان ولا أن يفرط بثوابها
قال رسول الله: والحمد لله
الشرح: يعني ثواب التلفظ بالحمد لله هذا المراد ثواب التلفظ بالحمد لله مع استحضار معناها بالقلب.
قال رسول الله: والحمد لله تملأُ الميزان
الشرح: تملأ كفة الحسنات الحمد لله تملأُ الميزان تملأ كفة الحسنات لأن حمد الله تعالى على نعمه يتضمن الاعتراف بربوبيته سبحانه وبعلمه عزّ وجلّ وبوحدانيته تبارك وتعالى وبقدرتة وبعظمته لما كان لفظ الحمد يتضمن كل ذلك كان التلفظ به مع إستحضار معناه يملأ كفة الحسنات وفي هذا الحديث إثبات الميزان الذي توزن به الأعمال في الآخرة وهو جسم كبير له عامود وكفتان توضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة وهو ميزان واحد توزن به حسنات العباد أم قول الله تعالى: {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ} المراد بذلك بهذا الجمع المراد به التعظيم هو ميزانٌ واحد لكن المراد بالجمع التعظيم نعم
قال رسول الله: وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأُ ما بين السموات والأرض
الشرح: وسبحان الله والحمد لله أي إذا ذكر الإنسان الذكر بسبحان الله والذكر بالحمد لله مع استحضار المعنى بالقلب يملأُ ما بين السماء والأرض أي لو قدر الثواب جسمًا لو قدر ثوابهما جسمًا لملأ ما بين السماء والأرض وذلك لأن سبحان الله تشتمل على تنزيه الله عن صفات النقصان فإذًا الحمد لله ذكرنا ما تشتمل عليه وسبحان الله معناها تنزه الله عن صفات النقص إذًا كلاهما تشيران إلى صفات المعاني الحمد لله فيها إشارةٌ إلى صفات المعاني وكنا ذكرناها صفة الحياة وصفة العلم وصفة القدرة وصفة الكلام والسمع والبصر والمشيئةِ الحمد لله تشير إلى صفات المعاني وسبحان الله تشير إلى الصفات السلبية التي تفيد نفي ما لا يليق عن الله تبارك وتعالى كصفة الوحدانية وعدم المشابهة للحوادث والقيام بالنفس هذه هذان اللفظان الذكران بما أنهما يشتملان على هذه المعاني كان ثوابهما بهذه المثابة لو قدر جسمًا لملأ ما بين السماء والأرض وهذا يدل على عظيم ثواب من ذكر الله تعالى بلفظ الحمد ومن ذكر الله تبارك وتعالى بلفظ التسبيح فلا ينبغي أن يفرط الإنسان في هذا الثواب.
وقد جاء في الحديث أنه من السنة أن يقول بعد الصلاة عشر مرات الحمد لله وعشر مرات سبحان الله وعشر مرات اللهُ أكبر وجاء أكثر من ذلك لكن هذا سهلٌ عدده ليس كبيرًا وثوابه ثوابٌ عظيم نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا لذلك.
قال رسول الله: والصلاة نور
الشرح: : والصلاة نور يعني الأقرب في معنى هذه الكلمة من الحديث الصلاة نور أنه يكون لصاحبها الذي يداوم على أدائها نورٌ يوم القيامة تكون هذه الصلاة نورًا وبرهانًا ونجاتًا له يوم القيامة كما هو ظاهر بعض الأحاديث جاء في الحديث أنها تكون نورًا ونجاتًا وبرهانًا لصاحبها يوم القيامة الله تبارك وتعالى يجعلنا من المحافظين عليها الذين يؤدونها على وجهها وهذه الصلوات الخمس التي أمر الله تبارك وتعالى بها عباده المؤمنين هذه الصلوات أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله فينبغي أن يؤديها الإنسان على الوجه الذي ينال بها الثواب من الله ينبغي أن يجتنب مكروهاتها لا ينبغي أن يضيع الإنسان هذا الثواب العظيم لا ينبغي أن يفرط به بعض الناس إذا قام ليصلي يصلي مسرعًا لا يسبح لا في الركوع ولا في السجود لا يكاد يطمئن لا يخشع إنما يريد أن يؤدي الفرض بأداء الواجبات مع عدم الإتيان بسنن ولو وقع في المكروهات فقط يريد أن يسقط الفرض عنه وهذا يكون ضيع على نفسه أعظم ثوابٍ يستطيع أن يحصله في يومه وليلته فينبغي على الإنسان أن لا يفعل ذلك إنما ينبغي أن يعتني بطهارة صلاته وأن يؤدي صلاته على ما ينبغي وكم يأخذ عليه هذا من الوقت لا يأخذ عليه وقتًا كثيرًا لا ينبغي أن تكون صلاته وطهارته في ءاخر أهتماماته إنما ينبغي أن يرتب برنامجه في اليوم والليلة على حسب ما يقتضيه أداء الصلوات على وجهها يعني أولا يفكر كيف يؤدي الصلوات على وجهها ثم بعد ذلك يرتب برنامجه لباقي أعماله في اليوم والليلة لأنه إذا لم يفعل ذلك وجعل الصلاة في ءاخر سلم أهتماماته ولم يؤدها على الوجه الذي هو مطلوب وفاته ثوابها يكون خسر خسارةً عظيمةً كبيرة كان بعض الروؤساء روؤساء الجمهورية كانت عادته حيث ما كان في أي مكانٍ كان مهما كان الذي يؤديه إذا دخل وقت الصلاة ترك ما فيه وقام فتوضأ وصلى وأدى الصلاة على وجهها ولا أظن رحمه الله تعالى ولا أظن أحدًا منا ينشغل مثل إنشغاله أمض.
قال رسول الله: والصدقة برهان
الشرح: والصدقة المراد بها الزكاة كما دل عليه بعض الروايات هذا الحديث برهان أي دليلٌ وحجةٌ على إيمان صاحبها الذي يؤديها لأن هذا الشخص بذل الآن بذل عاجلا بمقابل ما لا يحصل عليه إلا آجلاً ما لا يحصل عليه إلا في الآخرة ومن فعل ذلك كان هذا علامةً على محبته لله عزّ وجلّ وتعظيمه له بأنه بذل الآن في الدنيا الزكاة التي فرض الله طلبًا لثواب الله تبارك وتعالى في الآخرة.
قال رسول الله: والصبر ضياء
الشرح: الصبر بأنواعه الصبر منه ما هو واجب منه ما ليس واجبًا والواجب سبق أن ذكرنا أنه ثلاثة أنواع صبرٌ على أداء الطاعة وصبرٌ عن المعصية اجتنابًا للمعصية وصبرٌ على البلاء الذي ينزل بالإنسان فلا يتسخط على الله تبارك وتعالى فالصبر بأنواعه الصبر المفروض والصبر المندوب كلاهما نورٌ قوي تنكشف به ظلمات الكربات ويضيء لصاحبه ليستمر على طريق النجاة لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: “والصبر ضياء” مرتبة الصبر عظيمةٌ في الدين حتى جاء في بعض الأحاديث: “أن الإنسان ما أُعطي عطاءً أوسع من الصبر” “ما أُعطي عطاءً أوسع من الصبر”.
نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين الصابرين على طاعته الصابرين عن معصيته الصابرين على البلاء والصابرين على غير ذلك في مواطن الصبر ولا ينافي الصبر على البلاء إظهار الشكوى طالما لم يكن هذا اعتراضًا على الله إذا صبر الإنسان على البلاء واحتسب عند الله تبارك وتعالى ما نزل به لو أظهر الشكوى لا يكون هذا منافيًا للصبر ضد الصبر سيدنا أيوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وصفه الله تبارك وتعالى في القرءان بأنه صابر ومع ذلك ذكر ربّنا عزّ وجلّ عن أيوب أنه قال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} مسني الضر فشكا إلى الله تبارك وتعالى فلا ينافي أن يشكو الإنسان ما نزل به إذا لم يكن على وجه الإعتراض إذا لم يكن بطريقة تنافي الصبر تظهر أنه غير صابر على ما نزل به لا ينافي الصبر الذي يثاب عليه في الآخرة نعم.
قال رسول الله: والقرءان حجةٌ لك أو عليك
الشرح: حجةٌ لك إذا عملت بمقتضاه القرءان حجةٌ عليك إذا عملت بعكس ما يقتضيه نعم إذا خالفته.
قال رسول الله: كل الناس يغدو
الشرح: طيب قد تبين الرشد من الغي تبين فائدة الطاعة وتبين ضرر المعصية إذا كان الأمر كذلك ما حال الناس وصف النبي عليه الصلاة والسلام حال الناس قال كل الناس يغدو كل إنسانٍ يصبح وهو يسعى إلى أغراضه في كل يوم له أغراضٌ يسعى لتحصيلها كل إنسان هكذا يصبح ساعيًا إلى أغراضه نعم.
قال رسول الله: فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها
الشرح: فالناس بعد ذلك فريقان قسم يبيع نفسه رجاء إفتكاكها من أسر الذنوب رجاء إفتكاكها من العذاب يعمل حتى يفتك نفسه من الموبقات من المعاصي من الأمور التي تنقص رتبته وتضعه وتنزل بحاله ومن الناس من هو على العكس من ذلك من الناس من يسعى فيُغرق نفسه فيما يُهلكه ويدخل فيما يكون فيه في الآخرة خسارته من الناس من يسعى يبيع نفسه حتى يفتّك نفسه من أسر الشيطان من أسر المعاصي من غوائل الشيطان ومن الناس من يرمي نفسه في شباك الشياطين ويرمي نفسه في حفر المعاصي نسأل الله تبارك وتعالى أن لا يجعلنا ممن يبيع نفسه للشيطان قال الله تعالى {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}.
وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يا بني عبد مناف إشتروا أنفسكم من الله يا بني عبد المطلب إشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا عمة رسول الله يا فاطمة بنت محمد إشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا” أولًا بدأ النبي عليه الصلاة والسلام بذكر بني عبد مناف ثم بعد ذلك أنتقل إلى عشيرته الأقرب يا بني عبد المطلب ثم بعد ذلك إلى عمته وإلى ابنته يقول حتى أنتما إذا لم تؤمنا وتصدقا فإني لا أغني عنكما من الله شيئا فينبغي على الإنسان أن يسعى في شراء نفسه من الله تبارك وتعالى وقد أشترى جماعةٌ من السلف أنفسهم من الله بعضهم إشترى نفسه من الله بالتصدق بكل ماله خرج من كل ماله بعضهم خرج من نصف ماله بعضهم خرج من كل ماله أكثر من مرة بعضهم كان يتصدق بزنة نفسه فضة كم وزنه بمقدار وزنه يتصدق فضةً بعضهم كان يسبح كل يومٍ إثنتي عشرة ألف تسبيحة هذا مثل بعدد دراهم الديّة الناس في الماضي أعتادوا أن الذي قتل نفسًا إذا أراد أن يدفع ديتها يدفع أثني عشر ألف درهمًا ديّة نفسه فهو يكون يمثل نفسه كأنه قتلها وكأنه يدفع ديّتها كل يوم فيسبح إثنتي عشرة ألف تسبيحة ومنهم من فعل غير ذلك رجاء إفتكاك رقبته يوم القيامة حتى لا يقع حتى لا يهلك في الآخرة ولا يكون مصيره عذاب الله تبارك وتعالى.
كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه تعالى يقول:”إن الله عزّ وجلّ جعل الجنة ثمنًا لأنفسكم فلا تبيعوها بدون ذلك لا تبيعوا أنفسكم بغير الجنة”.
نعم الله يجعلنا ممن يقبل على الطاعة ويشتري نفسه من الله بطاعته عزّ وجلّ
اسماعيل حلاق: رواه مسلم
الشرح: رواه مسلم وغيره رواه الترمذي وأحمد والنسائي وغيرهم والله تبارك وتعالى أعلم.