fbpx

جامع الخيرات – الدرس 3

شارك هذا الدرس مع أحبائك

الثَّبَاتُ عَلَى عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ والْجَمَاعَةِ مَعَ ذِكْرِهَا مع ذكر هذه العقيدة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَصَلَوَاتُ اللَّهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ وَالْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ وَعَلَى ءَالِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ. أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ رَوَيْنَا بِالِاسْنَادِ الْمُتَّصِلِ الصَّحِيحِ فِى جَامِعِ التِّرْمِذِىِّ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ قَالُوا قَامَ فِينَا عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَلَا لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ اهـ قَالَ التِّرْمِذِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بَيَانُ أُمُورٍ مُهِمَّةٍ الأَوَّلُ أَهَمِيَّةُ اتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ نَقَلُوا الدِّينَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَلَوْلاهُمْ مَا عَرَفْنَا مَا هُوَ دِينُ اللَّهِ وَهُمُ الَّذِينَ نَقَلُوا إِلَيْنَا الْقُرْءَانَ وَهُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَحْىَ وَالتَّنْزِيلَ. الأَمْرُ الثَّانِى تَحْرِيمُ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَىْ تَحْرِيمُ أَنْ يَنْفَرِدَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ بِالْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ فِى مَكَانٍ لا يَرَاهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا. بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَبَبَ تَحْرِيمِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا فَإِنَّ أَكْثَرَ وَسِيلَةٍ لِلزِّنَا هُوَ الْخَلْوَةُ. عِنْدَمَا يَخْتَلِى رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ يَقْوَى عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ لِيَجُرَّهُ إِلَى الزِّنَا أَىْ يَسْهُلُ عَلَى الشَّيْطَانِ جَرُّ النَّاسِ إِلَى الزِّنَا فِى الْخَلْوَةِ مَا لا يَسْهُلُ عَلَيْهِ فِى غَيْرِ حَالِ الْخَلْوَةِ. وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِى حَدِيثِهِ هَذَا وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ اهـ هَذَا أَمْرٌ مِنْهُ ﷺ لِأُمَّتِهِ بِالتَّمَسُّكِ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّتِى عَلَمَّهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَحَابَتَهُ ثُمَّ هُمْ عَلَّمُوهَا مَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ أُولَئِكَ أَيْضًا عَلَّمُوهَا مَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى هَذَا الزَّمَنِ الَّذِى نَحْنُ فِيهِ. وَلا يَزَالُ هَذَا الِاعْتِقَادُ الَّذِى كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ بَيْنَ جُمْهُورِ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ. جُمْهُورُ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ عَلَى هَذَا الْمُعْتَقَدِ عَلَى تِلْكَ الْعَقِيدَةِ. فَالرَّسُولُ أَوْصَى أُمَّتَهُ بِأَنْ لا يَشِذُّوا عَنْ تِلْكَ الْعَقِيدَةِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا جُمْهُورُ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَىْ مُعْظَمُهُمْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ الَّتِى أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺبِالْتِزَامِهَا وَعَدَمِ الشُّذُوذِ عَنْهَا. الآنَ لَوْ تَجَوَّلَ إِنْسَانٌ فِى بِلادِ الْمُسْلِمِينَ فِى الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَالشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ يَجِدُ عُلَمَاءَهُمْ عَلَى عَقِيدَةٍ وَاحِدَةٍ. هَذِهِ أَنْدَنُوسْيَا مِائَةٌ وَسَبْعُونَ مَلْيُونًا [هَذَا عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ الْعَدَدُ عِنْدَ إِعْطَاءِ الدَّرْسِ]. عُلَمَاؤُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْعَقِيدَةِ الأَشْعَرِيَّةِ الَّتِى هِىَ عَقِيدَةُ الصَّحَابَةِ. إِنَّمَا سُمِّيَتِ الأَشْعَرِيَّةَ لِأَنَّ الإِمَامَ أَبَا الْحَسَنِ الأَشْعَرِىَّ قَرَّرَ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ بِالأَدِلَّةِ الْقُرْءَانِيَّةِ وَالْحَدِيثِيَّةِ وَبِالأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِأَنَّهُ كَثُرَ فِى ذَلِكَ الزَّمَنِ أُنَاسٌ شَذُّوا عَنْ تِلْكَ الْعَقِيدَةِ فَانْتَدَبَ هَذَا الإِمَامُ الْعَظِيمُ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْمُكَافَحَةِ وَالدِّفَاعِ عَنْ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ بِبَيَانِ أَدِلَّتِهِمْ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ وَمِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ فَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْعَقِيدَةُ الَّتِى هِىَ عَقِيدَةُ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ إِلَى عَصْرِ الإِمَامِ أَبِى الْحَسَنِ الأَشْعَرِىِّ الْعَقِيدَةَ الأَشْعَرِيَّةَ فَصَارَ مَنْ بَقِىَ عَلَى عَقِيدَةِ الصَّحَابَةِ يُسَمَّى أَشْعَرِيًّا وَلَمْ يَأْتِ هُوَ بِأَصْلٍ فِى الْعَقِيدَةِ يُخَالِفُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَإِنَّمَا هُوَ تَوَسَّعَ بِبَيَانِ الأَدِلَّةِ لِإِخْمَادِ ضَلالاتِ أُولَئِكَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ وَالطَّبَائِعِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكَفَرَةِ. أَدْحَضَ شُبَهَهُمُ الَّتِى هُمْ يَحْتَجُّونَ بِهَا وَبَيَّنَ أَنَّهَا زَائِفَةٌ لَيْسَتْ فِى شَىْءٍ. اللَّهُ تَعَالَى أَعْطَاهُ قُوَّةً فِى الْبَيَانِ وَقُوَّةً فِى الْعَقْلِ حَتَّى كَسَرَ أُولَئِكَ الشَّاذِّينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَالْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ. وَالْيَوْمَ هِىَ الْعَقِيدَةُ الَّتِى عَلَيْهَا مِئَاتُ الْمَلايِينِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. عُلَمَاءُ أَنْدَنُوسْيَا وَمِصْرَ وَبَرِّ الشَّامِ كُلِّهِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ وَتُرْكِيَا وَأَفْغَانِسْتَان وَالْهِنْدِ وَالسِّنْدِ وَإِفْرِيقْيَةَ وَالْحَبَشَةِ وَالصُّومَالِ وَجَنُوبِ إِفْرِيقْيَةَ كُلُّهُمْ عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ الَّتِى تُسَمَّى الْيَوْمَ الأَشْعَرِيَّةَ [وَمُرَادُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا يَشْمَلُ الْمَاتُرِيدِيَّةَ أَيْضًا لِأَنَّهُ لا خِلافَ فِى أُمَّهَاتِ الْمَسَائِلِ الْعَقَائِدِيَّةِ بَيْنَ الأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ وَلَيْسَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِى أَيَّامِنَا إِلَّا هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ] وَهِىَ عَقِيدَةُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ إِلَى أَنْ وَصَلَتْ إِلَى عَصْرِ سَيِّدِنَا أَبِى الْحَسَنِ الأَشْعَرِىِّ ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ وَثَبَتَتْ بَيْنَ جُمْهُورِ الأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا. وَهَذِهِ الْعَقِيدَةُ هِىَ إِثْبَاتُ وُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِى لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَأَنَّ كُلَّ شَىْءٍ سِوَى اللَّهِ كَانَ مَعْدُومًا ثُمَّ صَارَ مَوْجُودًا. مَادَّةُ الْعَالَمِ وَأَشْخَاصُهُ كُلُّ ذَلِكَ حَادِثٌ لَيْسَ شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَدِيمًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى. فِى الأَزَلِ لَمْ يَكُنْ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى لا نُورٌ وَلا ظَلامٌ وَلا مَكَانٌ وَلا زَمَانٌ لِأَنَّ الزَّمَانَ هُوَ مُقَارَنَةُ شَىْءٍ مُتَجَدِّدٍ بِمُتَجَدِّدٍ ءَاخَرَ وَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ أَمَّا مَا سِوَاهُ كُلٌّ كَانَ مَعْدُومًا فَالزَّمَانُ وَالْمَكَانُ حَادِثَانِ لَمْ يَكُونَا فِى الأَزَلِ وَكَذَلِكَ النُّورُ وَالظَّلامُ وَالْهَوَاءُ. هَذَا مِنْ جُمْلَةِ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَالأَمْرُ الثَّانِى أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُشْبِهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُشْبِهُ شَيْئًا مِنَ الْعَالَمِ لَمْ يَكُنْ خَالِقًا لِلْعَالَمِ وَأَنَّ كُلَّ شَىْءٍ يَتَحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ حَادِثٌ وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ. إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا زَيَّفَ عَقِيدَةَ أَهْلِ بَلَدِهِ وَكَانَ هُوَ بِبَابِلَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ وُلِدَ هُنَاكَ وَكَانَ أَهْلُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْبَشَرِ فِى ذَلِكَ الزَّمَنِ كُلُّهُمْ عَلَى الْكُفْرِ إِلَّا ابْنَ أَخِيهِ لُوطًا عَلَيْهِ السَّلامُ وَزَوْجَتَهُ [أَىْ زَوْجَةَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ] سَارَةَ فَكَانَا مُسْلِمَيْنِ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْبَشَرِ كَانُوا كُفَّارًا كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوْكَبَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، احْتَجَّ إِبْرَاهِيمُ وَاسْتَدَّلَ عَلَى بُطْلانِ عِبَادَةِ هَؤُلاءِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوْكَبِ بِأَنَّهُمْ يَتَحَوَّلُونَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ أَىْ أَنَّكُمْ يَا قَوْمُ تَعْبُدُونَ شَيْئًا يَتَحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. الشَّمْسُ تَتَحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَالْقَمَرُ يَتَحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَالْكَوْكَبُ كَذَلِكَ. كَيْفَ يَصْلُحُ هَؤُلاءِ أَنْ يَكُونُوا مَعْبُودِينَ إِنَّمَا الْمَعْبُودُ الْحَقُّ هُوَ الَّذِى يَحُولُ هَؤُلاءِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ لِأَنَّهُ لا يَجُوزُ فِى الْعَقْلِ أَنْ يَكُونُوا هُمْ خَلَقُوا أَنْفُسَهُمْ وَلا أَنْ يَكُونُوا هُمْ يُحَوِّلُونَ أَنْفُسَهُمْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. فَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الإِلَهَ لا يَتَحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ يُحَوِّلُهُ. لَوْ كَانَ يُشْبِهُ الْعَالَمَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ لَكَانَ مِثْلَ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَاحْتَاجَ إِلَى خَالِقٍ أَوْجَدَهُ. كَذَلِكَ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ تَنْزِيهُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنِ الْمَكَانِ وَعَنِ الْجِهَةِ وَعَنْ كُلِّ صِفَاتِ الْعَالَمِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. هَؤُلاءِ أَهْلُ السُّنَّةِ يَرَوْنَ الْقُرْءَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ. يَرَوْنَ أَنَّ قِسْمًا مِنْهُ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ قِسْمًا مِنَ الْقُرْءَانِ لا يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَعَانٍ تَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مِنْ أَوْصَافِ الْخَلْقِ. الإِمَامُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ مَا حَمَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْفَجْرِ ﴿ كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ عَلَى أَنَّ هَذَا مَجِىءٌ حِسِّىٌّ لِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِحَرَكَةٍ وَانْتِقَالٍ إِنَّمَا فَسَّرَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْفَجْرِ ﴿وَجَاء رَبُّكَ﴾ بِقَوْلِهِ جَاءَتْ قُدْرَتُهُ [رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ فِى مَنَاقِبِ أَحْمَدَ وَابْنُ الْجَوْزِىِّ فِى مَنَاقِبِ أَحْمَدَ]. وَمَرَّةً قَالَ جَاءَ أَمْرُهُ [رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِىِّ عَنْهُ فِى كِتَابِهِ كَشْفُ الْمُشْكِلِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ] وَلَوْ كَانَ مَجِىءُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَرَكَةِ وَالِانْتِقَالِ لَوْ كَانَ يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِانْتِقَالُ مِنْ فَوْقٍ إِلَى سُفْلٍ كَمَا يَجُوزُ عَلَى الْمَلائِكَةِ مَا قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ أَىْ جَاءَتْ قُدْرَتُهُ مَا كَانَ قَالَ جَاءَ أَمْرُهُ. ذَلِكَ الْيَوْمَ الْمَلائِكَةُ يَنْزِلُونَ مِنْ فَوْقٍ إِلَى تَحْتٍ بِكَثْرَةٍ. مَجِىءُ الْمَلائِكَةِ بِالْحَرَكَةِ لِأَنَّهُمْ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَالْبَشَرِ فِيهِمْ صِفَاتُ الْخَلْقِ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِانْتِقَالُ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ ثُمَّ الصُّعُودُ مِنْ سُفْلٍ إِلَى فَوْقٍ هَذَا شَىْءٌ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ. لَكِنْ لِمَاذَا لَمْ يَتْرُكِ الإِمَامُ أَحْمَدُ الآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا لِمَاذَا مَا قَالَ الْمَجِىءُ مَعْرُوفٌ اللَّهُ يَجِىءُ وَالْمَلائِكَةُ يَجِيئُونَ. لِمَاذَا لَمْ يَحْمِلِ الآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا بَلْ هَرَبَ مِنْ هَذَا [أَىْ تَرَكَ الْحَمْلَ عَلَى الظَّاهِرِ] إِلَى تَأْوِيلِهَا بِمَجِىءِ الْقُدْرَةِ وَمَجِىءِ أَمْرِهِ لِمَاذَا. لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ عَقِيدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَقِيدَةَ أَهْلِ الْحَقِّ الَّتِى نَقَلَهَا الصَّحَابَةُ عَنِ الرَّسُولِ هِىَ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ. فَإِنْ قَالَ وَهَابِىٌّ كَيْفَ يَكُونُ اللَّهُ مُنَزَّهًا عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، وَاللَّهُ حَىٌّ وَالْحَىُّ لا بُدَّ أَنْ يَتَحَرَّكَ إِذًا اللَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَتَحَرَّكَ. قُلْنَا هَذَا كَلامٌ سَخِيفٌ بَلْ هُوَ كُفْرٌ فَلَيْسَ فِى الْعَقْلِ وَلا فِى الشَّرْعِ مَا يَقْضِى بِأَنَّ الْحَىَّ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا. هُمْ يَقُولُونَ الإِمَامُ أَحْمَدُ إِمَامُنَا وَهُمْ كَاذِبُونَ. هُمْ يَقُولُونَ اللَّهُ يَنْتَقِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ فَوْقٍ إِلَى تَحْتٍ وَأَحْمَدُ يَقُولُ تَجِىءُ قُدْرَتُهُ. ثُمَّ عَقْلُ الْبَشَرِ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَصَوَّرَ مَوْجُودًا لَيْسَ مُتَحَرِّكًا وَلا سَاكِنًا لَكِنْ لا بُدَّ أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ شَىْءٌ مَوْجُودٌ لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَصَوَّرَهُ مَا هُوَ. قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ النُّورُ وَالظَّلامُ عَقْلُ الإِنْسَانِ مَهْمَا حَاوَلَ أَنْ يَتَصَوَّرَ وَقْتًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نُورٌ وَلا ظَلامٌ يَعْجِزُ لَكِنِ اعْتِقَادُ هَذَا وَاجِبٌ لِأَنَّ الْقُرْءَانَ أَثْبَتَ ذَلِكَ، اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ أَىْ خَلَقَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ أَىْ لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَوْجَدَهُمَا بَعْدَ أَنْ كَانَا مَعْدُومَيْنِ وَكَانَ قَبْلَهُمَا الْمَاءُ الَّذِى هُوَ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الظُّلْمَةُ وَالنُّورُ. عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الإِنْسَانُ أَىْ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ لَيْسَ مُتَحَرِّكًا وَلا ثَابِتًا مَوْجُودٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا أَوْ مُتَحَيِّزًا فِى مَكَانٍ أَوْ فِى جَمِيعِ الأَمْكِنَةِ أَوْ فِى جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَوْ فِى جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ فَوْقٍ وَتَحْتٍ وَيَمِينٍ وَشِمَالٍ وَأَمَامٍ وَخَلْفٍ وَإِنْ كُنَّا لا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَصَوَّرَ هَذَا الْمَوْجُودَ بِالتّمْثِيلِ فِى الْقَلْبِ وَالتَّشْكِيلِ، لِذَلِكَ قَالَ إِمَامَا أَهْلِ السُّنَّةِ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالإِمَامُ ذُو النُّونِ الْمِصْرِىُّ وَكَانَا [أَىْ كَانَ مَوْلِدُهُمَا] فِى الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَالا مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فَاللَّهُ بِخِلافِ ذَلِكَ اهـ [رَوَاهُ عَنِ الإِمَامِ ذِى النُّونِ الْمِصْرِىِّ ابْنُ عَسَاكِرَ فِى تَارِيخِ دِمَشْقَ وَرَوَاهُ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ حَمْبَلٍ أَبُو الْفَضْلِ التَّمِيمِىُّ فِى كِتَابِهِ اعْتِقَادُ الإِمَامِ الْمُبَجَّلِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ] مَعْنَاهُ إِنْ تَصَوَّرْتَ اللَّهَ ضَوْءًا فَهُوَ لَيْسَ ضَوْءًا وَإِنْ تَصَوَّرْتَهُ ظَلامًا فَهُوَ لَيْسَ ظَلامًا وَإِنْ تَصَوَّرْتَهُ سَاكِنًا فَهُوَ لَيْسَ سَاكِنًا وَإِنْ تَصَوَّرْتَهُ كَمِيَّةً كَبِيرَةً ضَخْمَةً أَكْبَرَ مِنَ الْعَرْشِ فَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ تَصَوَّرْتَهُ كَمِيَّةً صَغِيرَةً فَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ. يَنْبَغِى أَنْ يُفْهَمَ هَذَا حَتَّى يَعِيشَ الإِنْسَانُ عَلَى عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّتِى تُوَافِقُ الْعَقْلَ وَالْقُرْءَانَ الْكَرِيمَ. الْقُرْءَانُ الْكَرِيمُ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ فَهُوَ لا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الشُّورَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾. لَوْ كَانَ اللَّهُ فِى جِهَةٍ أَوْ فِى مَكَانٍ مِنَ الأَمَاكِنِ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ. نَحْنُ لَنَا أَمَاكِنُ وَكَذَلِكَ الْكَلْبُ وَالْجِنُّ وَالْخِنْزِيرُ وَالْمَلائِكَةُ لَهُمْ أَمَاكِنُ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْكَوَاكِبُ مَكَانُهَا هَذَا الْفَضَاءُ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ لَهُ مَكَانٌ لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ كَثِيرٌ لا يُحْصَوْنَ عَدَدًا.